الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطائفية والسياسة العربية

رياض عبد

2015 / 3 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لقد أصبح من الممكن إعادة قراءة الصراعات السياسية على الساحة العربية في العقود الأربعة الأخيرة وذلك بتحليلها من منظار الصراع الطائفي السني-الشيعي. فقد إتخذت النزاعات السياسية في النصف الأول من القرن العشرين وشاحاٌ من نظريات الحداثة السياسية كالإشتراكية والماركسية والليبرالية إضافة الى إستخدام مفاهيم التحرر من الهيمنة الأجنبية وحق تقرير المصير مما أدى الى صرف النظر عن تيار أعمق في هذه الصراعات الا وهو الصراع السني-الشيعي الموغل في القدم. ولايخفى على المتتبع للتأريخ الإسلامي أن الصراع السني-الشيعي كان قد إتخذ أشكال عدة على مر العصور ولكن مما لا شك فيه أنه كان صراعاً دموياً وكان في أشد حالاته صراع إبادة مطلقة (جينوسايد).
ويرجع تاريخ هذا الصراع الى معركتي الجمل وصفين الغنيتين عن التعريف وكذلك الى نشوء الدولة الأموية ومن ثم الدولة العباسية وما صاحبهما من تنكيل لإنصار البيت العلوي المعروفة جيداً ولذلك لن أخوض بها هنا.
وثم إستمرت المواجهات الدموية السنية-الشيعية بشكل متكرر في بغداد وفي بعض المدن الإيرانية والتي بدأت بعد سيطرة البويهيين الشيعة على بغداد ولم تنته الا بعد أكثر من 300 عام وذلك بعد سقوط بغداد بيد هولاكو. ومن ثم إستعر الصراع مرة أخرى بعد نشوء الدولة الصفوية في إيران والتي أدت الى تصفية أعداد غير معروفة من السنة الذين رفضوا التخلي عن مذهبهم على يد الشاه إسماعيل والى تحول آخرين الى المذهب الشيعي. وفي نفس الحقبة قام السلطان سليم الأول العثماني بالقضاء على الشيعة عن بكرة أبيهم في كافة أنحاء الأناضول إضافة الى بعض مناطق الشام (وتتضارب تقديرات أعداد الضحايا ) وذلك قبل التوجه لمحاربة إسماعيل شاه وهزيمته في معركة جالديران الشهيرة. وظل الصراع العثماني-الفارسي ذو البعد الطائفي يثور ويخمد على مدى الثلاث قرون التالية الى القرن التاسع عشر وغالباً ما كان العراق الساحة الرئيسية لهذا الصراع والذي أدى الى دمار هائل في الممتلكات والمراقد ودور العبادة وغيرها إضافة الى تقتيل وتشريد للمدنيين على نطاق واسع. ومن الواضح أن ضحايا هذه الحرب الأهلية الإسلامية والتي إستمرت بشكل متقطع فترة ثلاثة عشر قرناً قد أدت الى ضحايا ودمار يفوق أضعافاً مضاعفة ضحايا كافة حروب المسلمين الخارجية على مر التأريخ.
وبما أن المسلمين يمتازون بحضارتهم الماضوية أي بكون الماضي جزءاً حياً لا يتجزأ من حاضرهم فإن هذه الصراعات التأريخية بقيت حاضرة في الذاكرة الجمعية للعرب والمسلمين وبقي لها دور مؤثر في المزاج الحمعي وفي الهوية الجمعية وكذلك في بلورة الموقف من الآخر.
لذا نجد أن المزاج الجمعي السني والشيعي في العراق مثلاً قد أخذ منحى مختلفاً في فترات مفصلية من تأريخ العراق الحديث كثورة العشرين وإنقلاب 8 شباط (1963) وإلإنتفاضة التي أعقبت حرب الكويت وأخيراً الحرب الأمريكية التي أطاحت بصدام وما أعقبها. والملاحظ هنا أن أكراد العراق كان موقفهم الجمعي محكوم بدوافع قومية وفي هذا إستثناء للقاعدة وهي خصوصية كردية خالصة تتعلق بتأريخهم الحديث ورغبتهم الجمعية في إنشاء دولتهم القومية في كردستان.
والحدث المحوري الذي أعاد للطائفية دوراً مركزياً في السياسية العربية والإسلامية في القرن العشرين هو الثورة الإيرانية. فقد أنتجت هذه الثورة نظاماً ثيوقراطياً مذهبياً مؤدلجاً وعابراً للحدود مما أنتج ردود أفعال آنية لدى عدد من الأنظمة العربية السنية كانت في معظمها عدوانية وسلبية. وفي غضون سنتين من نجاح هذه الثورة التي قلبت موازين القوى في الشرق الأوسط إندلعت الحرب العراقية-الإيرانية التي إستمرت 8 سنوات والتي هي حرب طائفية بإمتياز. فالإصطفاف الذي حصل خلال هذه الحرب هو وقوف دول الخليج ومصر الى جانب نظام صدام (وهي الجبهة السنية) وفي المقابل وقفت سوريا الى جانب إيران (الجبهة الشيعية). والملاحظ هنا أن العراق بأغلبيته الشيعية وسوريا بأغلبيتها السنية وقفتا في المعسكر الذي املته عليها الأقلية الحاكمة في كلا البلدين (السنة العرب في العراق والعلويين في سوريا). وإستناداً الى هذا التحليل فإن صراع عراق صدام مع إيران الخميني لم يكن في جذوره صراعاً على الحدود أو مياه شط العرب وإنما صراع بين نظامين طائفيين يريد أحدهما إلغاء الآخر ومحوه من الوجود. وكذلك من الممكن فهم الحلف الإيراني-السوري على أساس التجاذب الطائفي (الشيعي-العلوي) وليس على أساس العداء بين شقي حزب البعث.
وبعد 2003 وهيمنة الشيعة في العراق على الدولة المركزية في بغداد بسبب أغلبيتهم العددية أصبح الصراع السني-الشيعي صراعاً معلناً لا ريبة فيه. فالأحزاب الدينية الشيعية تدعمها إيران والمنظمات السياسية والمسلحة السنية تتلقى الدعم من الدول العربية السنية (السعودية وقطر وغيرها). كذلك فإن الحركات المسلحة التي بررت وجودها في إدعائها مقاومة الإحتلال الأمريكي كان جلها من السنة العرب وكان ولايزال معظم ضحاياها هم من المدنيين الشيعة. كذلك فإن فقه الجماعات المسلحة المتطرفة كان بالأساس فقهاً سنياً خالصاً وهذا ينطبق على القاعدة وداعش وما يدعى بالدولة الإسلامية على حد سواء.
وهذا يفسر المواقف الزئبقية وغير الإنسانية لما يحدث في العراق من قبل دول الجوار. فيتم الصمت عن البربرية أو الإرهاب إذا كان الفاعل من طائفتهم ولكن يرفعون الأصوات إستنكاراً إذا قام الآخرون بنفس العمل.
كذلك فإن الطائفية تساعدنا على فهم أولويات السياسة السعودية والخليجية في المنطقة. فهم لا يعتبرون داعش هو عدوهم الأول. فالأولوية عندهم هي إيران وبرنامجها النووي وهذا يفسر التصريح الغريب لمسؤول سعودي رفيع مؤخراً يؤيد ما قاله نتنياهو في خطابه للكونغرس الأمريكي بإنه يجب عدم تطبيع العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران ويؤيد دعوة المجتمع الدولي لإستخدام كافة السبل لمنع إيران من الحصول على السلاح النووي.
فمالعمل إذن؟ كيف يمكننا التعامل مع هذه المشكلة المستعصية؟
أولاً في رأيي علينا الإعتراف بإن الطائفية مشكلة إجتماعية مستفحلة ذات عمق تأريخي وليست طارئة أو أنها نتيجة مؤامرة أجنبية. كذلك نحتاج الى دراسة وفهم هذه المشكلة من منطلق إجتماعي وسيكولوجي وقد يكون للجامعات ومراكز الدراسات المحلية والأجنبية دور في هذا. كذلك فإن مبادرات المصالحة على المستوى الوطني ضرورية بدون شك ولكن هناك كذلك حاجة الى تبني مبادرات محلية صغيرة قد يكون لها صدى وتأثير أكبر مما نتوقع من الممكن تعميم الناجح منها فيما بعد على نطاق أوسع. وعلى النطاق الدولي هناك حاجة ماسة للمصالحة بين الدول السنية وإيران لتطبيع العلاقات من خلال الجامعة العربية أو غيرها تتضمن تشجيع السياحة المتبادلة والتبادل التجاري لتقليل مصادر الشحن الطائفي. وأخيراً هناك حاجة ماسة للاتفاق على ميثاق دولي إقليمي للأجهزة الإعلامية يحرم التحريض الطائفي بكافة أشكاله ويعاقب المخالفين بشدة. ولكن للأسف في أحسن الأحوال ستبقى مشكلة الطائفية حقيقة واقعة في البلدان الإسلامية المتعددة الطوائف (العراق و سوريا ولبنان والبحرين) لحين إنتهاء هيمنة الخطاب الديني على المجتمعات الإسلامية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك


.. عقيل عباس: حماس والإخوان يريدون إنهاء اتفاقات السلام بين إسر




.. 90-Al-Baqarah


.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا




.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد