الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لو ثقلت عليك رأسك، فأقلعا وألقها عنك .. ومت كريما..!!

ارنست وليم شاكر

2015 / 2 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



في الفقه كل شيء له وجهان، يجوز أحدهم عند الضرورة وعلى الهوى وتحت الأمر وفوق العين وفق الغرض.. فيكون الشيء هو الحلال المستحب الذي عليه الأجر والثواب.. والوجه الثاني لذات الشيء، الحلال شرعا في الأول، يصير هو الحرام الذي لا حرام بعده، والسقم الذي لا براء منه، والعطب الذي عضعض قوام الأمة والسوس الذي أفسد القمح والعثة التي خرمت اللباس.. .. .. .. وعليه فإن لم يُجاهد ويُكفر ويُبتر ويُبقر ويُصلب ويُقطع من خلاف أو يُنفى من الأرض عم الفساد.. فهو الواجب الاستئصال شرعا فبقاءه يكون معه البلاء والطامة التي فيها يشقى العباد ويعم الخراب البلاد..... ولا حول ولا قوة إلا بالله!!

فحتى قضية إدانة حرق الأسير الأردني ، لم تدان لبشاعتها ، وكأن بشاعتها لا تكفي للإدانة والتنديد والشجب والتقبيح والمطالبة بالقصاص العادل وتحديد الخطر وعمل الواجب واللازم لرفع الخطر...
فككل شيء في شرقنا المريض بخرافات الأقدمين لابد له أن يخضع لمهاترات "المتفنقهين" فيحول أولا لخلاف فقهي ، سهل الابتكار والتخليق والتبديع عند الحاجة ولغرض في نفس يعقوب... افتخار بالفجور هنا، وخوف وخناسة وخنوثة هناك.. ونتيجة لهذا الضمور العقلي والانحطاط المنهجي في التقييم والحكم على الأمور بمنظور العقل والمنطق، الأخلاق والإنسانية، المصلحة الوطنية والخوف من تصدير الإرهاب وتفشي الهمجية.. خرج علينا فقهاءنا بمهاترات فقهية نورد لكم مقتطفات منها للتسلية أو للضحك أو للطم أو لأي شيء ترونه مناسب لتقييم الوضع الراهن :

فالوجه الأول تمثله داعش، وفقهائه –وجلهم من المصريين أبناء قطب والسلف الصالح والطالح - تستند لفتاوى أبن تيمية الملقب بشيخ الإسلام .. الذي تباع كتبه في طول البلاد وعرضها ويقر بها الأزهر ولا يقبل فيها شبهة أو يحتمل فيه قولا .. والذي هو عند السلفيين المرجع الذي لا ينطق عن الهوى، والذي تستشهد بهد داعش في شريطها المُصور لحرق الطير ، فتسد به أفواه مَن يتطاول عليها من مشايخ النفاق واللعب باللسان والحديث من خلف حجاب .. فذكرت ما لا يستطيع مسلم من اهل السنة والجماعة نقده حين نقلت عنه جواز التمثيل بالجثث فأوردت الأتي : " فأما إذا كان في التمثيل الشائع دعاء لهم إلى الإيمان أو زجر عن العدوان فإنه هنا من إقامة الحدود والجهاد المشروع"...
وفي فتواها أفحمت الجميع بالتصريح الذي لا يجهله إلا الجهول بالفقه والمذاهب وهو : أن مذهبان من مذاهب أهل السنة والجماعة –الأحناف والشافعية- أجازوا الحرق بالنار في المطلق .. ولم تكتفي بل دللت واستشهدت بتاريخ الصحابة أنفسهم .. فأبى بكر الصديق أمر بحرق الفجاءة الذي سرق المال والسلاح وأنضم للمرتدين بعد أن أوهمه أنه معه وأنه يحتاج للمال والعتاد لمحاربة المرتدين كما جاء في تاريخ الطبري... وتاريخ اليعقوبي احداث السنة 8 هجرية وكذلك في فتح الباري/ كتاب استتابة المرتدين...

والثاني – ممثلا في بعض المشايخ المدعين للوسطية، العائشين في حالة من إنفصام الشخصية (ندعوا لهم بالشفاء) - يقول بعضهم بضعف الرواية والأخر يدعي ندم أبى بكر على حرقه لالفجاءة وتمنى لو أمر بقتله لا حرقه ..حسب بعض الرواة المشكوك في روايتهم ولكنها لقت هوى في نفوسهم..

فيرد داعش غير منخدعين بلعبة يجيدها كل اللاعبين في ساحة الهرج والمرج والنصاحة والفهلوة واللوع .. بأن ندمه رواية لا يعتد بها وضعيفة مكذوبة .. فيقول صبية الأزهر من مشايخ ومتقاعدين أصابهم الزهيمر .. لا يحرق الخلق إلا الله.. فيرد داعش بالعقاب من جنس العمل فمن ركب الطائرة ليقذف اللهب على المؤمنين يعاقب بمثل ما نوى فعله بهم ، أي بنار ذات لهب...
ثم يأتون بالضربة القاضية فيستشهدون بقول المُهلب نقلا عن أبن حجر العسقلاني (فتح الباري) القائل أن ما جاء على لسان النبي على سبيل التواضع لا التحريم، بل والبخاري نفسه في صحيح البخاري /كتاب الجهاد والسير باب إذا حرق المشرك المسلم هل يُحرق) يقر بأن النبي قد سمل الأعين (فقأ الأعين بمسامير محماة بالنار) لأناسا من "عُرينة" ثم قطع الأيادي والأرجل وتركهم يموتون عطشا.. (راجع أيضا صحيح مسام، كتاب القسامة والمحاربين باب المحاربين والمرتدين الذي يورد نفس القصة) .... وماذا عن البخاري الذي أقر حرق أبو بكر الصديق للفجاءة؟.. وماذا عن حرق أبو بكر نفسه اللوطية [مَن يعمل عمل قوم لوط] بحسب الخبر الذي جاءنا وأقره أبن القيم الجوزية؟!! .. فيقول أبن القيم "حرق اللوطية بالنار أربع خلفاء: أبو بكر الصديق، وعلى بن أبي طالب، وعبد الله بن الزبير، وهشام بن عبد الملك"...... (أنظر أيضا كتاب الترغيب والترهيب ج3 ص 198)

ولكن مشايخ الأزهر لا ينهزمون بسهولة فيستشهدون بالبخاري أيضا ولكن هذه المرة من صحيح البخاري باب الجهاد والسير باب لا يعذب بعذاب الله... "أن عليا حرق قوما، فبلغ ابن عباس فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم، لأن النبي قال: لا تعذبوا بعذاب الله، ولقتلتهم كما قال النبي مَن بدل دينه فأقتلوه"

فيرد فقهاء داعش أن الحديث السابق صحيح ولكنه يدل وقبل كل شيء على أن علي حرق قوما (زنادقة بحسب رواية أخرى للبخاري وكذلك حسب مسند أحمد ويضيف المسند أيضا أنه –أي علي- أحرقهم وكتبهم معهم، ويصفهم أبي داود في سننه بالمرتدين عندما ينقل لنا نفس الواقعة) .. ثم أنهم يكملون القصة التي توقف البخاري عند قول أبن عباس ولم يأتي لنا بجواب علي الذي يرد في سنن أبي داود .. حيث يقول أبي داود : " فبلغ ذلك عليا فقال: ويح ابن عباس"
إلى أخر هذا الكلام .... الذي لا ينقطع ولا نفع منه في هذا المقال وهذا المقام...

فالقضية عندهم خلاف فقهي كل شيء فيه يمكن تبريره أو تحريمه، على الهوى أو بأمر من سلطان .. فذات الشيء يمكن ادانته وتجريمه بل وتكفير القائلين به، كما يصير عين الشيء حلال مباح ببعض من تأويل وحذلقة، وتفتقات أذهان مراوغة... تصدير هنا وتورية هناك ، تضخيم وفخفخة هنا إدغام وهرولة هناك .. تضعيف وتهجير وازدراء هنا استحسان وتشدق وإجماع وهمي هناك .. وقضي الأمر فما أرحب الفقه وأوسعه حتى "البهوقة" والإباحية والإفراط .. أنها لعبة قديمة جديدة لدجالين يتعاملون مع الرعية وقد صيروهم بالجهل والخرافات رعاع.. مشعوذين لهم في الغوغائية و"الجلا جلا" خبرة تفوق الألف عام في العبث والمراوغة والتدليس على البسطاء و"قرطسة" الناس باسم الدين ، الدين الذي ما عاد دين بل فقه رجال متنطعين وقفا عبيد منبطحين ..

فكما أشرنا سابقا وهنا مربط الجمل.. أن كل شيء تقريبا قابل لكل شكل وكل لباس وكل لبوس وكل حذاء..
وهنا عمدة القول: فالجهل بالتاريخ الغير محقق أصلا في شرقنا، فلم ينتقل من مرحلة الحكاية والرواية والمغزى ليصير علما أكاديميا.. يخضع للعقل والنقد والتمحيص والمقارنة بعد الأخذ بعين الاعتبار ما جد وأضيف لظرف تاريخيا أو لقصد سياسي أو لضرورة اقتصادية أو استباحة لحرب ونهب وغزوة أو تبريرا لثورة وصراع على أساس عقدي ديني مذهبي...... هذا الجهل بالتراث كتراث بشري لا مقدس مطلق ووحي لا ينقض وتاريخ بشرا أصابوا فيما أصابوا وخابوا فيما تنطعوا وادعوا وافتأتوا على الله... هذا التراث هو جزء من تاريخ رجال صار تاريخنا فيجب علينا معرفته بحيادية وتجرد فيصير علما هاما ومبحثا لا ينضب لنا وللبشرية جمعاء فتكون منه العبرة ويكون معه حسن التمييز.....

ولكن العوام مازالوا ينساقون سَوق البغال فما دون.. عفوا!! أقدم عذري على استخدام ألفاظ قاسية في توصيف ذوات الاربع، ولكنه الواقع دون مواربة وطي ولي للمعاني ، فهم ابدا لا يتعلمون ، فتراهم دائما عائدون يسألون الإمام والشيخ والمستشيخ السلفي والمستسلف والاخواني صاحب الابتسامة الكاذبة و"المتفنقه" في زاوية أو على قهوة أو في مسيرة داعية للشرعية على منهاج البنا في قضايا الحلال في زمن الصحوة الإسلامية وعن الحرام في قندهار...
فمن لم يدرك من ذلك أنه نقاش عقيم فهو الذي ولد بضمور في العقل، ولوثة في الصدغ والمخيخ وذات الفصين ...

فالقضية عندهم لغو وعندنا جد عندهم فقه ولغة ولفظ وعندنا قيمة ومعنى وفكر.. عندهم تقاس الأشياء على الأهواء على حسب المصلحة الشخصية والسيطرة على الرعية والثمن المدفوع لبيع الضحية ..
عندنا القضية قضية الإنسان وحقه في العيش الكريم داخل مجتمع مسالم ووطن آمن .. وطن يحتضن الجميع ولا يحابي احدا بل يكفر فقط بالتكفير ولا يعادي غير المعتدين عليه أو على حق الغير في أن يكون إنسان مكتمل الإنسانية.. فالقضية عندنا مرتبطة بالأخلاق والقانون وحقوق الإنسان والمواطنة .. وما نريد أن يكون عليه الوطن وشكل المؤسسة التي نتعامل معها ومستقبل الدولة وفلسفة الحكم..

وعندهم القضية هراء في هري في هوس في هواء في أهواء، في هوة بلا غور في "سفاسط" من سفه من سلاطة لسان من سقط متاع من سقم في الدماغ، مع بعض الحول والعور قلة البصر بل والعماء...

هل تريد عزيزي القارئ أن يسلط الله يوما رقبتك لنتائج هذا الترهات الفقهية، ويضع عنقك تحت أمرة أصحاب القصعة والتكية؟!!.. ويحكمك وحوش اختلفوا في السفاسف واتفقوا على الهمجية منهجا لهم والسادية قبلتا وملاذا ، والغباء ربا وإلها..؟!!.. بل وحول هذه السفاسف يمكن أن يتقاتلوا حتى يفني واحدهم الآخر..

فهذا تاريخهم وهذه سنتهم.. ولكن آفة شرقنا أنه قد زور التاريخ البعيد، وأعتاد نسيان ما مر عليه بالأمس القريب.. فمن يحي التاريخ فينا فبغير التاريخ لا يكون الإنسان غير كائن، غير قابل للخروج من طور البدائية لطور الإنسانية.. أوليس الإنسان حيوان له تاريخ؟!!.. فخف ممن يسرق تاريخك أو يزوره ويشوهه أو يُنسيك جذورك وماضيك، فقد كنت إنسان وجاء الفقه والمشعوذين فصرت عبدا للمتنطعين .. لا تأمن لهم، فهم عندما يصادرون تاريخك، أو يشوهوه فأعلم أنه يصادر إنسانيتك ويريدوك تبقى بلا تاريخ في طور الهمجية: حيوان...
فعلى سنة العقل تسنون قوانينكم أم على أسنة الرماح تريدوا رؤية رؤسكم..
لذلك نقول : لو ثقلت عليك رأسك وصارت حملا على عنقك، فاقلعها أنت عنك ، ومت كريما.. فإنسان بل عقل بلا تاريخ، لا كرامة له....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المسلمون في بنغلاديش يصلون صلاة الاستسقاء طلبا للمطر


.. بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري




.. رحيل الأب الروحي لأسامة بن لادن وزعيم إخوان اليمن عبد المجيد


.. هل تتواصل الحركة الوطنية الشعبية الليبية مع سيف الإسلام القذ




.. المشهديّة | المقاومة الإسلامية في لبنان تضرب قوات الاحتلال ف