الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القفز من فوق السياج

صباح راهي العبود

2015 / 2 / 28
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تطلق صفة (كاذب) على كل من يتعمد إعطاء معلومات أو مؤشرات خاطئة أو إخفاء أو تشويه أو تزوير لمعلومات أو حقائق عن طالبيها جزئياً أو كلياً بقصد خداع الآخرين وحماية النفس من أي أذى بدني أو مادي أو نفسي أو إجتماعي,أو ربما لتحقيق أهداف أو مكاسب ذاتية . وقد يكذب المرء لنفي تهمة معينة قد تؤدي به الى الضرر ,وربما يمارسه للتباهي والتفاخرأو لحماية شخص ما. والكذب من أشد الأمراض الإجتماعية التي تصيب البشر وبالأخص البالغين منهم ,ومن أخطرها على المجتمعات الإنسانية ,فهو مقوض ومهدم للبنى الإجتماعية ,ومضعف للثقة بين الأفراد والمجتمعات ,ويشيع بينهم الشك والإرتياب ,ويدمر البيوت ويخلق المشاكل في كل مكان. وغالباً ما يكون مقترناً بحدوث جرائم الغش والنصب والإحتيال والسرقة والنهب. وهو يُعد واحد من الأساليب الكريهة التي تلازم الدبلوماسية والحروب النفسية والإعلامية ,وعمليات التجسس والحروب عامة والصراعات السياسية وبث الإشاعات المضرة بالأعداء وغير ذلك. وقد وجده بعض الساسة وقادة الدول وسيلة لإعطاء شعوبهم وعوداً بالإصلاح والنهوض بالبلاد وفي الوقت نفسه يخططون لعقد إتفاقيات سرية مع أحزاب ومنظمات أو دول لتمرير إجراءات أو تنفيذ مشاريع لا تريدها شعوبهم ولا ترضى بها حتى وصل الأمر الى تزييف نتائج الإنتخابات وسرقة أصوات الناخبين بشكل خفي أو معلن حتى. وقد يدعي بعضهم النزاهة والصدق في الوقت الذي يقوم فيه بسرقة الأموال العامة والتستر على آخرين من أمثاله. ولهذه الأسباب عزف رجال الدين الملتزمين ومن ذوي الأخلاق السامية عن الخوض في وحل السياسة.
والكذب في جميع أحواله وأشكاله وأنواعه ( العدواني , الكيدي , الإدعائي , الخيالي , الدفاعي , الأناني , العنادي ....الخ ) يعني عدم الأمانة في القول أو العمل , فلا يجوز التساهل مع من يمارسه بل يجب جلده بسوط الإحتقار الإجتماعي الذي هو أوجع أنواع السياط وأكثرها إيلاماً, إذ أن السكوت عن الكاذب والإنصات لكذبه سينمي ويقوي عنده هذا الإتجاه ويعززه ليتحول بالتالي الى مرض متأصل لا يمكن شفاءه. وقد يظن الكاذب بأن الذين يستمعون لكذبه وهم صامتون ودون رد أو إعتراض هم غير مدركين لذلك , في حين إنه هو الغبي لا بل وأغبى الأغبياء . ونتيجة لتكراره هذا السلوك سيكون مزدراً إجتماعياً فتذبل شخصيته ويندحر إجتماعياً وبذلك يدفع الثمن غالياً.
والحديث عن الكذب والكذابين يطول لدى علماء النفس إذا أُريد التحدث عن أسبابه ودوافعه ونتائجه المدمرة للمجتمع وما ينجم عن من مشاكل .ونحن لسنا بصدد ذلك بل سنتحدث وعلى عجالة عن ما يسميه بعض الناس بالكذب الأبيض ,والمقصود به النوع الذي لا ينتج عنه أي ضرر على الآخرين ,وفي الغالب يكون نفعه أكثر من ضرره كالذي يتم لإصلاح ذات البين بين زوجين متخاصمين أوقبيلتين متنازعتين أو ما بين أية مجموعتين من الناس وتفادي حصول تصاعد في المشكلة مما يعزز الوفاق والمودة ويشد أواصر المحبة . ومهما كانت المبررات فلا نجد مناصاً من القول بأن الكذب يبقى كذباً مهما أعطي من ألوان أو أشكال ,وإن ممارسته تعني الإصطفاف في خط عدم الأمان في القول والسلوك .
ولا بد لنا من حكاية لغرض تسلية القاريء الكريم تصب في موضوع هذا الكذب الذي يُسمى بالكذب الأبيض.
يروى أن شخصاً ألف كلباً في داره ,وكان يُغدق عليه بالكثير من المال والجهد ويوفر له كل ما لذ وطاب من الأغذية المعلبة والطازجة ,وحمام خاص مع أنواع المنظفات ,وحوض للسباحة داخل المنزل .والى جانب ذلك فهناك برنامج إسبوعي للتجوال في الشوارع والحدائق العامة والتنزه واللعب والقفز كي لا تتأثر نفسية الكلب سلباً او أن يتعكر مزاجه !!! .وكان هذا الرجل يحرص أشد الحرص على عمل كل ما يبعث السعادة والسرورفي نفس هذا الكلب المدلل. وفي أحد الأيام إضطر صاحب الدار وبرفقة زوجته للسفر الى إحدى العواصم الأوربية فحار الزوجان بأمر الكلب ومن سيعتني به فترة غيابهما . وبعد البحث ,والإعلان في الصحف طرح أحدهم نفسه للخدمة لا سيما وإنه يمتلك خبرة في تدريب الكلاب والعناية بها ,فتم الإتفاق معه بعد أن شرح صاحب الكلب كل المطلوب عمله طيلة مدة السفر من عناية فائقة بكلبه العزيز وأرشده الى مكان الطبيب البيطري ومكان بيع الغذاء الذي يخص الكلاب, الى جانب حراسة المنزل والعناية بحديقته,ووعده بهدية ثمينة بعد عودته من السفر مع إكرامية سخية أشعرت الحارس بأن البداية مع صاحب المنزل مشجعة جداً وتبعث غلى السعادة والسرور.
في صباح اليوم التالي كان صاحب الدار وزوجته على متن الطائرة التي أقلتهما الى هدفهما. وقد حرص هذا الرجل حال وصوله الى العاصمة الأوربية المقصودة الى متابعة أخبار كلبه والإطمئنان عليه, إذ ظل يتصل بالحارس ظهر كل يوم فيخبره الحارس خيراً ويطمئنه بعد أن يشرح كل ما عمله للكلب.
إتصل الحارس صباح أحد الأيام بصاحب المنزل ليخبره بموت الكلب بعد أن قفز من فوق سياج الحديقة الى جهة الشارع لتدهسه سيارة مسرعة وتقتله في الحال. وما أن سمع صاحب الكلب هذا الخبر إلا وسقط مغشياً عليه من هول الصدمة مما حدى بزوجته للرد على الحارس بالشتائم والسباب والوعيد , وتحميله مسؤولية ما سيحدث لزوجها. ثم أردفت قائلة وبعصبية واضحة :- ألا كان الأجدر بك دفع الخبر على مراحل لتفادي ما حدث لزوجي كأن تقول له أن الكلب (( قفز من فوق سياج الحديقة الى جهة الشارع )) وتسبب ذلك بجرح الكلب, وفي اليوم الثاني تقول له بأن ساق الكلب قد أصابها كسر من أثر السقوط من السياج وقام الطبيب البيطري بتجبيرها ,ثم في اليوم الذي يلي تخبره بانه إضطرالى نقل الكلب الى المستشفى البيطري وهو الآن أصبح مهدد بالموت و...... وهكذا تدفع خبر الوفاة على مراحل فيكون أقل وقعاً وأخف صدماً دون أن يهدد حياة زوجي كما حصل الآن )) . فرد عليها الحارس بأن هذا نوع من الكذب وأنا أكره الكذب والكذابين. لكن زوجة الرجل أصرت على أن هذا الكذب لا ضرر منه وهو ( كذب أبيض ) . إعتذر الحارس عن خطأ غير مقصود قد إرتبكه لم يحسب حساباً لنتائجه ,وأكد أن الذي حصل لم يكن نتيجة إهمال إطلاقاً.
مضت أيام على حادث وفاة الكلب ليتصل الحارس مجدداً بصاحب الكلب قائلاً :-
ألو سيدي ...أأسف إذ أخبرك بأن والدك قد زارني صباح هذا اليوم في منزلكم , وفي أثناء تجواله بحديقة المنزل (( قفز من فوق سياج الحديقة الى جهة الشارع )) !!! , وسأواصل الإتصال بكم في الأيام التالية!!!؟؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل بدأ العد العكسي لعملية رفح؟ | #التاسعة


.. إيران وإسرائيل .. روسيا تدخل على خط التهدئة | #غرفة_الأخبار




.. فيتو أميركي .. وتنديد وخيبة أمل فلسطينية | #غرفة_الأخبار


.. بعد غلقه بسبب الحرب الإسرائيلية.. مخبز العجور إلى العمل في غ




.. تعرف على أصفهان الإيرانية وأهم مواقعها النووية والعسكرية