الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يونان – حزب سيريزا: لمن تقرع الأجراس؟

حسان خالد شاتيلا

2015 / 2 / 1
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


يونان – حزب سيريزا:
لمن تقرع الأجراس؟
حسان خالد شاتيلا

في اليوم التالي على نيل حزب سيريزا الأكثرية في الانتخابات التشريعية اليونانية، نَشَرَ المثقف الماركسي اليوناني ستاتيس كوفيلاكيستعليقا تحت عنوان: "أيامٌ تالية لانتصارٍ"، -لاحظ صيغة النكرة في الحالتين: الزمان والمجرور يه -، جاء فيه: "أن هامش المناورة أمام سيريزا يضيق، وأن زمان السياسة المُلْتَبَسَة لن يلبث أن يمر بسرعة.. وإن مسافات الأزمنة والأحداث التاريخية معدومة بين نشوء الصدام وبين تخلي سيزيزا عن برنامجها" المعادي للتقشف. ويضيف الكاتب، وهو يكرِّس أعماله في السنوات القليلة الماضية لتأييد سيريزا: "إن لحظة الحقيقة مرئية منذ الآن لا محالة".

يُستشف من هذا التحليل المادي التاريخي أن الصيرورة السياسية لمسار الأحداث تنفتح – إذا صحَّ تحليل الكاتب –على زمان جديد مختلف التكوين، أكثر بطأً، أقل أو أكثر سرعة، من أزمنة المناورة. أزمنة تاريخية سباقة على السياسة المُلْتَبَسَة لحزب سيريزا، أو متأخرة وراءها، تتخطى صِدام سيريزا مع اليمين أو تخليها عن برنامجها المعادي للتقشف. زمانية جديدة تخترق لحظة الحقيقة – حسب ما وردت بقلم الكاتب - التي قد تأتي لتؤكِّد تمسك سيرسزا ببرنامجها أو تخلِّيها عنه، تحت ضغط اليمين اليوناني والرأسمالية الأوروبية والعالمية، لاسيما، وأن حزب سيريزا الذي كان يراهن أثناء الحملة الانتخابية على إحراز الأكثرية المطلقة، بحيث يستغني، في ما يتعلق بتشكيل الحكومة، عن اليمين المستقل (القومي اليوناني) ويمين الوسط. إلا أن نتائج الانتخابات جاءت بخلاف ما كان يتوقعه، لتلزمه بالتحالف مع اليمين المستقل، من جراء افتقاد النتائج الانتخابية التي كانت سيريزا تعوِّل فيها الآمال على إحراز الأكثرية المطلقة، بحيث تكون في سياستها الاقتصادية مطلقة اليدين، غير مقيَّدة بشروط الحليف. هذه الصيرورة للأحداث السياسية تتسع للتناقضات والتباين ما بين أزمنتها. فمن هذا التناقض والتباين تتكون ساحة للصراع رخوة البنيان، قد ينبثق منها/عنها رأسمالية عالمية وحشية تتكالب على سيريزا لخنقها. هذا احتمال يثير قلق ومخاوف اليسار الشيوعي والجذري في أوربا واليونان، ولم يخفَى شبحه الذي يلوح في الأفق الأوروبي عن أنظار ستاتيس كوفيلاكيس الذي يُنبِّه بدوره إليه. لكن هكذا بنيان يفتقد للصلابة، يُشكِّل، أيضا وأيضا، في جميع الأحوال، ساحة صراع مفتوحة أمام انبثاق، من ساحة الصراعات، الثورة الشعبية المسلَّحة أو الحكم الديكتاتوري للبورجوازية.
إن تاريخ نضالات الشعب اليوناني ضد الفاشية والديكتاتورية العسكرية لرأس المال اليوناني، وراء الحزب الشيوعي أو متقدِّما عليه، ونضالاته وراء حزب سيريزا أو سبَّاقا له، على غرار أحزاب اليسار الجذري والشيوعي في أوروبا بصورة عامة، تؤكد، كما يفعل كاتبنا، أن الصدام مع اليمين اليوناني، والأجهزة المدرَّعة أو الخشنة للاتحاد الأوروبي، من حيث هو اتحاد للرأسمالية الأوروبية وفي خدمتها، شأنه شأن تنكُّر حزب سيزيكا لبرنامجه المعادي لسياسة التقشف التي حَرَمَت الطبقات الشعبية وشرائح واسعة من الطبقات الوسطى من الأمن الغذائي والصحي والسكني، والدخل الكافي مهما تدنت قيمته، تضع الحالة اليونانية اليوم أمام خيارين اثنين، فإما الصدام مع رأس المال اليوناني والأوروبي، وإما التنكر للبرنامج الشعبي المناوئ للتقشف. أما الحالة التاريخية لليونان ما بين الصدام والتنكُّر، فإنها، حسب ستاتيس كوفيلاكيس ، تنذرنا أن الحالة اليونانية "لا تتسع لمزيد من الو قت"، وأن "الحقيقة تدق ساعتها". غير أن كاتبنا يستنكف عن إيضاح ماهية هذه "الحقيقة" ومضمونها. الآمر الذي يَفسَح المجال أمام فرضية مؤداها أن "الحقيقة" التي تتراءى له، غير أنه لا يتلمَّس مضمونها، إنما هي مُسَجَلَّة في قيد المجهول، ليس فقط بأنظار هذا المثقف الماركسي اليوناني، وإنما بأنظار اليسار الشيوعي واليسار الجذري في اليونان وأوروبا معا.
إن هذه "الحقيقة"، موضع البحث عن مستقبل ما يسمَّى ب/"اليسار الجذري" في اليونان، ليست ماهية قَبْلِيَّةٌ أو بعدية، وليست مفهوما جامدا، أو مقولة منطقية. إلا أنها، بالرغم من ذلك، لازمة وملزمة عما قريب، ولن تلبث أن تحدث. حقيقة ما يحدث أن الزمان التاريخي للصراع في اليونان، لن يقف سوى لحظة صغيرة في نزاع مُر ما بين الصدام والتنكُّر للبرنامج اليساري الشعبي. الحقيقة الماثلة أمام سيريزا والشيوعيين في اليونان لا تنطوي على مفارقة ما بين هذين الحدين للحالة اليونانية. فالصدام مع اليمين، والتنكُّر للبرنامج، متَّحدين في عجينة واحدة من الصراعات السياسية، الآنية والمستمرة، بما يَفتح أمام هذا الزمان زمانا آخرَ ينبثق عن زمان الصدام والتنكر، ألا وهو زمان الثورة الشعبية المسلحة. إذ "إن المسافة ما بين الصدام والتنكر معدومة"، على حد ما يَكتُب ستاتيس كوفيلاكيس. أي إنهما متحدان غداة النتائج الانتخابية، بخلاف ما سيأتي عنهما في وقت قريب عاجل من أمر مجهول بأنظار الكاتب واليسار المتطرف والشيوعي، يونانا وأوروبيين. فالبورجوازية اليونانية، على غرار مثيلتها الأوروبية، لن تتخلى قيد أُنملة عن مصالحها السياسية والاقتصادية على رأس الدولة. أما إذا تخلَّت سيريزا عن برنامجها الإصلاحي، أو هي تمسَّكت به مهما كانت "التضحيات" بالأرواح والأموال، فإنها، اعتبارا من هذا اليوم، محكومٌ عليها في ما يتعلق بالحالتين الاثنتين، أن تواجه بصددهما تلك الحقيقة المطوية في مستقبل ما يأتي من أزمنة تاريخية. ذلك أن الحدين الاثنين، الصدام والتنحي، وإن كانا غداة الانتخابات متحدين في زمان سياسي واحد، إلا أن الانتقال الزماني إلى زعزعة الاقتصاد الأوروبي النيوليبرالي بالفعل وعلى أرض الواقع، سيَشْطُر أحد الحدَّين عن الحد الآخر، مما يؤدي إلى ظهور زمان جديد. زمان الفاشية واليمين المتطرف اليوناني، أو زمان الثورة الشعبية المسلَّحَة. الحقيقة الآتية في هذا المقام هي الثورة الشعبية، صراع الطبقات، المطالب المجتمعية للشعب، والتي كان حزب سيريزا في الماضي، أثناء الحملة الانتخابية والتحضير لها، يتبناها، والتي أصبحت اليوم، وقد "دقَّت ساعة الحقيقة"، مجهولة المستقبل.
فلنلزم الحذر. إن البرنامج السياسي لحزب سيريزا منبثقٌ عن إيديولوجية بورجوازية إصلاحية، دَفَعَت بالجماهير إلى التصويت في صناديق الاقتراع انتصارا لبرنامج سياسي قصير المدى، يَفتقد إلى النفس الطويل المفترض بالضرورة في كل استراتيجية شيوعية. أيا كانت هذه "الجذرية" في البرنامج الانتخابي لسيريزا، فإنها، وإن كانت تُسَجِّلُ ما تأتي به البورجوازية من تقدُّم خطوةٍ واحدةٍ نحو نفيها لذاتها، إلا أنها ما تزال على مسافة أبعد ما تكون عن القطيعة مع نمط الإنتاج الرأسمالي. إن التكوين الأيديولوجي، المجتمعي الطبقي، الإصلاحي، للحزب محكوم عليه بالزوال من ساحة الصراع السياسي. قد يأتي زواله في أعقاب انفجاره في المستقبل تحت ضغط ما تمارسه الرأسمالية الأوروبية من ضغوط عليه، أو من جراء انزلاقه نحو التسوية التاريخية مع اليمين. فمجريات الأحداث في أيامنا هذه في اليونان أشبه ما تكون بكارثة طبيعية، تسونامي، أو قنبلة نووية تدمِّر سائر البنى التحتية والفوقية. هكذا تستقبل الرأسمالية الأوروبية الحاكمة، المهيمنة والسائدة، نجاح حزب سيريزا في الانتخابات، وحيازته على أكثرية نيابية لا تمكِّنه، بخلاف الأكثرية المطلقة، من الانتقال ببرنامجه السياسي من مرحلة النضال إلى مرحلة التنفيذ، ما لم يتحالف مع سواه من الأحزاب، وذلك على غرار ما فعل بتحالفه على الفور مع اليمين القومي المستقل. أما إذا أَقْدَمَ على التسوية التاريخية مع اليمين البورجوازي، فإنه سيضطر إلى الاستعانة بالجيش لقمع الجماهير الشعبية. في جميع الأحوال، فإن "ساعة الحقيقة أصبحت منذ اليوم دانية"، ومن المحتمل، إذا ما انغلق الحزب في التسوية التاريخية مع اليمين، فإن الزحوف الجماهيرية نحو مقر رئاسة الحكومة بالملايين سترغمه على الاستعانة بالجيش لقمعها. بيد أن "ساعة الحقيقة " تقرع أيضا مؤذنة ببداية هجوم وحشي شامل على جميع الجبهات من قِبَل الاتحاد الأوروبي، والحلف الأطلسي، ضد حزب سيريزا. لاسيما وأن الحزب لم يعلن جهارا موقفا معاديا للحلف الأطلسي، والإمبريالية، وآلة الاتحاد الأوروبي البورجوازية. زد على ذلك، أن موقفه من الأزمات الدولية الكبرى ما تزال، هي الأخرى، طي المجهول. موقف حكومته من الثورة في سورية، العراق، فلسطين، وأفغانستان، إلخ.
المثقف الماركسي اليوناني المذكور أعلاه، لا يفوته التكوين الزماني وتكوين الفعل، من وجهة نظر المادية التاريخية، لدى تحليله للحالة اليونانية ما بعد الانتخابات التشريعية. .فالعنوان "أيامٌ تاليةٌ لانتصارٍ" يَفتح الطريق أمام التاريخ الذي يتكوَّن من أزمنة متعددة. من هذه الأزمنة زمان الثورة الشعبية المسلحة التي تحتجب عن الرؤية في مقالته. لكن كاتبنا، وان كان لا يتبنى في ما حضر استراتيجية الثورة الشعبية المسلحة، فإنه يُدرك ما ينبئ به التاريخ السياسي لليونان من أزمنة تاريخية قادمة. فالعنوان يُصَرِّف الزمان والعمل بصيغة النكرة. لاحظ أن المقال إذ هو يصيغ الزمان غير مرتبط بأل التعريف، بقوله "أيام تالية لانتصار"، فإنه يوضِّح على هذا النحو ما يأتي أو ما لا يأتي من أزمنة قادمة. كما يَترك العنوان إعراب المضاف إليه "انتصارٍ" خلوا من التعريف. أي إن المقال يترك الأزمنة التاريخية والممارسة من حيث هي الوجه الثاني للنظرية، معلَّقة في اللامتناهي، ما بين انتصارٍ بالتوكيد، وآخر موضع شك. إن ما يأتي من أيام سوداء أو حمراء أو أُخرى مزَيَّنة بأضواء العيد، لا تختلف عن مستقبل الممارسات، والذي ينتهي إما إلى هزائم أو إما إلى انتصارات. كلاهما معلَّقان في الزمان التاريخي. مستقبل البرنامج الإصلاحي الشعبي لليسار اليوناني، وما يحمله من انتصارات أو هزائم، عرضة لكل الرياح التي تحمل معها، بالرغم من إرادة الإنسان، سواء رضي عنها أم لا، الأزمنة المطويَّة للتاريخ.
مواقع اللُّبس في هذا التحليل، ومنها غياب الثورة الشعبية المسلحة، تكمن في غلبة عدِّ الأصوات بالأرقام، على استشفاف ما يَعتمل في المجتمع من صراعات، لصياغة برنامج سياسي ثوري يُرجِّح كفة الطبقات الشعبية في موازين قوى الصراع الطبقي، بحيث يكون النصر في نهاية المطاف في ساحة المعركة السياسية او السياسية العسكرية، لكفة الطبقات الشعبية. كاتبنا يبدأ مقاله بتفسير النتائج الانتخابية بالأرقام. لينتهي إلى نتيجة مؤداها أن حزب سيريزا لم يُحرز – بخلاف ما كانت تصبو اليه تكتيكاته الانتخابية، على الأكثرية المطلقة، أي 151 مقعدا في البرلمان، من مجموع مقاعده الثلاثمائة. الأمر الذي يضع حزب سيريزا أمام صعوبات جمة. فإذا كانت الأكثرية المطلقة عصيةٌ عليه، وكانت ترغمه على التحالف مع اليمين القومي أو اليمين الوسط، فإن برنامج الحزب ما كان له أن يواجه هكذا تعقيدات لو هو حاز على الأكثرية المطلقة في البرلمان، بما يعفيه من حليف يساند أو يخون برنامج سيريزا، بالتعاون والتنسيق مع الترسانة الاقتصادية الحربية للاتحاد الأوروبي، والرأسمالية العالمية.
على هذا النحو، فإن الرقم يَحجب الثورة الشعبية المسلحة أو ثورة الانتقال الى الاشتراكية، بالسياسة والإيديولوجيا أولا، ثم بالسلاح ثانية. منطق الرياضيات ومقولاتها الحسابية الرقمية، إذ هو يَحجب حدة الصراع الطبقي في المجتمع اليوناني، فلأن البورجوازية تبني منذ القرن السابع عشر سياستها بناءً على الأرقام. سياستها "الديمقراطية" التي تترك التحكيم السياسي، الاستراتيجية والتكتيك، البرنامج السياسي الثوري، وصراع الطبقات، للأرقام تتحكم بإفراط وتفريط بالمعركة الاجتماعية الاقتصادية في ساحة الصراع السياسي.
لقد آن الأوان أن نُرجِع زمان الطبيعة، الحياة والموت، إلى أزمتنا السياسية الراهنة، الصراع الطبقي، التكوين الاقتصادي الاجتماعي، ونمط الإنتاج الرأسمالي. المقصود هنا بزمان الطبيعة وفاة المثقف الشيوعي الفرنسي دانييل بنسعيد الذي كان وثيق الصلة بأعمال المثقف الماركسي اليوناني ستاتيس كوفيلاكيس الذي يتناسى، على نحو ما يظهر، أعمال الأول. غير أن كاتب هذه الأسطر يُذَكِّرٌ المثقف الماركسي اليوناني أن استعادة أو إرجاع دانييل بنسعيد من أزمنة الطبيعة (كناية عن تناسي هذا الأخير له)، إلى أزمنتنا السياسية، التي كانت أيضا وما تزال أعمال وزمان دانييل بنسعيد، بالرغم من أن الموت يفصل ما بيننا. دانييل بنسعيد قرأ المادية التاريخية بأنظار الإعمال الاستراتيجي السياسي. كثرة من المثقفين الماركسيين والشيوعيين مدينون له اليوم بالتفسير النقدي الواضح للسياسة من حيث هي المادية التاريخية. هو يُفَنِّدُ أيضا دور المقولة المنطقية لعلم الرياضيات في السياسة البورجوازية السائدة، حيث تمارِس البورجوازية هيمنة سياسية على مجتمعاتنا الطبقية بفضل أيديولوجية الرقم.
إذا تابعنا النتائج التي ينتهي اليها خطاب المثقف الماركسي اليوناني حول "أيام تالية" مجهولة، و"نصر" (مبني للمجهول)، فإن هذه النتائج تشكل قطيعة حاسمة مع إيديولوجية الرقم. فما دامت الانتخابات والحالة اليونانية الراهنة، تجتاز حالة من الاختلال السياسي، وهو مادي تاريخي بأنظار الماركسيين والشيوعيين، اختلالٌ ما بين "الصدام" والتنكُّر" للذات، تنكر البورجوازية لمصالحها الطبقية إذا هي سارت وراء حزب سيريزا، وتنكُّر هذا الأخير لذاته إذا هو تخلى عن برنامجه السياسي، فإن المقولات المنطقية لعلوم الرياضيات، من حيث هي أيديولوجيا بورجوازية، تَسقط أمام ضخامة الأحداث التاريخية في يونان اليوم، والغد. إن زمان الثورة الشعبية المسلحة ينبثق من/عن هذا الخلل السياسي. لذا، فإن مستقبل الصراعات الشعبية في اليونان لا تقاس بما تسجِّله صناديق الاقتراع من أرقام. إنما هو ينبثق عن/من الصراعات السياسية للطبقات العاملة. فلقد حاز حزب سيريزا على "الأغلبية المطلقة" في العديد من المناطق. حيث توجد هذه الأكثرية المطلقة يوجد مناضلون شيوعيون مسلَّحون بممارسات الصراع، ووعيهم المادي التاريخي. لذا، فإن المستقبل المجهول الذي يشير إليه كاتبنا ليس وقفا على "الأكثرية المطلقة"، وإنما هو مُستمدٌّ من القطيعة الثورية مع الرأسمالية، الإمبريالية والعولمة النيوليبرالية. ناهيكم وأن نسبة المشاركين في التصويت لم تتجاوز 64 بالمائة من الناخبين المسجلين في قيود الانتخابات العامة. فإذا كان هؤلاء المحتجبون عن التصويت يشكلون نحو ثلث الناخبين، ثلث الشعب اليوناني، فإن هذه الكتلة الضخمة تُعْتَبَر بأنظار السياسيين الأوروبيين مَجْمَعا لأولئك الذين يرفضون النظام السائد جملة وتفصيلا. هذه الكتلة حبلى بأزمنة ثورية تساوي سخط الطبقات الشعبية سخطا لا متناهيا من حيث شدته على البورجوازية اليونانية والأوروبية. منها، من هذه الكتلة المغلقة، تنبثق ثورات الانتقال إلى الاشتراكية.
إذا كان مستقبل الشعوب المسحوقة حتى الموت تحت الهيمنة الاقتصادية والسياسية للبورجوازية الأوروبية وقفٌ على "الأكثرية المطلقة" في منطق أيديولوجية الرقم، فإن المكان حينئذ بتسع بصورة رحبة بحيث تُعَلَّقُ المادية التاريخية، من حيث هي استراتيجية سياسية ثورية، ما بين قوسين اثنين.
لكن الحزب الشيوعي اليونانيKKF يقظ أمام التكوين الاقتصادي الاجتماعي لليونان، بنيته التحتية وبنيته العليا، في ما حضر. فالشيوعيون اليونانيُّون يُذكرون حزب سيريزا ورئيسه، رئيس الحكومة اليونانية ألكسيس تسيبراس، أنه سيحتاج في المستقبل إلى معارضة شعبية قوية متراصة الصفوف، إذا ما هو اضطر، تحت ثقل المقاومة العنيفة لليمين، قلب العلاقة ما بين البورجوازية والعمال رأسا على عقب. سيحتاج إلى حزب شيوعي قوي من العمال والمستخدمين وصغار الحرفيين والعاطلين عن العمل والفلاحين والمتقاعدين والشبان ونساء العائلات الشعبية. الحزب الشيوعي اليوناني يرجِّح أن اليونان لن تُحكَم من قِبل القطبين، سيريزا وحزب اليمين المستقل، طالما يتسابقان هذان الأخيران للسيطرة على السلطة. ويلاحظ الحزب الشيوعي اليوناني أن هذين الحزبين الحليفين في الحكومة أكدا "ارتباطهما بالحلف الأطلسي، والاتحاد الأوروبي والغرب، وإنهما لا يحتجان على هذه الروابط". لذا، فإن سياسة الاستقطاب الشعبي والتي تلاحق حزبي الحكومة ليست سوى قطبين، قطب التخويف الذي يأتي عن اليمين المستقل، والذي يهدِّد بوقوع كارثة إذا ما تراجعت الحكومة الجديدة عن السياسة التي كانت سائدة حتى غاية الآن، حتى وإن كانت معادية للشعب. القطب الثاني، أي سيريزا، فإنه، حسب ما يردِّده اليمين المستقل، يستغل سخط الشعب بما بعد به من أوهام حول إدارة حزب سيريزا للأزمات. ويذكِّر الحزب الشيوعي مواطنيه أن ارتفاع نسبة التصويت الانتخابي لجانب سيريزا، لا تساهم في تطوير الصراع الطبقي للعمال. لذا، فإن الحزب الشيوعي اليوناني يؤكِّد أنه سيكون في الخط الأمامي لكافة الصراعات. موقف الشيوعيين الإسبان من مختلف التكوينات، لا يختلف عن موقف الشيوعيين اليونانيين، والذي يلقى من شيوعيَّ العالم التأييد، إلا أنهم يشيرون، بالمقابل، إلى أن حزب سيريزا بعيد عن القطيعة مع النظام الرأسمالي ومنظماته المختلفة.

حسان خالد شاتيلا
نهاية كانون الثاني/ يناير 2015








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تكتل- الجزائر وتونس وليبيا.. من المستفيد الأكبر؟ | المسائي


.. مصائد تحاكي رائحة الإنسان، تعقيم البعوض أو تعديل جيناته..بعض




.. الاستعدادات على قدم وساق لاستقبال الألعاب الأولمبية في فرنسا


.. إسرائيل تعلن عزمها على اجتياح رفح.. ما الهدف؟ • فرانس 24




.. وضع كارثي في غزة ومناشدات دولية لثني إسرائيل عن اجتياح رفح