الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كاريكاتورية لافتات -أنا محمد-

ياسين سليماني

2015 / 1 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قبل فترة ليست بالطويلة وفي أيام العدوان المخجل على غزة، كتب أحد الكتاب ساخرا: احذري يا إسرائيل...إن العرب إذا غضبوا ...غيروا بروفايلاتهم على الفايسبوك !!
وبقدر ما يبدو المشهد كوميديا، بين الفعل الهمجي الذي يضرب الحياة الإنسانية في صميمها، والاستجابة الكاريكاتورية التي لم ترتفع إلى مستوى الفعل الحضاري الذي يشهد له بالمساهمة الفاعلة في دعم القضية العادلة، بين سوداوية المشهد العربي في خضوعه لأشكال الإمبريالية الصهيونية بخنوع بائس، وبين "غضب افتراضي" يجعلك تحس أن "جيش صلاح الدين" على أبواب القدس ليدك الصهاينة دكا !! بينما يتحرك الجبل ولا يلد إلى فأرا قزما.
لم يختلف الأمر في هذا عن "غزوة باريس" كما أسماها الإرهابيون الذين أنتجتهم السعودية بنظامها الفاسد المتواطئ مع شيوخ الظلامية المقيتة، التي لا يمكن أبدا فصلها عما يجري في سورية أو العراق وفي طرابلس اللبنانية أو ليبيا، كل البروفايلات تحولت في لمح البصر إلى "كلنا محمد" والعجيب أنّها كلها باللون الأسود والكتابة البيضاء، تماما مثل الأعلام التي ترفعها "داعش" !!
قد اسأل سؤالا بريئا: لماذا بعد كل هذه العقود التي عاشها المسلمون في فرنسا لم يزل نظر الآخر للإسلام أنه دين التطرف؟؟ الجواب بكل بساطة: لأنّ المسلمين لم يرتفعوا إلى مستوى تقديم الصورة الحضارية عن دين يُفترض فيه التسامح والإخاء والعدل وكل الصفات الإنسانية التي يعاني هؤلاء في الواقع فقرا مدقعا فيها. الفرنسيون لا يعرفون الإسلام إلاّ من خلال ممارسات البشر له، فلا تبتئس عندما يصفونك بالإرهابي، لأنك في بلدهم تمارس كل شيء يضرب دينك في الجوهر.
هؤلاء الذين أنزلوا هذه الشعارات لم يفعلوا سوى تمثيل مشهد كوميدي ليس على مقاسهم، بأصباغ وماكياجات تافهة تبدي آنيتها، وتعلن هشاشتها، إنها بشكل غير مباشر تقول أنّ ما حدث للصحيفة الفرنسية هو عين ما يجب فعله..بمعنى من المعاني، تبرير الإرهاب عن طريق رفع شعارات تؤيد النبي محمدا.
دون أن يرتفعوا إلى درجة الوعي الأخلاقي والمشاركة الفاعلة في طريق الحضارة ولذلك فهم يعانون كل الويلات، ويعتقدون بشكل مرضي أنهم ضحايا مؤامرة عالمية لمحوهم من الوجود. وضحايا لكل الامبرياليات العالمية وأحقادها ما ظهر منها وما بطن.
إنّ المدنية المعاصرة لابد لها أن تنبذ كل أشكال العنف أيا كان مصدرها وأيا من حاول شرعنتها. بعيدا عن عقلية "القطيع" كما يعلمنا نيتشه ، الذين يكتفون عند مستوى رد الفعل دون محاولة حضارية حقة للتقدم. الذين يتحدثون بأنهم "محمد" لو كان حيا لكان أول من أعلن براءته منهم.
من الطبيعي أن يثور هؤلاء ضد أي مساس بالمقدس، والنبي محمد أحد أهم المقدسات الإسلامية دون شك، لكن، ماذا لو كانوا هم أول من يدنسه؟
إنني أحترم الذي يعلن عدم قبوله لمبدأ ما، ورفضه له، ولا أحترم الذي يعلن تقديسه ظاهرا ويخفي تدنيسه له باطنا.
من الصعب على من لم يعرف "ترويض الشرسة" بتعبير شكسبير، وأتحدث عن النفس هنا، وأن يكون إنسانا، يتمتع بالشروط التي تجعله إنسانا، أن يدعي أنه مسلم ينافح في سبيل إعلاء كلمة الله...هؤلاء الذين بقدرة قادر أصبحوا جميعا "محمد" بينما لا يدري أحد أي جهنم كانت تحتفي بهم.
رد الفعل بجمع اللافتات وتغيير البر وفيلات في الفايس لإعلاء اسم محمد ليس إلا شعارات جوفاء كالتي كانت تتردد أيام الحزب الواحد، مهزلة بطعم الدين. فقط.
لست محمدا، ولا أريد أن أكون محمدا. أنا نفسي وأريد أن أكون نفسي، بعيوبي وخطاياي، ونزقي، بحسناتي وإيجابياتي وعالمي الخاص الذي أصنعه بساعديّ وعرق جبيني. وإذا كنت مسلما، ذاك الإسلام الذي دعا إليه الله –لا إسلام وهابيي السعودية الخبيثة- فيحسن بي أن أكون إنسانا قبل هذا وذاك. إن هؤلاء يرتكبون جرائم أخلاقية في حق أنفسهم والدين عندما يزعمون كاذبين أنهم محمد، ويحبون محمدا. فلو أحبوا محمدا حقيقة، لانتصروا له في دينه. ولقدموا من المعاملات والسلوكيات أنصع النماذج لتعاليم الدين الذي ظلمه أهله قبل أن يظلمه غير أهله.
ليس العيب في إسرائيل التي تقتل، ولا في فرنسا التي تسب النبي محمدا، ولكن العيب، كل العيب، في مليار ونصف مليار من الذين يعلنون دينهم ويلعنونه في الوقت نفسه بخذلانهم له وتقاعسهم المهين لأداء أبسط قواعده الإنسانية.
ربما ما حدث لـ "شارلي إيبدو" وما رسم من رسوم، يعيد إلينا الوعي بذاتنا ويجعلنا نفيق من الغيبوبة المزمنة التي نعانيها، أقصد تلك الوثوقية المفرطة في أنّ النصر يأتي من السماء لا من الأرض. وأنّ معركة الوجود تأتي بجيش من الملائكة كما في بدر، لا بعقل وإرادة وتحدٍّ وجودي يستلزم الشروط الموضوعية التي تكسب هؤلاء البشر صفة الإنسانية واحترام العالم لهم.
ازعموا كما تشاؤون أنكم محمد، وارفعوا اللافتات، واصدحوا في مساجدكم حتى تصموا الآذان بأنكم فداء للنبي، وبعد أيام، ستنسون كعادتكم في كل مرة، وستعودون للنحيب والصراخ بعد فترة إذا حدث حادث مشابه، وتنسون بعدها بأيام، وهكذا، فأنتم أبناء المصادفات، وعشاق اللحظات الطارئة...تتقاذفكم الأيادي كأوراق اليانصيب الرابحة، كلما أوشكت صحيفة على الإفلاس دغدغت مشاعركم برسم تعتبرونه مسيئا، فتشتعل حناجركم بالاحتجاج بينما تمتلئ خزائنهم بالدولارات. ألا يجعلكم هذا أسخف المغفلين على وجه الأرض؟ !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - احسنت
جابر بن حيان ( 2015 / 1 / 16 - 23:38 )
احسنت واجدت واعطيت الصورة المطابقة لواقع حال المسلم ولا اجد ما اقوله اكثر من هذا

اخر الافلام

.. تونس.. ا?لغاء الاحتفالات السنوية في كنيس الغريبة اليهودي بجز


.. اليهود الا?يرانيون في ا?سراي?يل.. بين الحنين والغضب




.. مزارع يتسلق سور المسجد ليتمايل مع المديح في احتفال مولد شبل


.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت




.. #shorts - Baqarah-53