الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
حرية الرأي في التعبير
هشام حمدي
2015 / 3 / 19حقوق الانسان
حرية الرأي في التعبير حق وقيمة إنسانية مقدسة وعاملا مهما في تطوير وتثوير وتنوير الفكر والروح الإنسانيين، ويمارسها الإنسان في طرح آرائه والتعبير عنها، بل هي من الحقوق الواجبة احترامها وتقديسها بغية بناء إنسان يرتقي إلى مستوى إنسانيّته الحقيقيّة، لأنّه بدون ممارسة هذا الحق المقدس نخلق أشباه آلات تتلقّى الأمور دون أي تفاعل أو تأثّر بما يدور من حولها. إنها تعبير عن هواجس وأفكار بصرف النظر عن صوابيّتها أو أخطائها.
إن حرية الرأي في التعبير هي نشر أفكار وآراء عن طريق الكلام أو الكتابة شرط ألا تخرق قوانين وأعراف الدول أو المجموعات التي تسمح بممارسة هذه الحرية ضمن سقفها، ويندرج تحت لواء حرية الرأي في التعبير بعض أنواع الحقوق والحدود مثل حرية المعتقد والعبادة وحرية الصحافة وحرية التظاهرات السلمية وتعود بدايات الحديث عن حرية الرأي في التعبير إلى العصور اليونانية الإغريقية ففي عام 399 ق.م فضل الفيلسوف سقراط الموت تجرع السم على التخلي عن حريته في التعبير، بعد ذلك وفي عصر القرون الوسطى وتحديدا في إيطاليا سنة 1633م منع البابا أوربان الثامن كتاب جاليليو المعنون "حوار حول النظامين الرئيسيين للكون" الذي تأكدت فيه صحة رأي جاليليو بأن الأرض تدور حول الشمس، بعدها وفي المملكة المتحدة بعد الثورة التي أطاحت بالملك جيمس الثاني عام 1688 ونصب الملك ويليام الثالث والملكة ماري الثانية على العرش أصدر البرلمان البريطاني قانون حرية الكلام في البرلمان، وفي سنة 1689م نشر جون لوق كتابه الشهير عن التسامح الديني الشامل تحت عنوان " رسالة في التسامح "، جاءت بعدها الثورة الفرنسية لتكريس حرية الرأي في التعبير كحق من حقوق المواطن الأساسية، وفي سنة 1791م عرف بالتعديل الأول على الدستور الأمريكي الذي من خلاله(=أي التعديل) يمنع الكونغرس من إصدار تشريعات تقيد حرية التعبير، أما في سنة 1859م أصدر الرائع جون ستيوارت مل كتابه الشيق بعنوان " عن الحرية " والذي دافع فيه عن حرية التعبير خصوصا في بابه الثاني بطريقة جدا مؤثرة، أما سنة 1933م فقد شهدت تنظيم النازيين لهلوكست كتب هيمنجواي وماركس وفرويد وكافكا في أغلب المدن في ألمانيا حتى حل عام 1948م والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتشتمل هذه الحقوق على الحق في حرية التعبير، ومنذ ذلك الحين بقيت حرية التعبير مادة جدال وتفسيرات تخضع لاختلاف الظروف والتقديرات.
لطالما ادعت بعض سياسات الغرب أنها المنظرة الأولى لحرية الرأي في التعبير فتحدثت عن حرية المعتقدات واحترام الأعراف والأجناس والديانات وسنت القوانين تحت عناوين حمايتها وضمان تطبيقها ولكن الممارسات لم تعكس حقيقة ما نظرت له، فالقوانين التي أنشئت لحماية حرية الرأي في التعبير سرعان ما تحولت لمسير لهذه الحرية ومقيد لمفاهيمها، فباسم حرية الرأي حُمِيَ الكاتب الهندي سلمان رشدي أما مقالات الكاتب الفرنسي روجيه غارودي و غونتر غراس صاحب مقولة لن أسكت بعد الآن لأني سئمت نفاق سياسات الغرب ( الفنان والكاتب الألماني وصاحب جائزة نوبل للآداب سنة 1999 الذي كتب قصيدته المشهورة تحت عنوان " ما ينبغي قوله " التي يدين فيها صمت وسكوت وترك المجتمع الغربي للملف النووي الإسرائيلي بينما يركز جهوده ومجهوداته على الملف النووي الإيراني، والذي غُيِّبَ بعدها مباشرة من الإعلام ) فتعد معادية للسامية، لكن الأخطر من ذلك فهو الحرية المقيدة بالفكرة الموجهة، فالفرنسي حر على سبيل المثال باتخاذ الموقف الذي يريد لكنه مقيد بمصدر الفكرة عبر الإعلام المؤثر والموجَه والأفكار المعلبة الجاهزة، بل إن مُدَعي الحرية لم يرأفوا بأبنائهم عندما قرروا القيام و لو بواجب إنساني مع الفلسطينيين المحاصرين من قبل الصهاينة، فضُرِبَ بعض المتضامنين مع القضية الفلسطينية من الفرنسيين والبريطانيين والأمريكيين في مطارات بلادهم ومنعوا من السفر إلى تل أبيب رغم صحة الوثائق والأوراق القانونية التي يحملونها وعدم مخالفتهم لأي من القوانين داخلية كانت أم خارجية، إلا أن مجرد الخشية الصهيونية من عنوان رحلة هؤلاء أسقطت عنهم كل الحصانات في بلادهم ولم يعد لشعار الحرية من مكان.
إذا كان يقصد بالحرية قدرة الإنسان على فعل الشيء أو تركه بإرادته الذاتية، فإن آية كريمة تكفي لتدل على حماية الإسلام لحرية الرأي والمعتقد والتي تقول " لا إكراه في الدين " فالدين القائم على رفض الإكراه أعطى للإنسان حريته خارج سيطرة أحد منجزا ما يريد راضيا غير مجبر ومختارا غير مكره، لكن الحرية في الإسلام لا تعني الإطلاق من كل قيد لأن الحرية بهذا المعنى أقرب ما تكون إلى الفوضى، فحرية الفرد يجب ألا تضر بحرية الآخرين، وبالتالي لا تؤدي حرية شخص ما للإضرار بالنظام العام أو تقويضه كما إن قيمة الحرية ونتائجها يجب ألا تُضَيع حقوق أعظم منها وبالتالي فإن الإسلام وازن بين الحرية والنظام العام وجعل الحرية في كل شيء حتى في المعتقد شرط ألا تلامس الفوضى.
أخيرا، إن حرية الرأي في التعبير تفترض أصولا محددة معتمدة وبشكل أساسي على الأخلاق الرفيعة لتمكين الإنسان من إيصال جميع أفكاره، وإلا تم تحويرها وتحويلها إلى فرض للرأي بعيدا عن الأصل الإنساني، وأنا متفق وموافق بل وأضم صوتي لفولتير الذي قال: أكره ما تقوله لكني سأدافع حتى الموت عن حقك في أن تقوله.
الإنسانية هي الحل
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. تمويل الأونروا.. أزمة جديدة تفاقم معاناة سكان القطاع | #غرفة
.. القوات الإسرائيلية تُطلق سراح عدد من الأسرى الفلسطينيين عند
.. لمنحهم بطاقات مسبقة الدفع.. إيلون ماسك ينتقد سياسة نيويورك ف
.. تقرير للأمم المتحدة: أكثر من 783 مليون شخص يعانون من الجوع ح
.. ثلثا مستشفيات غزة خارج نطاق الخدمة وفقا لتقرير الأمم المتحدة