الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مذكرة دفن رقم (2) قصة قصيرة

محمد عبد الله دالي

2015 / 3 / 21
الادب والفن



مذكرة دفن رقم (2)
كانت السماء تمطر مطرا ناعما ،والجو يميل إلى اللون الرمادي الداكن ،وتخلل الغيوم فتحات تحاول الشمس ان تطل منها على الأرض لتمنحها شيئا من الضوء والدفيء ،تهب بين فترة وأخرى نسمات من الرياح الجنوبية المحملة برائحة البحر ورائحة أرض الجنوب ،وحين يقف رذاذ المطر تنتقل العصافير والبلابل بين الأشجار وهي تغرد فرحاً وتغسل أجنحتها بمياه المطر ,كل هذا يدعو إلى الفرح والأمل والكل مجتمعاً ينشد للحياة لبناء وطن حر ، تسوده حياة الحياة الهادئة والجميلة .ولفت نظري وأنا في طريقي إلى العمل ،امرأةً رفعت كلتي يديها إلى السماء وهي تدعو وتقول ،ربنا هب لنا من لدنك رحمة ، ورحمتك وسعت كل شيء ، ربِ احبس مطرك عنا ، فنحن لا نقوى على هذا الخير ، لأنه يتحول الى نقمة وتشرد وبرد ومرض ،وألم .. ولا معين لنا .
عجبت من هذا الدعاء ، أيدعو الإنسان أن يمنع الله عنه الخير ؟ كان أبائنا وأجدادنا عندما تحبس السماء عنا المطر ،يخرجون جماعات ويصلون ويدعون حتى ينزل المطر ،فتذكرت حينها (أنشودة المطر )فقلت أي حزن يبعث المطر اذا انهمر ؟ .
عرجتُ الى كوخي الصغير القابع في طرف المقبرة لأوي إلى الدفء والتحفتُ بغطاء بالِ حصلت عليه من إحدى الجنائز الميسورة بينما أنا أحاول أن أشعل النار ببعض الخشب المخزون لدي من باقي التوابيت ، طرق سمعي هممت من بعض الأشخاص وهي تسأل عني .استفزني الصوت و ازدادت مخاوفي كالسابق فمن
أرادني فليأتي ،نفختُ بالجمر ليشتعل الخشب ، اقترب الصوت إذا بنقرة على الباب الخشبي قائلاً : ــ
ــ أبو سرحان موجود؟
ــ نعم ! قمت والغطاء لم يفارقني ، فتحت الباب ، تفضلوا إخوان .
ـــ أبو سرحان جئنا نبحث عن شخص ،قالوا إنهم جاءت به المخابرات إلى المقبرة ،بعد ان توفى في السجن .
ــ فمن انتم حتى تسألون عنه ؟
ــ أنا ابوه وهذا عمه .
ــ حسنا ومن أدلكم عليً بالذات ؟
ــ بعض الناس الخيرين ، قالوا إن أبا سرحان له علاقة بالغرباء ومجهولي الهوية .ونحن بدورنا لن ننسى معروفكم ،وحقك مضمون ،ولك الأجر والثواب .أخذهم الى مكان القبر وهو يلتفت يمنة ويسرى ، قال لهم : ــ
ـــ أخوان لا تخبروا أحداً بما يحدث خوفا عليكم وعليً ، من العقاب إنها الأمن والمخابرات ، وإذا علموا بذلك ،فنصبح بخبر كان .
ــ سرك في بئر .
بعد ان سلمتهم الجثة تبين انها غارقة بالدم ، فسأله أحدهم .
ــ هل المقدور .قتل بالرصاص أو ماذا ؟
ــأجابهم ..وأنا أقوم بالدفن , سمعتهم يتحدون فيما بينهم ،ويقولون ان المرحوم تبرع بكليتيه ،ففارق الحياة ،وطلبوا مني كتمان الأمر .
ـــ صفع أبوه جبهته براحة كفه وغطا وجهه بمنديله ،أجهش بالبكاء قائلا إنا لله وإنا اليه راجعون
عرفت حينها إن المقدور كان سجينا سياسياً ،فسرقوا كليتيه وتبرعوا بها لأحد الرفاق .سادنا صمت لا نقوى به على الكلام ،غادروا وتركوني ودموعي اختلطت برذاذ المطر .

الكاتب والقاص
محمد عبد الله دالي الرفاعي
في 21/3 / 2015










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه


.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما




.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة


.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير




.. الفنان الراحل صلاح السعدنى.. تاريخ طويل من الإبداع