الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اغناء رجال المخزن على حساب معيشة المواطنين

نبيل بكاني

2015 / 3 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


أثار مشروع المرسوم الوزاري المعروض على رئاسة الحكومة، والقاضي بالرفع من التعويض عن السكن المخصص لرجال السلطة، بعد تداول الأخبار حوله على صفحات الجرائد والويب، ردود فعل غاضبة، وذلك بسبب المبالغ الخيالية التي يقترحها مشروع المرسوم كتعويضات لرجال السلطة، والتي تصل الى 32000 درهم (3200 يورو)، بينما يتأرجح متوسط دخل الموظف المغربي في القطاعين، العام والخاص، بين 400 و 500 يورو في الشهر، مع العلم أن شقة في حي آمن نسبيا بمدينة كالدار البيضاء مثلا، تتجاوز سومتها العقارية 120 ألف يورو، في وقت تعرف فيه الوضعية المعيشية في المغرب تدهورا غير مسبوق ينذر بانفجار اجتماعي وشيك، بسبب التضخم في السوق الوطنية، حيث سُجلت زيادات متكررة في مختلف المواد الاستهلاكية الضرورية، الى حد تجاوز بكثير الطاقة الشرائية لعموم المواطنين، أمام نية الحكومة رفع الدعم عن باقي المنتجات الأساسية وأهمها أنبوب الغاز الموجه للاستعمال المنزلي، في ظل تجميد التوظيف وارتفاع البطالة وغياب دعم حقيقي للطبقة المتوسطة والفقيرة، وتدهور الخدمات العمومية، هذا اذا ظل شيء اسمه خدمة عمومية. وتأتي هذه الاكرامية السمينة التي تنوي الحكومة تقديمها لرجال السلطة، في وقت يعيش فيه الملايين من المغاربة على دولارين في اليوم أي تحت خط الفقر، ويقتاة فيه مئات الآلاف على بقايا الطعام المعفن الملقاة في حاويات الزبالة، وتتجه فيه أعداد كبيرة من طالبات الجامعات والمعاهد والثانويات الى امتهان الدعارة سرا لسد الحاجيات اليومية، هذا، بينما يموت آخرون تحت كومات الثلوج وبالبرد والصقيع والجوع وبسبب غياب أبسط مقومات البقاء والعيش، حيث أن آلاف العائلات ممن يسكنون الجبال لا يجد أبناءها حتى قطع صوف بالية تقيهم قساوة البرد والصقيع، وهناك في ذلك الجزء من المغرب غير النافع، حيث مازال المغاربة يعيشون حياة بدائية بعيدة عن أشكال الحضارة والتمدن؛ حيث تغيب كل أصناف الخدمات العمومية؛ ففي مجال الصحة تُفتقد أبسط شروط التطبيب، فلنقل سيدة في حالة مخاض يلجأ أهل المنطقة الى حملها في محمل الأموات وقطع آلاف الكيلومترات على الأقدام نحو أقرب مركز "صحي"؛ وحيث تلاميذ المدارس مكدسون في فصول دراسية حالتها أكثر شبها بما خلفته موجات القصف الصاروخي، في تلك البنايات الدراسية الألمانية خلال الحرب العالمية الثانية، ولن نبالغ اذا قلنا أكثر بشاعة. ففي المغرب مازالت عبارات كالمساواة بين المواطنين والمناطق، والعدالة الاجتماعية، حبيسة شعارات يرفعها السياسيون الفاسدون في الانتخابات، أو كصباغة ملونة جميلة تغطي بها الدولة حقيقة الشعب المُفقر، وتعزز بها واجهتها الرسمية المزيفة، أمام وسائل الاعلام الدولية وفي المنتظمات العالمية.

مازالت الدولة تعتبر جهاز السلطة العمومية بكل امتداداته الجهوية والجغرافية، كألية للحكم وللتحكم في الشعب. نعم لن نبخس دور السلطات العمومية وضرورتها في الحياة اليومية للمواطنين، ولكن الحقيقة أيضا، أن موظفي هذا الجهاز يعتبرون الأكثر حضوة وامتيازا في القطاع العام، وعلى كل حركة يقومون بها تصرف لهم تعويضات خيالية يحرم منها باقي موظفي الدولة، ويستفيدون من أفضل الامتيازات، فمثلا الوالي أو المحافظ، رهن اشارته أفخم سيارات المصلحة، ولا يسكن الا في قصر متراخي الأطراف على أرض في ملك العموم في وقت تشتكي الدولة من شح الوعاء العقاري المملوك لها، حيث أن كثيرا من المشاريع الاجتماعية انتهت وهي على الورق، بسبب عدم وجود أرض في ملكية عامة. تخصص الدولة ما حجمه 20 مليار سنتيم (20 مليون يورو) سنويا للولاة والعمال كتعويض عن الهندام، لكي يظهر رجال السلطة في مظهر يحافظ على هيبة المخزن في الوقت الذي تملأ فيه الحكومة الدنبا صراخا وهي تزف للشعب، ماتعتبره مشروع القرن، وهو تخصيصها تعوبضا شهريا بئيسا للنساء الأرامل، لا يتجاوز في أقصى الأحوال 100 يورو للأرملة مع توفر شرط أن يكون لها ثلاث أطفال متمدرسين، وفي وقت يحرم فيه نساء ورجال التعليم العاملين في المناطق النائية أو المناطق شبه المنكوبة من عدة تعويضات، ولا يُصرف للشباب المعطل عن العمل أي سنتيم من ثروات الشعب المحتكرة والمسروقة، التي تقتسمها لوبيات الفساد الاداري وعصابات تهريب المال العام نحو الملاذات المالية الآمنة، أو عن طريق شرعنتها بتحويلها الى تعويضات بمراسيم حكومية ووزارية تضرب في العمق كل شعارات المساواة والمواطنة التي تتغنى بها الدولة، وتتعارض مع كل ماوعد به حزب العدالة والتنمية ابان الانتخابات، وما نادى به الشارع باقامة لعدالة اجتماعية تنهي مع عهد احتكار الثروة.

خطوة كهذه، هي بمثابة جواب مباشر من بن كيران، وبطريقته الخاصة، عن سؤال الملك في خطابه الأخير "أين هي الثروة". وان كان البعض قد ذهب في تفسيره لتأجيل قرار صرف تعويضات الأرامل لمدة ثلاث سنوات ليعلن عنه مؤخرا، كمحاولة من رئيس الحكومة لاسثتمار القرار كحملة سابقة، ونحن على مشارف الانتخابات البلدية، فان مرسوم تعويض رجال السلطة هو الآخر لن يجد الا تفسيرا واحدا، فأمين عام حزب العدالة والتنمية، عبد الاله بن كيران الذي هو اليوم رئيس الحكومة، قد ظل طيلة سنوات، يشكو كبار رجال السلطة، ولاة وعمالا، ممن اتهمهم في أكثر من مناسبة بالتواطء في تزوير الانتخابات ضد حزبه منذ تأسيسه لمنعه من الوصول الى الحكم رغم قاعدته الشعبية الكبيرة، حيث كان دائما يُنظر الى هذا الحزب بعين الريبة من طرف القصر ووزارة الداخلية. فاكرامية ظخمة كالتي منّ بها رئيس الحكومة على مسؤولي السلطة، هي لن تكون الا بمثابة رشوة انتخابية من أجل تقريبهم منه وكسب ودهم، حيث بدأت حرارة حمى الانتخابات تتصاعد عقب فقدان العدالة والتنمية لمقعد دائرة مولاي يعقوب التي تصنف ضمن مايسى بدوائر الموت، والتي يعتبرها المتتبعون، تيرمومترا لقياس شعبية أي حزب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في زلة لسان جديدة.. بايدن يطلب من إسرائيل ألا تقتحم حيفا


.. اعتصام أمام البرلمان في المغرب للمطالبة بإسقاط التطبيع مع إس




.. ما طبيعة الرد الإسرائيلي المرتقب على هجوم إيران؟


.. السلطات الإندونيسية تحذر من -تسونامي- بعد انفجار بركان على ج




.. خيمة تتحول لروضة تعليمية وترفيهية للأطفال في رفح بقطاع غزة