الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قبل قليل كان سيقتلني الملل

حازم شحادة
كاتب سوري

2015 / 1 / 25
الادب والفن


وجدت نفسي بالقرب من مرفأ الصيادين بعد أن مشيت على غير هدى ساعة من الزمن أجتر بضع خيبات بطعم الوهن وحين استنشقت رائحة البحر ممزوجة بزيت محركات الشخاتير (القوارب الصغيرة) انتابتني رغبة عارمة للتدخين فامتشقت سيجارة ورحت أعبها بينما كنت أراقب مجموعة من الصيادين الهنود وهم يجهزون المركب استعداداً للإبحار.
فضولي للحديث مع الآخرين لا يتجاوز الرقم صفر إلا في حالات نادرة وكان سؤالي لأحدهم عن الزمن الذي تستغرقه رحلتهم من بينها،، أربع ساعات أجاب، نصطاد حتى مغيب الشمس ثم نعود أدراجنا فسألته إن كانوا يمانعون ذهابي معهم في رحلة الصيد هذه وبعد مداولات قصيرة فيما بينهم رحبوا بي فصعدت متن القارب متخذاً مكاناً إلى جوار قائد المركب.
قبل قليل كان سيقتلني الملل وها أنا الآن في عرض البحر برفقة مجموعة من الهنود الذين لا يتقنون من العربية إلا مفردات قليلة وإنكليزيتهم أسوأ من تلك التي أتحدث بها.
حين أصبح الشاطئ والأبنية المجاورة له كالخيالات بالنسبة لنا راحوا ينشرون شباكهم بطريقة معينة في الماء على أمل أن يعلق بها أكبر قدر من الأسماك والسرطانات ولأن خبرتي السابقة في هذا المجال كدت أنساها بفعل الزمن وامتهاني للكتابة والصحافة التزمت مكاني ولم أساعدهم مكتفياً بالتدخين والمراقبة.
الطقس جميل في هذا الجزء من العام ومياه الخليج العربي رائقة تستقبل مجموعة من النوارس بين الحين والآخر في رحلة البحث عن أسماك مقتربة من السطح كما يبدو الأفق من بعيد ملوناً بغيمات رمادية يعد بها الشتاء أحياناً لكن هذا اللون أصبح بعيد ساعتين من انطلاق رحلتنا هو الطاغي على السماء مع هبات قوية من الريح ارتفعت لأجلها الأمواج ملبية ذلك النداء المشحون بالرغبة.
بدأ الامر يتخذ طابع الجد حين انهمر المطر بغزارة،، هذا المركب الصغير غير مزود بشيء يقي من المطر والأمواج المضطربة راحت تهزه يميناً ويساراً بشكل عنيف حتى أن وضع الشباك الموصولة بالمركب بات خطراً وعلى الجميع المساعدة في لمها فطلب مني قائد المركب أن أحافظ على الدفة بشكل مستقيم كي يساعد رفاقه.
أمسكت دفة المركب بحزم وحاولت الإبقاء عليه بوضعية لا تسمح للأمواج أن تقلبه لكن الرياح اشتدت والرعد زمجر وتلك الغيوم السود ألقت ما بجعبتها من ماء فوقنا بضرواة الأمر الذي جعلني ألوم نفسي على هذا القرار السيء الذي اتخذته بالصعود على متن هذه الرحلة المشؤومة، أي حظ هذا؟؟ معروف عن طقس هذه المنطقة استقراره طوال العام والشتاء هنا أقرب للفترة بين الربيع والصيف في سوريا،،، على حظي جاءت العاصفة!!
راح صراخ الصيادين يعلو فقد كان التوتر سيد الموقف،، خبرتي القليلة في قيادة القارب تعود إلى فترة عملي في البدروسية على شاطئ البحر المتوسط قبل عشرين عاماً،، أعلم جيداً أنه متى ما سمحت للأمواج الصاخبة أن تضربه بشكل عرضي فسيغرق لا محالة لذا حافظت على استقامته ريثما ينتهي هؤلاء من عملهم.
لم أعد أذكر كيف أتت تلك الموجة الكبيرة، من الأمام أم من الجانب،، موجة يسميها البحارة (الموجة السابعة) ونصيب من يلاقيها الغرق لا محالة،، وكوننا لاقيناها لم يكن حالنا أحسن ممن سبقونا.
كنا رأساً على عقب تغمرنا المياه من كل صوب ثم بفعل ثقل المركب تم دفعنا نحو الأعماق بلا هوادة،، كمية الأوكسجين المختزنة لم تعد صالحة للاستهلاك المحلي،، امتصها الجسم كلياً وراح ثاني أوكسيد الكربون يغزو جميع خلايا الجسد،، حين انتهت المقاومة فتحت فمي فتدفق الماء إلى الرئتين والمعدة وما هي إلا دقيقة حتى كنت قد فارقت الحياة مرتطماً بقاع البحر.
بينما تسابقت بضع سمكات لتصطاد أجسادنا الهامدة استطاعت روحي أن تستجمع قواها وتنطلق في رحلتها صوب الرفيق الأعلى.
كان الرفيق الأعلى مشغولاً بعدد هائل من المحاكمات فقررت أن أتوجه مباشرة صوب الجنة كوني قد قضيت غرقاً،، حسب معلوماتي المتواضعة يعتبر الغريق شهيداً،، لكن حركتي هذه لم ترق للرفيق الأعلى فوبخني على تجاهله متسائلاً: إلى أين تدخل هكذا؟ هل تعتبرها جنة من دون بواب؟
لم يكن لي مزاج للنقاش فقبل قليل واجهت عاصفة لعينة وغرقت في البحر ثم بدأت الأسماك تتناولني على العشاء فسألته عما يريده الآن؟
طلب أن أتريث ريثما يحين دوري فأخبرته برغبتي أن أشرب كأساً من المتة مع سيجارة حمراء طويله،، وبحركة خاطفة وجدت أمامي ما طلبت فتشجعت وسألته عن أحوال الإنترنت هنا موضحاً له رغبتي في كتابة هذه القصة ونشرها على صفحتي في موقع التواصل الاجتماعي وما هي إلا ثوان حتى كان جهاز الحاسوب أمامي مزوداً بشبكة الإنترنت.
مرحباً أيها الأصدقاء،، أحدثكم من أمام الجنة في انتظار دوري،، كانت مغامرة لعينة تلك التي أرسلتني إلى العالم الآخر، كيف هي أحوالكم؟
قبل قليل كان سيقتلني الملل....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان الجزائري محمد بورويسة يعرض أعماله في قصر طوكيو بباريس


.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني




.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء


.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في




.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/