الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نظرية الاقمشاركة

محمد خضر خزعلي

2015 / 1 / 4
السياسة والعلاقات الدولية



الاقمشاركة ، نظام اقتصادي بديل لرأسمالية ، فالرأسمالية ومن وجهة نظر مايكل البرت هي نظام يقوم على عدم العدالة في التوزيع ، والتبادل غير المتكافئ ، الامر الذي يزيد من قوة الاقوياء وغنى والاغنياء ، ويزيد من فقر الفقراء وضعف الضعفاء... الامر الذي يعمق الفوارق بين الطبقات بشكل مستمر ، فالاتساع ما بين الطبقات سيستمر الى الحد الذي يهدد فيه هذا الاتساع النظام العالمي بأكمله .
فالتعامل في السوق الدولي الحالي قائم اساسا على النظرية الصفرية zero sum game فكل فاعل يتقدم على حساب الفاعل الاخر ، فمنطق " انا اولا" هو منطق ينمي العداوة بين الفاعلين ويقضي على آليات التضامن فيما بينهم. يتضح مثلا ، ان الولايات المتحدة وفي القرن الحادي والعشرين يمتلك فيها 2% من السكان حوالي 60% من الثروة ، في حين ان مجموع كل سكان الولايات المتحدة بالنسبة للعالم ككل هو 3% ، بينما نسبة الاستهلاك الامريكي مقارنة بالاستهلاك العالمي هو النصف تقريبا...!
وهنا يتساءل مايكل البرت في كتابه "الحياة بعد الرأسمالية" عن قدرة الرأسمالية على الحياة ! ، ويتضح ان هذه القدرة لن تستمر طويلا ، نظرا لأن عولمة النظام الرأسمالي ادت الى خمس نتائج فادحة :
1- ادت الى عولمة الفقر لا عولمة العدالة.
2-كما ادت ايضا الى عولمة الجشع لا عولمة التضامن .
3-وعولمة المطابقة لا عولمة التنوع .
4-وعولمة الخضوع لا عولمة الديمقراطية .
5-وعولمة السلب والنهب لا عولمة الاستدامة.
وهنا يرفض مايكل البرت النظام الرأسمالي والنظم البديلة عنها مثل نظام اشتراكية السوق ، او الاشتراكية المخطط لها مركزيا ، ويقدم نظاما جديدا يرى فيه القدرة على تحقيق المصلحة العامة ، وتحقيق العدالة الاجتماعية محليا وعالميا ، فالرأسمالية خلافا لما نعتقد لم تعد قادرة على تحقيق الحد الادنى من العدالة الاجتماعية... ويقدم بديلا عن النظامين السابقين وهو نظام الاقمشاركة.
بنية وديناميات نظام الاقمشاركة:
تقوم بنية الاقمشاركة على ادخال تغيرات ثورية على مستويين ، الاول المستوى الدولي ، والثاني المستوى المحلي ، وذلك بهدف اعادة بناء النظام العالمي :
1-المستوى الدولي:
المستوى الدولي ويقوم على ضرورة استبدال الثالوث الرأسمالي والذي يمثل اطرافه الثلاث صندوق النقد الدولي ، والبنك الدولي ، ومنظمة التجارة العالمية بمؤسسات جديدة كونها انحرفت عن الهدف المنشود من انشائها:
أ-صندوق النقد الدولي الذي كان هدف انشائه متمثلا في ضمان استقرار اسعار صرف العملات ومساعدة الدول الاعضاء على حماية انفسها من التقلبات المالية ، وهنا يجب استبدال صندوق النقد الدولي بوكالة الاصول الدولية ، لان صندوق النقد الدولي انحرف عن هدف انشائه نحو الغاء كافة القيود على تحركات رأس المال والسعي المحموم نحو تحقيق الارباح.
ب-البنك الدولي والذي كان هدف انشائه تيسير الاستثمارات طويلة المدى كوسيلة لتوسيع الاقتصادات من خلال الاقراض اموال استثمارية بأسعار فائدة منخفضة ، الا ان ما حدث هو ان البنك الدولي اصبح اداة بيد صندوق النقد يمنح قروضا للدول التي تفتح مجالا للشركات متعددة الجنسيات ، ليس من اجل تحقيق فائدة للاقتصادات المحلية بقدر ما هي فائدة لرأس المال الاجنبي ، في حين يمنع القروض عن الدول التي ترفض تلك الاجراءات .وهنا يتم استبدال البنك الدولي بالوكالة العالمية لمساعدات الاستثمار.
ج-منظمة التجارة العالمية ، حيث ان الهدف من انشائها هو التجارة الحرة من خلال المنافسة والشريفة ، لكن ما يتضح من تتبعها هو انها منظمة تضمن حماية الاحتكارات الرأسمالية الكبرى ، وهنا لابد من استبدالها بوكالة التجارة الدولية.
وهذه المؤسسات الجديدة من وجهة نظر نظام الاقمشاركة سوف تساعد على تحقيق العدالة ، والتضامن ، والتنوع ، والادارة الذاتية ، والتوازن البيئي ، في عمليات التبادل المالي والتجاري والثقافي الدولي ، ومن ناحية اخرى سوف تساعد على اعادة توزيع ارباح التجارة والاستثمار الى الاطراف الاضعف والافقر لا الى الاطراف الاغنى والاقوى.
وتقوم بنية عمل هذه المؤسسات على هدف اعطاء الاولوية للأهداف القومية والهوية الثقافية والتنمية العادلة على حساب النزعة التجارية ، كما انها ستحمي القوانين والقواعد والتنظيمات التي تحمي مصالح العمال والمستهلكين والبيئة والصحة وحقوق الانسان وحماية الحيوان ، وغيرها من المصالح التي لا تركز على الربح .
كما ان هذه المؤسسات تقوم لا على تشجيع التجارة العالمية على حساب التنمية المحلية ، ولن تقوم بإجبار دول العالم الثالث على فتح اسواقها امام الشركات المتعددة الجنسيات ، التي تهدم الصناعات الوليدة والمحلية .
كما تشجع هذه المؤسسات الدول الكبرى على ضرورة تنسيق سياساتها الاقتصادية واسعار صرف عملاتها من اجل المصلحة العامة ، لا من اجل الربح الخاص وفق منطق صفري .
حيث ان المشكلة عنده ليست طبيعة العلاقات الدولية ، بل المشكلة اساسا في الرأسمالية ، وعولمة الرأسمالية التي تسعى الى تغيير التبادل الدولي لتحقيق مزيدا من الربح بالنسبة للأقوياء والاغنياء على حساب الفقراء والضعفاء.
2-المستوى المحلي:
يوضح البرت مايكل ، انه اذا كان من الضروري احداث تغيير ثوري في البنى الاساسية للرأسمالية نحو استبدالها بالنظام الاقمشاركة ، من خلال انشاء مؤسسات جديدة وقد يكون طريقها صعب جدا اذا ما اردنا تحسين العلاقات الكونية ، اذ لابد ايضا من احداث تغيرات ثورية على مستوى الاقتصادات المحلية ، فالرأسمالية تقوم على الملكية الخاصة لوسائل الانتاج ، وتقسيم العمل ، وتنشأ الفوارق الطبقية بسبب الاختلاف في حيازة وسائل الانتاج ، وهذه التقسيمات الطبقية تحدث فروق في عملية اتخاذ القرار ونوعية الحياة ، وتقوم كذلك الرأسمالية على نزعة فردية مؤذية ، وتتسبب الرأسمالية ايضا بانحدار بيئي ، ولذلك لابد من احداث تغيرات عديدة تمثل الاساس لنظام الاقمشاركة ، تقوم اساسا على مجموعة من القيم ، مثل العدالة ، والتضامن ، والتنوع ، والادارة الذاتية ، والتوازن البيئي، واهم هذه التغيرات هي:
1-ضرورة تعبير المستهلكون والعمال عن رغباتهم ومصالحهم من خلال مجالس ديمقراطية يتم فيها ترجمة الرغبات الى قرارات استنادا الى درجة التأثر والتأثير في اتخاذ القرار.
2-تنظيم العمل من خلال مركبات العمل المتوازنة ، حيث كل عامل يؤدي توليفه من المهام والمسؤوليات توفر له قدرا من التمكين والمردود يعادل ما توفره توليفات المهام والمسؤوليات الاخرى للعمال الاخرين.
3-ضرورة مكافأة العمال بالتناسب مع مشقة العمل وطول العمل ، لا على اساس الموهبة او مدى امتلاكه لوسائل الانتاج المستخدمة او على اساس الملكية.
4-ضرورة تخصيص الموارد عن طريق التخطيط بالمشاركة ، حيث تقوم مجالس المستهلكين والعمال بالتعبير عن تفضيلات المستهلكين وانشطة العمال لمجمل العائد الاجتماعي والتكلفة الاجتماعية المرتبطة بالاختيارات المختلفة التي يقررونها.

على سبيل المثال لا الحصر ، لحل مشكلة البطالة يطرح اقتراب الاقمشاركة حلا بسيطا ، ويقوم هذا الحل على ضرورة تقديم منح للأشخاص العاطلين عن العمل لإدارة مشاريعهم وافكارهم الخاصة من خلال بناء صناديق للتمويل الجماعي ، والاستثمار الجماعي ومراكز تجارة تعود ملكيتها للمجتمعات المحلية ، ويقدم الاقمشاركة حلا لمشكلة الامية والتعليم ، وذلك من خلال استغلال التكنولوجيا والاستفادة من الدروس والمحاضرات المفتوحة على شبكة الانترنت المجانية ، مثل موقع MOOC للتعليم المجاني ، اما لحل مشكلة الجوع ، فيقترح اقتراب الاقمشاركة حلا يقوم على ضرورة تشارك الاراضي الزراعية بين من يملكها ومن يحتاجها للزراعة ، وبهذا يقوم المالك بالسماح للمزارع بزراعة الارض في عملية تشاركية فيما بينهما ، اما مشكلة الفقر يرى اقتراب الاقمشاركة ان هناك حلا لها من خلال مبادرات مكتبية لتبادل الادوات لتخفيض استهلاك الاسر ، حيث من خلال بناء مبادرات لتبادل والتشارك يستطيع الناس ان يأجروا ادواتهم المختلفة للأخرين بأسعار رمزية ، وهنا فأن الفقير يخفض من مصاريف استهلاكه ، ومن ناحية اخرى يتيح لمن يملك بعض الادوات ان يأجرها بأسعار رمزية مما يساعده في جني المال...الخ.
ويتم كل ذلك على سبيل المثال من خلال استغلال التكنولوجيا في وصول الناس الى بعضهم البعض ، فمن خلال المنصات الإلكترونية بات بوسع الناس التخلص من شركات الخدمات ، فهناك العديد من المواقع التي تقوم على اساس اقتصاد المشاركة مثل " كيك ستارتر" للإقراض ، حيث تقرض الشركات الصغيرة او اصحاب افكار ومشاريع معينة ، بينما يمكن للناس تبادل الخدمات المختلفة عبر موقع اوبر ، او يمكنهم استئجار غرف وشقق من الناس دون الاعتماد على الفنادق من خلال الاطلاع على موقع Air bnn ، ويقدر عائدات الاقمشاركة لسنة 2013 حسب مجلة فوربس بحوالي 3.5 مليار دولار.

وهنا فأن نظام الاقمشاركة هو نظاما بديلا عن الرأسمالية ، مبني اساس على ضرورة وجود مؤسسات بديلة عن ثالوث الرأسمالية المتمثل في البنك الدولي وصندوق النقد ومنظمة التجارة العالمية ، اساس المؤسسات البديلة هو النزاهة والشفافية وتوجيه اعمالها نحو تحقيق العدالة الاقتصادية ، ومن ناحية اخرى يقوم نظام الاقمشاركة على ضرورة وجود بنى جديدة في الاقتصادات المحلية ، مثل وجود مجالس ديمقراطية في كل مؤسسة انتاجية تقوم بتوجيه الانتاج والاستهلاك وتخصيص موارد المجتمع من خلال المشاركة في القرارات التشاركية بصبغة ديمقراطية هدفها تحقيق اقتصاد عادلا ومستداما.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الهجوم الإيراني على إسرائيل.. هل يغير الشرق الأوسط؟| المسائي


.. وزارة الصحة في قطاع غزة تحصي 33797 قتيلا فلسطينيا منذ بدء ال




.. سلطنة عمان.. غرق طلاب بسبب السيول يثير موجة من الغضب


.. مقتل شابين فلسطينيين برصاص مستوطنين إسرائيليين في الضفة الغر




.. أستراليا: صور من الاعتداء -الإرهابي- بسكين خلال قداس في كنيس