الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطب ونظرية داروين ومقولة الكمال في الخليقة

رياض عبد

2015 / 3 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في ال150 سنة الماضية منذ نشر كتاب أصل الأنواع لشارلز داروين أصبحت نظريته (التطور بواسطة الإنتخاب الطبيعي) الأساس الذي تستند اليه كافة العلوم الحياتية. أي أن من المسلم به من قبل علماء العلوم الحياتية كافة هو أن كافة الكائنات الحية التي تسكن كوكبنا قد نشأت وتطورت بفعل عوامل طبيعية عبر مئات الملايين من السنين. وأن كافة أشكال الكائنات الحية من أبسطها (ذوات الخلية الواحدة) الى أعقد الكائنات المتعددة الخلايا لها جميعاً أصل مشترك من كائنات أبسط وأن نشوء كافة أصناف الأحياء بما فيه الإنسان الذي ينتمي الى فصيلة البرايميت والتي تضم إضافة الى الإنسان نوعين من الشمبانزي إضافة الى الغوريلا قد نشأت عبر ملايين عديدة من السنين من خلال عملية الإنتخاب الطبيعي كما هي حال كافة الكائنات الحية الأخرى. وذلك دونما حاجة الى المعجزات أو الى قوى الهية خارجية من أي نوع.
ومن المهم أن أوضح هنا هو أن في حين أن الداروينية تعطي تفسيراً علمياً ممتازاً لنشوء وتطور الأنواع (التي تشمل كافة الكائنات الحية) فإنها لا تفسر كيفية نشوء الحياة في بداياتها قبل حوالي الثلاث مليارات سنة. وهناك نظريات متعددة حول هذه الظاهرة الفريدة والتي أدت الى تحول جزيئات من مواد عضوية الى جزيئات لها القابلية على التكاثر التلقائي وهذه الجزيئات المعقدة القابلة للتكاثر هي التي شكلت النواة الأولى لكافة أشكال الكائنات الحية التي نراها اليوم. وقد يقول من يؤمن بوجود خالق للحياة أن جهلنا الحالي بكيفية نشوء الحياة يصب في صالح الإيمان بوجود هكذا خالق وليكن. ولكن على الذي يحاجج بهذا الشكل أن يسلم بأن حتى لو كانت الحياة قد نشأت بفعل قوة إلهية عند لحظة نشوئها فإن طريقة نشوئها ليس له علاقة البتة بآدم وحواء أو طوفان نوح أو خلق الكون في سبعة أيام أغير ذلك من الأساطير الدينية. فالكون الذي نحن جزء منه عمره أكثر من ثلاثة عشر مليار سنة وإن الكرة الأرضية لم تتشكل الا قبل أربعة ونصف مليار سنة والحياة نشأت بأبسط أشكالها فبل حوالي ثلاثة مليارات سنة وأما الإنسان بفصيلته الحالية فإن عمره لايتجاوز 200 ألف سنة. يعني لو تخيلنا أن عمر الكون 24 ساعة فقط فأن البشر بصورتهم الحالية لم يتجاوز وجودهم واحد على عشرة من الثانية من عمر هذا الكون. ولذلك يصبح من غير المعقول أن نعتقد بأن كوكبنا قد خلق خصيصاً لكي يعيش عليه الإنسان.
وقد إستند داروين في صياغة نظريته الى ملاحظات مهمة أثبتها العلماء من بعده بالأدلة الدامغة. وهي أن دراسة المتحجرات بينت أن %99 من أصناف الكائنات الحية التي نشأت على الكرة الأرضية قد إنقرضت بالكامل ولم يعد لها وجود (الا في بعض المتحجرات) وإن الغالبية الساحقة من الكائنات الحية التي تنشأ في بيئتها الأصلية تموت دون أن تسنح لها الفرصة لكي تترك وراءها ذرية. وبمعنى آخر أن %99 من أنواع الكائنات الحية كانت بمثابة تجارب فاشلة وأن الغالبية العظمى من الكائنات من الأنواع غير المنقرضة هي كذلك تفشل في التكاثر في بيئتها الأصلية (وهذا ما نعنيه بالإنتخاب الطبيعي). وإذا تأملنا معنى هذا السيناريو الذي هو في الحقيقة سيناريو الحياة كما إكتشفها العلم هو أن لا وجود في الحقيقة لأي كمال في بايولوجيا الكائنات الحية وما هو موجود هو عبارة عن تجارب متكررة لتصاميم متغيرة ومتعددة بعضها يفشل ويضمحل وينقرض بسرعة والبعض الآخر يستمر لفترات قد تطول ولكن في النهاية مصير كافة الكائنات هو الإنقراض وذلك لأسباب طبيعية بحتة كتغير البيئة أو الفشل في التنافس مع أنواع جديدة من الكائنات أو ما شابه. إذن فمقولة الكمال في الخلق (إذا كان هنالك خالق) لا يمكن أن تصمد أمام نظرة علمية و واقعية لحقيقة تأريخ الحياة. وهنا تصطدم نظرية داروين مع الأساطير الدينية التي تدعي بتفسير أصل الخليقة.
وإذا إلتفتنا الى جسم الإنسان نفسه سوف نرى كم هائل من الأدلة التي تشير الى وجود مشاكل كبرى في التصميم هي أبعد ما يكون عن مفهوم الكمال. فما الفائدة مثلاً من وجود الزائدة الدودية ف الأمعاء التي غالباً ما تكون معرضة للإلتهابات التي كانت تؤدي الى الموت فبل نشوء الطب الحديث. كذلك مالفائدة من وجود أسنان العقل (التي من الممكن أن تؤدي الى مشاكل كبرى إذا لم يتم التخلص منها بالقلع). كذلك علينا أن نتذكر أن سوء تصميم قناة الولادة عند النساء قد أدى قبل نشوء العناية الطبية الحديثة الى وفاة نسبة عالية من الأطفال والأمهات ولا يزال الحال كذلك في البلدان الفقيرة التي تفتقر الى العناية الصحية الحديثة. ومن الممكن إعطاء أمثلة كثيرة على سوء تصميم الجسم البشري (العين و العمود الفقري والأوعية الدموية التي تزود القلب الخ...) ولكن سوف أكتفي هنا بهذه الأمثلة.
ومن الضروري أن نتأمل حقيقة أن معظم البلدان الغنية تنفق حوالي %10 من ناتجها القومي على العناية الصحية (الولايات المتحدة تنفق %18) أي بمعنى آخر أن المجتمعات الميسورة تنفق أكثر من عشر مدخولها لإصلاح الأخطاء التصميمية لجسم الإنسان والتي يدعي البعض أن الله قد خلقها بصورته وأن تركيبة جسم الإنسان هي من علامات الإعجاز الإلهي.
لذا فإن الأدلة العلمية من العلوم الحياتية والطبية تشير الى أن تصميم الكائنات الحية بما فيه الإنسان قد حدث على أغلب الظن بفعل عوامل طبيعية وتشكلت نتيجة الإنتخاب الطبيعي عبر آلاف الأجيال دون تدخل لأي مصمم أو خالق. والغريب أن الكثير من زملائي الأطباء من كافة الجنسيات وعلى الرغم من أنهم يتعاملون مع هذا الواقع الذي لا يقبل الشك فإنهم لا يزالوا يتمسكون بالإيمان بإن الإنسان والكائنات الحية هي من صنع خالق كلي القدرة. فإذا كان الأمر كذلك فعليهم أن يفسروا الأدلة العلمية لإنعدام الكمال التي هي غيض من فيض في هذا المقال الموجز.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقال علمي رائع
محمد الشوربجي ( 2015 / 3 / 6 - 13:38 )
شكرا لك يادكتور على هذا الطرح السهل والحجج العلميه المنطقيه, اتمنى على المؤمنين المعارضين ان يُفنِّدوالحجه بالحجه بالاستناد على معايير منطقيه وعقليه, فقد يوجد عيوب ونواقص في بعض النظريات والتجارب العلمية وهذا مايستوجب الاستمرار بالبحث والتعلم وليس النفي المطلق والاستناد على الغيبيات التي لايمكن اثباتها في المختبرات والتي لاتكون حجه الى على المؤمن بها.


2 - دليل قوي
علي ( 2015 / 3 / 6 - 18:47 )
تحية طيبة دكتور
توصل رتشارد دوكنز الى دليل ( قد تكون على علم به ) عن سؤ في التصميم للجسم البشري وكذلك للحيوان . وهو العصب الذي يمتد من الدماغ الى الحنجرة ,فعند الانسان يسير هذا العصب من الدماغ الى الصدر يلف ويصعد الى الحنجرة ثانية ليشكل مسار طويل غير مبرر وخاصة لدى الزرافة التي قام دوكنز بتقديمها كدليل حيث يمتد العصب في مسار طويل( بطول عنق الزرافة) ويصعد مرة اخرى .
كما يمكن اعتبار هذه الحال ضمن الادلة القوية على صحة نظرية التطور .
https://www.youtube.com/watch?v=cO1a1Ek-HD0

تحياتي



اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س