الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قيادة الحركة الإسلامية في العراق 1980 – 2003 / الحلقة 24

عباس الزيدي

2015 / 3 / 1
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


قيادة الحركة الإسلامية في العراق
1980 – 2003
الحلقة 24
عباس الزيدي – عبد الهادي الزيدي

بداية التصدي

عدة عوامل ساهمت في تبلور حركة السيد الصدر بسرعة قياسية، في الوقت الذي لم يكن معه أول تصديه سوى أنفار قلائل ولكنهم ممتلئون عزماً على نصرة مشروعه في وقت وظرف لو لم يكونا قد وجدا فعلاً لكان مجرد الحديث عنه مجرد أسطورة أو خيال، وبالتأكيد لم تكن هناك نسبة محتملة للنجاح في نظر المحيط سواء كانوا محبِّين أو مرتابين إلا هذا النفر، وهم :
ورفيق عزلته وتلميذه الشيخ محمد اليعقوبي الذي آنسه حين استوحشه الناس، وناصَرَهُ في شدَّته، وأفضل تلامذته في حياته ووصيه بعد رحيله، ومَنْ دَوَّن لنا تلك الأعوام المجهولة الموحشة.
وبضعة أنفار محبين. وكان أوائل من رجع إليه في التقليد أبناء عمه : السيد حسين الصدر الذي كتب بخط يده تعليقته على كتاب (منهاج الصالحين) لتكون أول أحكام فقهية مدونة(1)، وابن عمه الآخر السيد مهدي الصدر مؤلف كتاب (أخلاق أهل البيت)، وأسرة أستاذه السيد الشهيد محمد باقر الصدر، وأبناؤه الأربعة.
عدا ذلك كان البعض يسخر منه، والبعض يرثي له، والبعض لا يستحل النظر في وجهه، أو حتى إلقاء التحية أو ردُّها. كأننا نستعيد سيرة جده (صلى الله عليه وآله) حينما لم ينصره سوى عمُّ كهل، وابن عم يافع، وامرأة أعطته ما تملك من راحة ومال وجاه، ليجد هؤلاء أنفسهم جميعاً يعانون المقاطعة والجوع والترهيب والتسفيه، حتى جاء الفتح.
كان السيد الصدر يمتلك كل مقومات النجاح لمشروعه، وحتى هذا النفر القليل من أنصاره كانت الاستهانة بهم خطأً جسيماً من قبل الآخرين. ولكي تتضح الرؤية علينا أولاً أن نقرأ ونحلل عصره على عدة مراحل على الرغم من أنها لم تتجاوز عشر سنوات، ولكنها مُلئت بالأحداث والمقدمات للحدث المهم.
سمعنا الكثيرين يتحدَّثون عن استعجال السيد الصدر في طرح مرجعيته، ولكن هؤلاء إنما ينظرون الى مجرد (المرجعية) أي إجتهاد ودرس وقبض حقوق وإفتاء، ولم يجعلوا نصب أعينهم (المرجعية كمشروع إصلاحي ونهضة) الذي لا يمكن لبشري أن يحدد له وقتاً، فهو يأتي عندما تتوفر أرضيته ومقدماته، وهو ما لا يمكن معرفة وقته، لأنه يأتي تلقائياً وبتخطيط خارج عن إرادتنا، ونكون بمواجهته من دون تخطيط منا، يبقى أن نعلم هل نحن مهيأون له، أم ستكون مفاجأة ومغامرة لا نعلم ما هي الحصيلة التي سنخرج بها منه؟. كما أنهم لم يأخذوا بنظر الاعتبار أهمية الظرف الذي كان يمر به البلد، وضعف النظام الذي سيحاول بالتأكيد إستعادة قوته، فكان لا بد من تحرك ومخطط يسبق النظام، والأهم أن يسبق المخطط الخارجي الذي لم يلتفت إليه إلا عقليات نادرة من أهمها في العراق السيد الصدر.
وكان البعض من مريديه يفضّلون الطريقة التقليدية أي عدم التسرع بطرح مرجعيته إلا بعد مضي سنوات، والمباشرة خلال هذه السنوات بإلقاء البحث الخارج، وكان من أصحاب هذا الاتجاه السيد حسين الصدر والسيد محمد كلانتر، وقد أضاف الأخير اقتراحاً بأن يكتب رسالته العملية على شكل تعاليق على كتاب (وسيلة النجاة) وهو كتاب الرسالة العملية للسيد أبو الحسن الأصفهاني، ولكنه رفض كل هذه المقترحات ومضى في برنامجه الخاص به(2).

مقدمات المشروع وتوقيته :
يمكن اعتبار الوقت الذي ظهر فيه السيد محمد الصدر من أكثر الأوقات ملائمةً لطرح مرجعيته والمباشرة بمشروعه، فكأن هناك مخططاً دقيقاً امتد لأكثر من عقد حتى حانت الساعة المناسبة للحدث الكبير.
ـ إذ لاحظنا أن النظام بدأ يضعف مع اقتراب نهاية الحرب مع إيران، ويشتد ضعفه الى يوم سقوطه(3)، وهذا الضعف هو الفرصة مهما كانت صغيرة، لذلك عبَّر السيد الصدر في إحدى خطب الجمعة (إن الإمام الصادق استغل فرصة اقتراب نهاية الدولة الأموية، وبداية الدولة العباسية، لنشر علومه ومعتقداته، فإن الدول في بداياتها تكون ضعيفة وفي نهاياتها تكون ضعيفة) (4).
ـ تخفُّ القيود وتُرفعُ الإقامة الجبرية، أو شبه الجبرية عن السيد محمد الصدر قبيل نهاية الحرب مع إيران، فيباشر التواصل مع الحوزة والمجتمع، ولم يكن رفع الإقامة أو القيد عنه أمراً خاصاً به، بل عن جميع حوزة النجف وعموم التوجه الديني.
ـ فراغ الساحة تماماً من أية منافسة فعلية على صعيد الكفاءة العلمية والعملية، فلم يوجد في النجف من ينتمي الى مدرسة السيد محمد باقر الصدر غير السيد محمد الصدر، بالتالي هو الوريث الوحيد لمدرسته في النجف. مع أن الواقع أنه كان الوريث الوحيد في العالم لأستاذه، فكل الأسماء المعروفة من طلبته لم يُعرف عنهم نبوغ فكري شمولي، وكل ما استطاعوا حصاده من مدرسة أستاذهم يقتصر على جانب واحد أو اثنين في أحسن الأحوال، فهناك الفقيه وهناك الأصولي وهناك السياسي وهناك المهتم بالفلسفة، وهكذا، أما أن يوجد من يكون مؤهلاً ليس على كل هذه الأصعدة فحسب، بل تجاوزها لما هو أوسع وأدق، والارتقاء من حالات النظرية الى حيز التطبيق، فهو مما لم ولن يتوفر من هذه المدرسة سوى السيد محمد الصدر، لأن الدور سيحين من بعده لمدرسته التي أكملت وطورت مدرسة أستاذه. كما أن جميع طلبة السيد محمد باقر الصدر كانوا يفتقرون الى التنظير الخاص بهم للحركة الإسلامية، بينما السيد الصدر مكتشف قانون (ترابط الأجيال)، الذي لم يكتف بتعريفه بل كان رأسه في العقد الأخير من حياته.
ـ حدث الانتفاضة الذي يمكن القول أن الأقدار إنما قيَّضته من أجل السيد الصدر أولاً وبالذات، ففيه فشلت المرجعية الموجودة من إثبات سيطرتها وقيادتها، وأن الحدث كان أكبر منها بكثير، فتصدَّت له وتورطت ولم تستطع الخروج من ورطتها. وفي الجانب الآخر كانت اللحظة الأولى لظهور "الصدر" كقائد إسلامي للثوار وليس كمرجع بعدُ، ولم تكن الفرصة كافية طبعاً، ولكنها كانت مؤشراً وإلفات نظر.
ـ اقتراب آخر زعماء المرجعية التقليدية في الحوزة من الرحيل، إذ يعتبر السيد الخوئي من أطول المرجعيات عمراً، ولم يكن في النجف من يمتلك الثقل والشهرة اللذين تَمَتَّع بهما، ونلاحظ أن طول العمر أكسبه قدسية واحتراماً في الأوساط الشعبية في كل أماكن تواجد الشيعة من العالم، حتى قيل "إن ثلاثة أجيال من طلبته من المجتهدين" وهو قول لا يخلو من الصحة، وهو ما يصعب تحققه مرة أخرى لمرجع من نفس المدرسة إلاَّ إذا عاش نفس المدة ومن دون منافسة، وفي فترة مشابهة لفترته، وهو ما لا يمكن تكرره عبر التاريخ.
ـ كثرة المتنازعين على إرث السيد الخوئي بعد وفاته، مما أدَّى الى تفرق الجبهة الموحدة
تحت مرجعيته أبان حياته، وفي الواقع أنها لم تكن موحدة حتى في حياة السيد الخوئي ولكن هيبته فرضت حالة من الصمت حتى على المعترضين والرافضين لمنهجه، أو سلوكيات حاشيته ومتعلقيه، وما أن توفي السيد الخوئي حتى ظهر ما كان كامناً فتفرقت الجبهة، وهذا ما أتاح الفرصة للسيد الصدر للانطلاق وسط هذا التنافس، واتضحت معالم انتصاره منذ الجولات الأولى، لأنهم لا يمتلكون ما يمتلكه وهم مجموعين، فكيف بهم وهم متفرقون.
ـ ظهور مرجعية السيد عبد الأعلى السبزواري التي لا تتفق مع مرجعية السيد الخوئي ومدرسته، وبالرغم من قصر مدة تصديه إذ فارق الحياة بعد حوالي سنة، إلا أن وجوده القوي ساهم في إضعاف مرشحي مؤسسة السيد الخوئي، الذين لم يكونوا بمستوى يؤهلهم لمنافسته، فكانت فترة السيد السبزواري بمثابة الفترة التحضيرية لمرجعية السيد الصدر، فلم يتوجه ضده الآخرون لعدم تمثيله أي تحدٍ لهم بوجود السيد السبزواري، فكانت تلك الفترة بمثابة هدنة وفرصة لتعريف فضلاء الحوزة بما يمتلك على صعيد الفقه والأصول، واستقبال أعداد من الطلبة الجدد الذين سيشكلون نواة التحرك والاستعداد للمرحلة القادمة، وبالفعل فما بين تصدي السيد الصدر عام 1991 وحتى حركته الجماهيرية الواسعة عامي 1997 و 1998 مدة كافية لتأهيل دماء جديدة تلقَّت ما يكفي من العلوم والتربية لقيادة المجتمع. وكان لبروز مرجعية السيد السبزواري وخروج المرجعية عن مدرسة السيد الخوئي هذه السنة فائدة في كون المرجع ليس محصوراً في مدرسة محددة أو شخص محدد.


-----------------------
(1) وكانت هناك نسخة أخرى كتبها بيده أيضاً تلميذه الشيخ محمد اليعقوبي، الذي قام بطباعتها ضمن سلسلة ما لم ينشر من آثار الشهيد الصدر الثاني.
(2) كما أخبرني بذلك السيد حسين نجل السيد محمد كلانتر، في منزل الشيخ علي الدفاعي النعماني، سنة 1998م. عباس الزيدي.
(3) اعتبر ريتشارد تشيني، وزير الدفاع الأمريكي، أن الحصار والعقوبات على العراق "تعني أن أيام صدام حسين باتت معدودة". (السفير، بيروت، الثلاثاء 22/ 10/ 1992). كما اعتبر "أن سيطرة الرئيس العراقي صدام حسين على الوضع في العراق بدأت تتراجع". (الحياة، لندن، الأربعاء 8/ 7/ 1992).
(4) الجمعة الرابعة والأربعون بتاريخ 26 شوال 1419 هـ الموافق 12/2/1999م.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماكرون يستعرض رؤية فرنسا لأوروبا -القوة- قبيل الانتخابات الأ


.. تصعيد غير مسبوق على الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية مع تزايد




.. ذا غارديان.. حشد القوات الإسرائيلية ونصب خيام الإيواء يشير إ


.. الأردن.. حقوقيون يطالبون بالإفراج عن موقوفين شاركوا في احتجا




.. القناة 12 الإسرائيلية: الاتفاق على صفقة جديدة مع حماس قد يؤد