الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التقدم يعني التغيير

منعم زيدان صويص

2015 / 3 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لم يحصل في تاريخ الأمم أن حصل تقدم بدون تغيير، والحقيقة أن تقدما بدون تغيير لا معنى له، وكلما كان التغيير سريعا كان التقدم أسرع. التغيير، أو التطور، ومن ثم التقدم، كان بطيئا في العصور الغابرة، وبما أن التقدم العلمي الطبيعي في تلك الأزمنة السحيقة لا يستحق الذكر، فأي تطور استغرق حصوله قرونا. وخلال آلاف السنين أخترع الإنسان وسائل نراها بسيطة الآن ولكنها أحدثت ثورات في تاريخ البشرية، مثل اختراع المحراث وما صاحبه من تقدم في الزراعة، وخاصة في منطقتنا – وادي النيل وما بين النهرين – واختراع العجلة التي تجرها الخيول والتي استخدمت بشكل رئيسي في الحروب.

أما التطورات التي حصلت في المعتقدات فكانت غاية في الأهمية لأن تأثيرها انصَبّ على العقول وكان جماعيا وبعيد المدى. وعبد الناس آلهة عدة في جميع بقاع الأرض. ثم جاءت الديانة اليهودية التي تتحدث عنها كتب العبريين القدماء. وإله العبريين، إله خاص بهم إسمه يهوه. هذا الإله، الذي كان موسى يتحدث معه ولا يراه، كان يرفض الإجابة على سؤال موسى المتكرر: من أنت؟ وليتجنب الإجابة قال له في النهاية: أنا يهوه (jehovah)، ومعناها: "أنا هو الذي هو." وبعد أكثر من ألفي عام ظهرت المسيحية عندما انشق المسيح عن اليهود بعد أن أدخل تغييرات في طبيعة الإله وعارض بعض العادات والتشريعات اليهودية. وبعد 600 سنة ظهر الإسلام في شبه الجزيرة العربية وهو ثالث وآخر دين مما نسميه نحن الأديان السماوية أو الإبراهيمية.

وبقي الدين المسيحي مسيطرا على الجانب الغربي من العالم، ولم يبدأ التململ من تعليمات الكنيسة إلا بعد الحروب الصليبية التي كان لها تأثير إيجابي على التفكير الديني للغرب، الذي تأثر أيضا بالثقافة والتقدم العلمي في إسبانيا خلال الحكم الإسلامي العربي والذي انتهى عام 1453. وبدأت عندها انطلاقة أوروبا، المستمرة حتى الآن، لأنها مؤسسة على مبدأ التغيير، أو التقدم.

التغيير، أو التطور، في أوروبا حدث بعد وقت طويل لأن الكنيسة كانت تسيطر على كل مناحي الحياة، حتى العلوم، واصطدم العلم بالدين واضطُهد الذين عارضوا المعتقدات العلمية للكنيسة، وهي في الحقيقة النظريات اليونانية القديمة. ولأن الشكوك بدأت بتأثير الفلاسفة العرب في إسبانيا، نشأت محاكم التفتيش التي راح ضحيتها مئات الألوف من المثقفين وروّاد التغيير. ومضت قرون قبل أن يُجبر العلمانيون البابا أن يترك السياسة وينسحب إلى داخل الفاتيكان.

وفي منطقتنا الآن تتكرر المطالب بالإصلاح، وبفصل الدين عن الدولة، وتنتشر وتنمو اقتراحات التغيير. والحقيقة أن التغيير لا يمت بصلة للجانب الروحي من الدين وإنما للجانب المادي أو الدنيوي، ومعنى هذا أن مطالب التغيير لا تمس جوهر الدين. فالتغيير المطلوب يتعلق بالتعاليم المادية التي تلقاها المؤمنون في العصور الماضية التي لا تشبه عصرنا الحاضر بل كانت مفصّلة على قدر قريحة وفهم الناس في ذلك الزمان، فلا يمكن أن نتوقع أن نجد فيها تفسيرا للكسوف والخسوف عل سبيل المثال.

التطور حصل في مواقف الكنيسة الكاثوليكية، ولا يزال يحصل في هذا العصر. يقول البابا فرنسيس أن نظرية الانفجار العظيم، وهو الحدث الذي حصل لحظة خلق الكون، كما يعتقد العلماء، نظرية صحيحة وأن الله "ليس بساحر وبيده عصى سحرية." كان البابا يتكلم أمام علماء وخبراء فوضع حدا "لنظريات الكنيسة" المتعلقة بما يسمى قصة الخليقة و"التخطيط الذكي،" وأيد البابا نظرية دارون حول النشوء والارتقاء والبقاء للأصلح. وقال البابا: لم تعد الكنيسة تعتقد "بجهنم أزلية" لأن "حب الله للإنسان ليس له حدود،" وقال أن قصة آدم وحواء قصة خيالية (fable) وجهنم تشبيه (metaphor) يقصد به "العزل المؤقت للروح،" ولكن كل الأرواح "ستتحد في النهاية في حب مع الله."

في هذا القرن رأينا تغييرا في مقاربة بعض التعاليم الإسلامية، ففي عام 2008، ألف الشيخ يوسف القرضاوي كتابا عنوانه "فقه الجهاد: دراسة مقارنة لأحكامه وفلسفته في ضوء القرآن والسنة." لم يحظ كتاب فقه الجهاد بكثير من التحليل والتعليق، ولفّه التعتيم، لا بل انه هوجم من قبل معظم حركات الإسلام السياسي واضطر القرضاوي في النهاية إلى تجاهله، وخاصة بعد استيلاء الإخوان على السلطة في مصر في بداية ثورة 25 يناير.

إن رأي القرضاوي في هذه المسألة وتأييده من قبل أسلامي رفيع مثل راشد الغنوشى أمر في غاية الأهمية. لقد راجع الغنوشى الكتاب مراجعة مستفيضة، وبدا معجبا به. يقول الغنوشى: "يعتبر المؤلف أن الجهاد ضد الظلم والفساد في الداخل مقدّم على جهاد الكفر والعدوان الخارجي، إلا أنه يؤكد أن المواجهة السلمية هي الأصل في الوقوف في وجه الظالمين مستفيدين مما طور الآخرون من صيغ معقولة في مواجهة سلاطين الجور، ويقصد بذلك الأنظمة الديمقراطية مثل البرلمانات المنتخبة والأحزاب والفصل بين السلطات."

يقول القرضاوي: "إننا نستطيع أن نعيش في ظل إسلامنا في عالم ينادي بالسلام لا الحرب وبالأمان لا الخوف، وبالتسامح لا التعصب وبالحب لا بالكراهية... نستطيع أن نعيش مع الأمم المتحدة والقوانين الدولية ومواثيق حقوق الإنسان وجماعات حماية البيئة. والحق أن مشكلتنا الكبرى مع إخواننا المتشددين الذين أغلقوا على أنفسهم النوافذ وأصروا على وجهة نظر واحدة. آفتهم أنهم يحيون في الماضي لا في الحاضر، في الكتب لا في الواقع". وفي كتابه يفضل القرضاوي استخدام مصطلح "غير المسلمين" بديلا عن مصطلح "الكافرين."

ويقول انه في ظل الاعتراف الدولي بحقوق الإنسان ومنها حقه في حرية الاعتقاد والدعوة إليه وإقامة مؤسساته وحماية الأقليات ينتفي مسوغ أساسي من مسوغات جهاد الطلب، أي الغزو من أجل الدعوة إلى الإسلام وما كان يهدف إليه من إزاحة عقبة الأنظمة الطاغوتية التي كانت تمنع الشعوب من أن تفكر أو تؤمن. ويضيف القرضاوي: "بينما اليوم قد انداحت في الأرض كما لم يحصل في أي فترة ماضية من تاريخ الإسلام مساجده وأقلياته، بما يجعل حاجتنا أكثر إلى جيوش جرارة من الدعاة والمعلمين والإعلاميين المدربين المقتدرين على مخاطبة العالم بلغاته المختلفة. " ويقول: " أنك قد تجد الكثير ممن هو مستعد لأن يموت في سبيل الله ولكن القليل القليل ممن يملك الاستعداد ليعيش في سبيل الله."








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شبكات | مكافآت لمن يذبح قربانه بالأقصى في عيد الفصح اليهودي


.. ماريشال: هل تريدون أوروبا إسلامية أم أوروبا أوروبية؟




.. بعد عزم أمريكا فرض عقوبات عليها.. غالانت يعلن دعمه لكتيبه ني


.. عضو الكنيست السابق والحاخام المتطرف يهودا غليك يشارك في اقتح




.. فلسطين.. اقتحامات للمسجد لأقصى في عيد الفصح اليهودي