الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قيادة الحركة الإسلامية في العراق 1980 – 2003 / الحلقة 3

عباس الزيدي

2015 / 1 / 6
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


وهنا لا بد من معرفة حقيقة صلة الحركة الإسلامية في العراق مع إيران قبل أو بعد الثورة الإسلامية، أما قبل الثورة فمن السذاجة وطمس لحقائق التأريخ نسبة الحركة الإسلامية في العراق الى تأثيرات إيرانية إسلامية أو غيرها، بل كان النظر الى العراق على أنه المؤهل الأول في العالم الإسلامي لاحتضان الدولة الإسلامية لما يمتلك من قيادات دينية وفكرية لها أكبر الأثر على العالم الإسلامي، فمنه انطلقت كل شرارات ومبادئ التغيير على كافة الأصعدة، فلم يذهب عن صفحات التأريخ دور المجدد الشيرازي الذي أوقف مخططات الشاه والبريطانيين، والحركة العلمية الوحدوية التي تزعمها تلميذه جمال الدين الأفغاني، والنهضة الفكرية التي تجسدت في الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء، وتأسيس النظرية السياسية للشيخ النائيني في كتابه (تنبيه الأمة وتنزيه الملَّة)، ناهيك عن حركة المشروطة التي تفتخر بها إيران الى هذا اليوم، وهي لم تنطلق إلا من النجف.
أما في وقت وصول السيد الخميني الى النجف فلم تكن الحوزة فيه عاجزة أو متخلفة عن الركب، خاصة وجود المرجعية القوية متمثلة بالسيد محسن الحكيم الذي يكاد أن يكون صاحب الكلمة الأولى في العراق في ذلك الوقت، ومن بعده السيد محمد باقر الصدر الذي تصدى للمرجعية رسمياً بعد وفاة الحكيم، نضيف الى ذلك العدد الكبير من العلماء والمفكرين الإسلاميين والتعاطف أو التجاوب الشعبي الكبير معهم، وكانت النجف الأشرف هي المصدر الأول لكل القيادات الإسلامية منذ أكثر من خمسين عاماً، فحركة السيد موسى الصدر تبلورت في النجف، ومن بعده من القيادات الإسلامية في لبنان كقيادات المقاومة الإسلامية وغيرها حتى الساعة إنما هم تلامذة درسوا وتربوا وتخرجوا من مدرسة النجف، وحتى الأفكار السياسية الرئيسية للسيد الخميني حول الحكومة الإسلامية إنما صُقلت وظهرت في النجف الأشرف بعد سنة 1970، وهي ما عرف بـ(ولاية الفقيه) أو (الحكومة الإسلامية) وهي محاولة بدائية صغيرة، ولم يسبقها للسيد الخميني أي تنظير للدولة، وأما في النجف فقد سبقه في هذا المضمار السيد محمد باقر الصدر الذي نظَّر للدستور الإسلامي أو الدولة الإسلامية قبل مجيء الخميني الى النجف، فقد كتب ("أسس الدولة الإسلامية" عام 1957، وتأتي أهمية هذه الأسس من ناحية فقهية، وكذلك من ناحية قانونية، من أنها أول مجموعة أصول للدستور الإسلامي، إذ لم يعهد قبلها أن وُضعت أصول للدستور الإسلامي. (1)). وكتب في شباط 1979 بحث بعنوان "لمحة فقهية تمهيدية عن مشروع الجمهورية الإسلامية في إيران" وهذا البحث في حقيقته مسودة لدستور الجمهورية الإسلامية، ولقد كتبه لكي تستفيد منه القيادة الإسلامية التي أرادت تدوين دستور لمشروع الجمهورية الإسلامية التي نادى بها الخميني في نهاية عام 1978، وقد أرسله الى الخميني بواسطة أحد طلابه وهو محمود الهاشمي(2).. وكذلك كتاب تلميذه السيد محمد الصدر المهم (نظرات إسلامية في إعلان حقوق الإنسان) الذي كتبه عام 1962، وفيه مناقشات للائحة حقوق الإنسان الذي لا يمكن أن ينفصل عن أي دستور عالمي، وقد أشار في هذا الكتاب الى مبدأ ولاية الفقيه كحاكم للدولة الإسلامية، الذي رَدَّ فيه على مبدأ الشورى الذي تبناه أستاذه الصدر الأول، كما سنرى لاحقاً إن شاء الله تعالى؛ ومحاولته (القانون الإسلامي وجوده، صعوباته، منهجه) عام 1960، وتوسع في الحديث عن شكل الدولة الإسلامية في كتابه (اليوم الموعود بين الفكر والديني والمادي) الذي صدر منتصف السبعينات. بينما نجد أن أول حركة سياسية ملفتة للسيد الخميني ضد الشاه كانت عام 1963، ولم يسبقها أي دور سياسي مهم له على الصعيد النظري أو العملي، ولا يخفى لمن اطلع على أهم كتاب للسيد محمد باقر الصدر (اقتصادنا) يجد أنه نواة لاقتصاد دولة إسلامية وهي محاولة غير مسبوقة بهذا المستوى.
لذلك نجد من الظلم أن تنسب كل إنجازات وتاريخ الحركة الإسلامية في العراق الى فضل الثورة الإسلامية في إيران سنة 1979، مع أن لها أثرها البالغ بعد ذلك في محاولات شيعة العراق المتكررة للخروج من النفق المعتم، لأنهم شعروا بإمكانية تحقيق أملهم الذي انتظروه منذ قرون طويلة قاسية.
ويذكر أحد المؤرخين: ((ويبدو أن قرار إعدام الدعاة جاء تتويجاً للخطة الخمسية للقيادة القومية لحزب البعث، والتي عمَّمها عام 1976 على الكوادر المتقدمة في الحزب الحاكم، وتهدف الى إنهاء الحركة الإسلامية في العراق خلال خمس سنوات، أي أن السلطة خططت في أواسط السبعينات لتحصل في عام 1980 على وثيقة دفن الحركة الإسلامية. وهذا ما يدحض الاعتقاد السائد لدى البعض بأن هجوم النظام العراقي على الإسلاميين هو من إفرازات الانتصار الإسلامي في إيران. (3))).
والغريب في الأمر أن الصدر الأول أُعدم ولم يجد حوله أحداً يذكر من طلابه ومن كان يعول عليهم، باستثناء ابن عمه السيد محمد صادق الصدر وابنه السيد محمد الصدر الذي نجى من المقصلة لبُعده عن حزب الدعوة ورفضه الإنتماء إليه منذ التأسيس(4)، وكانت وجهة نظره واضحة بهذا الصدد، بل نجد في كلماته ما يؤكد أن الذي نصحه بعدم الخوض في السياسة والدخول في معتركها هو الصدر الأول، نسمعه يقول:
((لم أشارك في عمل معين سوى إتباع السيد (أي أستاذه الصدر الأول) في كل ما يفعل ويقول، وكان هو (قدس سره) ينصحني باتخاذ مسلك العلماء دون مسلك آخر، وبقيت أفكر في نفس الاتجاه العام، وصدرت مؤلفاتي على غراره الى أن التفتُّ الى عيوب نفسي وقلبي وضرورة التكامل من هذه الناحية، وقد كان الالتفات في زمن السيد نفسه، وقد احتج عليَّ في حينه الكثيرون من الفضلاء الواعين، حتى أن أحدهم طلب مني المباهلة فأبيت بطبيعة الحال، ولعل الوحيد الذي كان يحترم مسلكي ويفهمه الى حدٍّ محترم هو السيد نفسه، فجزاه الله خير جزاء المحسنين. (5))).
وسوف نفصل أسباب هذا التوجُّه عند الحديث عن الصدر الثاني إن شاء الله تعالى.
ولعلنا نجد من الغريب أن حزب الدعوة طيلة هذه المدة التي تجاوزت العقدين من الزمن لا يمتلك جناحاً عسكرياً، وجاء التحرك بهذا الاتجاه بعد فوات الأوان، أو هو موجود سابقاً ولكنه لم يفَعَّل في الوقت المناسب.
ولم ينته الأمر بالقضاء على قائد الحركة الإسلامية بل أن حمام الدم كان أشد وأوسع بعد استشهاده، حتى أن حزب الدعوة عندما عاد الى العراق سنة 2003 بصحبة العدو القديم (أمريكا) لم يجد أمامه في العراق من يتذكره أو يرتبط به؟!. ليس فقط لأن هذا الحزب خرج من الساحة الاجتماعية والدينية العراقية خلال هذه الفترة نتيجة الحملة الدموية التي استهدفت قياداته وكوادره، بل لأن هذا الحزب الذي كان يمثله خيرة شباب العراق ومثقفيه تحوَّل الى منظمة براغماتية لا تختلف عن أي حزب ومنظمة سياسية أخرى، فها نحن نراه اليوم يتقاتل من أجل الوصول الى أية مغانم مهما كان الثمن، وقد أظهر من الفساد الذي تعاب عليه باقي الفئات ما لا يقل عن غيره إن لم يكن قد زاد على ذلك، لذلك نجد من الضروري أن نضع أمام أعيننا الفارق الجوهري بين حزب الدعوة ما قبل استشهاد السيد محمد باقر الصدر، وبين حزب الدعوة اليوم، وهذا الفارق أساسي لكي لا نكون ممن ضيع تلك الدماء الزكية التي وضعت نصب أعينها مصلحة الإسلام قبل مصلحتها الحزبية الضيقة.
كانت المحاكمات الصورية تجري في كل يوم، وكانت الأحكام تشمل جماعة تلو الأخرى وقد ((بلغت أعداد المعدومين 300 - 400 شاب يومياً كما ذكرت الصحافية المصرية صافيناز كاظم. (6))).
وكان كل من يصلي في مسجد أو حسينية، وكل من يطلق لحيته، وكل من يشارك في زيارة للمراقد المقدسة، وكل من يشتري كتاباً شيعياً، وكل من يلتقي بمتهم بالانتماء لحزب الدعوة، وأفراد أسرته، ومن له درجة قريبة من صلة القرابة، فهو متهم بالانتماء الى حزب الدعوة وقد يعدم بهذه التهمة، والحقيقة أن معظم المتهمين والمعدومين لم تكن لهم صلة مباشرة بحزب الدعوة، والنظام كان على علم بذلك، ولكن هدفه كان أوسع من ذلك كما قلنا سابقاً، وهو القضاء على جيل كامل تأثر واستلهم من السيد محمد باقر الصدر.
ولا شك أن عملية التصفية الشاملة هذه أكبر من حجم رجل واحد مثل صدام أو حزبه الذي كان يفتقر لأبسط قدرات التخطيط، ولا شك أن الأمر تقف وراءه عقول وأيدي إقليمية ودولية كما يلاحظ علي المؤمن :
((وأخذت معالم التغيير في بنية الحزب الحاكم والدولة بالبروز بعد زيارة وزير الخارجية البريطانية اللورد "كانغتون" الى العراق في 2/7/1979 واجتماعه بصدام حسين فقط، مؤكداً على ضرورة تسلمه مهام قيادة السلطة الأولى في البلاد بدلاً من أحمد حسن البكر، كحلٍ يفرضه الوضع الراهن. وتذكر بعض المصادر الإسلامية أن الوزير البريطاني أشار الى الخطوط العريضة لأساليب مواجهة الحركة الإسلامية. (7))).
وبصرف النظر عن مدى دقة هذه المعلومة إلا أن المتيقَّن أن الغرب كان وراء الحرب مع إيران بصورة مباشرة أو غير مباشرة، كما أن عداء الحكومات الغربية للإسلام لا يحتاج الى دليل، فكيف ببلد كالعراق يربض على أكبر مخزون نفطي في العالم، الذي كان مؤهلاً لاحتضان حكومة مستقلة عن الهيمنة الغربية. وكان واضحاً الأثر الذي تركه السيد موسى الصدر في لبنان وتأسيسه المقاومة الإسلامية التي أزعجت الكيان الصهيوني لقيط بريطانيا المدلل، فكيف سيكون الحال فيما لو تمكن السيد محمد باقر الصدر من قيادة البلد، والغرب لا تخفى عليه بالتأكيد الصلة والعلاقة بين موسى الصدر وابن عمه محمد باقر الصدر، إضافة الى انتصار الثورة الإسلامية في إيران، فيكون الوضع لا يحتمل بالنسبة للغرب بل وحتى الدول العربية القريبة والبعيدة.
ولم يُقدِم صدام على إعدام الصدر الأول إلاَّ بعد أن قام بتصفية أو اعتقال أو تشريد كل الرؤوس التي كانت تحيط به :
((فحين اعتقل السيد الصدر كانت جماهير النجف وكربلاء والكاظمية وبغداد ومعظم مدن الجنوب مشغولة بنفسها، فبين معتقل ومهجَّر ومُلاحَق، أو مدعو لاستلام جثة أحد ذويه، كما أن 90% من تلامذة الصدر والمقربين منه وقادة التحرك الإسلامي كانوا هم أيضاً بين معتقل أو معدوم أو متخفٍ أو مهاجر خارج البلاد، وذلك يعني أن العملية ليست بالهينة، بل باتت الأحداث يكمل أحدها الآخر بشكل لم يحدث معه ردُّ فعل كبير يتلاءم وحجم القضية. (8))).


-------------------------------------------
(1) الفضلي، عبد الهادي، الأسس الإسلامية ص 328، نقلاً عن أحمد مجيد، التيارات والأحزاب السياسية المؤثرة في نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية العلوم السياسية، جامعة بغداد.
(2) محمد حسين جمشيدي، دور فكر الشهيد الصدر في الثورة الإسلامية في إيران، ترجمة علاء رضائي، قضايا إسلامية، العدد "3"، 1996، ص274، نقلا عن أحمد مجيد، مصدر سابق.
(3) المؤمن، مصدر سابق، ص250.
(4) لم يغفر أقران السيد محمد الصدر له نجاته من حبل المشنقة، فشنوا عليه أكبر حرب في تأريخ المؤسسة الدينية الشيعية كما سنرى.
(5) اليعقوبي، محمد، الشهيد الصدر الثاني كما أعرفه، ص34 – 35.
(6) المؤمن، مصدر سابق، ص 242. للاطلاع على تفاصيل المجازر التي طالت أتباع حزب الدعوة وغيرهم من أبناء الحركة الإسلامية راجع هذا الكتاب، وكتاب صلاح الخرسان (حزب الدعوة الإسلامية حقائق ووثائق).
(7) المصدر السابق، ص229.
(8) المصدر السابق، ص 253.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يوقع حزم المساعدات الخارجية.. فهل ستمثل دفعة سياسية له


.. شهيد برصاص الاحتلال الإسرائيلي بعد اقتحامها مدينة رام الله ف




.. بايدن يسخر من ترمب ومن -صبغ شعره- خلال حفل انتخابي


.. أب يبكي بحرقة في وداع طفلته التي قتلها القصف الإسرائيلي




.. -الأسوأ في العالم-.. مرض مهاجم أتليتيكو مدريد ألفارو موراتا