الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرب السرية ضد روسيا السوفياتية .. بعيون أخرى (5)

رفيق عبد الكريم الخطابي

2015 / 2 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


الفصل الخامس : الحرب والسلام .

1. سلام في الغرب.

انتهت الحرب العالمية الأولى فجأة . وكما ذكر أحد الضباط الألمان ، الكابتان Ernest Toehm [ أعتقد ان هناك خطأ مطبعي وأن المقصود هو إرنست روم Ernst Rö-;-hm : عن المترجم ] : " لقد اندلع السلام " . تشكلت السوفييتات في برلين وهامبورغ و بافاريا . و انفجرت مظاهرات عمالية تدعو للسلام والديمقراطية في باريس ، لندن و روما . الثورة اندلعت في المجر . و في البلقان ، اشتعل المزارعون غضبا ، بعد السنوات " الأربع " الرهيبة من الحرب ، كانت الأماني المتقدة بالعواطف على كل الشفاه : لا مزيد من الحرب ! لا مزيد أبدا من الحروب !
توجب على لويد جورج أن يقول في مؤتمر السلام بباريس ، في مذكرته السرية لمارس 1919 : " كل أوروبا تعج بروح الثورة . هناك شعور عميق ليس فقط من السخط ، ولكن من الغضب والتمرد في صفوف العمال ضد ظروف ما قبل الحرب . لقد أصبح وضع النظام القائم كله ، من كل جوانبه السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، مشكوكا فيه من قبل الجماهير الشعبية في كل أوروبا من أقصاها إلى أقصاها ".
اسمين لخصا تطلعات الجماهير و مخاوف الأقليات هما : لينين و ويلسون . في الشرق ، كانت ثورة لينين [ ثورة الشعب الروسي : المترجم ] قد جرفت القيصرية وفتحت عهدا جديدا لملايين المضطهدين من طرف الإمبراطورية الروسية القديمة . في الغرب ، كانت الأربعة عشرة نقطة الملتهبة جدا بتعبير ويلسون تثير غليانا من الآمال و الانتظارات الديمقراطية .
عندما حط الرئيس الأمريكي على الأرض الغارقة في الدماء بأوروبا في دجنبر من عام 1918، هرعت حشود سعيدة لتقبيل يديه ونثر الزهور تحت قدميه . وقد رحب برئيس الولايات المتحدة من قبل شعوب العالم القديم مثلما يرحب ب " ملك للإنسانية "، و ك " منقذ " و "أمير للسلام ". لقد ساد الاعتقاد بأن طويل القامة ، الأستاذ النحيل من جامعة برينستون كان المسيح أتى ليعلن ولادة عصر جديد .
الملايين من الرجال الذين قتلوا في المعارك ، وعشرون مليون ما بين جريح و معطوب أو مقعد . ثلاثة عشر مليونا من المدنيين ماتوا من الجوع والفقر ، وملايين أخرى تجول معدمة ، بلا مأوى ، ما بين الأنقاض وسط الدمار و الأدخنة في أوروبا . ولكن الآن انتهت الحرب أخيرا والعالم
يتوقع كلاما حول السلام .
" مفهومي أو تصوري لعصبة الأمم يرتكز على أنه سيكون بمثابة القوة المعنوية المنظمة من الرجال في جميع أنحاء العالم " صرح ويلسون(1).
في مطلع يناير عام 1909 ، الأربعة الكبار ، ويلسون ، لويد جورج ، كليمنصو و أورلاندو . جلسوا في إحدى قاعات المؤتمرات كي دو أورساي Quai d Orsay في باريس . لمناقشة السلام العالمي .
ولكن سدس العالم لم يكن ممثلا في مؤتمر السلام ذاك .
أثناء ذلك أيضا عندما كان " صانعو السلام " يتحدثون ، كانت عشرات الآلاف من جنود الحلفاء يقومون بدعم حرب دموية ، غير معلنة ضد روسيا السوفييتية . جنبا إلى جنب مع الجيوش البيضاء للثورة المضادة بقيادة كولتشاك و دينيكين ، جيوش الحلفاء تحارب الجيش الأحمر الشاب على جبهة هائلة جدا تمتد من القطب الشمالي المهجور إلى البحر الأسود ، و من حقول القمح في أوكرانيا إلى جبال وسهول سيبيريا .
في ذاك الربيع من عام 1919 ، شنت حملة دعائية عنيفة وجبارة معادية للسوفيات في أوروبا وأمريكا . نشرت جريدة " لندن ديلي تلغراف " تقريرا عن " نظام الإرهاب " في أوديسا مرفق ب "أسبوع من الحب الحر " . ال " نيويورك سون " وضعت كمونشيط العنوان التالي : " جنود أمريكيون جرحى تم تشويههم بضربات فأس من قبل الحمر " . صحيفة نيويورك تايمز كتبت : " روسيا تحت سيطرة الحمر ... أضحت نزلا أو مستشفى عملاقا للمعتوهين والمجانين ... الضحايا الذين استطاعوا الفرار قالوا بأن المجانين في حالة هياج وهذيان يتسكعون ويملؤون شوارع موسكو ... الجثث تنافس الكلاب [ كناية على أن الجثث المتروكة في الشوارع دون دفن لكثرتها تفوق عدد الكلاب الضالة التي تنهش لحمها ]... " وهكذا إلخ . وسائل الإعلام العالمية كلها ، إعلام الحلفاء وإعلام ألمانيا ، نشرت " وثائق أصلية أو رسمية " تبين أنه في روسيا " نساء صغيرات و فتيات من البرجوازية تم " تسليمهن إلى الثكنات بناء على احتياجات أفواج أو كتائب المدفعية ! " .
التقارير الموضوعية عن الوضع الفعلي في روسيا ، التي تصدر عن الصحفيين ، أو عملاء المخابرات والدبلوماسيين أو حتى عن جنرالات مثل جودسون وغريفز ، كانت تقمع أو يتم تجاهلها . كل من كان يتجرأ على طرح سؤال عن هذه الحملة المعادية للسوفييت كان بشكل أوتوماتيكي " يتهم ويعامل على أنه " بلشفي " .
بعد شهرين من الهدنة ، يبدو أن قادة الحلفاء نسوا بالفعل الهدف الذي من أجله قاتلوا . " التهديد البلشفي " طغى على كل الاعتبارات الأخرى . لقد سيطر هذا الهاجس على مؤتمر السلام في باريس .
ذهب المارشال فوش ، القائد العام لجيوش الحلفاء ، إلى جلسة سرية لمؤتمر السلام كي يطلب معالجة المسألة الألمانية بسرعة ، كي يتمكن الحلفاء من إطلاق مواردهم المجمعة و المنسقة جنبا إلى جنب ضد روسيا السوفييتية .. الماريشال الفرنسي دافع عن قضية العدو اللدود والقاتل بالنسبة لفرنسا وألمانيا ..
" نحن نعرف الوضع الصعب الذي تعيشه الحكومة الألمانية في الوقت الحاضر " قال فوش . "في مانهايم ، في كارلسروه Carlsruhe ، بادن ودوسلدورف ، الحركة السوفييتية تشهد توسعا سريعا . وبالتالي ففي الظروف الراهنة ، ألمانيا ستقبل جميع الشروط التي سيفرضها الحلفاء . الحكومة الألمانية لا تطلب سوى السلام . انه الشيء الوحيد الذي من شأنه أن يعطي الارتياح للشعب ويسمح للحكومة بالسيطرة على الوضع ".
لسحق الثورة الألمانية ، تم السماح للقيادة العليا الألمانية بالاحتفاظ بجيش قوامه 100 ألف رجل ، و كذلك على ما يسمى فرقة " الدفاع الوطني الأسود » « la Reichswehr noire " التي تتألف من أفضل الجنود تدريبا والأفضل تعليما في ألمانيا . بالإضافة إلى ذلك ، سمح لها بدعم " رابطات قومية سرية و منظمات إرهابية التي مارست الترهيب والتعذيب و القتل في حق الديمقراطيين الألمان المتمردين . تم كل هذا تحت اسم " حماية ألمانيا ضد البلشفية !"(2) .
الجنرال هوفمان ، القائد السابق للجيوش الألمانية على الجبهة الغربية ، و " بطل " بريست ليتوفسك ، اقترح على عدوه بالأمس القريب ، المارشال فوش ، خطة هجوم للجيش الألماني على موسكو من أجل تدمير البلشفية " من منبعها ". وافق فوش على الخطة ، ولكنه وجد أنه يتوجب على الجيش الفرنسي و ليس الألماني أخذ زمام هذا الهجوم . فوش أراد تعبئة وتحريك كل أوروبا الشرقية ضد روسيا السوفييتية .
" السائد في روسيا حاليا هو : البلشفية و الفوضى الشاملة ، يقول فوش في مؤتمر السلام . ان خطتي هي أن تتم معالجة جميع القضايا الهامة في الجبهة الغربية لأجل أن يتمكن الحلفاء من استخدام الموارد التي أصبحت الآن متاحة لحل القضية الشرقية ... إن القوات البولندية ستكون قادرة على المواجهة بشكل جيد مع الروس ، شريطة تقويتها و دعمها عن طريق توفير المعدات والأسلحة الحربية الحديثة . يتوجب حشد أعداد بشرية كبيرة ، والتي يمكن الحصول عليها من خلال تعبئة الفنلنديين والبولنديين والتشيك ، الرومانيين واليونانيين ، فضلا عن العناصر الروسية الموالية للحلفاء والتي لا تزال موجودة . إذا قمنا بإنجاز كل هذا ، فإن سنة 1919 ، سوف تشهد نهاية البلشفية ! " .
أراد ويلسون أن يتصرف بصدق اتجاه روسيا . رئيس الولايات المتحدة اعترف بعبثية الحديث عن السلام في العالم في نفس الوقت الذي يتم فيه استبعاد سدس العالم من المشاركة في المحادثات. كما انه مارس ضغطا على مؤتمر السلام لدعوة مندوبين سوفيات للجلوس جنبا إلى جنب مع الحلفاء في محاولة للتوصل إلى تفاهم سلمي . مرة أخرى ، و مرة تلو الأخرى ، تراجع ويلسون عن هذه الفكرة ، ليجهد نفسه ويكرس طاقته لمطاردة الشبح البلشفي المسيطر على عقل " صناع السلام ".
" في كل أنحاء العالم هناك إحساس سائد من الثورة والتمرد ضد أصحاب المصالح الخاصة الكبيرة التي تأثر على العالم في المجالات الاقتصادية والسياسية " ، و حذر ويلسون في إحدى جلسات باريس السرية لمجلس العشرة من أن " الوسيلة الوحيدة للخروج من هذه الهيمنة تكمن ، في رأيي ، في نقاش ثابت و خطوات بطيئة نحو الإصلاح ، ولكن العالم في مجمله صبره نفذ . هناك رجال في الولايات المتحدة لهم أفضل الطباع ، ولكن عندما لا يتوفرون على تقدير وحكم جيد ، يختبرون ويتحملون التعاطف مع البلشفية لأنه يبدو لهم أن وجود ذاك النظام يعطي فرصة للإنسان ، وتلك الفرصة يريدونها لأنفسهم ".
ولكن ويلسون كان محاطا برجال محددين مهمتهم الحفاظ على الوضع القائم مهما كان الثمن . مقيدا بمعاهدات إمبريالية سرية وباتفاقيات تجارية ، سعى هؤلاء الرجال للمناورة و إحباط و خيانة ويلسون في كل خطوة . كانت هناك بعض اللحظات التي تمرد فيها ويلسون ، وهدد بأن يذهب إلى الشعب رغما عن أو فوق رؤوس السياسيين والعسكريين .
كان ويلسون يعتزم إلقاء خطاب مثير من شرفة قصر فينيسيا في روما ، من نفس الشرفة التي بعد عامين ، سيتوجب على موسوليني ترتيب قمصانه السوداء وإلقاء خطبه المملة فيهم [ القمصان السود المقصود به أعضاء ميليشيا التنظيم الفاشي الذي نظمه بنيتو موسوليني منذ 23 مارس 1919 وهو رمز يشير إلى سلطة القناصل في روما القديمة ، تألفت تلك المجموعات أساسا من الجنود المسرحين والشباب العاطل وبعض العناصر البرجوازية مثل تلك المسماة بالقمصان البنية في ألمانيا النازية : المترجم ] . الملكيون الإيطاليون ، خافوا من آثار كلمات ويلسون عن شعب روما ، فمنعوا الحشد من الذهاب إلى المكان وأفشلوا بالتالي الحدث قائلين انه مستوحى من " البلاشفة ". تكرر نفس الشيء في باريس ، حيث انتظر ويلسون طيلة الصباح من نافذة الضيافة على أمل إلقاء خطاب إلى العمال الباريسيين . لم يكن يعرف أن البوليس الفرنسي والجيش قد دعوا لمنع العمال من الوصول إلى الفندق ...
في كل مكان من أوروبا كان يحل به ويلسون ، كان محاطا بعملاء سريين من المخابرات ورجال للدعاية / البروباغندا ، فقد حيكت ، خلف ظهره ، ما لا نهاية له من الدسائس .
كانت كل قوة من قوى الحلفاء قد نظمت جهازا للتجسس خاصا بها في مؤتمر السلام . في 4 من ساحة الكونكورد بباريس ، أقام جهاز الاستخبارات العسكرية للولايات المتحدة وحدة خاصة بالشفرات السرية ، حيث الضباط المؤهلون تأهيلا عاليا والموظفون مختارون بعناية ، تعمل ليلا ونهارا على اعتراض وفك شفرة الرسائل السرية للقوى الأخرى . وقد قاد مصلحة التشفير تلك الرائد هربرت ياردلي ، الذي كشف في وقت لاحق في كتابه المعنون " الغرفة الأمريكية السوداء ( أو المظلمة ) " ، الكيفية التي تبعد عبرها تقارير شهود العيان الأمريكيين المقيمين بأوربا عن أعين ويلسون بشكل متعمد ، تلك التقرير التي تصف الحالة الفعلية لواقع الحال ، وتظل في مسامع أولئك الذين يفبركون بدون توقف دعاية معادية للبلشفية سخيفة وخيالية .
بشكل دوري وفي حالات شتى ، كان القائد ياردلي يعترض ويفك رموز الرسائل المتعلقة بمؤامرات لتخريب سياسة ويلسون . في إحدى المرات ، فك رموز رسالة كارثية لها طابع خبيث للغاية .
"... يمكن للقارئ تقدير الصدمة التي تلقيتها عندما فككت رموز برقية تخبرنا عن مؤامرة متعلقة باتفاق لاغتيال الرئيس ويلسون إما عن طريق دس السم ، أو بجعله يصاب بانفلونزا تسبب الحمى الخبيثة . مخبرنا ، الذي كنا نكن له اقصى قدر من الثقة ، طلب من السلطات تحذير الرئيس . ليس لدي أي وسيلة لمعرفة ما إذا كانت تلك المؤامرة حقيقة فعلية أم لا ، وإذا كانت كذلك ، ماذا لو نجحت المؤامرة . ولكن ما لا يمكن إنكاره هو أن العلامات الأولى لمرض `الرئيس ويلسون بدأت بالظهور في باريس ، وكان قريبا من الموت بمرض طويل الأمد .

2 ـ إلى مؤتمر السلام :

في الجلسات الأولى لمؤتمر السلام ، وجد الرئيس ويلسون حليفا غير متوقع في معركته من أجل موقف صحيح اتجاه روسيا . رئيس وزراء بريطانيا العظمى . لويد جورج ، جاء لمساندة ويلسون بشن هجمات حادة ضد المخططات المعادية للسوفييت من فوش و من رئيس الوزراء الفرنسي كليمونصو .
" إن الألمان ، صرح لويد جورج ، في الوقت الذي يحتاجون فيه إلى كل رجل متاح من رجالهم لدعم هجومهم على الجبهة الغربية ، يتوجب عليهم الاحتفاظ بحوالي مليون رجل في الأقاليم الروسية القليلة التي احتلوها والتي لا تشكل سوى شريط ضيق من الأراضي . وأكثر من ذلك زيادة تعدادهم في الوقت الذي كانت توجد فيه البلشفية في حالة ضعف وقريبة من الانهيار . الآن هو قوي و لديه جيش جيد . هل هناك قوة من قوى الحلفاء في الغرب تريد أن ترسل مليون رجل داخل روسيا ؟ إذا اقترحت إرسال ستة آلاف إضافية من الجنود الإنكليز إلى روسيا لهذا الغرض ، الجيش سيتمرد ! هذا ينطبق أيضا على القوات الامريكية في سيبيريا . وكذلك بالنسبة للكندية والفرنسية . فكرة هزم البلشفية بالوسائل العسكرية هي ضرب من الجنون الخالص . وحتى لو افترضنا النجاح في هذا ، من سيقوم باحتلال روسيا ؟ "
بخلاف ويلسون ، لم تكن دوافع رئيس الوزراء البريطاني من قبيل الاعتبارات المثالية ، انه كان يخشى من ثورة في أوروبا وآسيا : لكن هذا السياسي الهرم (القديم ) ، هذا " الثعلب الغالوي " كان حساسا جدا للمزاج الشعبي في بريطانيا العظمى ، و الذي كان يعارض بشكل حازم أي إعداد أو تبني للتدخل في روسيا . كان ذلك سببا قويا آخر لمعارضة خطط المارشال فوش . السير هنري ويلسون ، رئيس هيئة الأركان البريطاني في تقرير سري له إلى وزارة الدفاع ( وزارة الحرب ) ، شدد على أن " السياسة الوحيدة لبريطانيا تكمن في سحب قواتها من أوربا وروسيا وتركيز كل قوتها على النقاط الساخنة مستقبلا : إنجلترا ، ايرلندا ، مصر والهند " . لويد جورج كان يخشى من أن يستمر فوش في محاولاته لتثبيت الهيمنة الفرنسية في روسيا ، بينما تكون بريطانيا الكبرى منشغلة في أماكن اخرى .
وهكذا كان ، رئيس وزراء بريطانيا الماهر و المخادع ، يعتقد بإمكانه الحصول على ما يريد عن طريق إخلاء روسيا فقط لبعض الوقت ، بدعم الرئيس الأمريكي الذي طالب بتصحيح الموقف من البلاشفة بإتباع التصرف الصحيح . أثناء الجلسات السرية لمؤتمر السلام ، لويد جورج تحدث بشكل واضح دون أي تلاعب بالكلمات :
" إن الفلاحين الروس قبلوا البلشفية لنفس الأسباب التي دفعت الفلاحين الفرنسيين إلى القبول بالثورة الفرنسية ، للعلم إنهم تسلموا الأرض . الحكومة البلشفية هي حكومة الأمر الواقع . نحن اعترفنا فيما مضى بالحكومة الامبراطورية ، على الرغم من أنه في تلك الحقبة ، كنا نعلم بأنها فاسدة تماما . لقد كنا محقين لأنها كانت حكومة الأمر الواقع .. لكن نحن نرفض الاعتراف بالبلاشفة ! القول بأنه يتوجب علينا الانتحار، نحن أنفسنا ممثلو شعب عظيم هذا يتعارض مع كل المبادئ التي حاربنا من أجلها " .
أعلن الرئيس ويلسون انه لا يرى كيف يمكن لشخص ما أن يعارض ما قام لويد جورج بعرضه ، واقترح دعوة إلى مؤتمر خاص في جزيرة برانكيبو Prinkipo ، أو أي مكان آخر " مناسب و سهل الوصول إليه " لدراسة احتمالات السلام مع روسيا . في مصلحة الحياد وعدم التحيز ، ينبغي دعوة مندوبي الحكومة السوفيتية والجماعات البيضاء المعادية للسوفييت ..
" النمر "، رئيس الوزراء الفرنسي كليمنصو ، المتحدث الرسمي باسم الفرنسيين حاملي السندات الروسية و بإسم هيئة الأركان العامة ، انبرى للرد نيابة عن مؤيدي التدخل . كان كليمنصو يعرف أن السياسة البارعة للويد جورج لن تحظى بدعم الدوائر القيادية البريطانية والجيش والاستخبارات البريطانية تشارك بالفعل في الحرب ضد السوفييت . و في نفس الوقت كان كليمنصو يدرك أنه يتوجب عليه لإقناع ويلسون ، هدم الحجج التي استند عليها لويد جورد ، بالاستخدام القوي للتهديد البلشفي .
" من حيث المبدأ ، بدأ كليمنصو خطابه ، أنا لست موافقا على المحادثات مع البلاشفة ، ليس لأنهم مجرمون ، ولكن لأننا سنرفعهم إلى مستوانا بالقول أنهم يستحقون أن يتحدثوا معنا .. " السيدين رئيس الوزراء البريطاني ورئيس الولايات المتحدة ، إذا سمحتما لرئيس وزراء فرنسا بالحديث بهذه الطريقة ، بالاعتماد على أسلوب أكاديمي جدا وموقف عقائدي جدا اتجاه المسألة البلشفية ...ف " الخطر البلشفي كبير جدا في الوقت الحاضر ، البلشفية تنتشر . لقد فازت بمقاطعات البلطيق وبولندا ، وهذا الصباح تلقينا بعض الأخبار السيئة للغاية ، إنها امتدت إلى بودابست و فيينا ، وايطاليا هي أيضا في خطر : الخطر هو على الأرجح أكبر هنا مما هو عليه في فرنسا. إذا البلشفية بعد أن تمددت إلى ألمانيا كان عليها أن تعبر النمسا والمجر و ستكون إيطاليا أيضا في خطر ، فإنه على أوروبا أن تواجه خطرا كبيرا . هذا هو السبب الذي يوجب أن نفعل شيئا ضد البلشفية ! ".
كليمنصو لم يعتمد فقط على بلاغته وفصاحته بل طلب الإذن بجلب " شهود مؤهلين في مسألة البلشفية . الشاهد الأول كان السفير نولانس Noulens ، الذي كان صديقا للسفير فرانسيس في بتروغراد وناشط أساسي في مجال المؤامرات المعادية للسوفييت داخل السلك الدبلوماسي . نولانس توجه إلى لويد جورج وإلى ويلسون بالتالي :
" سأقتصر على الوقائع " قال السفير، وعلى الفور بدأ في عرض رتيب لسيل مخيف من " الفظائع البلشفية "
- لم تطلق النار على الرجال فقط ، ولكن أطلقت النار على النساء أيضا . في كل مكان هناك فظائع : الإغراق في الماء ، قطع الأنف و اللسان ، و التشويه الجسدي ، ودفن الأحياء ، الإعدامات العلنية والاختطاف والنهب . كرر نولانس الثرثرة المهيجة معتمدا على القيل والقال وسط الديبلوماسيين المعادين للبلشفية و المغتربين من أنصار القيصرية :
هناك عصابة من الإرهابيين المحترفين يحتلون الآن قلعة بطرس وبولس la forteresse Pierre et Paul... الجيش الأحمر هو جمهرة من الرعاع أكثر منه جيشا ... بالإضافة إلى هذا هناك قضية الكابتان كرومي ، الملحق في البحرية البريطانية الذي قتل وهو يدافع عن السفارة البريطانية ، والذي ظلت جثته معروضة لمدة ثلاثة أيام في نافذة السفارة ! الإرهاب والقتل الجماعي ، الانحطاط والفساد والاحتقار التام للحلفاء ، تلك هذه السمات المميزة للنظام السوفييتي .. وأخيرا ، أود أن أؤكد على أن الحكومة البلشفية هي امبريالية شديدة وحازمة . إنها تعتزم غزو العالم ولن توقع صلحا ولن تعقد سلاما مع أي حكومة .
لكن و على الرغم من جهود نولانس ، لم يبد رئيس الولايات المتحدة إعجابا كبيرا . أياما قليلة قبل ذلك ، أجرى أحد عملاء المخابرات الأمريكية باكليرBuckler .W. H ، بناء على طلب من ويلسون ، مقابلة سرية مع أحد أعضاء الحكومة السوفيتية ، مكسيم ليتفينوف . في تقرير مؤرخ ب 18 يناير 1919 ، باكلير أبلغ ويلسون بأن " ليتفينوف قد أعلن بأن الحكومة السوفييتية تتوق بشدة إلى سلام دائم .. إنهم يمقتون الاستعدادات العسكرية والحملات المكلفة التي يضطرون إليها بعد أربع سنوات من حرب مرهقة ، ويريدون التأكد من أن الولايات المتحدة و الحلفاء يريدون السلام . إذا كان هذا هو الحال ، السلام يمكن أن يتم التفاوض بشأنه بسهولة ، لأن ، وفقا لليتفينوف ، الحكومة السوفيتية على استعداد لتسوية جميع النقاط ، بما في ذلك توفير الحماية للشركات الأجنبية الموجودة ، والاتفاق حول امتيازات جديدة في روسيا و الاعتراف بالديون الخارجية لروسيا .. الموقف التصالحي للحكومة السوفييتية هو واضح جدا . طالما أن عصبة الأمم يمكن أن تمنع الحرب بدون تشجيع لردود الفعل ، فإنه يمكن التعويل على دعم الحكومة السوفييتية ".

وأضاف باكلير أنه يوجد بين البلاشفة بعض العناصر تعارض بشدة سياسة السلام التي تنهجها الحكومة السوفييتية . هذه العناصر من المعارضة " تتوق إلى تدخل أكبر و أكثر نشاطا للحلفاء " ، وحذر باكلر ، " مواصلة التدخل هو لعب نفس لعبة هؤلاء المتطرفين " .

خطة السلام التي قدمها ويلسون ، مدعوما بلويد جورج ، بدت على وشك الانتصار . على الرغم من فوش وكليمنصو . ويلسون كتب مذكرة في اتجاه اقتراحها وإرسالها إلى الحكومة السوفييتية ومختلف الجماعات الروسية البيضاء . الحكومة السوفيتية قبلت على الفور خطة ويلسون ، و أعربت على استعدادها لإرسال مندوبين لها إلى برينكيبو Prinkipo . ولكن ، كما قال ونستون تشرشل في وقت لاحق ، " اللحظة لم تكن مناسبة " للسلام في روسيا . كان أغلب قادة الحلفاء مقتنعين بأن النظام السوفييتي ستتم الإطاحة به قريبا . بنصيحة سرية من أنصارهم الحلفاء ، رفضت الجماعات البيضاء الاجتماع في برينكيبو مع مندوبي الاتحاد السوفييتي .

أجواء مؤتمر السلام تغيرت . لويد جورج ، فهم أنه كان يسير على غير هدى وأنه لن يحرز أي تقدم ، عاد فجأة إلى لندن . وكبديل له وضع مكانه ، تشيرشيل ، الفتي و وزير الحرب والطيران البريطاني ، الذي هرع إلى باريس حاملا مساعدته إلى أعداء البلشفية المتطرفين(3) .
يوم 14 فبراير 1919 كان عشية رحيل الرئيس ويلسون إلى أمريكا ، حيث سيتوجب عليه محاربة الكتلة الانعزالية في الكونغرس ، بقيادة السناتور" لودج Lodge " الذي كان قد قوض كل جهوده لإنشاء نظام للتعاون والأمن العالميين . كان ويلسون على بينة من فشله في أوروبا وكان يخشى أن يفشل أيضا في أمريكا . كان مصابا بخيبة أمل ، تعب و محبط بشكل عميق .
ونستون تشرشل سيتم تقديمه إلى الرئيس ويلسون من طرف وزير الخارجية البريطاني ، آرثر جيمس بلفور [ آرثر بلفور هو صاحب الوعد الشهير للحركة الصهيونية وزير للخارجية من 1916 إلى 1919 في حكومة لويد جورج : المترجم ] الذي أعلن أن وزير الحرب قد جاء إلى باريس لعرض موقف الحكومة البريطانية بشأن المسألة الروسية . اندفع تشرشل فورا في هجوم ضد خطة سلام برينكو Prinkipo .
" لقد كان هناك اجتماع وزاري أمس في لندن ، قال تشرشل ، ظهر خلاله أن هناك قلق كبير بشأن الوضع في روسيا ... وإذا كان البلاشفة سيحضرون وحدهم إلى مؤتمر برينكيبو ، نعتقد أن هذا سوف لن ينتج إلا القليل من المصالح المتوخاة من المؤتمر ، يجب أخذ الجانب العسكري من المسألة بعين الاعتبار . بريطانيا لديها جنود يقتلون في خضم الصراع في روسيا " .
ويلسون أجاب : " بما أن السيد تشرشل حضر من لندن خصيصا لرؤيتي قبل أن أغادر ، فإني أعتقد أنه يجب علي أن أعبر عن رأيي الشخصي من هذه المسألة . وسط كل الريبة وانعدام الوضوح والتردد المتعلق بروسيا ، و مع ذلك ، لدي رأي واضح جدا حول نقطتين . الأولى هي أن قوات دول الحلفاء والقوات التابعة أو الشريكة : لا تفعل شيئا جيدا لمصلحة روسيا . إنهم لا يعرفون لماذا أو لمصلحة من يقاتلون . إنهم لا يؤيدون ولا يبدلون أي جهد جدير بالاهتمام لاستعادة النظام في روسيا . أنها تدعم حركات محلية ، مثل، على سبيل المثال ، حركة القوزاق التي لا تتجاوز نطاق منطقتهم . ولذلك أخلص إلى أن قوى الحلفاء و شركائهم يجب أن تسحب قواتها من جميع المناطق داخل الأراضي الروسية . والنقطة الثانية تتعلق ببرينكيبو Prinkipo . ما نسعى إليه ليس التقارب ، بل معلومات واضحة . التقارير التي نتلقاها من روسيا من مصادر مختلفة ، رسمية وغير رسمية ، هي متناقضة إلى حد أنه من المستحيل تشكيل صورة متكاملة عن حالة هذا البلد . يمكن أن نحصل على بعض الضوء حول الوضع من خلال العمل على لقاء بين مندوبين روسيين " .
عندما أنهى رئيس الولايات المتحدة كلامه انبرى تشرشل للجواب :
- الانسحاب الكامل لجميع قوات الحلفاء هو سياسة منطقية و واضحة ، لكنه سيؤدي إلى تدمير جميع الجيوش غير البلشفية في روسيا . حيث يصل حاليا مجموعها إلى ما يقرب من 500 ألف رجل ، وعلى الرغم من كونها ليست على أفضل حال من ناحية الكيف ، لكن مع ذلك فإن أعدادها في تزايد . مثل هذه السياسة تعادل إزالة محور الآلة . سيكون هناك المزيد من المقاومة المسلحة ضد البلاشفة في روسيا و سيعم مستقبل من العنف والبؤس لا نهاية له وسيستمر كذلك في عموم روسيا .
ـ لكن في بعض المناطق ، هذه القوات وهذه المعدات ستدعم بالتأكيد الرجعيين ، قال ويلسون معترضا . لذلك ، و بالنتيجة ، إذا سألنا الحلفاء : ماذا يفعلون في روسيا ، يجب عليهم الاعتراف بأنهم لا يعرفون شيئا !
تشرشل استمع بأدب ( أو بهدوء ) .
- أريد أن أعرف ، متابعا اعتراضه ، إذا كان المجلس سيوافق / يصادق على دعم القوات المعادية للبلشفية في روسيا ، فإن مؤتمر برانكيبو Prinkipo سيذهب إلى الفشل ؟
محبط و مريض متخلى عنه من طرف لويد جورج ، أدرك ويلسون انه كان معزولا وسط مجموعة من الرجال مصممون على التصرف كما يحلو لهم .
- قال رئيس الولايات المتحدة : لقد شرحت للمجلس كيف سأتعامل إذا وجدت نفسي وحيدا ، سأترك الباقي للقدر .
عاد ويلسون إلى الولايات المتحدة ليباشر معركته التراجيدية الخاسرة مسبقا ، ضد رد الفعل الأمريكي(4) .
أخذ وزير الخارجية لانسينغ [ لقد قمت بترجمة إسم هذا السفير بكلمة لانسن في الأجزاء السابقة ، فوجبت الإشارة مع الاعتذار من القراء] مكان ويلسون في مؤتمر السلام فتغيرت نبرة المناقشات بشكل كبير وملحوظ . ممثلو الحلفاء لم يعد يشعرون بالحاجة إلى إخفاء نواياهم .
كليمنصو نصح بشكل صريح وبدون مواربة بأن مؤتمر السلام " يتوجب عليه حل تلك الصعوبات بأكبر قدر ممكن من الحذر والسرية والبساطة " . مسألة برينكيبو يجب أن تدفن تماما ، ولن تتم الإشارة إليها مطلقا . " الحلفاء تم جرهم إلى هذه القصة لبرينكيبو Prinkipo ، يقول كليمنصو ، والآن هم يعملون للخروج منها " .
وزير الخارجية البريطاني بلفور ، شدد على تعليقات كليمنصو . " إنه من الضرورة .. يقول بلفور ، اتخاذ الخطوات لإسقاط البلاشفة في الخطأ / المحظور ، ليس فقط أمام الرأي العام ، ولكن أمام هؤلاء الذين يزعمون أن البلشفية هي شكل من أشكال الديمقراطية التائهة إلى حد ما ، ولكنها تحتوي على جزء لا بأس به من العناصر الجيدة " .
استنادا على ذلك ، قرر المؤتمر تكريس مناقشة كاملة حول أنجع السبل وأكثرها فعالية لمساعدة الجيوش الروسية البيضاء ضد الحكومة السوفييتية .
تشرشل ، الذي كان قد حل محل لويد جورج على طاولة المؤتمر ، اقترح إنشاء مجلس أعلى لقوات الحلفاء فورا حول الشؤون الروسية مع إدارات سياسة و اقتصادية و عسكرية . الإدارة العسكرية يتوجب عليها " البدء بالعمل فورا " لوضع اللمسات الأخيرة على كل تفاصيل برنامج واسع للتدخل العسكري .

3 ـ مهمة جولوفين La mission Golovine :

أصبح تشرشل القائد الأعلى المعترف به ، و لكن بشكل غير رسمي ، للجيوش المعادية للسوفييت ، انتقل مركز القيادة إلى لندن حيث ، خلال فصلي الربيع والصيف ، حج وتزاحم مبعوثون خاصون ( جمع مبعوث خاص) من الروس البيض ، إلى مكاتب الحكومة البريطانية في وايت هول . كانوا ممثلين عن الاميرال كولتشاك و الجنرال دينيكين ، وغيرهما من القادة الروس البيض ، وكانوا يأتون إلى هناك لاتخاذ الترتيبات النهائية للهجوم المفصلي الكاسح ضد السوفييت . مفاوضاتهم السرية كانت تتم بشكل خاص مع تشرشل والسير صامويل هور أساسا . تشرشل، كوزير للحرب ، تكلف بتجهيز الجيوش الروسية البيضاء بالمواد الفائضة عن المخزون التسليحي الحربي الإنجليزي . أشرف هور على مؤامراته الدبلوماسية المعقدة ... من بين هؤلاء المندوبين الروس البيض كان هناك " ديمقراطيون روس ، مثل الإرهابي الشهير ، الاشتراكي الثوري بوريس سافينكوف ، وكذلك الأمير القيصري الأمير لفوف وسيرج سازونوف ، الوزير السابق لخارجية القيصر ، و الذي كان ممثلا لكولتشاك و دينيكين في باريس . يوم 27 مايو عام 1919 ، التايمز اللندنية كتبت :
السيد. سازونوف إلتقى تلك الليلة في مجلس العموم عددا من أعضاء البرلمان ... السيد سازونوف أبدى انطباعا ايجابيا عن احتمالات انقلاب قريب على النظام البلشفي ، وقال إن الاعتراف بحكومة كولتشاك سيكون له شأن كبير لتسريع هذا الحدث . وأعرب عن امتنان الروس العميق ليس فقط لحصولهم على المساعدات المادية التي منحت من قبل بريطانيا العظمى ، ولكن أيضا للخدمات المقدمة من قبل البحرية البريطانية بإنقاذها للكثير من اللاجئين " .
ال " ممثل الرسمي للجيش الروسي الأبيض " لدى وزارة الحرب البريطانية ، كان الملازم العام جولوفين le lieutenant général Golovine . كان قد وصل إلى لندن في وقت سابق من هذا الربيع مع رسالة توصية موجهة إلى ونستون تشرشل شخصيا . بعد وقت قصير من وصوله ، أعلن انه اجتمع مع السير صامويل هور . و من بين المواضيع التي نوقشت ، كان هناك مسألة القوقاز وخاصة مناطقها النفطية الهامة ب " غروزني " وباكو .
يوم 5 مايو ، يرافقه هور ، ذهب جولوفين لأول مرة إلى وزارة الحرب . بناء على نصيحة من هور ، كان الضابط الروسي يلبس الزي الكامل . استقبل بمودة كبيرة من قبل الضباط البريطانيين الذين استمعوا بانتباه إلى تقريره عن التقدم والإنجازات التي حققتها مختلف الجيوش الروسية البيضاء .
وفي اليوم نفسه ، في الساعة 5 من بعد الظهر ، جولوفين قابل تشرشل . وزير الحرب تحدث بغضب عن معارضة الليبراليين والعمال الإنجليز للمساعدات العسكرية المقدمة للجيوش البيضاء المعادية للسوفييت . و أعرب عن أمله في أنه على الرغم من هذه العقبة ، فإنه يمكن إرسال شحنة إضافية من 100 ألف " متطوع " إلى الجبهة الشمالية . إنه يعلم انه في هذه المنطقة تتطلب تعزيزات عاجلة ، وذلك بسبب المعنويات السيئة السائدة في صفوف القوات البريطانية و الأمريكية .
كما أشار تشرشل إلى رغبته في مساعدة الجنرال دينيكين بقدر المستطاع . رغم كل شيء ، دينيكين يمكنه الاعتماد على 2500 " متطوع " و الذين يمكن أن يستفاد منهم كمدربين عسكريين وخبراء تقنيين . أما فيما يخص الدعم المادي الفوري ، فقد قال تشرشل لجولوفين ، بأن 4 مليون جنيه إسترليني سيتم تخصيصها لمختلف الجبهات المعادية للسوفييت ، وأنه سيحصل على المعدات والأسلحة اللازمة ل 10000 من رجال يودينيتش للزحف على بيتروغراد . اتخذت ترتيبات كي يتم نقل 500 ضابط قيصري ممن كانوا أسرى حرب في ألمانيا ، إلى أرخانجيلسك على حساب انكلترا [ أي أن إنجلترا تتكلف أيضا بمصاريف تنقل هؤلاء الضباط : عن المترجم ].
" نتائج هذه المقابلة تجاوزت كل توقعاتي " قال جولوفين في التقرير الذي قدمه إلى قادته عند عودته إلى روسيا . " تشرشل ليس فقط مؤيد من بين المؤيدين ، بل إنه صديق حيوي نشيط وعملي جدا. لقد تم تأمين أكبر دعم ممكن بالنسبة لنا . الآن علينا أن نظهر للإنجليز أننا على أهبة الاستعداد لتحويل أقوالنا إلى أفعال "(5) .

يتبع ...الفصل السادس إن سارت الأمور كما نبغي .

ترجمة : رفيق عبد الكريم الخطابي : البيضاء في 09 فبراير 2015


الإحالات :

(1) في كلمته الافتتاحية في مؤتمر السلام في باريس ، قال ويلسون أيضا : " يوجد فوق كل الأصوات المنادية بتعريفاتها ـ للمبادئ والأهداف والذي ، على ما أعتقد ، أكثر تجييشا وأكثر تأثيرا من كل الأصوات العديدة الأخرى التي تملأ الجو العالمي المضطرب ، إنه صوت الشعب الروسي .

(2) سبب تخلي الحلفاء عن السير على برلين في عام 1918 و نزع سلاح العسكرية الألمانية بشكل نهائي ،، يقع على الحلقية التي مارسها الحلفاء و خوفهم من البلشفية " ، وهو الشيء الذي تم استغلاله بذكاء من قبل السياسيين الألمان . القائد العام لقوات الحلفاء المارشال فوش ، كشف في مذكراته أنه منذ بدء مفاوضات السلام ، كان المتحدث الرسمي الألماني يثير باستمرار " تهديد وخطر الغزو البلشفي لألمانيا " . كطريقة للحصول على شروط مواتية للسلام . قال الجنرال ويلسون من هيئة الأركان العامة البريطانية الذي تحدث في مذكراته (يوميات حرب ) بأن 9 نوفمبر ، قبل يومين من توقيع الهدنة "، اجتمع مجلس الوزراء في تلك الليلة من الساعة السادسة والنصف إلى الساعة الثامنة مساء . لويد جورج قرأ تلغرافين من النمر (كليمنصو) روى خلالهما مقابلة فوش مع الألمان : النمر كان يخشى من سقوط الألمان ، و انتصار البلشفية في هذا البلد . لويد جورج سألني إن كنت أريد أن يحصل ذلك أو إن كنت لا أفضل التوصل إلى هدنة . دون تردد ، أجبته الهدنة . وكل المجلس كان متفقا معي . بالنسبة لنا ، الخطر الحقيقي لم يعد الألمان ، من الآن فصاعدا، بل البلشفية " . في لحظة " الوضوح، كليمنصو نفسه حذر مؤتمر السلام بكون " مكافحة البلشفية " كان وسيلة تستخدم من قبل هيئة الأركان العامة الألمانية لخداع الحلفاء و من أجل الحفاظ على العسكراتية الألمانية . " الألمان ينتفعون من البلشفية " قال كليمنصو في عام 1919 " كبعبع لتخويف الحلفاء " . ولكن بتأثير من فوش ، بيتان و ويغاند وغيرهم ، نسي النمر تحذيراته الخاصة واستسلم لهستيريا معاداة البلشفية والتي ستصيب بالشلل قريبا أي وضوح فكري و جميع الإجراءات الديمقراطية عند "صناع السلام" الحلفاء .

(3) في تك الحقبة ، كان تشرشل كبير المتحدثين باسم المحافظين الإنجليز المعادين للسوفييت ، وظل كذلك لسنوات عديدة بعد ذلك .
تشرشل كان يخشى من توسع وانتشار الأفكار الثورية الروسية في الأجزاء الشرقية من الإمبراطورية البريطانية . رينيه كراوس ، في السيرة التي كرسها لونستون تشرشل كتب : " الخمسة الكبار قرروا في باريس دعم الثورة المضادة للروس البيض . كان تشرشل على ثقة في تنفيذ خطة لا يتحمل فيها المسؤولية . ليس هناك من ينكر أنه عندما يتخذ قرار ما ، فإنه يضع كل طاقته لأجل تنفيذه ... باتفاق مع رئيس الأركان ، السير هنري وود ، أنشأ برنامجا لتجهيز وتسليح مختلف الجيوش البيضاء من فائض المخزونات الحربية ووضع تحت تصرفهم ضباط تقنيين و مدربين " . عشية الحرب العالمية الثانية . تشرشيل سيعاود صراخه حول " تهديد البلشفية " في أوربا .

(4) قام وودرو ويلسون Woodrow Wilson بآخر جهوده من أجل موقف صحيح اتجاه روسيا . بمبادرة شخصية منه ، ويليام بوليت ، وهو الموظف الشاب بوزارة الخارجية ألحق بالوفد الأمريكي إلى مؤتمر السلام ، أرسل إلى موسكو من أجل لقاء لينين والاستفسار من القادة السوفييت إن كانوا يريدون حقا السلام . ذهب بوليت رفقة الصحافي الأمريكي الكبير ، لينكولن ستيفنز ، الذي جلب معه من روسيا انطباعا مثيرا : " لقد رأيت المستقبل ، وسيتم إنجازه ! " فيما يخص بوليت فقد أحضر مقترحات لينين للسلام بالنسبة للحلفاء كما بالنسبة للمجموعات البيضاء . لينين كان أكثر من أي وقت مضى راغبا وحريصا على صنع السلام ، لكن مقترحاته ، وكما اعترف تشرشل بذلك في كتابه " الأزمة العالمية : وتداعياتها " ، " تم التعامل معها بازدراء " ، و " بويلت نفسه لم يكن يخلو من التبرؤ نوعا ما ممن أرسلوه " بوليت شرح في شتنبر 1919 أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ لماذا ظلت مقترحات لينين للسلام طي التجاهل : " كولتشاك تقدم ب 150 كيلومتر وسريعا شرعت كل الصحافة الباريسية بالصراخ بدون حدود بأن كولتشاك سيكون في موسكو قبل أسبوعين ، وهذا هو السبب ، كل شخص في باريس ، بمن فيهم ، ويؤسفني أن أقول ، أعضاء البعثة الأمريكية ، الذين بدؤوا يظهرون فتورا كبيرا فيما يخص مسألة السلام مع روسيا ، لأنهم اعتقدوا أن كولتشاك سيصل إلى موسكو وسيكنس الحكومة السوفييتية ". فيما يتعلق ببقية المسار المهني لبوليت كمعارض للاتحاد السوفييتي أنظر الصفحة 501 الفصل الثالث والعشرين .

(5) هذا التقرير ، الذي أخذه الجيش الأحمر فيما بعد من أرشيف الحكومة البيضاء في مورمانسك ، نشر بعد وقت قصير من قبل صحيفة الدايلي هيرالد اللندنية ، وتسبب في حرج كبير للأوساط المعادية للسوفييت في إنجلترا .



المراجع :

صحف و دوريات ذلك الوقت ، توفر وثائق قيمة عن مشاعر الجمهور والمزاج العام في أوروبا والولايات المتحدة إبان معاهدة فرساي . الكاتبان اعتمدا بالخصوص على صحيفة نيويورك تايمز ، والأمة la Nation ، والجمهورية الجديدة ( أو النيو ريبيبليكان ) و " الخلاصة الأدبية Literary Digest " .
الملحق رقم 4 غشت 1920 من الجمهورية الجديدة ، كتبها والتر ليبمان و CH.MARTZ، هي ذات أهمية خاصة .
من بين المصادر الأخرى المفيدة نورد :
GEORGE SELLES, World Panorama, 1918-1935
R. BURLINGTON ET ALDENS STEVENS, Victory Without Peace
[نصر بلا سلام ]
The Bullitt Mission to Russia
[مهمة بوليت في روسيا]
سنجد وصفا مميزا لمختلف المؤامرات فيما بين الحلفاء في باريس خلال مؤتمر السلام في كتاب هربرت ياردلي " الغرفة الأمريكية السوداء The American Black Chamber " . حول النقاشات في مؤتمر السلام ، الكاتبان استخدما على نطاق واسع الأوراق المتعلقة بالعلاقات الخارجية للولايات المتحدة : مؤتمر باريس للسلام ، 1919 المجلد. الثالث والرابع .
السيرة الشعبية ( أو الشهيرة ) لونستون تشرشل التي كتبها كراوس ، وتحتوي على معلومات مثيرة للاهتمام حول دوره في المؤتمر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تكتل- الجزائر وتونس وليبيا.. من المستفيد الأكبر؟ | المسائي


.. مصائد تحاكي رائحة الإنسان، تعقيم البعوض أو تعديل جيناته..بعض




.. الاستعدادات على قدم وساق لاستقبال الألعاب الأولمبية في فرنسا


.. إسرائيل تعلن عزمها على اجتياح رفح.. ما الهدف؟ • فرانس 24




.. وضع كارثي في غزة ومناشدات دولية لثني إسرائيل عن اجتياح رفح