الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


واحد + واحد= ثلاثة

سامي فريدي

2014 / 12 / 31
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


سامي فريدي
واحد + واحد= ثلاثة
(عمانوئيل 9)

الفعل وردّ الفعل، الأبيض والأسود، الصورة والانعكاس، الحقيقة والنقيض.. مبتكرات قديمة، أكل الدهر عليها وعفا، وهي من بقايا مثنوية التفكير التي ما زالت سائدة وفاعلة لليوم.
مزج لونين لا ينتج لونا ثالثا، وانما تدرجات لونية متعددة، وكلّ تدرج لوني هو لون. الاتحاد الجنسي لأنثى وذكر لا ينتج بالضرورة مولودا، وانما واحدا من احتمالات عديدة، قد يكون أكثر من واحد، وقد يكون صفرا. هذه المنظومة المعرفية صرمت تاريخا طويلا من عمر الأرض والانسان، اللذين هما في صيرورة ونمو مستمرين. وإذا كان الانسان لا يرضع الحليب طيلة عمره، ويتغير غذاؤه وحجمه وشكله ولونه وتفكيره، فلماذا لا تتغير المنظومة الفكرية والمعرفية التي عاش فيها أجداده الذين لو التقاهم اليوم ما عرفوه ولا هو احتملهم.
"كلّ شيء إلى التجدد ماضٍ.. فلماذا يقرّ هذا القديمُ"
لذلك يعيش الانسان في أزمة خانقة، وكلّما تطورت قدراته العقلية ومجالات تفكيره ازدادت حدّة الأزمة والاختناق، وأمراض الكآبة والتوحد والاغتراب. فالانسان المعاصر ما يزال أسير فكرة المثنوية الاغريقية: [إمّا.. أوْ]. النظرية التي تقوم على احتمالين فقط، لا ثالث لهما. أي غياب اللون الرمادي – كما يقال-. لكن الحقيقة لا تتجاوز الأبيض والأسود فحسب، وانما تتجاوز الأبيض والأسود والرمادي، إلى ما لا نهاية له من الاحتمالات.
ذات زمن عتيق قال لي صديق عزيز كمن يسرّ بكشف عظيم: أتعرف.. ليس ثمة آدم واحد فقط بل أكثر، وهناك من يرجح الرقم [سبعتا/ زيبتا (سبت)!]. واليوم يعتقد عدد أكبر من علماء التوراة أن عبارة [وَكَانَتِ الأَرْضُ خَرِبَةً وَخَالِيَةً، وَعَلَى وَجْهِ الْغَمْرِ ظُلْمَةٌ، وَرُوحُ اللهِ يَرِفُّ عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ.] لا تقطع المعنى بأن تلك كانت المرة الأولى للخليقة، قدر ما ترجح (إعادة التشكيل واصلاح الخراب). وهذا يعني أن نظرتنا للكون والحياة غير صحيحة، ولا يوجد ما يؤكدها غير العجز الفكري.
"الاقرار في الاختيار عجز!"
فلا الأرض كانت بكرا لم تعرف غيرنا، ولا آدم كان أول البشر. ولا سند للادعاء أن كلّ البشرية اليوم هي من نسل وأصل واحد.
"إن كان كلّ الماء من مصدرٍ.. فليس كلّ الناس من آدمِ"
بل أن ميثولوجيا الطوفان تؤكد فكرة وجود بشر قدماء (من قبل-) ومحدثين بعد- الطوفان. وبعدما نسفت (نسبيّة) اينشتاين جمود التفكير النمطي، كشف هوكينغ عدم وجود حدود نهائية للكون وأنه ليس مربعا أو دائريا ولا يمت لصورة هندسية متعارفة.
فيا لهشاشة معارفنا ومعتقداتنا وأفكارنا ومناقشاتنا وخلافاتنا الغبية – حسب توصيف بولس-!. كم نحن بحاجة لمزيد من التواضع والمرونة والانفتاح على التعلم والاستماع والتأمل، بدل اللغو واعتياد العنف وجدل العميان!.
الأبنية الحديثة تعتمد الزجاج كمادة رئيسية في البناء، وتصاميم المعمارية زها حديد تنحاز أكثر فأكثر للتصوّر الفني منه إلى الهندسة التقليدية. من كان يتصوّر قبل اليوم أن عمارة سكنية يمكن أن تكون في صورة حذاء نسائي مرتفع، أو أن جسرا بطول عدة أميال يكون بصورة صحن طائر. لقد شكلت رسوم سلفادور دالي وبيكاسو ثورة فنية في وقتها، ولكن العالم يعيش السوريالية واللامعقول والغرائبية السحرية في حياته اليومية الراهنة. ومنذ سنوات يتم التخطيط للاستيطان في المريخ ومارس وربما القمر ولن ينتهي القرن الحالي قبل أن تتحول فصول كثيرة من أفلام وقصص الخيال العلمي إلى واقع. [بغرور مفتعل نتجاوز مستحدثات تكنولوجيا القرن العشرين من سيارات وطائرات وخطوط تلفون وطاقة كهربائية حتى أجهزة الكمبيوتر والاتصالات الالكترونية والفضائية التي لم يمض عليها عقد ونيّف، كأنها استهلكت وتبدو كلاسيكية لأطفال اليوم.].
ان امكانياتنا المتناميةـ وكلّ ما يزعمه الانسان من معارف علمية أو دينية، والتزامه الأعمى باتباع تقاليد ومراسيم وطقوس متوارثة، لم تنقذه من مشاعر الفراغ والاضطراب النفسي في داخله، وما يتناهبه من خواطر ولحظات تلقي به في مهاوي العدم أو تحرّضه على التدمير. وكلّها بسبب هشاشة ونقص دقة الأسس والقواعد التي تحمل معارفنا ورؤانا وحياتنا. ولو كان أحد أركان معارفنا وعقائدنا صورة عن حقيقة أكيدة.. لكانت لنا أجنحة ترفعنا للأعلى، وما تمادى بنا الانحطاط حتى لنعجز عن مقاومته أو رؤية نهاياته.
في العهود المظلمة من عمر البشرية، عندما كان الجهل والخرافة هما الأكثر سيادة، انحازت المعارف الأولية لتأخذ الطابع الجمعي والتعسفي لتدفع بمركبة البشرية للأمام. ووجدت الجيوش والامبراطوريات فرض برامج التمدين والتنوير واجبا اخلاقيا، اقتضاها التدخل في التوزيع الدمغرافي للسكان وانشاء مدن ومستوطنات جديدة تستوعب البرامج الحضارية. وعالمنا المعاصر يشهد تناميا مضطردا – ولا أقول مدفوعا ومخططا- في معدلات الهجرة وحركة السكان – أفرادا وجماعات- بين أطراف الأرض والمراكز. ولهذه التنقلات أثر كبير في مسائل التنوير والتحرير، سيما للأجيال الثانية والثالثة من المهاجرين. لكن هذه التنمية الحضارية لا تعفي الفرد من مسؤوليته في السعي وراء التجديد ومضاعفة جهده العقلي لامتلاك رؤية غير مسبوقة، وليس مجرد انتظارها على قارعة الزمن، تلك التي لن تتوانى في سحق الكثيرين.
*








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل باتت الحرب المفتوحة بين إسرائيل وحزب الله أقرب من أي وقت


.. حزمة المساعدات الأميركية لأوكرانيا وإسرائيل وتايوان..إشعال ل




.. طلاب جامعة كولومبيا الأمريكية المؤيدون لغزة يواصلون الاعتصام


.. حكومة طالبان تعدم أطنانا من المخدرات والكحول في إطار حملة أم




.. الرئيس التنفيذي لـ -تيك توك-: لن نذهب إلى أي مكان وسنواصل ال