الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قيادة الحركة الإسلامية في العراق 1980 – 2003 / الحلقة 26

عباس الزيدي

2015 / 3 / 2
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات



بداية حركة السيد الصدر و تطورها :
يمكن القول من دون تردد أن السيد الصدر من كبار قرَّاء التأريخ وله في هذا الاتجاه الكثير من النظريات والآراء، وهو أحد العباقرة النادرين الذين كانت لهم نظرية في سنن التاريخ، وتفصيلها في كتابه المهم (اليوم الموعود بين الفكر المادي والديني)، لذلك لاحظ بسهولة أن النظام بدأ يضعف ويقلل من الضغط على المرجعية والحوزة في النجف والحركة الإسلامية في العراق عموماً، واتضحت معالم هذا الضعف ابتداءً من عام 1986، وبالتحديد بعد الهزائم التي مُني بها على جبهات الحرب مع إيران، ففي هذا العام سيطرت القوات الإيرانية على الفاو في البصرة جنوب العراق واستقرت هناك لعامين آخرين، وصار واضحاً أن الغرب يستهدف إطالة أمد الحرب الى الوقت الذي يراه مناسباً، وذلك عندما ظهرت قضية إيران ـ غيت، ووصول الأسلحة الأمريكية الى إيران، فشعر صدام عندها بخطورة الموقف وحجم الورطة التي سقط فيها، وأنه لعبة لتحقيق الأهداف الأمريكية في المنطقة، فهي لا تدعمه دولياً لتقوّيه، ولم تعتبره يوماً حليفاً استراتيجياً كما كان يتوهم، فأصدر النظام عفواً عن عدد كبير من المعتقلين السياسيين من أعضاء الحركة الإسلامية، ولكنه زَجَّ الذين ضمن السنِّ القانونية للتجنيد الإلزامي منهم في الحرب بعد الإفراج عنهم، وانخفضت بصورة ملحوظة نسبة قرارات الإعدام الصادرة بحق المعتقلين السياسيين، ويبدو أن النظام بات يشعر بالخطر من سقوطه فقد أثبت الإيرانيون أنهم خصم عنيد لا يمكن تجاوزه بسهولة، فدفع بكل قواته على جبهات القتال، في نفس الوقت كانت حسابات النظام أن أي تحرك شعبي من داخل العراق بإمكانه القضاء عليه، ويعلم النظام بوضوح أيضاً أن هذا التحرك لو أتى فإن مصدره وقيادته حوزة النجف الأشرف، فحرص على تخفيف الضغط ومنح حرية نسبية من خلال السماح بإطراد بطباعة الكثير من إصدارات الحوزة مما كان معظمه ممنوعاً تماماً قبل ذلك، منها:
طبع للسيد عز الدين بحر العلوم عدة كتب منها :
(أضواء على دعاء كميل)، مطبعة الديواني، بغداد، 1987 و1988.
(الزواج في القرآن والسنة)، 1986.
( الانفاق في سبيل الله)، مطبعة العلي، بغداد، 1988.
(الطلاق أبغض الحلال عند الله) مطبعة العلي، بغداد، 1988.
(بحوث فقهية في محاضرات آية الله حسين الحلي)، النجف، 1991.
(اليتيم في القرآن والسنة)، مطبعة وأوفسيت منير، بغداد، 1987.
والشيخ محمد حسن آل ياسين طبعت له عدة مؤلفات عام 1987، في العقائد والتاريخ وغيرها، ومنها سلسلة الصحابة طبعت جميعها بمطبعة الديواني في بغداد منها :
(جعفر بن أبي طالب)، (حمزة بن عبد المطلب)، (زيد بن حارثة)، (سعد بن الربيع)، (سعد بن معاذ)، عبد الله بن رواحة)، (مصعب بن عمير).
ومحمد تقي الشيخ راضي :
(الحاوي لمهمات المسائل الفقهية)، مطبعة الإرشاد، بغداد، 1986.
والسيد حسين الصدر، طبعت له كتيبات عديدة وكلها في بغداد.
والشيخ محمد جعفر الكرباسي، طبعت له عدة مؤلفات معظمها في النجف الأشرف مابين عام 1988 ـ 1990.
والسيد عبد الأعلى السبزواري :
(مواهب الرحمن في تفسير القرآن)، مطبعة الآداب، النجف الأشرف، عدة أجزاء ما بين عام 1984 ـ 1990.
رسالته العملية (جامع الأحكام الشرعية)، مطبعة الآداب، النجف الأشرف، 1988.
(مهذب الأحكام)، 30 جزء، طبعت ما بين 1983 ـ 1989، مطبعة الآداب، النجف الأشرف.
والسيد محمد رضا الخلخالي، (معتمد العروة الوثقى) 10 أجزاء، مطبعة الأداب، النجف الأشرف، 1985 و1986 و1987.
والشيخ مرتضى البروجردي، (مستند العروة الوثقى)، مطبعة الأداب، النجف الأشرف، 1986.
والسيد محمد تقي الخوئي، (مبادئ العروة الوثقى)، مطبعة الآداب، النجف الأشرف، 1986.
والسيد أحمد الحسني البغدادي، (بحوث في الاجتهاد)، مطبعة أسعد، بغداد، 1991.
والسيد محمد كلانتر، عدة تأليفات وتحقيق، وكلها طبعت في بغداد والنجف الأشرف.
أما بعد الإنتفاضة فقد تيسر للجميع من دون استثناء أن يطبع كتبه من دون موافقة السلطات، ومنهم من كان يطبع كتبه في بيروت وإيران وتسمح له السلطات العراقية بشحنها الى العراق بأية كميات كانت، كمؤلفات السيد السيستاني والسيد محمد سعيد الحكيم، اللذان كانت كتبهما توزع مجاناً، بينما كان واضحاً أن الكثيرين لم تكن عندهم القدرة المالية لطباعتها هناك، فكانوا يلجأون الى مطابع النجف الرخيصة.
ولاحظنا فيما سبق كيف أن النظام توجه الى زعيم الحوزة في حينها السيد الخوئي طالباً منه إصدار بيان يستنكر فيه رفض إيران إيقاف الحرب عام 1986، وهذا الطلب بحدِّ ذاته يؤكد مدى قلق النظام وتصاعد ضغوط ونتائج الحرب عليه، ومع عدم استجابة النجف لمطالب صدام بالرغم من كل السنوات التي قضاها بسعيه الحثيث لاستئصال الحركة الإسلامية، تبيَّن له بما لا يقبل الشك عدم قدرته على إخضاع الحوزة، حتى المرجعية التي ليست لها تطلعات سياسية أو تشكل خطراً مباشراً عليه، فكان أفضل سبيل هو التخفيف عن الحوزة بعد أن لم يتبق من يخاف النظام منه، خاصة أن طلبة السيد محمد باقر الصدر لم يتبق منهم في العراق سوى السيد محمد الصدر، الذي كان تحت الإقامة الجبرية ولم يكن له أي نشاط اجتماعي أو سياسي في حياة أستاذه، وانحسار وجود المعارضة السياسية الإسلامية تماماً من العراق، يضاف الى ذلك تصاعد الإعلام العالمي ضد ممارسات النظام القمعية، وملاحقة منظمات حقوق الإنسان لممثليه في الأمم المتحدة، وتهالك ميزانية النظام وضخامة الديون التي أنفقت على الحرب حتى تجاوزت 70 مليار دولار، وانخفاض دخل الفرد العراقي الى حدود باتت تنبأ بتعاظم نسبة الفقر مما أدَّى الى نشوء عامل نقمة شعبية آخر يضاف الى ما سبق.
وبعد أن توقفت الحرب عام 1988 بات النظام غارقاً في الديون، وتصاعد أعداد العاطلين عن العمل لبلد لم يكن منتجاً عبر تاريخه الحديث في قطاع الصناعة، ولم يكن العراق يمتلك الوظائف والأعمال التي تكفي 10% من أفراد الجيش الذين تسرحوا من الخدمة أو كادوا.
وجد النظام نفسه بعد انتهاء الحرب ـ إضافة الى ما سبق ـ محاطاً بالمؤآمرات التي تستهدف القضاء عليه، وبدأ يشعر بالارتياب من أقرب أعوانه فقام في عام 1990 بتصفية (عدنان خير الله طلفاح) ابن خاله الذي كان يشغل منصب وزير الدفاع، وتصفية رفيقه القديم وكبير حمايته الشخصية (صباح مرزة)، وغيرهما، ثم وجد نفسه في مصيدة احتلال الكويت وما نتج عنها من حصار اقتصادي وسياسي، ثم حرب الخليج الأولى والانتفاضة عام 1991، ودخول العراق تحت البند السابع الذي يجعله خاضعاً سياسياً واقتصادياً لإرادة الأمم المتحدة، وخروج شمال العراق من سيطرته مما جعله مقراً قريباً للعشرات من أحزاب المعارضة القديمة والجديدة.
ومُنعت طائرات النظام من التحليق فوق منطقة محظورة امتدت شمال خط العرض 36، وجنوب خط العرض 32، وفي أواخر عام 1996 تم توسيع منطقة الحظر الشمالية الى خط 33، التي كانت أقرب الى بغداد، ونلاحظ أن الحظر فوق المنطقة الشمالية واعتبارها منطقة آمنة بدأ عام 1991 بعد الانتفاضة(1)، بينما بدأ الحظر فوق المنطقة الجنوبية اعتباراً من الخميس 27/ 8/ 1992، وهذا يلقي بظلاله على عدة تساؤلات، فلماذا تأخر الحظر عن المنطقة الجنوبية كل هذه المدة، ولماذا لم تخصص منطقة آمنة في الجنوب؟، والحال أن الأضرار التي حاقت بجنوب العراق أكبر وأكثر بكثير مما وقع في الشمال، وقد كانت حجة الحظر هي حماية المدنيين العراقيين من بطش صدام، وجواب هذا التساؤل أن الانتفاضة في جنوب العراق ذات طابع وتوجهات إسلامية بخلاف الانتفاضة في الشمال، فكانت الحاجة الى إبقاء القوة الجوية لصدام على حالها في الجنوب لقمع أي تحرك مرتقب.
وصار القصف الأمريكي متوقعاً بمناسبة ودونها كما في 17 شباط 1993، و29 آيار 1993، و3 أيلول 1996، والعملية الجريئة التي استهدفت عدي الابن الأكبر لصدام في قلب بغداد، التي أدَّت الى إصابته بإعاقة دائمة، وجاء بعد ذلك قانون تحرير العراق الذي أقرَّه الكونغرس الأمريكي عام 1998.
كل هذه العوامل ساهمت في إضعاف النظام وتراخي قبضته التي لاحظها السيد الصدر كما قلنا، وجاء إطلاق سراح عدد كبير من السجناء السياسيين في العفو الذي أصدرته الحكومة العراقية في 21/7/1991 والأشهر اللاحقة من نفس السنة، على رأسهم السيد محمد سعيد الحكيم وكافة أفراد أسرته ممن تركهم النظام على قيد الحياة ليعزز هذا الضعف، ويُعَدُّ تصدي السيد محمد سعيد الحكيم للمرجعية بعد أقل من سنة على إطلاق سراحه دليل واضح على ضعف النظام وتهاونه أو مهادنته مع الحوزة. لوضوح أن سبب اعتقال أفراد هذه الأسرة العلمائية كان لقرابتهم من السيد محمد باقر الحكيم رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، الذي كان يعد الى حدود 1997 ـ 1998 أخطر جهة معارضة لنظام صدام، ولم يتغير شيء من أهداف (المجلس الأعلى) المعلنة ذلك الوقت التي على رأسها إسقاط النظام، فتكون خطوة إطلاق سراح أسرة الحكيم تهدف الى تهدئة الأجواء المشحونة في الداخل، وإرسال رسالة تودد وتخفيف الحدة مع حوزة النجف والشعب العراقي عموماً ولإيران والمعارضة الإسلامية خارج العراق. والهدف هو تقليل الجبهات المعادية التي يتوجس النظام منها، وأخطرها هي أقربها أي إيران وحوزة النجف.
وأبعد من ذلك، فقد نتج عن ضعف النظام أن خفَّت الضغوط على التنظيمات الإسلامية ومقرات المعارضة الإسلامية في جنوب العراق، وأصبح أعضاء هذه التنظيمات يمتلكون من حرية الحركة أكثر من السابق بكثير، فراجت مقراتهم في أهوار الجنوب، وفي صحراء السيد أحمد الرفاعي أو ما يسمى بالمثلث (الكوت، الناصرية، العمارة). وتنقلاتهم داخل المدن أخذت بالازدياد نتيجة لا مبالاة سيطرات (نقاط) التفتيش ومقرات حزب البعث التي ترهلت وأصبحت كفزاعات المزارع لا تنفع ولا تضر. واستطاع أفراد مقرات المعارضة أن يتغلغلوا بسهولة لكسب أعداد من منتسبي الأمن أو أعضاء حزب البعث مقابل أثمان زهيدة، أو دون مقابل أحياناً، بعد أن كان اختراق هذه الأجهزة عسيراً جداً في الثمانينات.

----------------------------
(1) أُعلن في واشنطن ولندن أن الإدارة الأمريكية وبريطانيا والاتحاد الأوربي يسعون في مجلس الأمن الى فرض منطقة حماية للأكراد في شمال العراق. صحيفة النهار، بيروت، الخميس 10/ 4/ 1991. عن : الحرب على العراق، يوميات ـ وثائق ـ تقارير، 1990 ـ 2005، ص463.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما التصريحات الجديدة في إسرائيل على الانفجارات في إيران؟


.. رد إسرائيلي على الهجوم الإيراني.. لحفظ ماء الوجه فقط؟




.. ومضات في سماء أصفهان بالقرب من الموقع الذي ضربت فيه إسرائيل


.. بوتين يتحدى الناتو فوق سقف العالم | #وثائقيات_سكاي




.. بلينكن يؤكد أن الولايات المتحدة لم تشارك في أي عملية هجومية