الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحياة التي يجب أن نعيشها

رمضان عيسى الليموني

2015 / 1 / 9
مقابلات و حوارات



إن معظم التأزمات النفسية التي يعاني منها الإنسان الآن هي نتيجة تبدو حتمية لخسارة الأشخاص لمواقعهم في العالم الذي يعيشونه. بما يعني إن العلاج ربما يتضمن بصورة فعّالة محاولة إعادة الأفراد إلى مواقعهم في العالم، من خلال تحديد هويتهم الأصيلة عبر حل تلك التناقضات والالتباسات حول الحقيقة والذات. وكثيراً ما يكون المعادل الموضوعي الذي يحلّ بعض تلك التأزمات هو البحث عن الذات المفقودة فيما يمكن أن يفعله الإنسان في ممارساته اليومية ويجد فيه شيئاً يستعيض به عن تلك الأشياء المفقودة في عالمه، حتى وإن اضطر لكسر تلك القيود الزائفة والوهمية التي صنعها أناسٍ ليستمدوا منها حريّتهم وسلطتهم في مقابل سلب حرية الآخرين وقوّة إرادتهم من أجل البقاء والتمتع بتجليات الوجود.
" ماذا يمكن أن أفعل بالزمن الذي قُدّر لي أن أحياه "()؟
إنه السؤال المحيّر دائماً، الذي لا يمكن لأيّاً منّا أن يحدد مسار إجاباته حتى كل الفلسفات القديمة والحديثة لم تنتهي إلى إجابات واضحةٍ ومحددة، بل معظمها لا يخرج عن بعض النصائح التي ترشد الإنسان إلى فعل الصواب والإلتزام بجانب الخير والابتعاد عن أشكال الشرّ في الحياة، لكنّ تلك الوصفات ذاتها ألقت بالإنسان في متاهات الحيرة، فلم يعد الإنسان ليقوى على تحملّ الصراعات الذاتية التي تتقاذفه في التوتر والقلق المستمر، بين ما يرغب ويتمنى تحقيقه ويحقق به ذاته ومتعته في الحياة، وبين تلك القوانين الوضعية والقوانين الاجتماعية والأخلاقية وبعض التأويلات الدينية المتطرفة التي تتجاذبه في الاتجاه المعاكس تماماً لكل ما يحلم به الإنسان ليمارسه في الحياة.
إنها حقاً الحيرة الأبدية التي لا يمكن أن تُحلّ معادلاتها بسهولةٍ طالماً لم يمتلك الإنسان إرادته القوية وحريته المطلقة في الاختيار وفي تقرير مصيره بذاته، وطالما نظلّ أسر لتلك الأفكار التي تقررها عقول أخرى وتصكها كقوانين تُزرع في عقولنا بجذورٍ عميقة نجاهد كثيراً لأن نحرر أنفسنا من سطوتها وسلطويتها المتطرفة، ونظلّ في صراعاتٍ ممتددة لمحاولة وضع حداً لها حتى لا تغرق كامل إرادتنا الفطرية وحريتنا الطبيعية في عبوديتها التي تسحق آدميتنا وإنسانيتنا.
إنه حقاّ الصراع الممتد بلا أي رحمةٍ، صراع حسم الإنسان للموقف بين ما يرغب ويتمنى في تحقيقه وبين ما هو مفروض عليه بحكم تلك الأفكار المتسلطة والوحشية واللإنسانية في المجتمع.
وهو الأمر الذي يطرح تساؤل حول ذلك المجتمع الذي وببساطة يجب أن يأمن حريّة متساوية للجميع، حتى يتسنّى لكل فردٍ أن يعيش فهمه الخاص للحياة، ولكي يحقق تصوّره الإنساني للحياة الصالحة التي تحقق له الخير في إطار العلاقات الإنسانية الخيّرة المتبادلة بين أفراد مجتمعه وثقافته. وهو الأمر الذي قد يمكّننا من التخلص من تلك النماذج المعيارية في أنماط الحياة التي تفرضها علينا السرديات الثقافية أو الدينية على حدٍ سواء والتي تجعل من أيّ ممارسة مخالفة لقوانينها هي خرقٌ لهذه القوانين وما يستتبعه هذا الخرق من تحملّ الإنسان لكافة الشرور التي يجنيها على نفسه وعلى بقية أفراد المجتمع. إن تأملاتنا وبصيرتنا الفطرية لا يمكن أن تهدينا بحال إلى الاقتناع بما يمكن أن يسمى " نمط الحياة النموذجية" بل يمكن أن نفهم أنه فقط توجد عدالة اجتماعية وقوانين تهتم بشكل خاص بإيضاح وجهة النظر الأخلاقية تجاه تصرفات الفرد وتجاه علاقاته بأفراد المجتمع المسؤولة تجاه بعضهم البعض في ظلّ ضرورة تقييم الأعراف والتقاليد الإنسانية بالأساس خاصة حين تتعلق الأمور بتحديد ما هو في مصلحة كلّ منّا، وما هو في الوقت ذاته في مصلحة الجميع، وفيما يتعلق على وجه الأهمية بحريّة الفرد في الاختيار وتقرير مصيره وإنجاز طموحاته الذاتية وتصوراته الخاصة بالحياة التي يجب أن يعيشها ويحياها.
لقد استعبدتنا طويلاً السرديات الثقافية والميتافيزيقية والدينية بكثيرٍ من القوانين التي استنتجها أناس عاشوا عصراً غير عصرناً، ومارسواً أنماطاً في الحياة غير لا يمكن بحالٍ أن نجد لها بيئة تساعد على أن نعيد إحياءها، بل الأدهى أننا لسنا على يقين تام بأن كل ما طرح علينا في تلك السرديات ليس محض مثاليات لم تكن موجودة بالأساس في تلك المجتمعات التي مازلنا نمجّد في هؤلاء الأناس الذين تطلّ علينا رؤوسهم ليل نهار سواء في المناهج التعليمية أو في الوسائط الإعلامية الحديثة, الغريب أننا قد نضطر بحياتنا ونشوّه إنسانيتنا في مقابل الصراعات النفسية المريرة التي يحياها الكثيرين لمجرد التوهم بأن كل ما يطرح في تلك السرديات هو الحقيقة المطلقة، أو هو النموذج الحقيقي الذي جلب على المجتمعات -التي " يفترض أنها عايشتها " – السعادة والرخاء والتمتع بشيء من العدالة. لكنّ حقائق التاريخ تنبؤنا بكثيرٍ من الإشارات أننا نحن أبناء هذا الزمن الذي نحياه يجب أن نصنع حياتنا الخاصة، وأن نصيغ قوانينها وفقاً لما يمكن أن يحقق سعادتنا، ويصون كرامتنا، ويعزز إنسانيتنا الفطرية التي شوّهتها كثيراً تلك السرديات، واستغلها كثيراً أولئك القوم الذي يستمتعون دائماً برؤية مشهد " العبيد" – أقصد نحن هؤلاء العبيد – وهم يسيرون على أشلاءهم ودماءهم ويمزقون أعراضهم وينتهكون خصوصياتهم ويشربون من فرط أنانيتهم، حتى لكأنهم لا ما عادوا يقدرون على العيش بغير متعة اغتيال أنفسهم عندما يبتعدون عن آداميتهم وإنسانيتهم الفطرية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تشدد مع الصين وتهاون مع إيران.. تساؤلات بشأن جدوى العقوبات ا


.. جرحى في قصف إسرائيلي استهدف مبنى من عدة طوابق في شارع الجلاء




.. شاهد| اشتعال النيران في عربات قطار أونتاريو بكندا


.. استشهاد طفل فلسطيني جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي مسجد الصديق




.. بقيمة 95 مليار دولار.. الكونغرس يقر تشريعا بتقديم مساعدات عس