الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفقراء... مازالوا ينتظرون

رمضان عيسى الليموني

2015 / 3 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


ترسيخ مبدأ تكافؤ الفرص وحسن توزيع الثروة والحياة الديمقراطية السليمة،
كانت هذه المقولات الثلاثة تمثل ركيزة حلم تحقيق " العدالة الاجتماعية " منذ أكثر من نصف قرن في مصر، وكان صدور قانون تحديد الملكية بعد ثورة 23 يوليو 1952 بداية فعلية السياسات العامة الكاشفة لانحيازات وتوجهات الدولة المتمثلة في ضرورة السير نحو" العدالة الاجتماعية" التي أتاحت للفقراء والطبقات المتوسطة مساحة أوسع للمشاركة في جني ثمار التنمية التي شاركوا فيها تخطيطاً وتنفيذاً، وكانت نزعة هذا القانون تتجه نحو الحيولة دون سيطرة " رأس المال على الحكم"، بهدف تحرير المواطن المصري مادياً واجتماعياً وسياساً من سوءات تلك السيطرة.
وبرغم ذلك لم تفهم تلك السياسات باعتبارها نزعة انتقامية للقضاء على رأس المال، وإنما استهدفت الثورة وقتئذ إبعاد رأس المال عن دوائر صنع القرار السياسي، بل لقد عملت الدولة على تشجيع الاستثمار في عمليات التصنيع واتخذت إجراءات حاسمة لحماية المستثمر فقامت برفع الرسوم الجمركية على السلع المستوردة المماثلة للإنتاج المحلي حماية للصناعة الوطنية، كما أصدرت القانون رقم 424 لسنة 1952 بإعفاء المواد الأولية المستوردة للتصنيع المحلي من كافة الرسوم، وفي سبيل تشجيع رأس المال الخاص ودفعه نحو الاستثمار في مجال التصنيع الإنتاجي أصدرت حكومة الثورة القانون رقم 430 لسنة 1953 بإعفاء شركات المساهمة وشركات التوصية بالأسم التي تهدف إلى إنشاء مشروعات جديدة أو تساهم في تنمية الاقتصاد الوطني من الضريبة على القيم المنقولة، وقامت بتحديد مدة الإعفاء بسبع سنواتٍ وهي فترة كانت تبدو كافية لإدارة المشروعات والوصول إلى تحقيق معدل أرباحٍ معقول.
الخلاصة أن جلّ ما استهدفته ثورة 23 يوليو هو فقط مجرد إبعاد رأس المال وسيطرته على دوائر صنع السياسات العامة واتخاذ القرار، وقصره على قيامه بدوره الوظيفي في تنمية الاقتصاد الوطني، لكنّ المفارقة في هذا المناخ الداعم للاستثمار أن رأس المال قد استغل تلك الحالة وسار في الطريق المختصر نحو تحقق الأرباح السريع عبر التركيز على الاستثمار في قطاع المقاولات والتصدير والاستيراد رافضاً السير في المساهمة في بناء الصناعة الوطنية من أجل بناء اقتصاد وطني قوي، وعليه فقد أدركت الثورة جيداً مخاطر سير رأس المال في عكس الاتجاه، ولذا فلم يكن المهم بالنسبة للثورة وقتها هو تحفيز المستثمرين على الاستثمار في مشروعاتٍ تحقق أعلى معدلات التنمية في وقتٍ وجيز، ولكنّ الأهم هو أن تتجه عوائد تلك الاستثمارات نحو تحقيق مزيدٍ من العدالة الاجتماعية بما يتيح للفرد أن يصل بآماله إلى أقصى أفقٍ يطمح إليه في حياة إنسانية كريمة، وهو ما عملت قرارات يوليو 1961 على تحقيقه بغرض تعديل تلك المسارات التي انحرفت عن السياسات العامة المنحازة نحو العدالة الاجتماعية وعدالة توزيع الثروة وليس كما روّج بغرض انتقامي لتصفية امتيازات احتكارية لطبقة رأس المال.
ربما يمثل ما سبق بعض ملامح السياسات العامة وانحيازاتها الواضحة عقب ثورة 23 يوليو 1952 والتي تفجّرت من رحم المناخ الذي تشابه مع تلك الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المتردية التي فجّرت ثورة 25 يناير 2011 والتي خرجت فيها الجماهير تطالب مرةً أخرى بالعدالة الاجتماعية وهو ذات النداء الذي تكرر في كلتا الثورتين، والذي يؤكد أن العدالة الاجتماعية مازالت تمثل مطلباً ملحاً للمواطن المصري.
وعليه فإن الاضطرابات والاهتزازات التي تعرّض لها الواقع السياسي خلال الأعوام الأربع الماضية قد أصابت السياسات العامة بغموضٍ والتباساتٍ نحو توجهاتها وانحيازاتها، خاصة في ظل ارتفاع نسبة البطالة وتعثر القطاع الصناعي وارتفاع الأسعار مع رفع الدعم عن الوقود وتدهور قيمة العملة المحلية، ولذا فقد كان مأمولاً في ظل حالة الاستقرار النسبي الذي شهدته مصر خلال الأشهر الماضية أن تتضح معالم تلك السياسات وانحيازاتها وإجراءاتها نحو تحقيق العدالة الاجتماعية، لكنّ الواقع يخالف ذلك المأمول بشكل أكثر تعقيداً، فقد تضمنت خطة 2030 بعضاً من التوضيح حول السياسة الاقتصادية العامة للدولة، لكنّها في الوقت ذاته اعتمدت على خطوط عريضة للغاية من المستهدفات في المستقبل دون أن تتضمن شرحاً واضحاً للسياسات والإجراءات التي يستلزم اتخاذها لتحقيق تلك السياسات. فقد تتضمنت الخطة مثلاً خفض معدل البطالة عام 2030 إلى 5%، ووضع عشر جامعات مصرية ضمن أفضل خمسمائة جامعة في العالم، والعمل على وضع مصر ضمن أكبر عشرين دولة إنتاجاً لبراءات الاختراع، وهي كلها طموحاتٍ مشروعةٍ بل وضرورية لكن لم توضح الخطة الآليات والسياسات التي ستؤدي إلى تحقيق تلك الأهداف.

ومن ناحية أخرى السياسات الاجتماعية لم تتضمن الخطة توضيحاً لتلك الإجراءات والبرامج التي تستهدف توزيعاً عادلاً لعوائد الاستثمار والتنمية وتحقيق الحماية الاجتماعية للفئات الأكثر تهميشاً وفقراً في المجتمع المصري.
إن ما يقلق في هذا الشأن هو حالة الالتباس والغموض حول انحيازات السياسات العامة للدولة في ظلّ إجرءاتٍ يفوح منها رغبة في الاهتمام بجذب رأس المال وكبار المستثمرين وقطاع الأعمال، وبرغم تلك الأهمية القصوى التي يمثلها الاستثمار الأجنبي المباشر بما يؤديه من تحسين ميزان المدفوعات والذي سينعكس أثره بالإيجاب على رفع سقف الاحتياطي الأجنبي ورفع معدلات النمو الاقتصادي والتشغيل على المدى المتوسط والبعيد، إلا أن المخاطرة تكمن في تلك العوائد التي سيجنيها الفقراء على المدى القريب من تلك التدفقات الأجنبية خاصة في ظلّ المعاناة التي يعيش فيها أغلب المواطنين؟ وكذلك فيما إذا كانت انحيازات السياسات العامة تصبّ بشكلٍ متوازنٍ وسريع نحو تحقيق العدالة الاجتماعية أم أنها تصرّ على الانحياز نحو مصالح رأس المال. إنّ ما يزيد الوضع إلتباساً وقلقاً هو أن حزمة من التعديلات التشريعية التي تمت على مدار العامين الماضيين تصبّ في خانة الانحياز والاهتمام بمصالح رأس المال وذلك عبر إجراء تعديلاتٍ تشريعية عميقة غيّرت الكثير من معالم العلاقة بين الدولة ورأس المال الخاص منذ عهد مبارك، مثل قانون تحصين العقود الحكومية من الطعن أمام مجلس الدولة والذي يتماس مع مسائل خصخصة القطاع العام وتخصيص الأراضي المملوكة للدولة وعقود تصدير الغاز الطبيعي حيث لم يعد بمقدور أحد أن يطعن على تلك العقود، وكذلك تعديل قانون المزايدات والمناقصات العامة والذي وسّع من صلاحية السلطة التنفيذية في تخصيص الأراضي العامة بالأمر المباشر فبعد أن كان نظام مبارك يقوم بذلك بالمخالفة للقانون مثل أراضي مدينتي وتوشكى قد تم تقنين ذلك التخصيص بشكل قانوني تماماً، ثم يأتي مشروع قانون الاستثمار الموحد ليفتح الباب لأول مرة أمام دخول رأس المال الوطني والأجنبي إلى مجالاتٍ لم تكن عرضة للخصخصة، وكذلك مشروع قانون العمل والخدمة العامة والذي صدر مؤخراً دون حوارٍ مجتمعي أو حتى تمثيل حقيقي لأصحاب المصلحة الحقيقيين.
إن المعضلة التي تطرحها تلك التعديلات التشريعية والتي تستهدف بالأساس تأمين رؤوس الأموال بما يكفل إعادة جذب الاستثمار الأجنبي وبما يأمل إنعكاسه إيجاباً على معدلات النمو والتشغيل هو أنها قد تجاهلت تماماً المضمون السياسي والاجتماعي ومختلف الأطراف المجتمعية ذات المصلحة بل وتجافي تماماً حقيقة أن الاقتصاد ليس بمعزلٍ عن التفاعلات السياسية والاجتماعية وهو الأمر الذي يصيب بالإحباط خوفاً من ابتعادنا عن المسار الحقيقي لتأسيس نموذج تنموي قائم على القبول الاجتماعي والمشاركة الفعّالة من كافة فئات المجتمع.
إنّ ما يفسر انحياز السياسات العامة نحو مصالح رأس المال وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة هو الرغبة في تحقيق إنجاز تنموي سريع وجني ثماره على المدى القريب، وهو ما يحدث على حساب تلك الضرورة التي قد فرضتها الأوضاع المتردية والتي تتطلب تجديد البنية التحتية وتحسين الخدمات العامة والذي سينعكس إيجابا ًعلى أوضاع الفقراء، في الوقت الذي قد تجاهلت فيه تلك السياسات الحلول المتوازنة التي يطرحها العديد من الاقتصاديين لمواجهة عجز الموازنة عبر تحصيل الضرائب بشكل عادل وحقيقي والعمل على زيادة الإنتاج، بالإضافة إلى إمكان معالجة ميزان المدفوعات بالحد من استيراد السلع الكمالية وتشجيع السياحة، ربمّا يكون ما سبق مجرد هواجس نابعةً من الحرمان الناجم عن عدم تحقق العدالة الاجتماعية خلال العقود الأربع الماضية، وربمّا قد يفاجئنا النظام السياسي في مصر بما يزيل تلك التخوفات ويحقق الطموحات المأمولة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وسام قطب بيعمل مقلب في مهاوش ????


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية: رئيس مجلس ا




.. مكافحة الملاريا: أمل جديد مع اللقاح • فرانس 24 / FRANCE 24


.. رحلة -من العمر- على متن قطار الشرق السريع في تركيا




.. إسرائيل تستعد لشن عمليتها العسكرية في رفح.. وضع إنساني كارثي