الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دور منظمة التحرير الفلسطينية في العلاقات العربية - العربية

فادي قدري أبوبكر

2015 / 1 / 27
السياسة والعلاقات الدولية


دور منظمة التحرير الفلسطينية في العلاقات العربية – العربية

مرت منظمة التحرير الفلسطينية بمراحل مفصلية هامة ،وكان للمنظمة تأثير فاعل في العلاقات العربية – العربية منذ نشأتها وحتى توقيع اتفاق أوسلو عام 1993م ، إلا أن بعد هذا التاريخ خفت نجم منظمة التحرير الفلسطينية في ظل وجود حكم ذاتي للفلسطينيين ممثل بالسلطة الوطنية الفلسطينية. فكيف أثرت منظمة التحرير الفلسطينية في العلاقات العربية – العربية؟.
نشأة منظمة التحرير الفلسطينية:-
جاءت نشأة منظمة التحرير الفلسطينية محصلة توافق ما بين طموحات الفلسطينيين و المصالح العربية ، فمن جهة كان الفلسطينيون بحاجة الى كيان خاص بهم يمثلهم ويمثل طموحاتهم ، ومن جهة أخرى رأت كثير من الدول العربية مصلحتها في تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية لتحمل عنهم عبء القضية الفلسطينية وتكون هي رأس الحربة في مواجهة الكيان الاسرائيلي.
انعقدت القمة العربية الأولى عام 1964 في القاهرة بدعوة من جمال عبدالناصر ، ناقشت القمة القضية الفلسطينية والكيان الفلسطيني ، وتم تخويل الشقيري الذي كان ممثل فلسطين في الجامعة العربية آنذاك بأن يبدأ اتصالاته بالدول الأعضاء والشعب الفلسطيني ليرى الطريقة المثلى لتنظيم وتمثيل فلسطين . واستمرت الاتصالات حتى تم اعلان تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة أحمد الشقيري وذلك بتاريخ 28 مايو 1964. أثار اعلان قيام منظمة التحرير الفلسطينية مواقف مختلفة للدول العربية فمصر،سوريا والعراق مثلاً كانت أكثر الدول تأييداً لقيام المنظمة ودليل ذلك قول الشقيري أنه "لولا الجمهورية العربية المتحدة ولولا الرئيس عبدالناصر بالذات ،لما قامت منظمة التحرير الفلسطينية." كما أن عبدالناصر قام باسهامات بارزة منها تشكيل جيش التحرير الفلسطيني بقطاع غزة ،وانشاء اذاعة في القاهرة اضافة الى تشكيل كتائب جيش التحرير في كل من سوريا والعراق. لبنان أيضاً أبدت موافقتها على قيام المنظمة ككيان سياسي فقط ، أما بالنسبة للأردن والمملكة العربية السعودية فيمكننا القول أنهما كانتا في معسكر المعارضة ولو ليس بالشكل العلني ، فالأردن خشيت من قيام كيان فلسطيني مستقل ينازعها الصفة التمثيلية للفلسطينيين بالرغم من تطمينات الشقيري بعدم قيام ذلك الى بعد التحرير ، والسعودية أيضاً عبرت عن تحفظها من طريقة بناء هذا الكيان . اذاً نقرأ من ذلك أن نشأة منظمة التحرير الفلسطينية أوجدت معسكرين متضادين ولو بشكل غير علني (الاردن-السعودية مقابل مصر-سوريا –العراق).(1)
الوجود الفلسطيني في الأردن:-
اثر حرب حزيران ،واشتداد وتصاعد العمليات الفدائية الفلسطينية ، والتي كان مقر الثورة العلني آنذاك في الأردن شرقي نهر الأردن ومركزها بلدة الكرامة . قرر الأسرائيليون مهاجمة معاقل الثورة في الكرامة للقضاء عليها ، وفي فجر 22/3/1968 تقدمت الآليات والدبابات الاسرائيلية باتجاه الكرامة تغطيها المدفعية والطيران ، وكان الفدائيين الفلسطينيين قد أثروا الصمود والتضحية على الانسحاب ،خاصة وأن حرب الأيام الستة والهزيمة كانت طاغية على العقل العربي، وبالفعل كانت معركة ملحمية رغم أن القوات لم تكن متكافئة . وعندما شاهد الجيش الاردني ووحداته المتقدمة الاعتداءات الاسرائيلية وعلى الأراضي الاردنية ، ما كان لهم الا المشاركة في المعركة ، مما اضطر الجيش الصهيوني للانسحاب مجبراً من أرض المعركة ، فكانت معركة الكرامة المعركة التي أعادت للأمة العربية والجندي العربي الثقة بالنفس ، وقال جمال عبدالناصر " ان الثورة الفلسطينية أنبل ظاهرة أفرزتها الأمة العربية".
شكلت معركة الكرامة نقطة تحول في تاريخ المنظمة فقد تعاظمت قوتها بشكل كبير ، وخشي النظام الأردني من هذه الظاهرة حيث أصبح للحركة الفدائية شرطتها العسكرية وجهازها الأمني ومحاكمها ومكاتبها ووسائلها الاعلامية ، اضافة الى قواتها المسلحة. وعلى أثر ذلك هاجم النظام الاردني فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وذلك بشهر ايلول 1970 والذي عرف فيما بعد بأيلول الاسود . أثار أيلول الأسود اختلال بالعلاقات العربية العربية فقد تعرض النظام الاردني لضغوط وانتقادات عربية خصوصاً من مصر والعراق وسوريا ومن الحركة الوطنية الاردنية والاحزاب اللبنانية ، وحذروا النظام من محاولاته لتصفية المقاومة. من أبرز تلك الانتقادات أو الادانات كانت ادانة كل من جمال عبدالناصر وجعفر النميري للنظام الاردني . كما القى الرئيس السوري نورالدين الأتاسي خطاباً هاجم فيه الملك حسين ووصف الحكم بالاردن بالحكم العميل وتحدث بشكل غير مباشر عن ضرورة تدخل سوريا في المعركة الدائرة في الأردن . على أثر هذا الخطاب وجهت الولايات المتحدة الامريكية رسالة شديدة اللهجة الى الاتحاد السوفياتي تطالبها بسحب القوات السورية من الاردن مشيرة الى امكان تدخل اسرائيلي جوي أو حتى بري في الاردن . واشتركت طائرات اسرائيلية واردنية في قصف القوات السورية يومي 21و22 ايلول مما اضطر القوات السورية الى الانسحاب. أما عبد الناصر والذي هده عدوان حزيران، أعلن عدم قدرته على ارسال قواته للأردن، ولم يكن أمامه الا لعب دور سياسي كوسيط بين ياسر عرفات وحسين. وبقي الحال هكذا حتى تم توقيع اتفاق القاهرة 27/9/1970 وذلك بعد سقوط حوالي خمسة آلاف شهيد من فدائيو المقاومة وعرف هذا الشهر بأيلول الأسود.قضى اتفاق القاهرة بخروج المنظمات الفدائية من المدن الأردنية كاملة لتتجمع في أحراش جرش وعجلون ، ولكن وفاة عبد الناصر في اليوم الذي يلي الاتفاق والتغير في ميزان القوى خصوصاً بعد تكبد المقاومة خسائر فادحة ، اضافة الى تغير الأجواء العربية فحل السادات محل جمال عبدالناصر وحافظ الأسد محل الاتاسي ،وأصبح الوضع في العراق معادياً لمنظمة التحرير الفلسطينية ، وحمل القذافي المنظمة المسؤولية عما جرى في الأردن . كل تلك العوامل اضافة الى التعويضات المالية والعسكرية التي قدمتها الولايات المتحدة للنظام الأردني شجعت الملك حسين على تصفية العمل الفدائي وانهاءه في الأردن ، ففي شهر أيار عام 1971هاجم النظام معاقل الثورة ودارت معارك أدت الى استشهاد الآلاف على رأسهم الشهيد القائد أبوعلي اياد ، وعلى أثر "مجازر جرش" انتهى الوجود العلني للثورة الفلسطينية في الاردن وانتقلت منظمة التحرير الفلسطينية الى لبنان.(2)
اذاً فان ايلول الاسود وما تلاها من مجازر جرش كانت لها بصمتها الواضحة في العلاقات العربية – العربية ، فقد أدت الى توتير العلاقات بين الاردن من جهة ومصر وسوريا من جهة أخرى . كما أن قذافي ليبيا حمل المنظمة مسؤولية ما جرى في الأدرن وكان معادي لها في تلك الفترة. كما لا ننسى أن موقف الأتاسي من الاردن وما جرى من تدخل عسكري هو السبب الرئيسي في انقلاب حافظ الأسد على الحكم في سوريا ، والذي أصبح موقفه فيما بعد موافق للملك حسين من منظمة التحرير الفلسطينية.
الوجود الفلسطيني في لبنان:-
في عام 1948 أقام الغرب دولة يهودية في المنطقة على الحدود مع لبنان، مما أسفر عن تهجير الآلاف من الفلسطينيين الى مخيمات اللجوء في لبنان، والذين بدأو عملهم كمقاومة فلسطينية منذ حرب عام 1967، مكتسبين شرعية الوجود المسلح لهم هناك بإقدام الحكومة اللبنانية على توقيع اتفاقية القاهرة عام 1969، ومع انضمام منظمة التحرير الفلسطينية لتحالف قوي مع الحركة الوطنية اللبنانية بزعامة " كمال جنبلاط"، أخذت الطائفة المارونية في لبنان بالنظر لهم كتهديد، لدورها و لموقعها المهيمن على النظام السياسي اللبناني.(3)
ومنذ قيام دولة إسرائيل عام 1948 ومحاولاتها المستمرة في إقامة وترسيخ العلاقات بين الموارنة في لبنان، كخطوة بعيدة المدى والرؤية جاءت فيما بعد تمهيدا لاحتلال لبنان، كان لا بد من تدخل النظام السوري ضمن المعادلة اللبنانية خاصة وأن سوريا تنظر إلى لبنان كجزء مسلوب منه من ناحية فضلاً عن القلق السوري إزاء استخدام لبنان كقاعدة من قبل التحالفات الغربية واسرائيل للقضاء على نظام الأسد والمقاومة الفلسطينية هناك.(4(
فظهر الدور السوري في الحرب الأهلية في لبنان عام 1975 كقوة ردع عربية يوكل لها مهمة الإشراف والرقابة على الوضع اللبناني المتأزم، بناءا على قرارات قمة الرياض والقاهرة في تشرين أول من عام 1975، وبطلب من السلطة اللبنانية أنذاك لوقف تقدم المقاتليين الفلسطينيين وحلفائهم اللبنانيين هناك، كما "وتدخلت سوريا بالشأن اللبناني عام 1976 لصالح الميليشيات المسيحية للحيلولة دون اندحارها على يد القوات الفلسطينية- اللبنانية المتحالفة ، والهدف من وراء هذا الموقف السوري المتبدل بتحالفاته الحفاظ على ميزان القوى بين الفصائل المتحاربة وعدم مقدرة أي فصيل من إحكام السيطرة على الآخر وتولي زمام الأمور في لبنان، ليبقى أمر الشأن اللبناني تحت السيطرة السورية.(5)
ومن هنا تعددت السلطات داخل المجتمع اللبناني ما بين سورية ولبنانية وفلسطينية، الأمر الذي جعل الصراع الطائفي المسلح في لبنان أمرا دائم الإستمرارية، ومع بداية الثمانينات وفي تصاعد الحرب الأهلية في لبنان وخوف الطائفة المارونية من ضياع نفوذهم نتيجة للوجود المتنامي لمنظمة التحرير الفلسطينية، سهل "بشير الجميل" قائد القوات اللبنانية والصفوة الحاكمة عملية الغزو الإسرائيلي الشامل للبنان، بعملية مرتبة تقضي برحيل الفلسطينيين من لبنان والقضاء على الوجود الفلسطيني.(6)
باعتقادي ان الحرب الاهلية اللبنانية عام 1975 كان لها الأثر الأكبر من غزو بيروت عام 1982 في العلاقات العربية ، فقد أثرت بشكل كبير في العلاقات السورية واللبنانية والمنظمة أيضاً . وكان للمنظمة دور في تعميق الخلاف السوري اللبناني من جهة واللبناني اللبناني من جهة أخرى.
خط القاهرة- الرياض:-
كانت السعودية ومصر هما الطرفين الثابتين الأساسيين في تحالف منظمة التحرير الفلسطينية وتحديداً القائد الراحل ياسر عرفات ، فالمملكة العربية السعودية كانت بالنسبة لقيادة المنظمة وخصوصاً ياسر عرفات هي أسمنت الجدار الاستنادي الذي تستند اليه المنظمة ، ومصر تجعل المنظمة مطمئنة لأن علاقة مصر بالمنظمة ستجعل كثيرين يترددون قبل اشهار العداء لمنظمة التحرير الفلسطينية ، أو ايذائها . لا ننسى أن مصر فعلياً هي من منحت المنظمة شرعية الوجود العسكري في لبنان ، فلولا عبد الناصر لما أبرمت اتفاقية القاهرة . وبالتالي فبالنسبة لمنظمة التحرير الفلسطينية ان كان خط عمان – دمشق معادي لها فان خط القاهرة- الرياض كان معادلاً لهذا الخطر.
ان منظمة التحرير الفلسطينية كانت تعتمد على خط السعودية- مصر ، فالسعودية كانت الداعم الاقتصادي ومصر كانت الداعم السياسي القوي . وهذا أثر نوعاً ما في العلاقات ما بين السعودية-مصر و الاردن-سوريا .
المنظمات الفلسطينية وأزمة الخليج:-
بالنسبة الى مواقف المنظمات والقوى الفلسطينية تجاه أزمة الخليج يمكن تقسيم تلك المواقف الى ثلاثة اتجاهات :- اتجاه عبرت عنه القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة وحركة الجهاد الاسلامي وكان أكثر اتجاه متحيز بشكل واضح للعراق ، واتجاه آخر عبرت عنه حركة "حماس" وتميز باجتيازه مرحلتين : مرحلة تغليب الموقف ضد التدخل العسكري الأجنبي ،ثم مرحلة التوازن النسبي والنظر الى الغزو العراقي على أنه لا يقل خطورة عن هذا التدخل . وهناك اتجاه ثالث وهو الذي عبرت عنه قيادة منظمة التحرير وفصائلها ، وهو الاتجاه الأهم كممثل أكبر للشعب الفلسطيني ، وقد تجنب هذا الاتجاه ادانة الغزو العراقي ، والتزم بموقف معارض للادانة العربية لهذا الغزو ، وامتنعت قيادة المنظمة عن دعوة العراق للانسحاب غير المشروط من الكويت ، لكن دون القيام بتأييد علني له. و أدق وصف لموقف المنظمة كان وصف أحد أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني " انه موقف أقرب الى قبول الموقف العراقي دون تأييد علني للاحتلال ، لكن بدون ادانة له في الوقت نفسه".(7)
لا شك بأن الموقف الفلسطيني ممثلاً بموقف منظمة التحرير الفلسطينية تجاه أزمة الخليج قد أثر تأثيراً سلبياً على القضية الفلسطينية على الصعيد العربي والدولي طبعاً . على المستوى العربي أدى موقف منظمة التحرير الفلسطينية ازاء أزمة الخليج الى تدهور علاقاتها بدرجات متفاوتة مع الدول العربية التي تصدت للعراق فقد قطعت دول الخليج ودول عربية أخرى علاقاتها بمنظمة التحرير الفلسطينية،وأوقفت دعمها المالي لها.
ان منظمة التحرير الفلسطينية كانت طرفاً مباشراً في الانقسام العربي الذي ولد نتيجة هذه الأزمة وهو يعتبر من أكبر و أخطر الانقسامات التي حدثت منذ أن وجد النظام الاقليمي العربي .
اتفاقية أوسلو 1993:-
تم توقيع اتفاقية اوسلو بتاريخ 13 ايلول 1993 بين منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة الكيان الاسرائيلي ، وتم ذلك بحضور دولي كبير تحت رعاية الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون ، وبحضور رئيس منظمة التحرير الفلسطينية "ياسر عرفات" ورئيس وزراء الحكومة الاسرائيلية "اسحق رابين". جاء اتفاق اوسلو نتيجة لعوامل اقليميىة ودولية أبرزها : انهيار الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية ، اضافة الى الانقسام الذي طرأ وتضعضع النظام الرسمي العربي خصوصاً بعد أزمة الخليج ، والاجتياح العراقي للكويت وما تبعه من اخراج العراق من الكويت بقوة التحالف الدولي المدعوم بقرارات مجلس الأمن في الأمم المتحدة .(8)
من نتائج الاتفاقية طبعاً أنه اعترفت اسرائيل بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني ، وعربياً يمكننا القول أن اتفاقية أوسلو والتي على أثرها انتقل الجسم السياسي والعسكري الرئيسي لمنظمة التحرير الفلسطينية للوطن ، مما أدى الى التخفيف من حدة التوتر مع الدول العربية الشقيقة ، فلم يعد هناك تصادم بين مفهوم الدولة والثورة كما حصل في كل من الأردن ولبنان.
لقد استطاعت امريكا بعد حرب الخليج الأخيرة جر أغلب الدول العربية ومنظمة التحرير الفلسطينية أيضاً الى مؤتمر مدريد والتسليم بالقواعد التي وضعها بوش وبيكر للتسوية خصوصاً بعد حالة الانقسام الني كان يعيشها النظام السياسي العربي . وبلا شك أن تلك القواعد كانت متوافقة مع الشروط الاسرائيلية في المفاوضات المباشرة . فقد بقي موضوع الجولان مرتبط بتنفيذ قرار 242 ، وفيما يخص الشأن اللبناني بقي قرار 425 القاعدة الأساسية له، كذلك الأمر بالنسبة للمسار الأردني . أما بالمسار الفلسطيني أصبح قرار 242 لا قيمة له ، وتمحور الحديث عن الحكم الذاتي وصلاحياته.هذا كله أدى الى انحدار في الحقوق العربية والاسلامية والفلسطينية في فلسطين.(9)
لقد أحدث اتفاق أوسلو شرخاً بين الموقف الرسمي الفلسطيني والموقف الرسمي العربي . فالعلاقات الفلسطينية – العربية في تجربة الثورة الفلسطينية منذ عام 1965 لم تتبدل بشكل أساسي الا بعد هذا الاتفاق . حيث أن الموقف الرسمي الفلسطيني قد تجاوز السقف العربي في التراجع أمام الكيان الصهيوني والادارة الامريكية . الأمر الذي أوجد حالة تناقض بين الموقف الفلسطيني والموقف العربي حتى موقف مصر الى حد ما. لقد كان اتفاق أوسلو السم الذي دس في العلاقات العربية – العربية ، فقد همت الدول العربية بعدها الى توقيع اتفاقيات احادية مع اسرائيل دون حسيب ورقيب.الأمر الذي جعل العنصر الاسرائيلي يتسلل للبيت العربي والفلسطيني . وهذا الهدف وهو توسيع الخلافات العربية – العربية .
لا يجب أن ننكر أن الفلسطينييون لم يتلقوا دعماً مباشراً على الساحة العربية ، خصوصاً بعد أزمة الخليج والمواقف العربية التي تلت من منظمة التحرير الفلسطينية. وعلى المستوى الرسمي العربي فقد فقد الفلسطينييون حقهم بمطالبة الدول العربية بالتزاماتهم نحو القضية الفلسطينية وشعب فلسطين ، لأن الالتزامات تنبع من الحقوق المقابلة . وباتت العلاقة العربية الفلسطينية تتمحور حول الولاء الفلسطيني وموقفه عوضاً عن معادلة الصراع العربي-الاسرائيلي.
ان شر البلية ما يضحك ، ففعلياً لم يتم الاتفاق عربياً الى في اتفاق أوسلو عام 1993 ، فقد تبنت معظم الحكومات العربية مسألتين الا وهما "التفاوض هو الأسلوب الوحيد لحل النزاعات " و "لا لاستخدام العنف المسلح". وعلى الرغم من عدم التزام اسرائيل بتنفيذ التزاماتها في الاتفاقيات الموقعة مع منظمة التحرير الفلسطينية ، الاأن الدول العربية لم تمارس حرباً أو أي نوع من الضغوط تجاه اسرائيل أو حتى دعوة الفلسطينيين الى التخلي عن اتفاق أوسلو: ودعمهم مادياً وعسكرياً في سبيل تحرير الأرض المقدسة.
نقرأ من هذا الحدث "اتفاق أوسلو" أنه كان نقطة تحول خطيرة في العلاقات العربية – العربية ، فحتى لو اتفقت الدول العربية على مبدأ التفاوض والتطبيع مع الكيان الاسرائيلي ، الا أن هذا أدى الى توسعة التفرقة ما بين تلك الدول . وبالرغم من الاعتراف الدولي بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني الا أن الظروف العربية المحيطة بها هي التي أجبرت المنظمة على خوض المفاوضات من مؤتمر مدريد ونهايةً الى توقيع اتفاقية أوسلو . مجمل الحديث أن الدول العربية تخلت عن منظمة التحرير الفلسطينية بعدم تبنيها أي موقف ايجابي معها سواءً كان دعمها في خيار السلم أو الحرب . فالدول العربية فعلياً لم تفعل شيئاً .
ما بعد أوسلو:-
انتقلت منظمة التحرير الفلسطينية على أثر اتفاق اوسلو الى جزء من أراضي فلسطين (الضفة الغربية وقطاع غزة) ، وتم تشكيل السلطة الوطنية الفلسطينية لتمثل حكم ذاتي للفلسطينيين في أراضي الضفة وقطاع غزة.
تعاملت الدول العربية مع السلطة الوطنية الفلسطينية المنبثقة عن منظمة التحرير الفلسطينية واعترفت بها كممثل للكيان الفلسطيني . ولكن سوريا تململت وعلاقتها بالمنظمة والسلطة كانت تمتاز بفترات من الشد والجذب. ويمكن القول أن الانتفاضة الثانية التي عرفت بانتفاضة الأقصى والتي انطلقت عام 2000 أدت الى نوع من الاجماع العربي والدولي على ضرورة حل القضية الفلسطينية ، وجاءت مبادرة السلام العربية عام 2002 التي أطلقها الملك عبدالله بن عبد العزيز ملك السعودية ولاقت تأييداً عربياً ، وكان هدفها اقامة دولة فلسطينية مستقلة معترف بها دولياً على حدود 1967 وعودة اللاجئين والانسحاب من هضبة الجولان.
تتوالى الاحداث من بعد هذه الفترة ، حتى الوصول الى مفترق طرق خطير ، الا وهو الانقسام الفلسطيني الذي نتج من الانقلاب الأسود الذي قامت به حركة المقاومة الاسلامية "حماس" على السلطة الوطنية الفلسطينية في قطاع غزة . حيث أثر هذا المشهد على الموقف العربي فظهر فريقان من الدول العربية ، فقطر وسوريا وحتى ايران دعموا حركة حماس بغزة مقابل بقية الدول العربية التي لم تعترف الا بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني . وجاءت أحداث الربيع العربي لتأزم الأمور وتغير الظروف . وعلى الرغم أن الموقف الرسمي لمنظمة التحرير الفلسطينية هو عدم التدخل في الشؤون الداخلية في كل قطر عربي أو في الخلافات العربية-العربية ، مستفيدين من أخطاء وعبر الماضي . الا ان حركة المقاومة الاسلامية "حماس" كررت الخطأ نفسه بتدخلها وتحيزها لطرف دون آخر في مصر وسوريا وحتى في تونس وليبيا . الأمر الذي لن يعود بالنهاية سوى على الشعب الفلسطيني الذي سيدفع ثمن تلك الاخطاء.
نقرأ من كل ما سبق أن منظمة التحرير الفلسطينية منذ نشأتها وحتى عودتها الى أرض الوطن (الضفة وقطاع غزة) شاركت بشكل فاعل في التأثير على العلاقات العربية-العربية. ولا شك ان المنظمة كان لها دور،ودور فاعل جداً في العلاقات العربية – العربية سواء كان ذلك بالشكل الايجابي أم السلبي .ولكنها لم تخلق أو توجد نوع جديد من العلاقات العربية – العربية ، وانما كانت فاعل في تلك العلاقات وفي فترات معينة سواء كان ذلك بالشد أو الجذب، فكما قال قائدنا الراحل ياسر عرفات "نحن الرقم الصعب في الشرق الأوسط".لذلك كله لا أرى أن وصف البعض العامل الفلسطيني بالمحدد الرئيسي في العلاقات العربية-العربية دقيقاً، ففي الحرب الأهلية اللبنانية كما ذكرنا سابقاً وعلى الرغم من وجود تدخل فلسطيني الا أن الطائفية في لبنان وجدت من قبل الوجود الفلسطيني المسلح بلبنان ، وسوريا دائماً ما تنظر للبنان كجزء من أراضيها التي تخشى أن تخرج عن سيطرتها . ولكن من هذه الدراسة والحقائق نستخلص أن منظمة التحرير الفلسطينية كانت فاعل "غير دولتي" رئيسي(وليس محدداً رئيسياً) في المنطقة العربية والشرق الأوسط.

(1) "نشأةالمنظمة."المقاتل.http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/Monzmat3/Monazma-Ta/sec03.doc_cvt.htm).
(2) أبوغربية،بهجت. من مذكرات المناضل بهجت أبوغربية: من النكبة الى الانتفاضة، 1949-2000.AIRP ،2004.
(3) فضلي، نادية فاضل. تداعيات الأزمة اللبنانيةالملف السياسي. بغداد:مركزالدراسات الدولية، العدد١-;-٢-;-،٢-;-٠-;-٠-;-٥-;-،ص51.
(4) الألفي، جمال. الطائفية والحكم في لبنان. دار الهلال، 1985، ص24-25.
(5) فضلي، نادية فاضل.التطورات السياسية في لبنان وانعكاساتها على الوحدة الوطنية، مجلة دراسات دولية، عدد 47،ص 109-108.
(6) الألفي، جمال، مصدر سابق ص 24-25
(7) عبدالمجيد، وحيد. المنظمات الفلسطينية وأزمة الخليج.مجلة العلوم الاجتماعية، عدد 1، ص175-196.
(8) رشيد، رامي."عشرون عاماً على اتفاق أوسلو".أخبار الخليج، أكتوبر.1،2013.
(9) شفيق، منير. اتفاق أوسلو وتداعياته. بيروت: الناشر للطباعة والنشر والتوزيع،2013.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عاجل.. شبكة -أي بي سي- عن مسؤول أميركي: إسرائيل أصابت موقعا


.. وزراءُ خارجية دول مجموعة السبع المجتمعون في إيطاليا يتفقون




.. النيران تستعر بين إسرائيل وحزب الله.. فهل يصبح لبنان ساحة ال


.. عاجل.. إغلاق المجال الجوي الإيراني أمام الجميع باستثناء القو




.. بينهم نساء ومسنون.. العثور جثامين نحو 30 شهيد مدفونين في مشف