الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المفكر المغربي بن سالم حميش ينتقد التبعية للمشارقة ليعود الى أمازيغيته.

الحسن زهور
كاتب

(Zaheur Lahcen)

2015 / 3 / 9
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


يهيم بعض المغاربة بعيدا عن ثقافتهم و عن هويتهم المغربية مستلبين و مبهورين بثقافة الغير سواء كانت غربية أو شرقية، و يعظم الأمر و الإثم حين يتعلق بالمثقفين المغاربة الذين ينسلخون عن هويتهم ليتقمصوا هويات الآخرين آملين في شهرة تتعدى حدود جغرافيتهم المكانية و الهوياتية لكن على حساب هويتهم الوطنية و انتمائهم الثقافي، فتراهم يتسابقون و يتنافسون أي منهم يكون أعدى لهويته الأمازيغية و لتاريخه الحضاري . و لنا من الأمثلة النماذج الكثيرة في مغربنا ممن أعمت بصيرته التبعية للشرق سواء كانت تبعية إيديولوجية متشبعين بالقومية العربية الناصرية و البعثية التي دمرت البلدان التي حكمتها، أم كانت تبعية مادية نفعية تعتاش مما يدفع لها قليلا كان أم كثيرا، لكن السؤال: ما جدوى شهرة أدبية مبنية على تبخيس الذات و نكران هوية صاحبها؟ و أمامنا نقيض هذه النماذج من المثقفين هو نجيب محفوظ الذي سعت الشهرة إليه بكتاباته الروائية المرتبطة بهويته المصرية و الفرعونية و اعتزازه بهما.
و مع الانتكاسات المتوالية للإيديولوجيتين القومية و الاسلاموية في الشرق و انكشاف وجههما السياسي القمعي البشع بفعل الثورات الشعبية التي أزالت عنها القناع ، ركن الكثير من القوميين المغاربة إلى الانكماش و التقوقع أو تغيير النبرة الصوتية دون تغيير المرجعية الفكرية و الإيديولوجية الموالية للشرق ، ومنهم من رجع إلى هويته المغربية المتعددة الأبعاد و في صلبها الأمازيغية ، و كان رجوعه إغناء و ثراء لهذه الهوية المغربية المتنوعة التي ارتبطت بهذه الأرض المغربية و بثقافتها و بحضارتها المتجذرة في التاريخ.
و من بين هؤلاء المفكر المغربي بن سالم حميش الذي أعلن صراحة في مقال له مؤخرا عن عودته إلى هويته المغربية بعنوان " متى أتمزغ ؟؟" و المقال منشور في جريدة المساء عدد 2624 ليومي السبت و الاحد 7 و 8 مارس 2015.
متى أتمزغ؟؟
صرخة من هذا المثقف المغربي التي سبح عاليا في سماء الايدولوجيا الشرقية و القومية و في الأخير يجد نفسه كأنما يسبح في السراب، ليعلنها صراحة " متى أتمزغ؟؟".
لا تهمنا الظروف التي دفعت هذا المفكر المغربي ليعلن قطع حبل تطبيع الاتباعية مع الشرق الذي أخذ جزءا هاما من اهتماماته الفكرية و الثقافية، ظروف فجرتها انتقاده للجنة جائزة " البوكر" العربية التي تمنح من الإمارات و التي تراءسها هذا العام الفلسطيني مريد البرغوتي و قد شارك بن سالم حميش في هذه الجازة بمجموعة قصصية، و جائزة " البوكر" العربية تغري المثقفين المغاربة و أغلبهم من القوميين اليساريين السابقين الذين يلهثون وراءها بشتى الطرق. لكن المتتبع لبعض الأعمال الأدبية لهذا المفكر المغربي ( رغم تبعيته للشرق و انتقاده للامازيغية في بعض كتاباته السياسية ) سيلاحظ بداية التحول الفكري لديه في أعماله الروائية المرتبطة بشخصيات مغربية كروايته " العلامة " .و من قرأ هذه الرواية سيكتشف مدى اعتزاز بطل الرواية ابن خلدون بهويته المغربية و بتميزه في مصر بلباسه المغربي الذي لا يفارقه، و هذه إشارة من الكاتب بهذا الجانب من شخصية البطل مما يوحي باستيقاظ الهوية الوطنية المغربية في إبداعات بن سالم حميش . هذه الهوية التي تعكسها إبداعاته الأدبية تتناقض مع مقالاته اللغوية و الفكرية التي تحمل حمولته الايديولوجية القومية التي تلبسته، مما يطرح السؤال التالي؟ هل احتاج هذا المفكر الى تماس كهربائي ليفجر هذا الصراع الداخلي بين عمق مغربي ثاو في لا شعوره ، و بين فكر مشرقي استحوذ عليه؟
متى أتمزغ؟؟
لا يسعنا إلا أن نقول لهذا المفكر المغربي مرحبا بك في وطنك الثقافي و الحضاري الذي هجرته الى وطن ثقافي ليس بوطنك، و مرحبا بك تحت ظلال هذا الوطن الذي يجمعنا جميعا بتعددنا و اختلافاتنا شرط الارتباط به و الاعتزاز بهويته المغربية المتجذرة في التاريخ لأكثر من 3000 سنة و التي لا ينكرها الا جاحد أو ممن ينسب نفسه لغيره.
في مقاله السالف الذكر ( متى أتمزغ؟؟) رجع الكاتب إلى التاريخ المغربي ليورد نماذج من المفكرين الأفذاذ الذين طبعوا الحضارة الإسلامية بطابعهم الصوفي و العقلاني المغربي كابن العربي و ابن خلدون و غيرهما ممن حاولوا مواجهة الشرق ثقافيا و الذي كان ينظر الي انتاجات المغرب أو الغرب الإسلامي باعتباره " بضاعة شرقية ردت إلي أهل الشرق" بدون إبداع باد فيها، مما حذا بالعلامة ابن خلدون في مقدمته إلى اعتبار تفوق المشارقة على المغاربة مجرد تطاول ووهم.
لينتقل بن سالم حميش في مقاله الى إيراد بعض المثقفين و الكتاب المغاربة المعاصرين كعبد الله كنون ليعزز به هذا النبوغ المغربي.
و في المجال السياسي يسترجع الكاتب نفحات من أمازيغيته التي سلبتها منه تبعيته الإيديولوجية و السياسية السابقة للشرق، فينتقل إلى مرحلة دولة بني عبد الواد في المغرب الأوسط في القرن الثامن وهم زناتيون من عمومة المرينيين الزناتة، ليورد قولة مشهورة لمؤسس هذه الدولة يمغراسن بن زيان الأمازيغي حين استرجع عاصمة ملكه تلمسان مشروطة بذكر اسم الحفصي ابي زكرياء على المنابر ليقول قولته المشهورة: " تلك اعوادهم يذكرون عليها من شاؤوا"، فيلتقط بن سالم حميش هذه القولة و يعيدها بصيغة اللحظة المعاصرة ليقول للمشارقة: " تلك أعواد استكبار المشارقة و زهوهم ينشرون عليها ما شاؤوا".
لكن اعتزازه بهذه الشخصية التاريخية و بانبعاث نفحة الأمازيغية من الوجدان التاريخي و النفسي للكاتب سرعان ما تنكسر أمام أحد حفدة هذه الشخصية ، يقول بن سالم حميش في ذلك " لكن ما أن يتم لي حتى يواجهني ليخرجني من تمزغي المطبق أحد حفدة يمغراسن، هو ابو حمو موسى الثاني ليعرض علي ديوانه الشعري فغذا بي أجده وثيق الصلة بأشعار العرب نظما و بلاغة بالرغم من بعض التكلف و التصنع، فختمت أن صاحبه من هذا الباب مستعرب كالعدنانيين و الفرس و الأتراك و سواهم من الأعاجم". أي أنه فاقد لهويته و متعلق بهوية الغير، فجانب بذلك ما قام به جده الامازيغي.
و في ختام مقاله يقول المفكر و الروائي بن سالم حميش " .. هل علي أن أتشح بسواد المالنخوليا و الارتكان إلى حرف التمني مناجيا نفسي: ليت الزناتيين و الزيانيين توحدوا و نبذو المعارك البينية، و لم يستقووا بالأعراب ( أي بني هلال، و الإضافة مني) بعضهم على بعض، ليتهم صرفوا جهدهم للإبقاء على لغة الأجداد ( أي الأمازيغية، و الإضافة مني) و إنعاشها كما فعلوا مع لغة الضاد..".
لينهي مقاله بيقظة هويته المغربية الثاوية في أعماقه، تلك الهوية المتشبعة بالأمازيغية باعتبارها صلب الهوية المغربية ثقافة و حضارة و جغرافيا، يقول بن سالم حميش في آخر مقاله: " عودا الى الحاضر الذي أشهده و أحياه، يستيقظ في بين فترة و أخرى حسي الأمازيغي، و يخفق خفقات تحسرا على وطني و ما تفعله به فئة من بني جلدي، إذ يسعون إلى تطبيع الاتباعية فيه لا معرفة لهم و لا اهتمام برجالات ذكرت بعضهم سابقا... لكن من جهة إعمال قوة العقل و البصيرة، لا بد لي، في الدأب إلى ذلك المبتغى ، من تعويلي على تنمية نصيبي من تامزيغيت ".
تامازيغت التي يريد بن سالم حميش الرجوع اليها و التي أشار إليها في مقاله هي ذلك الحس الأمازيغي (وظف الكاتب هنا حس الشلحة كما وردت عند المختار السوسي) الذي تشبعه المختار السوسي في كتاباته المتعددة و المتمثل في الرجوع الى الأدب المغربي و الاعتناء بالشخصيات المغربية و الاحتفاء بها، و تلك خطوة أولى و ايجابية من طرف بنسالم حميش ، رغم أن المختار السوسي لم تسنح له الظروف التاريخية التي عاشها للكتابة بلغته الامازيغية، فهل سيسعى بنسالم حميش إلى الكتابة بحس أمازيغي و المساهمة في انبعاث نصفه الأمازيغي الأخر؟
فمرحبا بك يا ايها المثقف المغربي في وطنك الثقافي و الحضاري ، فليس الوطن جغرافيا معزولة عن التاريخ و الهوية كما يريد له البعض ممن ذكرتهم في مقالك و ممن سعوا الى تطبيع الاتباعية بالشرق فتراهم يرددون كالببغاوات ما حفظوه من الشرق فلا يعرفون من تاريخهم المغربي حين يرجعون اليه للاستشهاد الا " كان العرب في الجاهلية.." و هم يتحدثون عن تاريخهم المغربي، فما علاقة تاريخ المغرب ب " الجاهلية في الشرق"؟ هذه هي المصيبة.
مرحبا بك أيها المثقف المغربي في وطنك الحضاري المغربي، فالوطن جغرافيا مسكون بعمق التاريخ و هويته، الجغرافيا بدون تاريخ و بدون هويته الخاصة مجرد جبال و تلال و سهول مباحة لكل الغرباء إن لم نقل إنه ماخور مفتوح ليرتع فيه كل شذاذ الآفاق.
فعودة مرحب بها لمفكر مغربي يرجع الى هويته بعد تيه طال، و كل عودة هي لبنة هامة لبناء هذا الوطن المغربي خصوصا إن جاءت بنية صادقة من مفكر يعود لتنمية نصيبه من تامزيغت.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تكتل- الجزائر وتونس وليبيا.. من المستفيد الأكبر؟ | المسائي


.. مصائد تحاكي رائحة الإنسان، تعقيم البعوض أو تعديل جيناته..بعض




.. الاستعدادات على قدم وساق لاستقبال الألعاب الأولمبية في فرنسا


.. إسرائيل تعلن عزمها على اجتياح رفح.. ما الهدف؟ • فرانس 24




.. وضع كارثي في غزة ومناشدات دولية لثني إسرائيل عن اجتياح رفح