الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصف الثالث، أكاذيب، طائر، ونصوص أخرى

سعد محمد رحيم

2015 / 2 / 26
الادب والفن


الصف الثالث
الطفل الذي كنتُ،
يلعب مع ظل شجر التوت الأحمر.. يلملم ما تبقى من مسرّات الصيف.. غداً سيدخل قاعة الصف الرابع.. يتذكر من الصف الثالث؛ أمطاره. المياه المثلّجة، صباحاً، في البرك. وجه المعلم الغاضب على تلميذ كسول. صورة الثعلب على الحائط بعدما هزمته الدجاجة الأم.. يستعيد حكاية القرد المقطوع الذنب، ومحنة الجالس تحت موس الحلاّق الثرثار.
الطفل الذي كنتُ،
يأسف لأنه أبداً لن يكون، مرة أخرى، في الصف الثالث.
صباح هادئ
عند عارضة المخبز عجوز تكلِّم نفسها.. على الرصيف طفل يسحل حقيبته المدرسية الثقيلة. ومراهق يقلِّد، في الشارع الفارغ، توم كروز؛ بطل فيلم الليلة السابقة. دراجته الضخمة السوداء تملأ رئة النهار بالدخان.. العسكري العائد من أوبته الليلية يسير معانداً النعاس. ومن المقهى يفرقع المذياع بدعاء حارق.. الفتاة بالرداء الوردي، تتكلم في شرفة الشقة المقابلة بهاتفها الخلوي، غير مكترثة للشاب الذي يراقبها.. الشاب المحمر الوجه بلهب التنور لا يكترث للأقراص الثمانية من الخبز التي بدأت، في جوف التنور، على مهل، تحترق.
أكاذيب
حين عاودت الاتصال به كان يعرف أنها ستكذب عليه مرة أخرى... أكاذيبها التي تعطي حكايته معها النكهة والإثارة كان يدوِّنها في دفتر صغير.. لم يقل لها أبداً؛ إنك تخترعين هذه القصص، وإنك في كل مرة تناقضين تفصيلاً هنا، وتنسين تفصيلاً هناك من تفاصيل حكاياتك الكثيرة التي رويتِها لي.
قال في سرِّه، وهي تدخل الكافتيريا؛ هذا الجمال يبرر قوافل من أكاذيب.. كانت قادمة من نهار بارد، بعينين يتقلب فيهما موجٌ حشيشي، ووجنتين تذكِّران بالحدائق، وابتسامة مذهلة.
قالت: أتعرف؟
قال: أعرف.
قالت: ماذا؟
قال: هذا الذي ستقولين.. قولي.
قالت: آسفة، أمس لم أجئ لأن أمي وقعت من السلّم.
قال: آ....
قالت: والتوى كاحلها.. اضطررت للبقاء معها.
تذكّر أنها أخبرته قبل يومين بأن أمها مسافرة، ولن تعود قبل أسبوع.
قال: عندها العافية.
قالت: ألستَ زعلاناً؟.
قال: بالعكس، أنا سعيد.
ضحكت، وقالت: أتعرف، اشتقت لك.. بقيت أنظر في صورك على شاشة اللابتوب أمس لساعتين.
ضحك ولم يعلمها بأنها قالت له قبل يومين أن جهازها ضُرب بفايروس قوي، وأنها فقدت كل شيء فيه؛ الملفات والصور والأغاني.
شملها بنظرة حنان وقال: احكي لي، تعرفين كم تريحني وتمتعني حكاياتك.
نهار
النهار فاتر، لكن لا أحد يرفع رأسه.. اللون لا يهم، ولا كم هي السماء بعيدة، ولا الغبار.. الطفل النزق يعبر سياج الحديقة، يكسر شجيرة ورد في طريقه.. الأم تقف وقد أُسقط في يدها.. نظرتها راجية عليلة.. صوتها لا يسمعه أحد، إلاّ الكلب الجائع القريب.. الكلب الذي ما يزال ينبح، هناك، منذ ساعتين.
طائر
طائر أنا، أوحشه الانتظار في البرد والمطر.. حين تصلين مدخل المدينة ارفعي عينيك إليه.. إنه على البرج ينزف.. هو ينزف منذ ساعتين.. طلقة الصياد النزق خدشت خاصرته.. ارفعي عينيكِ إليه.. وحده عسل نظرتك سيشفي جرحه.
................
...............
إنْ نسيتِ سينزف طويلاً. وعند الفجر ستسقط جثته في بركة الدم والدمع والمطر.
ساعة المحطة
الآخرون في ساعة المحطة المتوقفة.. أشيائي أيضاً.. حقيبتي شبه الفارغة.. دفتري المكتظ بالندم.. الثلج الذي يندف على القطار.. القطار وقد نسي أن يغادر، والعامل الذي يشرب الشاي من فرط الضجر.
عاشقة
المظلة الوحيدة التي اقتلعتها الريح حلّقت مع النوارس.. الساحل موحش بعدما تعب من الهياج.. المطر وقد اشتدّ بعد الظهيرة. وثمة مركب، ربما، يترنح مع الموج الشاهق. أما العاشقة التي غصّت بحسرتها فتقف بارتباكٍ، وظهرها للبحر؛ مبللة.. مخذولة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي


.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و




.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من


.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا




.. كل يوم - -الجول بمليون دولار- .. تفاصيل وقف القيد بالزمالك .