الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصتي مع الشهداء الأقباط المذبوحين في ليبيا

جوزيف بشارة

2015 / 2 / 17
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


تلقيت نبأ استشهاد الواحد والعشرين مسيحياً مصرياً مع أسرتي. كنت عندها محاطاً بزوجتي وطفليّ الصغيرين اللذين لا يعيان من الدنيا إلا البهجة والحب المتبادل والدفء الأسري. أسرعت بمتابعة سريعة للأخبار، وفوجئت بالمقطع المصور القاسي الذي نشره الإرهابيون على الإنترنت. شاهدت جزءاً من المقطع بعدما وضعت الصوت في أدنى درجاته حتى لا يدرك الصغيران ما كنت أشاهد. انتابتني حالة من الحزن لم أستطع إخفاؤها. لم أقدر على شرح الموقف للطفلين، فقلت أن البرد الذي كنت أعاني منه ساءت أعراضه. لم أشأ تحويل جلستي معهما إلى حالة حزن، فسعيت قدر طاقتي لمقاومة مشاعري وأحاسيسي.

كان هناك سببان لمشاعر الحزن الشديد التي أحسست بها عندها. السبب الأول هو طريقة القتل البشعة التي استخدمها الإرهابيون مع اخوتنا في المسيح والوطن. حاولت وضع نفسي في نفس الظرف، ولم أستطع إدراك حجم الألم والرهبة اللتين تعرض لهما الشهداء. السبب الثاني هو حالة أسر وعائلات الشهداء. حاولت استيعاب كيف يتلقى الأب أو الأم نبأ ذبح الإبن الغالي، وكيف تتلقى الزوجة خبر رحيل عائل أسرتها، وكيف يستوعب الأطفال أمر الغياب الأبدي المبّكر للأب الحبيب، وكيف يتعاطى الأشقاء والأصدقاء مع رحيل الأقرباء إلى النفوس والأرواح. كان السببان كافيان لإغراقي في حالة مزرية من الألم والهّم والإحباط.

بعدما رحل طلفيّ عن جانبيّ دفعني الحس الصحفي لمشاهدة المقطع المصوّر بالكامل للاستماع لكلمة زعيم الإرهابيين المجرمين ولتفحص وجوه الشهداء ومعرفة ردود أفعالهم. هذه المرة أدرت مفتاح الصوت حتى أتمكن من الاستماع. لم يفاجئني شيء مما قاله المجرم الذي يبدو من لغته ولكنته أنه عاش وتربى إما في الولايات المتحدة أو كندا. كان كل شيء متوقعاً أن يكون القتل بدافع ديني بحت وليس وطنياً أو عرقياً أو غيره. لكن أصواتا أخرى صدرت قرب انتهاء المقطع هزتني من داخلي بعنف. كانت هذه الأصوات تردد "يسوع...يسوع... يا ربي يسوع المسيح" أدركت عندها أن هذه كانت أصوات الشهداء ينادون أو يستنجدون أو يقرعون باب المخلص الذي يذبحون من أجله. عندها تغير الأمر تماماً بالنسبة لي.

تساءلت كيف امتلك الشهداء الجرأة لمناجاة الرب الذي يمقته من يذبحونهم؟ ألم يدرك الشهداء عندها ان مجرد ترديد اسم يسوع كفيل بإثارة غضب وحنق الإرهابيين ما يمكن أن يضاعف من وحشيتهم؟ كيف استمر الشهداء في التمسك بالمخلص في أقصى ساعات الضيق والشدة؟ كيف قاوم الشهداء البسطاء كل الرغبات الدنيوية والشهوات العالمية وساروا بشجاعة في طريق الذبح الذي كانوا يدركون أنه ينتظرهم؟ كيف لم يتنكر الشهداء للمسيح حتى ينجون من الوحوش الشيطانية الرابضة فوق ظهورهم؟ من أين أتتهم كل هذه الشجاعة؟ كيف لم يوجد بينهم واحداً كيهوذا الخائن؟

تأملت عندها في حياتي الشخصية وحياة الكثيرين التي نسمع ونقرأ عنها. مر أمام عينيّ شريط طويل من الضعفات التي خذلنا ولا نزال نخذل من خلالها اسم يسوع المسيح حتى نحقق مكاسب دنيوية تافهة. رأيت كم من مرات اخترنا ونختار الطريق السهل، وكم من مرات أردت ونريد فيها من يسوع أن يختبئ قليلاً حتى ننجح في تحقيق هذا النجاح أو ذاك، وكم من مرات خجلنا ونخجل فيها من الالتزام بمبادئ يسوع حتى نصل إلى أهدافنا، وكم من مرات وضعنا ونضع فيها أنفسنا في المقدمة ويسوع في المؤخرة، وكم من مرات سلكنا ونسلك فيها كبطرس وأنكرنا وننكر يسوع حتى نعبر مواقف بعينها بسلام، وكم مرة استسلمنا ونستسلم فيها للضغوط الرهيبة التي تمارس علينا في مجتمعات ترفض المسيح ولا تقبل بتعاليمه.

حاولت مرة أخرى أن أضع نفسي في نفس الظروف التي تعرّض لها الشهداء، وتوقعت، عن بعد، مدى جسامة الموقف علىّ بصورة شخصية. أدركت أنه إذا كنت خذلت يسوع في مواقف صغيرة جداً لا تضحية فيها ولا بذل، فماذا كان سيحدث لي لو كنت أحدهم أو بينهم؟ أيقنت عندها مدى هزالة إيماني. عرفت أنه إذا كنت أحدهم فربما اخترت إدارة ظهري ليسوع حتى أنجو بحياتي. تضاعفت آلامي، وتمنيت أن أكون أمينا مع مخلصي كالجبابرة من شهداء ليبيا الأحباء.

كان يمكن للإرهابيين من صانعي مقطع الذبح إزالة صوت الشهداء، ولكنهم في ما يبدو استخدموا مناجاتهم لربهم كدليل إدانة عليهم. غير أن دليل الإدانة هذا كان إكليلاً من مجد للشهداء الأحد والعشرين في ملكوت السموات، وكان أيضاً سبب تعضيد وتعزية رائعين لكل مسيحي. بالنسبة لي شخصياً كان قيام الشهداء بالصراخ "يسوع... يسوع..." سبباً في تبكيتي على أمور كثيرة.

لم يلتق الملايين من منا، ومنهم كاتب هذه السطور، بالشهداء البسطاء الواحد والعشرين، ولم يتعرّف عليهم بصفة شخصية أحد ربما باستثناء أهاليهم وأصدقائهم وجيرانهم وزملائهم في العمل، لكن الأثر الذي تركوه في قلوب الملايين، وفي قلبي شخصياً، يجعلنا نشعر بأنهم جزء لا يتجزأ من كل عائلة وكل أسرة وبكل فرد منا، ويجعلنا نشعر بأننا نعرفهم بصفة شخصية ومباشرة وحميمية، ونمتلك ما يمكن أن نقوله عنهم.

طوباكم يا شهداء المسيح. طوباكم. أنتم فخرنا. منكم نتعلم وبإيمانكم الصلب سنتمثل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - طوبى للشهداء الحقيقيين الذين ذبحوا من اجل الكلمة
مروان سعيد ( 2015 / 2 / 17 - 22:10 )
الحقيقة لم اقدر رؤية هذه المذبحة الى الاخرولكن وجدتهم مرفوعي الراس ومنتظرين اللقاء الرائع الذي سيتم بينهم وبين الرب يسوع المسيح فور مفارقتهم الحياة
نعم ياخي جوزيف كلي ثقة بانهم موجودين الان بحضن الاب وهو يمسح دمعتهم ويعزيهم على فراق عائلاتهم واطفالهم
وكلي ثقة بان هؤلاء سياخذوا جزائهم العادل قريبا
وهذا ما قاله الرب عندما استنجد به المصلوب لوقا 23
«ان كنت انت المسيح فخلص نفسك وايانا!» 40 فانتهره الاخر قائلا: «اولا انت تخاف الله اذ انت تحت هذا الحكم بعينه؟ 41 اما نحن فبعدل لاننا ننال استحقاق ما فعلنا واما هذا فلم يفعل شيئا ليس في محله». 42 ثم قال ليسوع: «اذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك». 43 فقال له يسوع: «الحق اقول لك: انك اليوم تكون معي في الفردوس».
واطلب الرحمة لهؤلاء القتلة لاانهم لايعرفون ماذا يفعلون لاانهم مغيبين ومغسولي الدماغ
ومودتي للجميع


2 - ثبات الشهداء يفحم المعاندين
مراقب (محمد بن عبدالله) ( 2015 / 2 / 17 - 23:28 )
لم يعد لأي شخص غير مسيحي شاهد هذا التسجيل من عذر في العناد والتعامي أو الادعاء السخيف بتحريف المسيحية..فدين محرف لا يثمر مثل هؤلاء القديسين بل يخرج الارهابي والسفاح والانتحاري الشبق اللاهث وراء الحوريات العاريات أو مشتهي الولدان المخلدين

قدموا أنفسهم بخورا متمسكين حتى آخر أنفاسهم بايمانهم الذي قواهم فكانوا غير عائبين بكل ما يجري شاخصين نحو النور الأزلي الذي تبدى لهم

كل من شاهد وسمع لا عذر له في رفض واضطهاد المسيحيين وعسير سيكون حسابه فلن يمكنه بدء من هذه اللحظة الفارقة التحجج بجهل أو الاعتذار بأن نبي كاذب خدعه

كيف ينام المخدوع وقد اكتشف أن ما لقن منذ مولده إفك بيـّن؟ ليس أمامه سوى الثورة على كل زيف وتدليس ونفض كل تعليم فاسد كاذب شرير


3 - الدعشيون يجب ابادتهم ابادة تامة
rania sarmed ( 2015 / 2 / 19 - 14:29 )
المشكلة اخي الكريم بان عصابة الدواعش هولاء يمكن ان يكونوا بيننا ولانعرفهم يولدون في باريس وكوبنهاكن يدخلون السجن في اوربا بسبب جرائم ارتكبوها ولكن يطلقون سراحهم وبعدها يسافرون الى العراق وسوريا للانضمام الى داعش ويذبحون الابرياء ويغتصبون النساء ويعودون الى اوربا ليقتلوا الرساميين الفرنسيين او الدنماركيين والسويدين والعالم يتفرج على مذابح داعش دون ان يقف احد بوجه داعش وقفة شجاعة وتوقفيهم وابادتهم بالكامل
الدواعش بحاجة الى ديكتاتور كما كان صدام للقضاء عليهم

اخر الافلام

.. حزب الله اللبناني يوسع عملياته داخل إسرائيل ويستهدف قواعد عس


.. حزب الله يعلن استهداف -مقر قيادة لواء غولاني- الإسرائيلي شما




.. تونس.. شبان ضحايا لوعود وهمية للعمل في السوق الأوروبية


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية.. وطلاب معهد




.. #الأوروبيون يستفزون #بوتين.. فكيف سيرد وأين قد يدور النزال ا