الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قضايا التنوع اللغوي بالمغرب

سامر أبوالقاسم

2015 / 3 / 26
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الحديث عن اللغة أو عن السياسة اللغوية، كما تَبَدَّى في العديد من وجهات النظر التي برزت إلى السطح في الآونة الأخيرة، خاصة في إطار علاقتها بالتدريس، يتطلب منا تصنيف القضايا المركزية المطروحة للنقاش، حتى لا تزيغ الأمور عن سكة تلمس مداخل استراتيجية لمعالجة الإشكالية ذات الصلة بالتعدد والتنوع اللغوي ببلادنا.
وقد نجمل هذه القضايا، من حيث ارتباطات اللغة بحقول الفكر والمعرفة والإبداع والقيم، في خمس: أولاهما مرتبطة باللغة والتواصل، والثانية باللغة والتربية العلمية والفنية، والثالثة باللغة والتربية الأدبية، والرابعة باللغة والمقدس الديني، والخامسة باللغة والمنظومة القيمية.
أما من حيث اللغة كلغة، فقد يتلخص موضوعها في قضايا أربع: الأولى مرتبطة بالتحول الدستوري بالمغرب، الذي ذهب مع دستور 2011 إلى حد ترسيم اللغة الأمازيغية، وما يستتبع ذلك من إجراءات تنظيمية وتفعيلية على أرض الواقع، والثانية ذات الصلة باللغة العربية الفصحى التي تعاني من العديد من المشاكل في إطار علاقتها بالمحيط والعلوم والانفتاح على مستجدات عالم القرن الواحد والعشرين، والثالثة ذات العلاقة بالدارجة المغربية التي أضحت تحتل كل المجالات ذات الصلة بالعلاقات والتفاعلات الجارية داخل الأسرة والمدرسة والإعلام والمجتمع بصفة عامة، والرابعة ذات ارتباط وثيق باعتماد اللغات الأجنبية كأداة للانفتاح على العالم.
ومن هذه المنطلقات يتضح أن أمر السياسة اللغوية بالمغرب لا زال مرتهنا للتجاذب على مستويات عدة، خاصة فيما يتعلق بالسياسة اللغوية العمومية التي تتبناها الدولة في شخص الحكومة المغربية، وهي على كل حال سياسة لا زالت مطبوعة في الغالب الأعم بنوع من التردد وعدم الجرأة في ولوج مضمار الخوض في إشكالية التدبير اللغوي للتعدد والتنوع الموجود بقوة الواقع ببلادنا.
أما فيما يتعلق بمكونات المشهد السياسي والاجتماعي والثقافي والتربوي، من أحزاب ومنظمات وجمعيات عاملة، فإن الأمر لا زال يراوح مكانه، حيث الحضور القوي للبعد المطلبي المتعالي، غير القادر على التحول إلى قوة اقتراحية عملية في مجال التدبير اللغوي للتعدد القائم، ناهيك عن عدم استطاعتها التموقع بوضوح في هذه الجهة أو تلك، والتحول إلى قوة ضاغطة في اتجاه فرض الاتفاق أو التوافق على صيغة من صيغ ضمان نوع من العدالة اللغوية، وأجرأة التدابير الخاصة بإعمال الحقوق اللغوية لمكونات الحقل اللغوي بالمغرب.
إن القضايا اللغوية المشار إليها أعلاه، النقاش فيها وفي مآلاتها ليس حكرا على فئة دون أخرى، ولا على فرد دون آخر، مهما اختلفت المواقع الفكرية والثقافية والفنية والتربوية والإعلامية، أو المواقع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بل هي قضايا السياسة اللغوية التي ينبغي للكل أن ينخرط في نقاشها، كل من زاوية نظره. صحيح أن للعلم والمعرفة وضع خاص من حيث زاوية النظر إلى شؤون الدولة والمجتمع، لكنه في نهاية المطاف ليس وحده الفيصل في اتخاذ هذا القرار اللغوي أو ذاك. فالأمر في نهاية المطاف أشد ارتباطا باختيارات وتوجهات كبرى مرتبطة بمجتمع بكامله، وضرورة الاستناد إلى مرجعية علمية ومعرفية لا محيد عنها.
فعلى مستوى قطاع التربية والتكوين، ذهب الميثاق الوطني للتربية والتكوين ـ حسب الأستاذ جمال بندحمان المختص في تحليل الخطاب في مقال له حول "السياسة اللغوية بالمغرب" ـ إلى حد أنه "خص الوضع اللغوي في المغرب بدعامة قائمة الذات، فاعتبر استعمال اللغة العربية، بوصفها لغة رسمية، في مختلف مجالات العلم والحياة مطمحا وطنيا. وأقر إحداث أكاديمية للغة العربية (ابتداء من السنة الأكاديمية 2001/2000 ) لتقوم بوظائف النهوض باللغة العربية وتأهيلها. كما أقر تدابير التفتح على اللغة الأمازيغية، أو إلى لهجة جهوية أخرى، وذلك باتخاذ إجراءات ملموسة على صعيد وزارة التربية الوطنية، وعلى صعيد الجامعات التي صارت ملزمة بإحداث مراكز للبحث العلمي والتطوير اللغوي والثقافي الأمازيغي، وتكوين المكونين، وإعداد البرامج والمناهج الدراسية المرتبطة بهذه اللغة، كما أقر الميثاق "ضرورة الانفتاح على اللغات الأجنبية، وتعلمها منذ سن مبكرة...
فالميثاق الوطني للتربية والتكوين يؤكد على التعددية التي يجعلها منفتحة، وهي تضم الأمازيغيات وأية لهجة جهوية أخرى، وهذا ما يسمح بتأويل يرى في هذا التحديد مرونة كبرى تفتح المجال أمام إمكان اعتماد اللغات الوطنية الأخرى مثل الحسانية والدوارج المغربية إضافة إلى الأمازيغيات الثلاث...
وقد تركت السياسة اللغوية، التي يتناولها الميثاق الوطني للتربية والتكوين، الباب مفتوحا أمام كل اللغات الأجنبية ولم يتم الحسم في الاختيارات، إذ تم التنصيص على لغة أجنبية أولى ولغة أجنبية ثانية وهو ما يعني إمكان جعل المؤسسة التعليمية مشتلا لجميع لغات العالم، حيث تخضع الاختيارات لمنطق غير واضح المعالم...
إذا كانت الوثائق تتحدث عن التعريب وضرورته، فإن ما تقدمه وقائع المجالات الاقتصادية والإدارية والحكومية والتربوية، يجعل النصوص مجازات ممتدة. لم تنج السياسة اللغوية المتبعة من الانتقاد الذي وصفها بالمتحيزة والخادمة للغة على حساب أخرى. فقد هيمن الخطاب الذي يعتبر الفرنسية صاحبة سيادة وحظوة خلال عقود من الزمن، وكانت ثنائية العربية والفرنسية موضع تحليل وتداول، غير أن هذا النقاش توارى لحساب ثنائيات جديدة تجعل العربية صاحبة حظوة على حساب الأمازيغية. ليصبح وضع الفرنسية طبيعيا، بل وحلا وسطا يمكن أن يرتضيه المختلفون، إن لم يكن بالرغبة فبقوة الوقائع...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رداً على روسيا: بولندا تعلن استعدادها لاستضافة نووي الناتو |


.. طهران تهدد بمحو إسرائيل إذا هاجمت الأراضي الإيرانية، فهل يتج




.. «حزب الله» يشن أعمق هجوم داخل إسرائيل بعد مقتل اثنين من عناص


.. 200 يوم على حرب غزة.. ومئات الجثث في اكتشاف مقابر جماعية | #




.. إسرائيل تخسر وحماس تفشل.. 200 يوم من الدمار والموت والجوع في