الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اللوبى الاسرائيل على أفريقيا ... والحروب الباردة للجيل الثالث

عربى عيسى

2015 / 3 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


مسار العلاقات الأفريقية الإسرائيلية عند تتبعه يتطلب الفحص الدقيق لمسار تلك العلاقات بين الطرفين فى جميع النواحى والمجالات التى نمت وتطورت من خلالها تلك العلاقات سواء كانت سياسية ودبلوماسية أو إقتصادية وتجارية أو عسكرية وأمنية أو ثقافية وإجتماعية ، فالعلاقات بين إسرائيل وأفريقيا مرت بمراحل عديدة صعوداً وهبوطاً ، حيث تدخلت فيها العديد من العوامل التى تركت بصمات واضحة على مسارها، وأفرزت الكثير من الآثار السلبية على الأمن القومى العربى،
افريقيا واسرائيل :-
وفى مقدمة المتأثرين العرب جاء ” الأمن الوطنى السودانى ” الذى عانى من التدخلات الإسرائيلية فى الجنوب السودانى والتدخلات الإسرائيلية فى منطقة شرق السودان عبر توجيه ضربات لعناصر يقول أنها تساعد فى تهريب الأسلحة لقطاع غزة وفى منطقة دارفور لمحاولة فصلها هى الأخرى، كل هذا فقط لكون السودان يمثل العمق الإستراتيجى للأمة العربية وحلقة الوصل بين العروبة والإسلام والجنوب الإفريقيى
ونتيجة لتأثر الأمن الوطنى السودانى سوف يصيب التأثير الأمن الوطنى المصرى لا محال إن لم يتم تدارك الأمر ورسم إستراتيجية عربية مشتركة للتغلب على هذه التأثيرات الحالية والمستقبلية السلبية لهذه العلاقات المتنامية،فالعلاقات الإفريقية الإسرائيلية بدأت تشكل تحديا هاماً للسياسة الإسرائيلية خاصة بعد أن نجحت جهود إسرائيل الرسمية وغير الرسمية فى تحقيق إختراق للقارة الإفريقية فى الفترات السابقة وإستعادة العلاقات الدبلوماسية مع معظم أقطارها، وأصبح مستقبل العلاقات مع القارة الإفريقية يشكل إهتماماً مركزياً لدوائر صنع القرار الإسرائيلية والغربية معاً، ويطرح لدى صانعى السياسة الخارجية لكل من إسرائيل والغرب سؤالاً مركزياً مفاده هل هم قادرين على مواجهة المشاكل الإقتصادية والإجتماعية والسياسية التى تتعرض لها القارة الإفريقية فى المستقبل ؟
والمتابع للسياسة الإسرائيلية إتجاه القارة الأفريقية يتضح له إن إسرائيل أرست لنفسها إستراتيجية مستقبلية للتعامل مع الدول الأفريقية بالفعل، مبدأها إقرار التفاعل بين إسرائيل والدول الأفريقية عبر مختلف المجالات السياسية والإقتصادية والإجتماعية على أن لا يقتصر هذا التفاعل على الجهات الرسمية فقط بل يذهب إلى أبعد من ذلك عبر إشراك المدنيين الأفارقة بنفس قدر إشراك الرسميين فى هذا التفاعل، وقد سعت إسرائيل بإستمرار لتطوير قدراتها لمجابهة هذا التحدى عن طريق تطوير ودعم البحوث عن القارة الإفريقية مع تبادل وجهات النظر حول مستقبل العلاقات مع إفريقيا مع نظراء من القارة الإفريقية، كما قامت بتطوير قسم التعاون الدولى (MASHAV) ليكون قادراً على تلبية إحتياجات الأقطار الإفريقية التى لها أولوية فى السياسة الخارجية الإسرائيلية لما تحتاجه من تقنيات حديثة وإعانات فى المجالات المختلفة، كما سعت بكل جهدها فى تسخير علاقاتها مع الغرب وأمريكا وجالياتها فى كل أنحاء العالم لتوفير الموارد المادية لتهئية الأرض الأفريقية لحملة موحدة ومنسقة بمساعدة المنظمات الغير حكومية اليهودية والجمعيات اليهودية الأمريكية والأجسام الرسمية الأخرى للتأثير طويل المدى على القارة اللإفريقية
فإن إفريقيا لم تغب عن ذهن الساسة الإسرائيليين؛ وقد ركزت إسرائيل عليها نظراً لما تتمتع به القارة من مزايا إستراتيجية، وأهمية حيوية للأمن الإسرائيلي، وما تنعم به من ثروات طبيعية ومعدنية ومخزون من المياه الوفيرة. وقد بدأ مخطط التسلل الإسرائيلي إلى أفريقيا منذ وقت مبكر بعد تأسيس الدولة العبرية، مستخدمة الأسطورة التوراتية ومقولة “شعب الله المختار” تارة، والوعود بتقديم المساعدات تارة أخرى، مستغلةً فَقر القارة الإفريقية وافتقارها إلى النظم التكنولوجية والعلمية الحديثة، وكثيرا ما كان يظهر الوجه الحقيقي لدوافع هذه السياسة بسعيها للسيطرة على المواقع الحيوية وإقامة محطات للتجسس، وإثارة الفتن والقلاقل، وتشجيع نزعات الإنفصال وصفقات السلاح وتجارة الماس المشبوهة .. كانت بداية التسلل من غرب القارة، ثم امتد لوسطها وانتقل إلى شرقها، خاصة بعد فتح خليج العقبة أمام الملاحة “الإسرائيلية” عام 1957، والذي استفادت منه “إسرائيل” في تسيير خطوط ملاحية بحرية منظمة ربطتها بإفريقيا وآسيا
وإذا كانت فترة الرئيس المصري “جمال عبد الناصر” قد شهدت صراعا وتنافسا محموما على القارة؛ فإنها ومع نهاية السبعينات قد تُركت لإسرائيل وحدها لتعيث فيها فسادا، دون أن يضايقها أو ينافسها أحد، وربما في فترتها كانت منظمة التحرير الفلسطينية وحدها من يركز نشاطه السياسي والإقتصادي والدبلوماسي في القارة الإفريقية، بالرغم من قلة الإمكانات، وإانعدام التكافؤ بينها وبين إسرائيل على هذه الجبهة، حين كان الراحل “ياسر عرفات” يجوب القارة بجولاته المكوكية لحشد التأييد للقضية الفلسطينية، ويحرص على المشاركة في مؤتمرات القمم الإفريقية، ويسعى لفتح مكاتب تمثيل دبلوماسية لمنظمة التحرير في مختلف العواصم الإفريقية، وكانت المنظمة من خلال مؤسسة “صامد” تقيم المشاريع الاقتصادية في أكثرمن بلد أفريقي
الجذور التاريخية للعلاقات العربية الإفريقية
تعتبر العلاقات العربية الإفريقية من العـلاقات القديمة الضاربة بجذورها في التاريخ، إن القرب الجغرافي قد ساهم وعزز من تلاقى شعوب المنطقتين وتدعيم أواصر العلاقات بينهما . كما عرفت المنطقة العربية حضارة الدولة منذ تاريخ قديم ، وعرفت إفريقيا الممالك والدويلات منذ أمد بعيد أيضاً . فمنذ القرن الثاني الهجرى بدأ الإسلام يتمدد داخل القارة الإفريقية . وفي عام 137هـ قام ” وهب بن منبه ” بزيارة إلى مملكة ” غانا” في غرب إفريقيا ووقف على حضارتها وتعرف على نموذجها الإفريقي الأصيل . كما قام ” الفزارى ” عام 200هـ بزيارة أخرى لتلك المملكة وسماها ” أرض الذهب ” هذا مما شجع المسلمين على زيارتها وإنشاء علاقات تقوم على أساس تجارى وإقتصادي بين المنطقة العربية والإفريقية
تعد تجربة التعاون العربي الأفريقي من أقدم تجارب التعاون الإقليمية إذ يمتد إلى أبعد وأعمق من مظاهر الجوار الجغرافي ليشمل أيضا الروابط الثقافية والبشرية والحضارية التي نسجتها قرون طويلة من الحراك الاجتماعي والتفاعل الحضاري بين الشعوب العربية والأفريقية
وفي إطار هذه الحقيقة يمكن رصد تطور العلاقات العربية الأفريقية خلال ثلاث مراحل تاريخية. تتناول المرحلة الأولى العلاقات العربية الأفريقية قبل العهد الاستعماري، في حين تعرض المرحلة الثانية لأثر العهد الاستعماري في العلاقات العربية الأفريقية، وتركز المرحلة الثالثة على العلاقات العربية الأفريقية في مرحلة ما بعد الاستقلال.
أ) العلاقات العربية الأفريقية قبل العهد الاستعماري:
ترجع الجذور التاريخية للعلاقات العربية الأفريقية إلى ما قبل ظهور الإسلام حيث كان المجتمع العربي الجاهلي يزخر ببعض المجموعات الأفريقية التي استقرت بين العرب وانصهرت في بوتقة القبائل العربية عن طريق الولاء والانتماء الكامل، وبعض هذه المجموعات شقت طريقها إلى الجزيرة العربية لعوامل غير الرق والغزو. وكان الأحباش (وهم سكان بلاد القرن الأفريقي في الصومال وبلاد الحبشة وإريتريا) أكثر من وفد إلى جزيرة العرب قبل الإسلام. وتأثرت هذه المجموعات التي وفدت من الساحل الأفريقي بالثقافة العربية. ومن ناحية أخرى ساعد الغزو الحبشي لليمن على دعم الديانة المسيحية التي ساندها الأحباش
وقد أدى ظهور الإسلام في القرن السابع الميلادي إلى إزدياد الاتصال العربي الأفريقي, فقد أمد الإسلام العرب بسياج ديني وفكري ساعدهم على خلق وحدة وطنية وعلى ازدهار النهضة الثقافية، وخرج العرب لنشر الدين في الشمال والغرب والشرق، وتمكنوا من نشر الإسلام في أجزاء كبيرة من القارة الأفريقية. وأدى هذا التطور إلى حدوث نقلة نوعية في تاريخ العلاقات الثقافية بين العرب والأفارقة. فبالإضافة إلى دعم التعامل التجاري والهجرات البشرية، قام العرب بدور إيجابي في نشر العقيدة الإسلامية وبسط نفوذهم السياسي في أفريقيا. وساعد انتشار الإسلام على رواج كثير من مظاهر الثقافة العربية في القارة السمراء.
وبصفة عامة يمكن الحديث عن ثلاث ركائز إقليمية في القارة الأفريقية تواصلت فيها العلاقات العربية الأفريقية في هذه المرحلة
الحبشة وشرق أفريقيا
فقد كانت هجرة المسلمين للحبشة أول اتصال رسمي للإسلام بأفريقيا حيث وجد المسلمون الحماية والرعاية في كنف ملك الحبشة المسيحية، وكانت العلاقات السلمية سائدة بين الطرفين، وأنشأ العرب مراكز تجارية في تلك المنطقة، وكثر عدد الوافدين العرب إليها سواء لأسباب إقتصادية أو سياسية. وأدى الإختلاط بين العرب المسلمين وسكان هذه المنطقة إلى انتشار الإسلام في الهضبة الحبشية وإريتريا وبلاد البجة. وقامت بعض الإمارات الإسلامية على ساحل البحر تمتعت بنفوذ سياسي كبير مما أدى إلى اصطدامها في حروب متواصلة مع ملك الحبشة منذ القرن الرابع عشر، وتدخلت بعض القوى الاستعمارية لدعم الأحباش
ورغم هذا الصدام اتسعت دائرة الإسلام بفضل جهود التجار والعلماء، واعتنقت بعض الجماعات الدين الإسلامي (القالا في الهضبة الحبشية والتقرى في إريتريا). ولكن معارضة الدولة الرسمية لتلك الجهود ومقابلتها بسياسة تبشيرية وتمسك الأحباش بدينهم حد من فرص انتشار الإسلام بصورة أعم خاصة مع سعي الدولة الإثيوبية إلى تحجيم دور المسلمين في المجتمع
وفى الشرق الأفريقي تردد العرب على الساحل الشرقي للقارة -الذي أطلقوا عليه ساحل الزنج- بقصد الاتجار بالعاج والذهب والرقيق، أو هروبا بمعتقداتهم الدينية التي تجد معارضة من بعض الحكومات. وقد أدى توافد العرب من جنوب الجزيرة ومنطقة الخليج العربي إلى اختلاطهم بالوطنيين وقيام عدد من المراكز التجارية العربية في زنجبار وكلوه وممباسا. وبين القرنين الثاني عشر والخامس عشر شهد الساحل الأفريقي ازدهار ثقافة عربية إسلامية عرفت بالثقافة السواحلية التي ظهرت منذ القرن الثامن الميلادي
ومن الساحل الشرقي لأفريقيا توغلت المؤثرات العربية الإسلامية إلى منطقة البحيرات الاستوائية التي تضم تنجانيقا (تنزانيا حاليا) وكينيا وأوغندا ورواندا وبوروندي والكونغو, وحققت نفوذا كبيرا خاصة في منطقتي تنجانيقا وزنجبار حتى إن الأوروبيين بصفة عامة والبلجيكيين بصفة خاصة استفادوا من جهود العرب في إنشاء محطات تجارية، كما استفادوا من معرفتهم بالمنطقة لإكمال عمليات الكشوف الجغرافية التي قادها الأوروبيون, حيث استعان البرتغاليون بالملاحين العرب في القرن الخامس عشر الميلادي للإبحار في المحيط الهندي
مصر والسودان :
فقد كانت مصر من أول الأقطار الأفريقية تمثلا للعقيدة الإسلامية والثقافة العربية، ومنها تسربت كثير من المؤثرات العربية، وجعلها موقعها الجغرافي ترتبط ارتباطا وثيقا بالكيان الأفريقي تؤثر فيه وتتأثر به. وكان لصلاتها التجارية الواسعة بالأقطار الأفريقية أثر كبير في دعم العلاقات العربية الأفريقية. فعن طريق مصر وعبر البحر الأحمر تدفقت المؤثرات العربية الإسلامية بقوة إلى سودان وادي النيل
وقد أدى دخول العرب في أعداد كبيرة إلى نتيجتين مهمتين
أولا: غلبة الثقافة العربية واللسان العربي على أجزاء كبيرة من البلاد
وثانيا: انتشار الإسلام بين الوطنيين الذين كانوا يؤمنون بالمسيحية وبعض المعتقدات الأفريقية. وصار الإسلام عامل ربط مهم بين شعوب سودان وادي النيل ذات الجذور العرقية المتباينة والثقافات المتنوعة
وقد ساعدت تلك المؤثرات على إعطاء الجزء الشمالي من السودان درجة كبيرة من التجانس الثقافي والاجتماعي. وهيأ هذا التطور سودان وادي النيل ليكون مركز إشعاع للثقافة العربية الإسلامية في قلب القارة الأفريقية. أما الجزء الجنوبي من السودان الذي لحق بالبلاد إبان العهد التركي المصري في منتصف القرن التاسع عشر فكان يعيش في شبه عزلة عن الإقليم الشمالي, وعندما فتحت الإدارة التركية المصرية تلك المنطقة للتجارة المنظمة بدأ العرب والمسلمون في التوغل إليها والعمل على نشر الإسلام إلى أن خضعت للسيطرة البريطانية
الغرب والشمال الأفريقي
انتشر الإسلام والثقافة العربية في بلاد المغرب على يد المسلمين العرب الذين اشتركوا في موجة الفتوحات الإسلامية. واختلط العرب مع البربر مما أدى إلى ظهور جيل من البربر المستعربين. وحمل العرب والبربر مشعل الإسلام والثقافة العربية عبر أربع طرق تجارية من شمال أفريقيا إلى غربها ووسطها، أولها ربط ليبيا وتونس بمنطقة بحيرة تشاد، وثانيها ربط تونس ببلاد الهوسا، وثالثها ربط الجزائر بأواسط نهر النيجر، ورابعها ربط المغرب الأقصى بأعالي نهر النيجر.
ويمكن تقسيم توغل النفوذ الإسلامي العربي إلى غرب أفريقيا وأواسط بلاد السودان إلى ثلاث مراحل
الأولى: يغلب عليها الاحتكاك السلمي وكان تجار العرب والبربر دعامته
والثانية: يغلب عليها جهاد المرابطين الذين أعطوا النفوذ الإسلامي المتنامي اقتصاديا وثقافيا سندا سياسيا
والثالثة: تجمع بين السلم والجهاد، وترتبط بالدعوة للعقيدة الإسلامية وتعميق مفاهيمها بين المواطنين
وقد اقترنت المرحلة الأخيرة بقيام عدد من الممالك الإسلامية تعاقبت على حكم المنطقة بين القرنين الثالث عشر والسابع عشر، ومنها مملكة مالي وصنغاي وإمارات الهوسا التي تأثرت بالتدهور العام الذي حل بحوض النيل الأبيض المتوسط مع بداية القرن السادس عشر نتيجة سيطرة البرتغاليين على مصادر التجارة الشرقية.
إذن يمكن القول بصفة عامة إن المرحلة السابقة على العهد الاستعماري اتسمت بإزدهار العلاقات العربية الأفريقية وانتقال المؤثرات العربية إلى شرق القارة وغربها مما أدى إلى ظهور حضارة عربية إسلامية واضحة المعالم في تلك المناطق
ولكن إذا كانت المرحلة السابقة على العهد الاستعماري قد اتسمت بازدهار العلاقات العربية الأفريقية فإن القارة السمراء دخلت منذ السنوات الأخيرة من القرن الخامس عشر الميلادي مرحلة جديدة ارتبطت بنجاح البرتغاليين في اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح والسيطرة على السواحل الأفريقية، وبدأت منذ ذلك الحين السيطرة الاستعمارية على القارة والتي استمرت حتى منتصف القرن العشرين. وتركت هذه السيطرة آثارا سلبية في مجال العلاقات العربية الأفريقية بطريقة مباشرة وغير مباشرة. فإن الاستعمار على إختلاف مصادره وأشكاله حاول إضعاف الروابط العربية الأفريقية وطمس معالم تاريخ العرب في أفريقيا،لكنه في الوقت ذاته عزز من شعور العالم العربي والقارة الأفريقية بأنهما يواجهان مصيرا مشتركا وتهديدا واحدا، مما كان له أثر في تدعيم العلاقات في فترة الخمسينيات مع حصول الدول العربية على استقلالها.
العلاقات العربية الأفريقية في فترة ما بعد الاستقلال
نمت العلاقات العربية الأفريقية في الخمسينيات بعد حصول الدول العربية على إاستقلالها، وشهدت هذه المرحلة درجة عالية من التنسيق والتضامن في العديد من القضايا من أهمها مكافحة الإستعمار والتخلص من الإحتلال والدعم السياسي الذي قدمته الدول العربية لحركات الإستقلال في أفريقيا. وكانت مصر أول دولة تساند حركات التحرر الأفريقية ماديا وعسكريا ودبلوماسيا وإعلاميا في إطار تصاعد الدور المصري في أفريقيا بعد قيام ثورة يوليو 1952
كما شمل هذا التنسيق والتضامن دعم القضايا العربية والأفريقية في أروقة الأمم المتحدة وحركة عدم الانحياز، فقد كافحت الدول العربية والأفريقية معا ضد الاستعمار الاستيطاني في جنوب أفريقيا وروديسيا وفلسطين، وتجلت مساعدة الدول العربية للدول الإفريقية في الموقف الإيجابي لوفود دولها لدى الأمم المتحدة من قضايا تحرير البلاد المستعمرة، وقضية مناهضة الدول العنصرية في جنوب أفريقيا وروديسيا وما أدى إليه هذا الموقف من إصدار الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 1514 في سبتمبر 1960 والخاص بمنح الإستقلال للبلاد والشعوب المستعمرة
وفي حرب أكتوبر 1973 أعربت حكومات الدول الأفريقية المستقلة ومنظمة الوحدة الأفريقية عن تضامنها مع الشعوب العربية، وقد ترجم ذلك في شكل إجراءات قطع جماعي للعلاقات مع إسرائيل. وبانتهاء حرب أكتوبر بلغ عدد الدول الأفريقية التي قطعت علاقاتها مع إسرائيل 29 دولة ولم يتبق من الدول الأفريقية الأعضاء في المنظمة سوى أربع دول لها علاقات مع إسرائيل هي ملاوي وموريشيوس وليسوتو وسوازيلاند
وشهدت الفترة التالية لشهر أكتوبر مباشرة مرحلة جديدة في تاريخ العلاقات العربية الأفريقية كان من أبرز سماتها الإتصالات والمشاورات بين الأمانة العامة لكل من جامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة الأفريقية. وبادر الجانب الأفريقي بإصدار المجلس الوزاري لمنظمة الوحدة الأفريقية قرارا خاصا بالتعاون العربي الأفريقي نص على إنشاء لجنة سباعية لإجراء اتصالات مع الدول العربية عن طريق الجامعة العربية لدراسة آثار حظر البترول على الدول الأفريقية
وأوصى المجلس بإقامة تعاون اقتصادي عربي أفريقي وشكلت لجنة خاصة بهذا الموضوع عقدت أول اجتماع لها في أديس أبابا عام 1973
كما قامت الدول الأفريقية في تلك الفترة بتأييد النضال العربي وطالبت بانسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة، كما ربطت الدول الأفريقية بين حركة التحرر الفلسطينية وحركات التحرر الأفريقية واعتبرت قضية فلسطين قضية عربية أفريقية
وأصدر مجلس وزراء منظمة الوحدة الأفريقية في فبراير 1975 إعلان أديس أبابا الذي أكد فيه أن جوهر مشكلة الشرق الأوسط هو قضية فلسطين, وأوصى بضرورة إجراء مشاورات مشتركة بين جامعة الدول العربية ولجنة التنسيق لتحرير أفريقيا بهدف وضع إستراتيجية لتحرير فلسطين على غرار إستراتيجية أكرا ودار السلام لتحرير القارة الأفريقية. وبالإضافة إلى ذلك ساندت الدول الأفريقية الحقوق العربية في إطار قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة, فساندت قرار 242 واشتركت في تدعيم القرار الآسيوي الذي يقضي بأن استمرار الموقف الخطير والمتدهور في الشرق الأوسط يشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين، كما ساندت بعض الدول الأفريقية قرار اعتبار الصهيونية شكلا من أشكال العنصرية
ومن جانبها أدانت الدول العربية عبر عملها في إطار الجامعة العربية الأنظمة العنصرية في أفريقيا، فأصدر مجلس الجامعة قرارا في أبريل 1975 أكد فيه تعاون الدول العربية والأفريقية من أجل تحرير الأراضي الأفريقية من الإستعمار الإستيطاني والتفرقة العنصرية. وأعلن المجلس قراره بأن قضايا التحرير في القارة الأفريقية قضايا عربية أفريقية. كما تقدم العرب خطوات جادة في مجال التعاون مع الدول الأفريقية فقدموا المنح والقروض والإستثمارات وأنشؤوا الصناديق المالية وأرسلوا الخبراء إلى أفريقيا
وأشاد مؤتمر القمة العربي في الجزائر 1973 بموقف الدول الأفريقية، واتخذ مجموعة من القرارات والتوصيات في المجالين السياسي والاقتصادي لتدعيم وتنمية التعاون العربي الأفريقي فضلا عن تكليف الأمانة العامة لجامعة الدول العربية اتخاذ الإجراءات التنفيذية والإتصال بأمانة منظمة الوحدة الأفريقية. وفى الفترة التي تلت عقد هذا المؤتمر أنشئت المؤسسات المالية لدعم التعاون العربي الأفريقي وهي: الصندوق العربي للمعونة الفنية للبلدان العربية الأفريقية، والصندوق العربي للقروض في أفريقيا، والمصرف العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا. وقد دمج الجهازان الأخيران في جهاز واحد.
وبذلك التقت الإرادة العربية والأفريقية لتحقيق التطلعات والطموحات المشتركة في كافة مجالات التعاون، وتتويج التضامن العربي الأفريقي الذي ساد في الفترة السابقة على عقد هذا المؤتمر. لكن هذه الإرادة سرعان ما تراجعت في أواخر السبعينيات وبداية الثمانينيات لتشهد تجربة التعاون العربي الأفريقي أزمة غيرت طبيعة العلاقات))
الوجود الإسرائيلى فى أفريقيا عبر فترات زمنية مختلفة
بدأ مخطط التسلل الإسرائيلي إلى أفريقيا منذ وقت مبكر وقد مر بالعديد من المراحل والتطورات
بداية التغلغل
تعتبر القارة الأفريقية إحدى قارات العالم المهمة التى بها مصالح إقتصادية وإستراتيجية وسياسية تعتبر ذات أهمية مركزية للغرب وأمريكا وكل الدول الصاعدة الأخرى فى العالم،و لذلك إستهدف المخطط الصهيونى الذى تم تكوينه من أجل حماية المصالح الغربية والدفاع عنها القارة الإفريقية لتمهيد الطريق فيما بعد للصهيونية العالمية من تحقيق حلمها التاريخى فى ضم الأراضى من الفرات إلى منابع النيل، ومن ثم نجد أنه من الطبيعى أن تتجه أنظار الحركة الصهيونية إلى أفريقيا لإيجاد موطىء قدم لها فى هذه القارة البكر التى تزخر بالموارد البشرية والطبيعية خطوة بخطوة مع الإستعمار الغربى حفاظاً على مصالحها التى تتشابك تشابكاً عضوياً معه
لقد أصبحت القارة الإفريقية جزءاً من مشروع الحركة الصهيونية الكبير منذ إنعقاد مؤتمرها الأول فى مدينة بازل بسويسرا عام 1897 م فى آواخر القرن التاسع عشر والمؤتمرات الصهيونية الأخرى التى تلته، وقد تم إختيار بعض مناطق القارة الإفريقية كأراضى بديلة لتوطين اليهود فى حالة أن تم تهديد المركز الأم الذى تم إختياره فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، ومن تلك المناطق المستهدفة فى أفريقيا شرق أفريقيا، والتى تم توقيف مشروع الحركة الصهيونية لإستعمارها نتيجة لموت مؤسس الحركة الصهيونية هيرتزل و صدور قرار من المؤتمر اليهودى السابع الذى تم عقده فى عام 1905 م بوقف كل الجهود المبذولة لإيجاد موطن بديل خارج فلسطين، وإتجه إهتمام ثيودر هيرتزل وحاييم وايزمان نحو يوغندا وكينيا والكنغو وزائير وموزمبيق(6)كوطن بديل لليهود،كما تمت مخاطبة اللورد كرومر من قبل هذين القياديين الإسرائيلين لإقامة وطن قومى لليهود فى السودان فى عام 1903، وكان السودان مستعمرة بريطانية فى ذلك الحين، كل ذلك التوجه كان تنفيذاً لرغبة الكثير من اليهود الذين يرغبون فى الحصول على مناطق يمكن فلاحتها وجعلها وطنا مشتركاً لهم، ويرى هيرتزل أن شرق أفريقيا هو المكان المناسب لتلبية إحتياجات اليهود، مستنداً على فكرة التواجد اليــهودى فى شرق أفريقيا ومساعدة ذلك فى جمع يهود الشتات فى أفريقيا
العلاقات الإسرائيلية الإفريقية فى الفترة من 1948 ـ 1957م( البحث عن شرعية الوجود وتأمين الكيان)
بعد إعلان قيام الدولة العبرية عام 1948 أوْلى صانع القرار الإسرائيلي اهتماماً كبيراً بتأسيس علاقات قوية وراسخة مع القوى الكبرى الأساسية في العالم مثل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والاتحاد السوفييتي. يعني ذلك أن إسرائيل في بحثها عن شرعية الوجود على الساحة الدولية وتأمين وجودها العضوي لم تنظر إلى المستعمرات الإفريقية، بل انصب جل اهتمامها على القوى الاستعمارية الأوروبية. ومن أبرز المؤشرات التي تؤكد هذا المنحى الإسرائيلي أن إسرائيل لم يكن لديها بنهاية عام 1957م سوى سبع سفارات فقط في العالم بأسره، ست منها في القارة الأوروبية وأمريكا الشمالية
ومن الجلي أن القارة الإفريقية جنوب الصحراء كانت بمثابة أراض مجهولةterra incognita بالنسبة للعاملين في وزارة الخارجية الإسرائيلية، ولم ترغب الدول الإفريقية في إقامة علاقات مع دولة تمتلك العديد من الأعداء. لذلك كان منطقياً ألا يوجد دبلوماسي إسرائيلي واحد مقيم شمال جوهانسبرج حتى حدوث الانفراجة في العلاقات الإسرائيلية الإفريقية مع حصول غانا على استقلالها عام 1957م. على أن نقطة التحول الأساسية التي دفعت إلى حدوث تحول كبير في الدبلوماسية الإسرائيلية تجاه إفريقيا تمثلت في عقد مؤتمر باندونج عام 1955م؛ إذ لم توجه الدعوة إلى إسرائيل لحضور هذا الحدث التاريخي الهام، بل ولم يقف الأمر عند هذا الحد حيث أدان المؤتمر في بيانه الختامي احتلال إسرائيل للأراضي العربية
لقد تميزت العلاقات الإسرائيلية مع الدول الإفريقية فى الفترة 1950 إلى 1973 بثبات مع بروز حركات التحرر من الإستعمار ونيل معظم الدول الإفريقية لإستقلالها، حيث قامت إسرائيل منذ العام 1950 بفتح قنوات للإتصال(8) مع النخب الحاكمة فى أفريقيا عن طريق شخصيات غير رسمية مثل الهستدروت (إتحاد أصحاب العمل الإسرائيل)، ومن خلال منظمة الإشتراكية العالمية، وعن طريق القنوات الرسمية والتى أثمرت عن تكوين بعثة قنصلية فى أكرا عاصمة غانا عشية الإحتفال بإستقلال غانا، ومن ثم تم إنشاء بعثات فى مناطق عدة فى القارة الأفريقية نتيجة لحصول العديد من الدول على إستقلالها فى مستهل العام 1960 م
على أن ثمة متغيرات أخرى دفعت إلى توجيه الأنظار الإسرائيلية إلى إفريقيا وليس إلى آسيا كما ذكرنا آنفا وهو ما أدى إلى دخول العلاقات الإسرائيلية الإفريقية في الستينيات مرحلة جديدة .. وهو ماسنتطرق اليه فى الجزء الثانى من اللوبى الاسرائيل على أفريقيا ... والحروب الباردة للجيل الثالث








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الفرنسية توقف رجلاً هدد بتفجير نفسه في القنصلية الإير


.. نتنياهو يرفع صوته ضد وزيرة الخارجية الألمانية




.. مراسلنا: دمار كبير في موقع عسكري تابع لفصائل مسلحة في منطقة


.. إيران تقلل من شأن الهجوم الذي تعرضت له وتتجاهل الإشارة لمسؤو




.. أصوات انفجارات في محافظة بابل العراقية وسط تقارير عن هجوم بط