الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
تراث واصالة وحقيقة تأريخية في اعمال الفنان خالد النعيمي
سيروان شاكر
2015 / 1 / 17الادب والفن
كل فنان له رؤيته وتعبيره ، وفي كل رؤية وتعبير خلفها حقيقة غير ان رؤية هذا الفنان تمتاز عن غيره من حيث التعبير والادراك ، وهذا لا فحسب بفضل خبرته وخصوبة شموليته في المواضيع والاشكال المجردة التي يتصوره وانما بفضل ادراكه الحسي واسلوبه الذي به ما تصور لنا ما نريد ان تصوره ، وهو امر يتوقف على مدى دقة الرؤية للعالم الخارجي وتحديد شكل الرؤية بحيث يمكن معاينة سائر تفاصيل المشاهد الذي نراه في اعمال هذا الفنان المبدع من تدخلات الخطوط والالوان والاشكال والاضواء في مناطق الظلام وحرية الحركة بحيث لايبقى البصر في منطقة واحدة وانما يحرك الرؤية الى عدة عوالم .
توصيف اولي لمدى صدق وتعبير هذا الفنان في كل عمل فني وجراة يجعل في عرض اسلوب الافكار بفصوله النهائية و يوضح الرؤية التاريخية لفلسفة التجريد وما توصل اليه الاساليب الفنية الاخرى مثل (pop art) و (abstract) ليعيد الشكل من جديد وبالتالي يعي المشاهد والمتذوق الاجزاء المختفية وراء التعبير فتكتسب الرؤية الهدف الانساني عندما يصبح العمل الفني في مراحله الاخيرة – حقيقة لعالم الالوان- احمر صارخ وازرق مختفي وراء اطلال المساحات الرمادية – حي شعبي وذكريات طفولية جميلة – ليل ونهار ، ليل نرى فيها يحدد حياته الشاعرية او نرى في اعماله انها قصائد شعرية يقرا في منتصف الليل وكانها احلام سريالية فيربط الزمان بالمكان تارة ,وتارة اخرى نهار يستيقظ من هذا الحلم الجميل فيلعب اللون دوره الاساسي من خلال الاحاسيس ومدركاته فتظهر ضوء الشمس على هذه الاطلال من الذكريات فتكمل مسيرة تعبيره الصادق تجاه الطبيعة والحياة ليبدا التامل من جديد وصنع حالة اخرى من لحظات الحياة والتاريخ والحقيقة ، هذا ما يحدد الفنان من بداية تاليفه .
لاشك ان الرؤية الذاتية لهذه الاشكال من مساحات لونية وخطوط عريضة وتشابكات هندسية واخر دون نظم ثابتة انما يعبر عن فلسفة متاصلة في تاريخ فلسفة الفن والجمال بدا من كانت وحتى جون ديوي ومرورا بالفلسفة المعاصرة ولكن هذه المرة بطريقته التابعة لنظام الاحاسيس والمدركات وافكاره النظرية الصادقة النابعة من كل القيم الاخلاقية ، انه يدافع عن رؤيته للجمال في عالمه الاجتماعي ويحاول تجاوز التيارات التي سبقت ان ظهرت في الواقع الفني ، فهو ينتمي الى التيار المعاصر من الفنون التجريدية ليصل الى ذروة الاحاسيس في الشكل الخالص فيمثل له كيانا مستقلا ومكتملا ، ومنغلقا على ذاته من خلال العلاقات البنائية الباطنية الكامنة بين اجزاء العمل الفني وان كان في الوقت ذاته يرى ان العمل الفني يتجاوز بالضرورة اغراضه الجمالية ليعبر عن اغراض خارجية عملية ، ان كل فن اصيل لابد ان يعود بنا الى الواقع وان يقدم لنا تفسيرا للحياة يمكن ان نركن اليه ، فعلى الرغم من ان النعيمي يدافع عن تصوره الايدلوجي للفن بمعنى ان للفن حضارة قيمة ويقوم على اغراض انسانية بحتة قد يكون تعبيرا شعوريا او لاشعوريا فانه دخل الى عالم المعاصرة الانسانية والقيم الروحية والجمالية دون ان يقع في فخ المفهوم الواقعي للشكل بل عبر عنها بكل جراة ، فالمساحات اللونية تشير الى ذلك وخطوطه التي تقطع الشكل الصارخ انما تمثل حركة تجريدية توفي الغرض الذاتي لمفهوم الانسانية ,واحيانا ترى بيوت قديمة وما يحتويه هذا الدار فهو مجرد نقطة جديدة للوصول الى الحرية وحرية التعبير في الفن فكل جزء من اعماله الفنية لها ترابطات قوية بين العمل الفني الاخر ، ولاشك ان التفسير الذاتي الرؤيوي بالغ الاهمية ولكنه في الوقت ذاته ملىء بالانفعالات والانفعالات هنا تكمن دائما في استقطاب او اختزال القيمة الجمالية للفن في بعده الاجتماعي والنفسي ، لان هناك جوانب اجتماعية مشوقة معينة مرتبطة بابداع خالد النعيمي ، فالتحول من عمل الى اخر ببساطتها وهو عمل ضخم قد ارتبط بصورة ما بتطوره الحسي الذي لم يعد عنده هواية خاصة لذات الفنان وانما اندماج بين العالم والتفسير التجريبي الذاتي ، على اساس التاثيرات البيئية الحياتية ، وبعبارة اخرى لايمكن تفسيره ما رسمه هذا الفنان من التاثيرات فقط وانما حبه واندماجه لعوالم الانسانية جعل منه يتبنى القيم الاجتماعية الاخلاقية للفن فدافع عن اسس فنه بطريقة بليغة من اللون والزمن كما فعل الكثيرون من المبدعين في هذا المحك الكوني – قرأ صراحة بان هناك امورا في الفن لايمكن تحليلها بسهولة وخصوصا في البعد الاجتماعي الانساني.
لاشك ان الكثير من ظواهر الفن وخصوصا عند النعيمي لها سحرها الجمالي الخاص الذي ينبغي ان نقع في شراكه ولكن كل فن اصيل لابد ان يعود بنا الى جذوره فالاثر الفني عنده يفتح نافذة الى العالم وهذه النافذة قد تستاثر بكل انتباهنا ويوسع المرء الى القول مع " اورتيجا جاسيت" باننا يجب ان نتعامل مع الفن كما نتعامل مع النافذة حينما نركز رؤيتنا عليها متاملين زجاجها والالوان والمشاهد المنطبعة عليه ، بالاضافة من هذا كله يجب ان نلاحظ المشهد الواقع وراءه وخيال الذي يتمتع به الفنان والمشاهد في ان واحد فهو مكمل للعملية الحسية وله الصلة بين واقع العمل الفني وما تربطه من خيالات وراء الشكل والموجهات المنقولة مع الواقع .
يعرض هذا الفنان اعماله في بحث عن الزمان والمكان في تاريخه فيتناول المنطق في مسائل متعلقة بالفكر التاريخي ، أي انه يبحث فيما اراد ان يحقق في مسيرة حياته ويخلق فلسفة جديدة ضمن الوانه وخيالاته فيستبدل الاحمر بالازرق ويعلق سيرته الذاتية على كل عمل فني باسلوبه الجميل فتختلف كل لحظة عن لحظة اخرى بمنهجية وصفية مقصودة كانت ام غير مقصودة ويخلق في كل عمل زوايا وزخارف تحكي قصة حياته ليرويها بكل جراة وجراءة تصوره للعالم بوضوح في مسسلات فلسفية يقوم عليه رؤيته لحضارة عالمه فيستعين بالمواد والتصورات الاساسية ذات الطابع النسقي ، فيعبر في ضوء خبراته الكثيفة في هذا النمط ، وحيثما بداخله احساس يقنع العالم بحقائقه التاريخيه العينية التي هي موضوع عالمه ، والمشاهد هنا يتقاسم مع جهده التجريدي في نظم جديدة ولكن يبقى الراي الاخير فيما يتعلق بطبيعة عمله التاريخي التي تم خلال مراحل مسيرته الفنية ، ولاسيما ايمانه الراسخ بان منهج بحثه الفني لازم في تاريخ الفن لزومه لتاريخ سائر مبتكرات الروحية الاخرى لدى الانسانية ، فعبر عنه بابسط صورة ممكنه واوضحها تجريديا وصنع شكلا عين فيه موقفه من حيث الزمان والمكان ، وكان لاسلوبه سلوك يصدر عن قدراته الذاتية كما يصدر عن هذا في اتجاه ما ، وهذا هو في الحقيقة لب المذهب القائل بالطبيعة الجدلية للاحداث التاريخية والحاضرة .
انه يقتنص لحظات معينة من الخيال في اروع مشهد فيبين علاقته مع عالم المثل والمعقول كما حدده افلاطون ، فتتحرك ذاته ومعرفته عن طريق عالم المحسوس ، لتكون الاعمال الفنية اشبه بالذرى العالية التي يعز بلوغها واننا لا ننظر اليها مباشرة بل نتعمق في كل زاوية وندور في خفايا الشكل واللون ليتراءى للعين في نهايته اجمل التعابير يتعذر على الشخص العادي ان يطيل امده في مواجهة هذه الثمرات التي يحمل في طيات العمل الفني ذلك التراث الفخم من التفسيرات المتقدمة ، ان العصر الذي يعيش فيه هذا الفنان عصر التفسيرات والانجازات الفكرية والثقافية ، لقد انجز من الاعمال في افاق جديدة يبصرنا بمعان مبتكرة مذهلة ، ويجب ان نكون على وعي بمجرياتها من المعاني الكاشفة التي توصلنا الى مضامين في نطاق اللامحدودية.
انه يمثل كيانا مستقلا ونسقا مكتملا يتصل بالعالم الروحي تارة وبالعالم المادي تارة اخرى ومرة مغلقا على ذاته ينبغي تفسير عناصره تفسيرا كاملا بارجاع بعضها الى بعض دون الرجوع بحال الى ظروف نشاته او ماكان له من تاثير ، ذلك لان اعمال هذا الفنان دون ريب منطقه الباطني الخاص به, كما ان طابعه المميز يظهر على اوضح صورة واكملها في العلاقات البنائية الباطنة الخاصة بمختلف مستويات التكوين وفي الاجزاء المتباينة التي تتبدى فيه ، وما لا جدال فيه ايضا ان النظر في العلاقات النشوئية أي في المراحل التي قطعها الفنان في انتقاله من فكرة او جزء الى اخر ، ليس من شانه فحسب تحميل الاثر الفني لمعنى مغاير ، بل يخبرنا كذلك عن علاقاته الباطنية ، ويعبر عن القيم التي يقوم عليها تاثيرها الجمالي ، فالعوامل التي تعتريه ذات اهمية قصوى في عملية الانتاج الفعلي للاثر الفني تبلغ مثل هذه القيمة من الاهمية في مضمار منتج العمل الفني قيمته الجمالية وتاثيره ، اضف الى ذلك الاهداف العملية التي يرمي اليها الفنان واعني الاغراض الخارجية التي يحتمل ان يكون الاثر الفني قد خلق من اجلها .
التركيب الجمالي الداخلي في هذه الاعمال يكشف الاثر تجاه قضية التي كثيرا ما ناقشناه مع ذواتنا ومع الذين لايكتفون بالقول بان الاثر الفني هو عالم يمارس سلطانا مطلقا وانما للانسانية ايضا اثار خارجة عن نطاق الاثر الفني، فالفن العظيم يقدم لنا تفسيرا للحياة يمكننا من ان نحقق قدرا اعظم من النجاح في مواجهة الغموض الذي نعيش الان في هذا العالم . فبمقدور هذه الفلسفة الجديدة للحياة نعطي معنى اكثر وننتزع كل الخلافات الذهنية التي ترفض الفكرة التقليدية للحياة في صورة اخرى وهكذا يكمل ايمان جوهرنا بين الواقع والقوانين الصورية البحتة للفن ، فليست هناك قواعد ثابتة في اعمال هذا المبدع ولكن له هدف واضح يتحكم فيه بكل دقة وبراعة ، فعند النظر الى التشكيلات اللونية والهندسية لاعمال هذا الفنان نرى هناك انسجام واضح بين الشكل واللون وما تجد من خفايا وتدركها وهناك ايضا فضاءات جميلة مرة رمادية ومرة بيضاء يتلاعب فيها الاصفر والاحمر وكانها تيارات اعاصير تلعب في فضاء اللوحة مع فرشاة الفنان الذي يضربه بشفافية عالية جدا وانسجام لامثيل له في واقع العمل الفني فيبلغ الهدف الاساسي من الجمال والحقائق والكمال ، وهذا يعكس روحية الفكرة الموسيقية العالية عند الفنان والانسان ليصل الى اسمى درجات الحس عند المتذوق وليقدم اعلى درجة من المضامين يرضي حاجاته الى فهم العالم وادراكه ، فلا جدال حول صورة وصورة اخرى, بيوت وشبابيك واقواس تاريخية رموز لونية وشكلية انها ابداعات روحية في التقاليد والمواضيع والانظمة الاجتماعية .
القيمة الجمالية لهذه الاعمال الابداعية هي نتيجة لثقافة معينة عاشت مع الفنان في مرحلة مبكرة من التاريخ الذاتي ويعكس طابعه الايدولوجي في اطار نظرية صريحة وان يقر بالفكرة القائلة بان الفن يقوم على خدمة اغراض ذاتية بطريق شعوري او طريق لاشعوري ، ولقد اكتشف هذا الفنان عصره في فلسفة حسية تثير التساؤلات حول موضوعية الاحكام التقويمية الانسانية فيصاغ فكرة الصراحة بالقيم الروحية والشكلية معا ، فبذلك يخلق روحا وتصورا عمليا يمثل الواقع باجمل منظور فتتوجه ذاته نحو تداركات في صراع ذاتي لكشف وجه الحقيقة على التصوير في الواقع وليس التصوير الواقعي ، فهو يدرك في الوقت ذاته ان عليه ان يتجنب كل تفكير مثالي في تمثيل الواقعية فيعوض بتفكير مثالي جوهري لتمثيل الواقعية ، وهكذا استطاع النعيمي النزوح بالفن الى فلسفة جديدة في مفهوم الحرية المجردة للذات ، وهذه النظرة تصحيح لما تحدده الموضوعية المذهبية التي تقيم الحقيقة في حدود ما هو قريب الى افهامنا وتصورنا بغض النظر عن القيود الخارجية التي تحد من مجال التفسير الاجتماعي للفن فان له كذلك قيوده الداخليه ، لان براعته الفنية قبل كل شىء لا تقبل هذا التعريف اذ ليس شكل محدد ومفهوم واحد بل ترابط بين سلسلة الحضارات في اتجاهات متصلة يربط الحاضر بالاثار,ان كل شيء يتوقف في مجال تذوق ماهيته على الاسلوب الخلاق في معالجة العناصر البيئية عن هذا الموقف وعلى العلاقات المتبادلة فيما بينها .
لقد اتخذت هذه العناصر خصائص جمالية اشد ما تتصور من اختلافات ضمنية فلها من المعايير الجمالية متماثلة عن النزعة المثالية التي تقرن الجمال بالخير او يدخل في روعة العدالة الاجتماعية والقيمة الفنية متلازمين على نحو واحد ، فهناك تحالف عظيم بين التعبير واللون أي الشكل وما تحويه من رموز واشكال اشبه ماتكون خرافية هندسية وبين الحس اللوني الذي يستخدمه هذا المبدع في مجال التصوير الذاتي وهذا ليس وهما انما هو صدق مطابقة للمذهب الطبيعي الذي يفتقره كثيرون من هذا العالم الاصالة الطبيعية والاصالة الفنية ، ولكن هذا المرة يخرج بفنانين ومبدعين ذات اثار انسانية لهم عظيم المغزى.
اسس فسيولوجية وامكانات عفوية وطاقات انفعالية تنحصر العملية الابداعية لتظهر هذه التاثيرات الانفعالية في الاثر الفني فتشارك فيها الذكريات والالم والعاطفة والموهبة ، محاولة لنسف كل الحقائق الوجودية المادية والايدلوجية ولتظهر اعمالا جديدة بقيم روحية خالية من كل التعقيدات والمتناقضات انه الراسمالية الفنية حالها حال المدارس الفنية التي ظهرت لتعيد امجاد حركات الفن المستمرة في التغيير فيبقى السؤال هل الابداع منزلة من السماء ام تشكل هنا في الارض او نتيجة لحضارة قيمة نابعة عن حضارة انسانية ، فكل تغيير اذا ما نظرنا اليه من الخارج رأيناه مفاجئا يكون الفهم الدقيق غريبا لمعنى العبارة المقصودة، او قد يكون الوصول الى المعنى تدريجيا تكتشفه عن طريق التجربة الذاتية الباطنة بمعنى تكوينه من المعطيات الموضوعية والخبرة .
وهكذا فان لهذا الفنان المبدع مسيرة تاريخية لعالم اللون الممتزج والصارخ ليعبر عن احداثه الطبيعية بتصورات وتجارب شخصية وبروحية شفافة, فخلق لنفسه ثروة من الاعمال الناجحة مما يحي عالمنا من جديد ويولد نظام حديث في الاحكام المطلقة للمجتمع وهي ذات ثقافة عالية ، عندئذ نفهم حقيقة روحه الصادق وفهم التحولات التي تطرا في فنه وندرك كل المعاني التي تمثلت فيه اعماله او ركيزة حياته الفنية ، وهنا نجد انفسنا في عالم مملوء بالامل والحيوية والتأمل .
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. جوني ديب قبل عرض تجربته الإخراجية الثانية في السينما : الشب
.. منح نجمة الأوسكار فيولا ديفيس والهندية بريانكا شوبرا جائزة ا
.. قطيفان: لن أتصالح مع فنانين دعموا الأسد
.. خارج الصندوق | الممثل السوري بشار إسماعيل يروي مأساته خلال ن
.. بريطانيا تبحث عن فنانين لتصميم نصب تذكاري للملكة إليزابيث ال