الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المصريون والأزمة السورية

عبدالحليم حفينة

2015 / 3 / 9
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة


منذ إندلاع الثورة السورية وما تبعها بعد ذلك من اقتتال داخلي عنيف، ظهرت مئات الدراسات السياسية التي تحلل علاقة دول الجوار والدول الكبرى بما يحدث في سوريا ومدى تأثير ذلك على مصالح تلك الدول، وبعيدًا عن تلك التحليلات الأكادمية، لفت انتباهي وأسر خاطري تلك المشاعر التي آراها في الشارع المصري تجاه ما يحدث في سوريا، بعيدًا عن الموقف الرسمي للدولة، وبالأخص تجاه اللاجئين السوريين في مصر؛ فمنذ نزوح السوريين جراء أحداث العنف، ترى كثير منهم في شوارع مصر، تعرفهم بملامحهم الشامية ولهجتهم التي تجذب أذنك من بين كل صخب الشوارع، كما أن زي المرأة السورية التقليدي تراه حاضرًا أيضًا في كل مكان، بل أصبح يدخل سوق الموضة المصري، بالإضافة لظهور محلات تقدم المأكولات الشامية الشهية.

هذا الحضور السوري القوي في المجتمع المصري يحمل بين طياته ملامح رائعة للشعب المصري، فبعد أن تخيل البعض أن معدن الشعب المصري قد ُدفن تحت أحمال الفقر والجهل والمرض، نراه من آن لآخر يهب ويلقي من على عاتقه كل أحمال المعاناة والألم؛ لينتصر للقيم الإنسانية الرائعة التي رسخها عبر تاريخه العظيم في وجدان العالم، فرأيناه يثور في ثورة يناير بشكل أذهل العالم وما حدث بعد ذلك من أحداث لا ينتقص من عظمتها، ولكن هكذا تتخبط الثورات حتى تحقق أهدافها وتُرسي قيمها.

السوريون في مصر يسكنون كل المحافظات تقريبًا، يتوزعون وفقًا لمقدرتهم على تحمل أعباء المعيشة، فتجد بعضهم يعيش في أرقى أحياء القاهرة والأسكندرية، والبعض الآخر يعيش في القرى والمدن الصغيرة، هذا التواجد الجغرافي الواسع يعكس مدى تسامح المصريين وتقبلهم الإنساني الرائع للسوريين، والأكثر إبهارًا من ذلك ألا تجد المصري يتعامل مع شقيقه السوري بمنطق الإحسان، فعلى العكس تجده يشعر بمسئولية الأخ تجاه شقيقه المبتلى، رأيت ذلك بعيني، عندما كنت أرى كثير من المتشددين تجاه الإخوان وقت فض اعتصام رابعة العدوية، لا يصغى لتحريض بعض الإعلاميين على الأشقاء السوريين، بل كنت أسمع دعوات قهوجي بفك كربهم بعدما يحاسبه سوري من رواد المقهى في نبرة صوته أسى حقيقي
، وأجد عامل يكسب قوته يومًا بيوم، يتبرع بما يقرب ربع يوميته لأسرة سورية في حاجة.

كل تلك المعاني الإنسانية التي تراها في المصريين، ليست وليدة الأمس، بل هي تراكمات حضارية لشعب عظيم، رغم ما تعرض له من محاولات لتغريب ثقافته، وطمس قيم التراحم من منظومة قيمه، وما أرصده الآن ليس نوعًا من الانتصارات الوطنية أو العرقية الضيقة، ولكنه رصد إنساني محايد لشعب لابد أن يكون في مكانة حضارية أفضل، ولست بحاجة أيضًا إلى استعراض عظمة السوريين وكبريائهم وعزتهم، فهم أبناء حضارة عظيمة، وشعب راقي، ابتلاه الله بحرب اقليمية بين قوى تسعى للسيطرة والهيمنة على المنطقة، وكم كنت أتمنى أن تكون الدولة المصرية صاحبة كلمة في الصراع الدائر لتنقذ السوريين من تلك الحرب الضروس التي تدمر بلا هوادة بلدهم، ولكننا أيضًا ما زلنا في مرحلة بناء دولة ما بعد الثورة، وإن كان البناء متعثر، ولكن سيكتمل لا محالة، وستنتصر الثورة على كل المستبدين.

من آن لآخر تحدث حوادث فردية تجاه السوريين، كتلك التي تحدث أحيانًا بين المصريين وبعضهم البعض، ونستطيع أن نقول أن تلك الأحداث لا ترتقي أبدًا لدرجة العنصرية، فالمصري مؤمن بمسئوليته تجاه أهل سوريا، وأننا أصحاب مصير واحد، بحكم الجغرافيا واللغة والدين، ذلك المصير الذي تحدده الشعوب لا الزُمر الحاكمة لتلك الشعوب، الآن نتحرر لنكون أصحاب السيادة، وإن كان الثمن باهظ، ولكن كُلفة العبودية والإنقياد أكثر ألمًا وكُلفة، فالشعوب الحرة هي التي تتسيد العالم وتقوده، وتعلو ثقافتها على كل الثقافات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هجوم إسرائيل -المحدود- داخل إيران.. هل يأتي مقابل سماح واشنط


.. الرد والرد المضاد.. كيف تلعب إيران وإسرائيل بأعصاب العالم؟ و




.. روايات متضاربة حول مصدر الضربة الإسرائيلية لإيران تتحول لماد


.. بودكاست تك كاست | تسريبات وشائعات المنتجات.. الشركات تجس الن




.. إسرائيل تستهدف إيران…فماذا يوجد في اصفهان؟ | #التاسعة