الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوثوب والركود العقلي

مؤيد الحسيني العابد
أكاديمي وكاتب وباحث

(Moayad Alabed)

2015 / 1 / 1
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الوثوب والركود العقلي


لا أتّفق مع الكثير عن أنّ مشاكلنا أمنيّة وإقتصاديّة، فحسب!
لا تستغربْ!
أنا أعاني من هذا الوضع مثلما أنت تعاني يا عزيزي. أقول أنّ المشكلةَ هي أخلاقيّة تأريخيّة، بالدرجة الأساس. الأخلاق التي بات الكثير من حملة المال الحرام ومجهول الوسيلة! يتلاعب بها ويظهر لنا ما كان خافياً للضّرورة، فيصبح في الإباحيّات المضرّة! كثير من أصحاب التجارة بهكذا طريق، من يشجّعه على المضي في الإفساد! ونشر النكوص في الأخلاق! وهي عقد قديمة لا مجال للتغافل عنها كما لا يمكن التغافل عن أنّ الصراع بين المدنيّة والبداوة بلغ ذروته! تدمير ممنهج لسورية والعراق ومصر، دول الحضارة والعلم والأفق المستقبليّ الذي كان له أن يتقدّم وسط الصراع المدنيّ البدويّ، كما قلنا!
لقد أطلقتُ على العمليّة التي أدّت وتؤدّي الى ذات المشكلة التي يعاني منها مجتمعنا العراقيّ والمجتمعات الحضريّة الأخرى. العمليّة التي أريدُ توضيحها من وجهة نظريّ، هي: الوثوب والركود العقليّ!
لو قرأتَ القول الكريم (أفلا يتدبرون القرآن..) ألا تلاحظ كلمة التدبّر، كم هي عقليّة، مستغرَقة في العقليّة الحقّة! أوليست وثوبا عقليّاً لنبلغ من خلاله (أي الوثوب) مبالغ عالية وسامية. ففي التدبّر سعي كبير لبلوغ المرام، بل والتقدم على الدوام. وهنا يكون إبراز معنى من خلال المعنى المناقض ضرورة للتبيان! فلو أخذنا معنى الركود، عكس الوثوب مثلاً، سيكون معنى الركود أصل كلّ الشّرور(حتى في الفيزياء نقول أنّ الركود أو الإستقرار في الذرّة أو النويّة لا تجعل الذرّة أو نواتها في حالة تفاعل لأنّها في الإستقرار راكدةً كسولة، إلّا من طاقة تحفّزها لتجعلًها في وضع متهيّج كي تدخل في تفاعل ما، ويمكن القول أنّ في تفاعلها خيراً وفي عدم تفاعلها شرّ، إنْ أخذنا الأمر في البعد الأخلاقيّ مثلا ولا مواربة من المزج!). والركود يشير الى الأشياء التي لاتتحرك او تكون حركتها مقيدة، وهنا يطرح سؤال: لو كان هناك نهر يجري بهدوء وسلاسة جميلة، اوليس النهر في ركوده، اجمل من هيجانه؟! فلم كل ركود شر؟! اقول ان النهر في جريانه متهيّج الجزيئات ولا مكان للركود فيه فحركته الجميلة الهادئة هي عنيفة في الداخل فلا ركود فيه، فالجمال الذي تقوله في حركته البسيطة انما بالمقارنة مع حركتنا العالية انّها النسبية لا اكثر! فلو اردت ان تعيق حركته من خلال صخرة في جريانه، ماذا يكون الجواب؟ اوليس ثورة من ثورات جزيئاته التي تنقلك من حالة الى حالة فعل القوة الكبير التي تشكل شلالاً تستخرج منه طاقة تشغل بها جهازك الذي تقرأ به مقالتي هذه التي ربما ازعجَتْك من نقلك من سير الى سير آخر! إعذرني!
قس نهرك بقياس آخر، هو ان تقارن بين حركته الجميلة وركوده الذي سيجعل من طحالب المحيط وعوالق الارض وحشرات النتانة ان تزرع فيه المرض والاثر المَرَضيّ. ما احلى المياه العذبة والنظيفة التي يفتقد لها الملايين في وطننا الان والملايين تعيش في نزوح مفروض عليهم من الارهاب البدويّ الداعشيّ ومن اقامات في خيم واماكن لا تصلح، الا لغيرهم ممّن فرض عليهم هذه الحياة البائسة!
والمبكي المؤلم، إنّ ابن البداوة المتخلّف، يلعب على حبال الركود والوثوب العقليّ ايضاَ من خلال التشكيك بانتماء اهل الارض الاصلاء بعراقيّتهم وبشرقيّتهم وبإنسانيتهم، وهم اهل البلد الذين يعيشون فيه آلاف السنين، وهم أصله، وأقصد أهل المسيحيّة الشرقيّة الاصيلة الذين عاشوا في هذه الارض قبل ان يقدم اجداد الارهابيين من اقوام مجهولة الاصل والجغرافية الى ارض الجزيرة!!
أهل الارض الاصلاء يسكنون في خيام اقل ما يقال عنها بائسة، أكثر بؤسا من وجوه كالحة اضطهدتهم وابعدتهم عن ارضهم الطيبة!
الركود ايها العزيز انّما هو سبب ألم كبير يجتاح الجسم ويدمّر العافية، وربّما يستمرّ هذا الركود طويلاً! في بلادنا للسبب نفسه من تراجع في الأخلاقيّة، وهذا التراجع هو جزء خطير من الركود العقليّ! وإلاّ كيف تفسّر وجود موظّفة بسيطة في وزارة، توقِف العديد من الملفّات وفق نوازع لا يعرفها إلّا من عثر على جسيم هيغز الضائع منذ ستينيات القرن الماضي!! وربّما سنعثر نحن على تفسير من الوزارة عن الركود الذي يعصف بالوزارة منذ سنين! رغم تغيّر الأوجه!؟ أو كيف تفسّر وزيراً أو وكيلاً أو مديراً، كان في زمان مضى يعتاش على الخير والصدقات، في طرقات المهجر، يتحوّل في أيام أو أشهر بسيطة الى محتال وسارق ودجّال ومضطهِد لأبناء جلدته الفقراء؟! أوليس هذا ركوداً عقليّاً وأزمة ضميريّة؟!
لقد قيل عن الركود في الطاقة هو الإستقرار للمادة أو ربّما تقترب هذه المادة من الإستقرار المذكور. لكنّني أجزم أنّ الركود في طاقة الموظّف في بعض الأماكن في العراق تجعله أكثر نفيراً الى الله من غيره! لاتتعجّب فالكثير من هؤلاء يؤدون الشعائر بدقّة متناهية ويؤدون كلّ ما يتتطلب من المؤمن إلّا العمل الخيّر لخدمة الناس!! وهذه كما يرون ليست ضرورة طالما هو في طريق يؤدي به الى تكبير الجيب يوما بعد آخر، وليس تكبيراً لشيء آخر والعياذ بالله (لاتسيء الظنّ بي أيّها العزيز، رعاك الله)!
لقد قيل كذلك أنّ الركود في دورة الدم يؤدي في الجسم الحيّ الى التورّم والإلتهاب وربّما التصلّب في الشرايين أو غير ذلك! لكنّ الركود عند بعض الموظفين كما أشرتُ الى تلك الموظفة المبجّلة! قد لعب دورا كبيرا في تطويرها ومن حولها حينما إنقطعت عن العمل لأسباب لا نعرفها وإختفت مع ملفات العديد من المراجعين! ربّما لأسباب تتعلّق بعُمْرة أو زيارة أو غير ذلك! والتطوير الذي أكتب عنه قد سبّب للكثير من ذوي العقل الصداع والإحباط من وطن يلعب به صبية من هذا النوع، ولا أثر لوجود أحد يفعّل نشاط العمل! بالأساليب العقليّة والمنطقيّة.
لقد نصَحَنا بعض الأصحاب لممارسة اليوغا (الرياضة الفكريّة والروحيّة علاوة على الجسديّة!) والدعاء الى الربّ الكريم أن يفكّ أسر المظلومين، ولكنّ الله لا يغيّر ما في نفوسنا إذا لم نغيّر نحن بأنفسنا (إنّ الله لايغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم).
لا أطيل عليكم في هذا اليوم الذي تستقبلون فيه عاماً جديداً نرجو من الباري المقتدر والرؤوف أن يسعدَكم وإيّانا بعام 2015 بعيداً عن الركود كي ننتقل الى الوثوب في كلّ جوانبه إلّا من الإعتداء على حقوق الله وحقوق الغير. وكل عام وأنتم بنهوض وسعادة، ومحبّيكم.

د.مؤيد الحسيني العابد
Mouaiyad Alabed








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ينهي الرد المنسوب لإسرائيل في إيران خطر المواجهة الشاملة؟


.. ما الرسائل التي أرادت إسرائيل توجيهها من خلال هجومها على إير




.. بين -الصبر الإستراتيجي- و-الردع المباشر-.. هل ترد إيران على


.. دائرة التصعيد تتسع.. ضربة إسرائيلية داخل إيران -رداً على الر




.. مراسل الجزيرة: الشرطة الفرنسية تفرض طوقا أمنيا في محيط القنص