الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قيادة الحركة الإسلامية في العراق 1980 – 2003 / الحلقة 4

عباس الزيدي

2015 / 1 / 7
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


قيادة الحركة الإسلامية في العراق
1980 – 2003
الحلقة الرابعة
عباس الزيدي – عبد الهادي الزيدي

وعلى الرغم من الحكم بتحريم الانتماء الى حزب الدعوة على طلبة العلوم الدينية الذي أصدره السيد محمد باقر الصدر أوائل سنة 1974، ونصه : ((لا يجوز انتماء طلاب العلوم الدينية إلى الأحزاب الإسلامية لأن وظيفة طالب العلم هي التبليغ والإرشاد على الطريقة المألوفة بين العلماء. 10 شعبان 1394. (1))).
إلا أن ذلك لم يشفع في عدم محاولة تصفية الحوزة في النجف الأشرف، وللتأريخ فإن معظم رجال الدين الذين ارتبطوا بحزب الدعوة لم يفارقوه، ولم يرضخوا لهذا الحكم، وحاول البعض أن يبرر ذلك بأن الحكم صدر تقيةً حتى لا تتعرض الحوزة للإبادة، ولم يكن هذا الحكم ملزِماً لهم حسب رأيهم، ولكن مع صحة هذا الفرض، إلا أن عدم الانصياع سيؤدي الى المحذور المفترض وهو ما حصل، ولكن من الدلائل على أن السيد محمد باقر الصدر كان جدياً في حكمه هذه تكليفه أهم طلبته بالتبليغ عنه ومنهم السيد محمد الصدر الذي اتخذ من غرفته في مدرسة (اليزدي الصغرى) مقراً لتبليغ طلبة الحوزة وأساتذتها بهذا الحكم كما ذكر تلميذه السيد فاضل النوري(2)، و ((كلَّف السيد محمد باقر الحكيم بتبليغ بعض قيادات حزب الدعوة(3)))، وكذلك يدل بوضوح على جديته وصرامته فيه حين رفض السيد كاظم الحائري الإلتزام بهذا الحكم، مما أدَّى الى قطيعة بينه وبين أستاذه الصدر. وعلى أثر ذلك رحل السيد كاظم الحائري الى إيران ولم يعد مرة أخرى الى النجف، ولكن عاد التواصل مع أستاذه بالمراسلة(4). وسيأتي الكلام في هذه المشكلة لاحقاً.
نتج من عدم الإنصياع لهذه الفتوى أن وجد صدام المبرر والعذر على استمرار رجال الدين هؤلاء بالتنظيم، وإن كانت حملة صدام قد طالت كل رموز الحوزة تقريباً حتى المنتسبين لمدرسة السيد الخوئي، الذي لم تكن له أية صلة تذكر بالعمل السياسي، فسياسة الترهيب طالت الجميع سواء كانوا على علاقة بالعمل السياسي أو لم يكونوا كذلك.
((ففي عام 1979 تعرض الابن الأكبر للسيد الخوئي ومدير شؤونه العامة السيد جمال الدين الى الإعتداء المباشر والضرب المبرح من قبل أزلام النظام في داره، اضطر على أثره الى ترك العراق والإقامة في سوريا، وفي عام 1982 اُعدم السكرتير الشخصي للسيد الخوئي السيد محمد تقي الجلالي بتهمة الخيانة، وتعرضت سيارة السيد الخوئي لحادثة تفجير سنة 1983، وفي عام 1985 اغتال رجال الأمن السيد نصر الله المستنبط صهر السيد الخوئي ومرشحه للمرجعية من بعده عن طريق زرق إبرة قاتلة، واعتقال عدد من المقربين من السيد الخوئي، والذين لم يعرف مصيرهم حتى الساعة منهم الشيخ محمد تقي الجواهري عضو لجنة الإستفتاء، والشيخ هاشميان محرر التأليفات، والشيخ أحمد الأنصاري، والشيخ محمود الدماوندي، والشيخ نثار الكشميري، كما أقدمت السلطات في أواخر عام 1986 على اعتقال الأخوين محسن وحسين الميلاني وهما أخوة السيد محمود الميلاني صهر السيد الخوئي، واستخدمتهما السلطة في محاولة انتزاع بيان من السيد الخوئي ضد الجمهورية الإسلامية في إيران فرفض ذلك، فأعدمتها السلطة في اليوم التالي(5))).
وهذا يؤكد ما ذكرناه سابقاً أن الهدف كان أكبر من مجرد إيقاف تنظيم سياسي يهدد النظام، وإنما تغيير خارطة جغرافية وسكانية لأكثرية أبناء العراق. فبالإضافة الى هذه التصفية المنظمة قام النظام بتهجير سكاني للمناطق المحيطة ببغداد وفرض طوق حولها مبتدءً بالأنبار الى جنوب بغداد ليلتف شمال شرق بغداد بمحافظة ديالى، وكان السكان الجدد من أبناء الطائفة السنية، وبنى مدينة جديدة في برية محافظة ديالى في النهروان وأسكن فيها عشرات الآلاف من الشيعة بعد تهجيرهم من قلب بغداد وضواحيها، وكان من ضمن مخططاته بناء مدينة أخرى بعيدة عن التجمعات الرئيسية وتهجير سكان حي الثورة (مدينة الصدر حالياً) إليها، وهو حي تسكنه غالبية شيعية عرفت بعداءها للنظام وتواصلها مع القيادات الإسلامية، حتى يُنقل أن السيد محمد باقر الصدر كان يقول : (الثورة تنطلق من الثورة). فتعرضت لشتى أنواع الضغوط الاقتصادية والأمنية والاجتماعية، وقد حاول النظام طيلة عقد الثمانينات مسخ وتشويه الأخلاق في هذا الحي الذي يعد من أكبر التجمعات السكانية في العراق، فانتشرت فيه مظاهر الانحلال للشباب، وكثرت فيه ظاهرة (الشقاوات)(6)، ولا يكاد يخلو قطاع أو شارع منهم، وكانوا يفرضون وجودهم على الناس ويسببون الكثير من المشاكل، حتى أصبحوا يشكلون خطراً على الوضع العام في الحي،ولكنهم في نفس الوقت يشاركون المجتمع في كراهيتهم للنظام وحزب البعث، فتخوَّف منهم النظام لأن جذور صدام ورفاقه القدماء (كما ينقل بكثرة) تعود الى هذه الفئة سابقاً في أحياء بغداد القديمة كحي الفضل والشيخ عمر، وكانت خشيته من أن يتحولوا الى عصابات كبيرة قد تهدد سيطرته على الحي، فبطش بهم آخر المطاف ونظَّف حي الثورة منهم تقريباً.
ومن أساليب النظام في مواجهة الحركة الإسلامية نشر الرذيلة في مختلف أنحاء البلاد، فكانت بيوت الرذيلة تمارس عملها علانية في أماكن متفرقة من بغداد، وكان النظام يسعى الى إيجادها قرب المناطق التي تعد مركزاً تسويقياً كالتي في ساحة الميدان وحي البتاويين وشارع أبي نؤاس وسط بغداد، أو في مناطق تسكنها أغلبية شيعية ذات توجهات دينية تقليدية عموماً كحي الكمالية الذي هو عبارة عن مدينة كبيرة، فكان سكنى الغجر عند مدخل الحي، ولكن أهالي الحي رفضوا بشكل تام أي شكل من أشكال التعامل معهم واحتقروهم اجتماعياً، فكان الغجر يشترون حاجياتهم الضرورية وغيرها من خارج الحي، وبعد أن يأس أهالي الحي من أية بادرة لغلق هذه الأماكن تربصوا أقرب فرصة للانقضاض عليها، ونتج عن ذلك أن حدثت إنتفاضة من قبل الأهالي في حزيران / يونيو سنة 1986، شارك فيها عدة مئات من الشباب هناك، هاجموا فيها مقرات الرذيلة وحطموا محتويات منازلهم، وسادت الفوضى، وكادت الأوضاع أن تخرج عن السيطرة تقريباً لولا أن النظام سارع الى إدخال قواته وحاصر الحي بأكمله، واعتقل بعض المنظمين لهذه الحركة والمشاركين فيها، بعدها قام النظام بغلق هذه الأماكن ولكنها أعادها بالتدريج، مما نتج عنه انتفاضة ثانية عام 1991 في نفس أيام الإنتفاضة الشعبانية، مما أدَّى الى غلق هذه الأماكن تقريباً، وغدوا يمارسون عملهم خلسة وليس كما في السابق. الى أن تَمَّ ترحيلهم من قبل الأهالي وبصورة نهائية بعد يوم واحد من سقوط النظام عام 2003. وكانت هناك أماكن أخرى في الجنوب كقرية الغجر في نواحي الفجر في الناصرية، وشارع بشار في مركز محافظة البصرة، وقرية الغجر في ناحية كنعان في محافظة ديالى، وأوجد في كل محافظة أوكاراً مهمتها نشر الرذيلة ومحلات لشرب الخمور حتى في المحافظات التي تعتبر محرمة ومقدسة.
اتخذ النظام سياسات متنوعة لمسخ الهوية في العراق، ومن الواضح أنه استفاد من التجربة السوفييتية التي استخدمها قادة الإتحاد السوفييتي ضد الجمهوريات التي ضموها الى الاتحاد، فإن التغيير طال كل شيء، فالدين رجعية وتراث، بل كل المعاني الروحية مجرد انعكاسات لتغيرات وإفرازات هرمونية، أما في العراق فكما قلنا لم يكن عند صدام الكادر المتخصص الذي بإمكانه وضع خطة كاملة مع وجود أدوات تنفيذ فعالة، ولكنه بذل كل ما يستطيع ففي مدارس الابتدائية التي هي نواة المستقبل يجب أن يجتمع الطلاب في ساحة المدرسة قبل الشروع بالدروس بإجراء سُمي (رفع العلم)، وفي أثناءه لا بد من ترديد شعارات وأهداف حزب البعث، فيقف أحد الطلبة بعد رفع العلم على سارية وسط الساحة، ثم ينادي أحدهم : (شعارنا؟)، فيجيب الطلاب بصوت مرتفع : (أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة)، فينادي مرة أخرى : (أهدافنا؟)، فيجيبون : (وحدة حرية اشتراكية)، ثم ينسحب الطلاب بعد كلمة قصيرة للمدير أو من دونها أحياناً، ولا يمكن التخلف عن وقفة رفع العلم، فيقوم كل معلم بإحصاء طلاب الصف المسؤول عنهم، ومن يتأخر أو لا يحضر فإنه يعاقب، وبعد ذلك ينسحب الطلاب على شكل طابور عسكري الى الصفوف، وعندما يدخل المعلم الى قاعة الدرس يقول مراقب الصف : (قيام) فيجب أن يرد الطلاب الصغار : (عاش القائد صدام)، فيقول المراقب: (جلوس) فيجيبون : (يسقط الفرس المجوس) (7).
تَمَّ زجُّ طلبة الابتدائية من الجنسين في تنظيم شبه عسكري يسمى (الطلائع)، وطلبة المتوسطة بتنظيم يسمى (الفتوة)، وبدأ هذا التنظيم قبل الحرب العراقية الايرانية بسنتين أو ثلاث سنوات، وكانت مراكزها مقرات تسمى (المنظمة) بمعدل منظمة واحدة في كل حي من الأحياء، وكان يفرض تدريب عسكري على الجميع، ويؤثر الحضور أو عدمه في هذه النشاطات على الطالب في المدرسة من خلال رفع التقارير الى مدير المدرسة في الابتدائية أو الى اتحاد الطلبة في المتوسطة والإعدادية، وأصبح وجود المعلمين والمدرسين المنظمين في حزب البعث أمراً أساسياً، وكان لزاماً على طلاب المتوسطة الحضور في اجتماعات حزب البعث المسائية مرة واحدة في الأسبوع على أقل تقدير في مساء الخميس أو الجمعة، ونفس الحال بالنسبة لطلبة الجامعات والمعاهد.


-----------------------
(1) الخرسان، مصدر سابق، ص 201.
(2) السيد الشهيد محمد الصدر، بحوث في فكره ومنهجه وانجازه العلمي، مصدر سابق، ج1 ص72.
(3) الخرسان، مصدر سابق، ص 200.
(4) للإطلاع على تفصيل هذه القضية راجع الخرسان، حزب الدعوة حقائق ووثائق ص197ـ206.
(5) الشهيد محمد تقي الخوئي، ص 59 – 60.
(6) أي الفتوات.
(7) بعد خروج الأطفال من المدارس كانوا يتندرون على هذه الشعارات فيقول أحدهم : (قيام)، فيجيبون: (ما عدنه (ما عندنا) أقلام)، فيقول مرة أخرى : (جلوس)، فيجيبون : (ما عدنه فلوس). وهذا كله لا يعني أكثر من السخرية بالنظام ولكن بصورته الساذجة عند الأطفال، وهو يعبر بكل تأكيد عن رفض الشعب للنظام، بحيث لا تترك صغيرة أو كبيرة إلا وتجد بازاءها سخرية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ألمانيا والفلسطينين.. هل تؤدي المساعدات وفرص العمل لتحسين ال


.. فهودي قرر ما ياكل لعند ما يجيه ا?سد التيك توك ????




.. سيلايا.. أخطر مدينة في المكسيك ومسرح لحرب دامية تشنها العصاب


.. محمد جوهر: عندما يتلاقى الفن والعمارة في وصف الإسكندرية




.. الجيش الإسرائيلي يقول إنه بدأ تنفيذ -عملية هجومية- على جنوب