الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قيادة الحركة الإسلامية في العراق 1980 – 2003 / الحلقة 19

عباس الزيدي

2015 / 1 / 31
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


ويروي لنا شهود آخرون بعض التفاصيل التي تخللت الانتفاضة مما لم يُذكر فيما سبق وهي تخص السيد محمد الصدر بدرجة رئيسية :
((واظب السيد الصدر على الحضور الى حرم أمير المؤمنين (عليه السلام) أيام الانتفاضة، وكان يوجه الثوار والعاملين لبعض الأعمال منها ما لم يكونوا عارفين أو ملتفتين إليه كإخراج بعض الآليات من الصحن الشريف، وإخراج الجرحى من الحرم حفاظاً على قدسيته وطهارته لأن بعضهم كان ينزف مما يلوث وينجس أرضية الحرم وهو غير جائز شرعاً، وقد اتخذوا من الحرم مشفى، وكانت فتواه قد اشتهرت وانتشرت في أرجاء النجف، وتشاهدها في حوالي الحرم على الحيطان.
وعندما اشتد القصف على المدينة من جيش صدام واقترب من اقتحامها جاءت مجموعة من الثوار وعرضوا عليه تهريبه الى إيران رفض ذلك وقال "أبعد هذه الشيبة أفارق أمير المؤمنين؟".
بعد اقتحام المدينة والسيطرة عليها تقريباً من قبل الجيش كان السيد الصدر مع عائلته في قبو (سرداب) مبنى جامعة النجف التي يشرف عليها السيد محمد كلانتر، وكان السيد الصدر أحد أساتذتها، باستثناء السيد مصطفى الصدر الذي كان خارج المدينة قبل ذلك لأنه كان هارباً من الجيش ولا يمكنه التواجد في النجف، وكان معهم السيد كلانتر وعائلته ومجموعة من رجال الدين منهم السيد عدنان العلوي والشيخ علي خائفي والشيخ محمد الجواهري والشيخ علي البهادلي والشيخ حسن القسام وأعداد من النساء والاطفال، وبقوا في سرداب الجامعة ثلاثة أيام لا يعلم أحد بوجودهم، الى أن أصرَّ السيد الصدر على الخروج مهما كلَّف الأمر، فعارضه جماعة من الموجودين معه، وبعد جدال اتفقوا على إرسال أحد خدم الجامعة، الذي خرج وأخبر الجيش بوجود علماء وعوائل في السرداب، فطلبوا منه إخبارهم بالخروج فخرجوا، وحاول أحد الضباط أن يكشف وجه إحدى النساء فزجره السيد الصدر فكفَّ عنها.
ثم اتجهوا بهم بعد ذلك الى مديرية أمن النجف التي كان الثوار لا زالوا يسيطرون عليها، فاتخذهم الجيش كدرع بشري، فكانت الاطلاقات تمر من فوقهم وقربهم فارتعبوا وكان السيد الصدر يهدئ من روعهم، وبعد مقاومة من قبل الثوار انسحبوا منها لكثرة نيران الجيش، فادخلوا السيد الصدر ومن معه الى مبنى المديرية واطلقوا سراح النساء والاطفال، وقاموا بتقييدهم وعصبوا أعينهم وتهيأوا لإعدامهم رمياً بالرصاص تراجعوا من دون أن يعلم الأسرى بالسبب.
ثم نقلوهم الى ملعب النجف الذي كان بمثابة معتقل كبير مفتوح يجمعون فيه كل من يلقون القبض عليه، وكانوا قبل ذلك أعلنوا من خلال مكبرات الصوت في كل أنحاء المدينة خصوصاً المدينة القديمة أن كل سيبقى في منزله فسوف يعدم، فخرج كل سكان المدينة القديمة، وشكَّل الجيش نقاط تفتيش على مداخل المدينة القديمة وهناك كانوا يعتقلون كل من يشتبهون به، وقد ساعدهم في التعرف على المشاركين الرئيسيين بالانتفاضة محمد تقي الخلخالي الذي تواطئ مع الجيش وكان يدور معهم على منازل كبار قادة الانتفاضة.
وفي ملعب النجف كان هناك من ينتظرهم من الجلاوزة فينهالون عليهم ضرباً بالهروات البلاستيكية، وشمل الضرب الجميع باستثناء السيد محمد كلانتر لكبر سنه حسب الظاهر، وكان الجميع يتلوى ويهوي الى الارض من ألم الضرب إلا السيد الصدر الذي لم يتحرك إطلاقاً بالرغم من أن الذين كان يضربونه أربعة أو خمسة.
ثم أوقفوهم بشكل صفٍّ أو صفوف وجاء ضابط كبير يستعرضهم، وعندما وقف إزاء السيد الصدر هزَّ رأسه بعد أن تعرَّف عليه، وقال معرِّضاً به : نطالب بدمك يا صدر ..ها؟.
فأجابه السيد الصدر : ما ذنبي أن خلقني الله من آل الصدر.
فقال الضابط ساخراً من لهجة السيد الصدر : ما ذنبي أن خلقني الله من آل الصدر.
فانتهره السيد الصدر : ما تريدون؟، كلكم تريدون أن تكونوا صدام، لعنة الله عليكم.
فجُنَّ جنون الضابط وجرَّد مسدسه ووجَّهه نحو السيد الصدر، فارتمى السيد محمد كلانتر على السيد الصدر واحتضنه، فتركه الضابط بعد أن شاهد موقف السيد كلانتر. ولكنهم أخذوه ناحية وأوثقوه وتظاهروا أنهم سيعدمونه ولكنهم لم يفعلوا، والظاهر أن السبب الأوامر الصادرة بترحيلهم الى بغداد وهناك يتصرفون معهم.
ثم جاءت سيارات مسخَّرة لنقلهم الى بغداد، وعندما أراد السيد الصدر الركوب عمد أحدهم فضرب عمامته وأسقطها أرضاً فدفعه السيد الصدر وتناول عمامته من الأرض ووضعها على رأسه.
وكان السيارة التي نقلوهم بها نوع (مرسيدس 18 راكب) وأنواع أخرى نقلوا بها الآخرين، فاتجهت بهم السيارات الى بغداد في معتقل الرضوانية سيئ الصيت، وشاهدوا هناك مشاهد مرعبة حيث المئات مابين جثة هامدة ومكبلين ومصلوبين وأنواع التعذيب الوحشي الذي اشتهر به نظام صدام الإجرامي.
اقتادوهم الى أحدى القاعات ثم جرُّوهم الى التحقيق الواحد تلو الآخر، وكان المحقق معهم (صدام كامل)، وعندما جاء دور السيد الصدر تأخر أكثر من غيره حتى ظنَّ رفاقه أنه قد اُعدم، وعندما عاد سألوه عن فحوى التحقيق قال : هذا شأني. ولم يقل شيئاً آخر. ولكن بعد مضي سنوات سُئل عن التحقيق فقال إنهم ركَّزوا على فتواه التي حثَّ فيها على الجهاد فأجابهم حينها : أفتيت بالجهاد تحت تهديد السلاح. ثم علّق قائلاً عن قصده بهذه الإجابة : نعم لقد أفتيت بالجهاد تحت تهديد سلاح البعث الكافر فهو مسلَّط علينا.
وبعد مضي عشرة أيام على إعتقالهم جاء معتقلون جدد من أفراد الحوزة في النجف وكان من ضمنهم السيد السيستاني، وبقوا بعد مجيئهم ثلاثة أيام، فكان مجموع أيام اعتقال السيد الصدر ورفاقه ثلاثة عشر يوماً.
أطلقوا سراحهم بعد مضي هذه المدة وزودوا السيد كلانتر ورفاقه بكتابين أحدهما كتاب إطلاق سراح والآخر كتاب بتسليم مبنى جامعة النجف إليه، بينما زودوا السيد السيستاني ومن معه كتاب إطلاق سراح وإذن بدخول مدينة النجف، لأنها كانت مغلقة لا يسمح لأحد بالدخول أو الخروج إلا بإذن من السلطة، وكانت السيارة التي تقلهم نوع (ريم 40 راكب) يصحبهم ضابط برتبة كبيرة، وعند وصولهم جسر الكوفة إستوقفتهم نقطة تفتيش تابعة للحرس الخاص، وصعد الى السيارة الضابط المسؤول فطلب أوراقهم من الضابط الآخر، وبعد تدقيقها قال : هؤلاء يدخلون النجف (أي السيد السيستاني ومن جاء معه)، وأما هؤلاء فلا يدخلون (أي السيد كلانتر والسيد الصدر وأفراد الجامعة). فحصلت مشادة كلامية بين الضابطين، فقام السيد السيستاني وقال : أنا عليَّ بجماعتي. فحصل استغراب لعدم فهم الضابطين هذه التعددية التي قصدها سماحته، وبعد قليل سُمح لهم جميعاً بدخول النجف، ولكنهم وصلوا الى النجف بعد حلول الليل فباتوا في السيارة، وصباحاً أطلقوهم مجموعة تلو الأخرى.
أصبح العلماء ورجال الدين عموماً بعد ذلك بمدة في حذر شديد، والتزموا منازلهم وبالكاد ترى أحدهم في مكان عام أو شارع، ومن تجرأ على الخروج لم يستطع أن يرتدي زيه الحوزوي كاملاً، كالشيخ الفياض وهو من أبرز فقهاء مدرسة السيد الخوئي، وذلك تقية وخشية من أزلام النظام، لكن السيد الصدر كان الوحيد الذي لم يتخلَّ عن عمامته، وواظب على الخروج كلما سنحت له الفرصة، وقال (قدس سره) في حادثة عن تلك الفترة أنه ذهب ليتسوق فشاهده أحدهم فقال : الى الآن لم نتخلص من العمائم([1]))).
وهذه الخشية قد لا تكون واقعية، فمن يريده النظام لم تكن يده تقصر عنه، فالخوف قد يتجاوز حدوده الواقعية، فمن الصحيح أن النظام كان إجرامياً إلا أنه يقف عند حدود معينة إما لأنه لا يرغب أكثر من ذلك، أو تخوفاً من الضغوط الخارجية التي قد تمارس عليه، أو لتهدئة الفورة الجماهيرية التي كلَّفته الكثير، ولم يكن قادراً من السيطرة على البلد بعد هذه الإنتفاضة العارمة التي كادت أن تطيح بكرسيه لولا أن سمحت له أمريكا وحلفاؤها باستخدام جيوشه وطائراته لسحق المدن المنتفضة.
لاحظنا أن فتوى وبيان السيد الخوئي كما رأينا كانا خاليين من أية نبرة توحي بجواز القتال فضلاً عن وجوبه، وقد وجدنا العذر له فيما مضى، ونضيف هنا أيضاً أن مجرد المشاركة الفعلية لأولاد السيد الخوئي قد يكون فيه الدلالة الكافية على رغبته في استمرار القتال ضد النظام، وهذا أيضاً قد يقال في شأنه أن وسائل الاعلام كانت منعدمة تقريباًً بالتالي يكون وصول الأخبار بهذه الدقة غير محتمل بخلاف الفتوى أو البيان، ولكن يبدو أن الذين حوله التفتوا الى حراجة الموقف فيما لو انتصرت الانتفاضة واسقط النظام، فيكون الموقف لصالح الصدر والسبزواري، بينما كان الاتجاه نحو تهيأة كرسي المرجعية للسيد السيستاني، الذي كان يصلي قبل الانتفاضة في مسجد الخضراء كإشارة على أنه الخلف المرتقب للسيد الخوئي.
استخدم النظام في قمع الانتفاضة قوات الحرس الجمهوري والحرس الخاص الذين ينتمي معظمهم أو كلهم الى المحافظات الموالية للنظام وهي الانبار وصلاح الدين والموصل وديالى، ضمن ما يسمى بالحرس الخاص، وكان حسين كامل يقود تلك القوات في الفرات الاوسط، وفي الجنوب كانت تحت أمرة علي حسن المجيد ومحمد حمزة الزبيدي الذي شغل حينها منصباً رمزياً كرئيس وزراء للعراق، وشارك في جرائم النظام (منظمة مجاهدي خلق) الايرانية المعارضة، حيث استخدمت هذه العصابات لقمع الانتفاضة وشوهدوا في نقاط التفتيش عند بوبات عدد من المحافظات، كما أن هناك أقاويل شبه مؤكدة عن اشتراك (منظمة التحرير الفلسطينية) في قمع الانتفاضة جنوب العراق.

----------------------

(1) نقلا عن السيد حسين نجل السيد محمد كلانتر، والشيخ علي البهادلي في النجف الاشرف عام 1998، والشيخ حسن القسام في مدينة قم عام 2000، في لقاءات متفرقة مع الشيخ عباس الزيدي. وجميعهم كانوا متواجدين في (جامعة النجف الدينية) أيام الانتفاضة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بشكل طريف فهد يفشل في معرفة مثل مصري ????


.. إسرائيل وإيران.. الضربات كشفت حقيقة قدرات الجيشين




.. سيناريو يوم القيامة النووي.. بين إيران وإسرائيل | #ملف_اليوم


.. المدفعية الإسرائيلية تطلق قذائف من الجليل الأعلى على محيط بل




.. كتائب القسام تستهدف جرافة عسكرية بقذيفة -الياسين 105- وسط قط