الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غيتوهات تندوف: الذهول عن المقاصد

سعيد هادف
(Said Hadef)

2015 / 2 / 18
حقوق الانسان


" أنا عايش مجهول لا مكان ولا عنوان وما عندي كيان"- الفنان الصحراوي الناجم علال

استقبل، مؤخرا، زعيم البوليساريو محمد عبد العزيز المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة في نزاع الصحراء كريستوفر روس يومه الاثنين، وبحث معه ملف النزاع الذي دخل عقده الرابع. لا شك أن محمد عبد العزيز وممثلي الأمم المتحدة تباحثوا موضوع النزاع عشرات المرات وعلى مدى أعوام عرف فيها العالم تطورات لا تعد ولا تحصى، فهل الأجندة الفعلية لهؤلاء هي التباحث من أجل التباحث؟ أم التباحث من أجل تسوية وضع قابل للتسوية الإنسانية؟ الوضع قابل للتسوية، وهي تسوية ملحة؛ فأين الخلل؟

أربعون سنة منذ أن تم نصب تلك الخيام من أجل استقبال اللاجئين الصحراويين، أربعون سنة من اللجوء يصفه آخرون بالاحتجاز.

وقد ناقش مختصون في القانون والسياسة "أسماء هذا الوضع ومصطلحاته" ليبرهنوا بأن الجزائر والمفوضية الأممية تعبثان بمسؤوليتهما القانونية والأخلاقية إزاء ساكنة مخيمات تندوف، فالعبث هنا من حيث التوصيف الاصطلاحي القانوني ومن حيث "نمط العيش". فحقوق هؤلاء يتم انتهاكها على مستوى "الاصطلاح" كما على مستوى "الواقع المعيش".

حينما أوعزت لمحركات البحث الرقمي من أجل أن تمدني بمعلومات عن مخيمات تندوف لم أجد في الموسوعة الحرة "الويكيبيديا" شيئا باللسان العربي ولا حتى باللسان الفرنسي، إنه أمر يدعو إلى الاستغراب. القسم الانكليزي من الوكيبيديا أولى موضوع "المخيمات" بعض الاهتمام، فضلا عن الأقسام الإسبانية والكاطالانية والصينية التي حاولت أن تلامس الموضوع بطريقة تكاد تكون شحيحة. أما اللسان العربي كعادته كان كبير الغائبين*.

المعطيات تقول أن مخيمات اللاجئين الصحراويين في تندوف(الجزائر) هي مجموعة من مخيمات أقيمت على أرض ولاية تندوف، سنة 1975-1976 للاجئين الصحراويين الذين فروا من القوات المغربية، خلال حرب الصحراء الغربية.معظم اللاجئين لا يزالون يعيشون في المخيمات إلى اليوم، وهذه المخيمات هي الأطول عمرا في العالم.

تضيف الموسوعة أن ساكنة المخيمات يعتمدون على المساعدات الأممية، وبدونها يصعب عليهم العيش. غير أن هذا "اللجوء" يختلف عن "اللجوء" المتعارف عليه أمميا، ذلك أن مخيمات تندوف تتمتع بالتنظيم الذاتي، حيث يشرف اللاجؤون أنفسهم على تدبير حياتهم بالتنسيق مع أطراف خارجية.

عدد المخيمات أربع (العيون، أوسرد، السمارة والداخلة) بالإضافة إلى مخيم "27 فبراير"، والرابوني المخيم الإداري. وتنتشر هذه المخيمات على مساحة كبيرة جدا، ومعزولة عن بعضها.

تخضع مخيمات تندوف لإشراف البوليساريو، وتختلف عن مخيمات اللجوء، وبالتالي فإن صفة "اللجوء" لا تنطبق على ساكنتها، لأن اللاجئ من حقه أن يسافر ويتنقل، بينما هؤلاء لا يحظون بهذا الحق، ولهذا فإن وضعهم هو أقرب إلى "الاحتجاز".

كل التقارير التي تصدر من تندوف، فضلا عن تقارير أممية، تؤكد أن وضع المخيمات ليس طبيعيا وأن المخيلة التي ابتكرته ولا تزال تتفن في إطالة ديمومته هي مخيلة مريضة تؤطرها أجندات معادية للصحراويين ولشعوب المنطقة المغاربية، وهي ذات الأجندات التي اصطنعت ظاهرة الإرهاب من أجل إبقاء المنطقة ترزح تحت قضايا مغلوطة.

كريستوفر روس قد زار المغرب يوم الخميس وانتقل لاحقا إلى مخيمات تندوف، حيث قضى ثلاثة أيام في لقاءات مع مختلف المسؤولين وختم الزيارة بلقاء زعيم البوليساريو محمد عبد العزيز يومه الاثنين.

وكان بيان البوليساريو حول اللقاء طويلا، ويفيد الموقع الرسمي للحركة مطالبة محمد عبد العزيز لكريستوفر روس ضرورة إجراء استفتاء تقرير المصير، معتبرا ذلك يتماشى مع الشرعية الأممية (يسميها الإعلام العربي بالشرعية الدولية).

الحق في تقرير المصير: عبارة يرددها البوليساريو ويشدد عليه، غير أنه يربطها بالاستفتاء؛ لكن "الحق في تقرير المصير" لا يعني أبدا "الانفصال، فساكنة الجنوب المغربي بالأقاليم التي تحمل اسم "الصحراء الغربية" لديهم رأي آخر وهم منخرطون في بناء حياتهم وأغلبهم يؤمنون بمقترح الحكم الذاتي.

يجمع الكل على أن الوضع بالمخيمات سيء، الناقمون على البوليساريو يعيشون حالة من القمع لاتسمح لهم بالتعبير الحر عن موقفهم من المقترح المغربي، بل لا تسمح لهم حتى بالمشاركة في تدبير الشأن العام لمخيماتهم.

ظاهرة الفساد وصل صداها إلى منابر أممية ولعل أبرزها برلمان الإتحاد الأوروبي الذي اتهم الجزائر باستغلال مساعداته الإنسانية الموجهة نحو مخيمات تندوف.

هناك نقطة أساسية يتجاهلها دعاة الاستفتاء، وهي غياب رصد وإحصاء موضوعي لساكنة المخيمات، وغياب الرقم الحقيقي لعدد اللاجئين بالمخيمات. النظام الجزائري قدر عدد اللاجئين الصحراويين بـ 165،000. وقد تم دعم ذلك من خلال البوليساريو؛ غير أن لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان (UNCHR) رأت أن الجزائر ضخمت الرقم، حيث في عام 2005 قدرت العدد بـ 90،000 على أساس تحليل صور الأقمار الصناعية.

أما الحكومة المغربية تقول أن العدد الإجمالي للاجئين (المحتجزين) يتراوح ما بين 45،000 إلى 50،000.

يركز الإعلام والمهتمون بقضية النزاع من محللين وسياسيين في الجزائر كما في المغرب وموريتانيا على شكليات اللقاءات ويثيرون الغبار حول هذا النزاع بدل أن يبذلوا بعض الجهد من أجل إضاءة ما يجب فعله، والدفع بمسار التسوية في الاتجاه الصحيح، ذلك أن:

أولا: البوليساريو تأسست على مبدأ خدمة الصحراويين من أجل حياة كريمة وحرة، وعليها أن تركز على هذا المقصد؛

ثانيا: الجزائر أقامت مخيمات تندوف لإغاثة الفارين من المغرب، وهذا سبب لم يعد موجودا، وقد فر عدد من اللاجئين من تندوف وعادوا إلى المغرب ومنهم قيادات من البوليساريو؛

ثالثا: منظمة الأمم المتحدة تأسست من أجل نصرة الأمم والشعوب في تطلعها إلى حياة أفضل، وليس من أجل أن تزكي قرارات هوجاء وتساهم في تحصين "البؤس" وتعقيد حياة البسطاء؛

رابعا: أطلق المغرب مسلسلا من المبادرات الرامية إلى إعادة بناء دولة يتناسق فيها الحق بالقانون، وتسمح للمواطنين المغاربة بحياة سياسية تشاركية ترتقي بالحقوق والحريات، ومن ضمن هذه المبادرات، مقترح الحكم الذاتي والجهوية المتقدمة، وبالتالي فإن نخبة الأقاليم الجنوبية مدعوة إلى بذل جهد قانوني وحقوقي وسياسي ومدني من أجل تنزيل المشروع على أرضية صلبة في تكامل مع مشروع الجهوية المتقدمة.

إن هؤلاء جميعا مدعوون إلى التركيز على المقاصد التي أسسوا وجودهم من أجلها، لأن هذه المخيمات قد أصبحت "غيتوهات" تتكاثر فيها ساكنتها جيلا بعد جيل في وضع مختل يغيب فيه الحد الأدنى من المعايير الطبيعية للحياة. إنه الذهول عن المقاصد.

* http://en.wikipedia.org/wiki/Sahrawi_refugee_camps








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس مجلس النواب الأمريكي: هناك تنام لمشاعر معاداة السامية ب


.. الوضع الإنساني في غزة.. تحذيرات من قرب الكارثة وسط استمرار ا




.. الأمم المتحدة تدعو لتحقيق بشأن المقابر الجماعية في غزة وإسرا


.. سكان غزة على حافة المجاعة خصوصاً في منطقتي الشمال والوسط




.. هيئة عائلات الأسرى المحتجزين: نتنياهو يمنع التوصل إلى اتفاق