الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إحباط ما بعد الصدمات

خليل كلفت

2015 / 2 / 16
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية



من المؤكد أننا نعيش صدمة كبرى فى أعقاب ثورات كبرى. والتصوُّر الذى نشأنا عليه فكريا هو أن الثورة تجلب الحياة الكريمة، والحرية، والإخاء، والمساواة، باعتبار أن الثورة هى محرِّك التاريخ، فهى التى نقلت البشر عبر الألفيات من الحياة المشاعية البدائية إلى ذروة اقتصاد الصناعة وما بعد الصناعة واقتصاد المعرفة. والصدمة هى آخر شيء نتصور أن يُقال عن ثورة.
فكيف استحالت ثورات ما يسمى بالربيع العربى إلى صدمات وكوارث وإحباطات مريرة فى سوريا واليمن وليبيا وما تزال مصر وتونس محاطتين بالمخاطر، أم أن المشكلة الحقيقية تكمن فى تصوراتنا عن الثورة وتوقعاتنا منها؟
ومن المفهوم تماما أن تأتى فى أعقاب ثورات شعبية كبرى فاشلة ومهزومة، صدمات وإحباطات ليس فقط فيما يتعلق بهزيمة هذه الثورات المحدَّدة بل أيضا فيما يتعلق بفكرة الثورة ذاتها، حيث يبدو أن فكرة الثورة هُزمت مع الثورات؛ سواء من حيث توقعاتنا منها أو من حيث نتائجها الفعلية؛ وبالأخص من حيث النظر إليها على أنها محرِّك التاريخ.
وتتوالى أسئلة عديدة نابعة من مصائر الثورات العربية من جهة ومن تأمل الثورات الشعبية عبْر التاريخ من جهة أخرى. فهناك تأكيدات بأن هذه الثورات مستمرة، وهذا ما يمكن استنتاجه من استمرار ثورات على مدى سنوات. وهناك أيضا آلية أخرى للتهرُّب بتشديد أرثوذكسى وغير نقدى مستمد من مؤسسى الماركسية على أن الثورات هى محرِّك التاريخ باعتبارها الذروة الحاسمة للصراع الطبقى، بزعم أنها تُلغى نمط الإنتاج الاجتماعى القديم وتدشِّن نمط الإنتاج الاجتماعى الجديد.
وبالطبع فإن الماركسية نظرية مفتوحة على التجديد الذى يمثل مفتاح وآلية تطورها، ويستحيل هذا التجديد دون اتخاذ موقف نقدى من هذه الفكرة أو تلك فى نظرية ماركس. أما الثورات الشعبية الفعلية التى تتناقض مع تصوراتنا فإنها تدعونا، ما دام الواقع العينى هو المرجع النهائى لأفكارنا، إلى تجديد تصوراتنا ومفاهيمنا. ذلك أن من العبث بالنظرية والممارسة معًا أن نضع الواقع العينىّ على سرير پروكوست ليتفق مع نظريتنا، بل ينبغى على العكس أن ترتبط النظرية بالواقع العينىّ ارتباطا لا ينفصم باعتباره مرجعية مرجعياتنا النظرية.
والثورات الشعبية ثورات احتجاجية على الظلم الطبقى وهى عفوية وانفجارية وظرفية وليست تراكمية وبالطبع فإنه يسبقها تراكم للإفقار ولمستويات أقل من الاحتجاج ولإعداد فكرى وسياسى؛ غير أن هذا الطابع التراكمى السابق لثورة شعبية يختلف عن تراكم التغيرات الطويلة الأمد المؤدِّية إلى التحولات الاجتماعية-السياسية، أىْ الانتقال مثلا من الإقطاع إلى الرأسمالية؛ وهذه التحولات ليست احتجاجية بل هى تراكمية وعضوية ولا-انفجارية بحكم طبيعتها فى مختلف المجالات.
وأمامنا بالتالى ظاهرتان اجتماعيتان مختلفتان تماما. لدينا ظاهرة التحوُّل الاجتماعى-السياسى التراكمى الذى يخترع ويطوِّر بالتدريج وسائل الإنتاج المميزة للنظام الجديد. وهنا يبرز الدور الأساسى للقوانين التقنية التصاعدية التى تغيِّر العالم والتاريخ وأنماط الإنتاج من خلال آلية تطور إنتاجية العمل التى هى أساس التحولات الاجتماعية-السياسية.
أما ظاهرة الثورات الشعبية فإنها احتجاج واسع النطاق ضد الظلم الطبقى القائم، ولهذه الثورات حدود لا تتجاوزها، وقد تُحقق بعض المكاسب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية استجابة لمطالب الاحتجاجات غير أنه ليس من طبيعتها أو وظيفتها تغيير المجتمعات وأنماط الإنتاج.
وبحكم علاقات القوة بين الثورة والثورة المضادة لصالح هذه الأخيرة تُهزم الثورة وتنتصر الثورة المضادة فى أغلب الأحيان، غير أن الثورة تنتصر فى بعض الحالات لكنها لا تُحدث تحولا اجتماعيا سياسيا. فكثيرا ما انتصرت الثورة الوطنية الاستقلالية السلمية أو المسلحة ولكنْ دون أن تقضى على التبعية الاستعمارية، وقد تنتصر ثورات شعبية تقضى بالتدريج على التبعية كثورة أكتوبر الروسية أو الثورة الصينية فقد نجحتا فى بناء اقتصاد حديث متقدم غير أن هذا يتم فى سياق تكوين طبقة استغلالية رأسمالية جديدة تُطوِّر الاقتصاد الرأسمالى قبل الثورة بمستوى عميق فى روسيا وبمستوى أقل عمقا فى الصين.
ولا شك فى أن الفرق هائل بين ثورة شعبية تأتى فى سياق نظام اجتماعى خالص مثل حرب الفلاحين فى ألمانيا أو ثورة الأمير همام فى مصر، وثورة شعبية تأتى فى سياق نظام اجتماعى مزدوج مثلا أثناء الانتقال من الإقطاع إلى الرأسمالية مثل الثورة الفرنسية.
غير أن تلك الثورة الشعبية لم تكن محرِّك التاريخ بل كان تطور الرأسمالية قبل تلك الثورة هو صانع التقدم والتحول. بل هناك بلدان تطورت إلى قمة الرأسمالية دون ثورات شعبية على الإطلاق (الياپان).
وقد يقول قائل إن هذه النظرة التى تجعل التحوُّلات الاجتماعية-السياسية بدون ثورات شعبية تُخرج الجماهير الشعبية من عملية صُنْع التاريخ، غير أن هذا الاعتراض لا ينتبه إلى الدور التراكمى للمنتجين المباشرين، أىْ الطبقات العاملة عبر التاريخ؛ فَهُمْ صناع التاريخ.
ولا يمكن لأحد أن ينصح الشعوب بعدم الثورة بعد أن تُوشك متلازمة الفقر على دفنها حية، ولا شك فى أنها قد تحقق مكاسب، غير أنها كانت تغرق الشعب فى الدم فى أكثر الأحيان طوال التاريخ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in


.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو




.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا


.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي




.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا