الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وقفة مع التحليل السياسي.. 

فاتن نور

2015 / 4 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


كان شارل ديغول قد توصل الى أن السياسة موضوع أخطر من أن نتركه للسياسيين.
وقد توصلت على وجه التخصيص- والفضل لأجهزة الإعلام- الى أن التحليل السياسي مهمة أكبر من أن نتركها للمحللين.

فقه الواقع لا يشبه فقه الدين، وقراءته ليست كقراءة في كتاب، فهي لا تحتمل التأويل أو التفسير وفق الهوى، لأن الأحداث الجارية لا تخضع لتأويلات المحللين أو تسير وفق تفاسيرهم مثلما قد يخضع الأفراد أو مجتمع بأكملة لتأويلات الفقهاء ويسير وفق تفاسيرهم..
وإذا كان لابد من أن ينطلق السياسي في قراءته للأحداث من ثقافة ما، فان الثقافة التقليدية غالبا ما تقف كالحجر العثرة أمام الخروج بمعالجة سياسية ناجعة، أو ترجمة واقعية تتبنى الحقائق المرحلية والمتغيرات وتتلمس التداعيات على المديين القريب والبعيد.
والمقصود بالثقافة التقليدية هنا، هي تلك الثقافة الهجينة، الشوفينية على مستوى الذات، الطوباوية بتبنيها النظريات المثالية، والإفلاطونية على مستوى فصل الأمور عن الواقع. ثقافة رجعية - تكرارية تلقن ولا تعلم. ترى الأمور بالمقلوب المريح فيصبح السبب نتيجة، كمسألة التخلف والأستعمار. ثقافة لا تخص شعب بعينه أو أمة بالضرورة، فهي حاضرة على جغرافيات كوكب الأرض ولكن بمعدلات سكانية متفاوتة. 

في خضم التطورات الأخيرة، راح بعضهم يناقش مدى شرعية التدخل العسكري السعودي في اليمن انطلاقاً من الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة.
مناقشة هذه الحيثية يبدو لي مفرغاً من أية قيمة تحليلية أو رؤية. بشكل عام ونزولاً من برج السماء الى أرض الواقع، الشرعية واللاشرعية هي مسألة يحكمها مبدأ القوة ومصالح أصحاب القرار في العالم، ولا يحكمها منطق الفصل السابع أو أي منطق آخر، ففي السياسة- وكما قالها نابليون بونابرت- لا تشكل الأمور غير المنطقية أي عقبة. أما المحلل السياسي لو أفاض في الأمور غير المنطقية وأفرط، سيسقط كمحلل في سلال الثرثرة.
ويتسائل أحدهم كما يتسائل رجل الشارع…
”أين كانت هذه الطائرات السعودية في العدوان على غزة أو في حرب لبنان”. 
“لماذا لم نر مثل هذه التحالفات العربية لتدمير دولة عربية شقيقة؛ ضد الكيان الصهيوني، أين هذا العزم والاصطفاف من القضية الفلسطينية وهي قضية العرب المركزية”
كل دولة تتحرك وفق ما تقتضيه مصالحها وتطلعاتها المستقبلية، وإذا كانت من دول العالم الثالث فإن عدم المساس بمصالح وتطلعات الحلفاء سيقترب من كونه واجباً إلزامياً وبعد الضوء الأخضر قبل المبادرة بأي تحرك. وليس بالضرورة أن تكون قراءتها للواقع صحيحة فهذا موضوع آخر تماماً، من المفيد أن يكون التساؤل بصدده بدل الانشغال في التساؤلات العبثية.
والشق الثاني مبني على افتراض أن القضية الفلسطينية ما زالت قضية العرب المصيرية وهذا ما لا يعكسه الواقع المتحرك بل منابر الكلام والخطابة لربما. ويغفل تمامأ دولة اسرائيل بسفاراتها في الجغرافيا العربية وعلاقاتها الدولية معها، متجاهلاً أن في السياسة لا يوجد صديق دائم أو عدو دائم بل مصالح دائمة.
وأنا أتسائل، كيف لسياسي أن يتجاهل ما هو “صارخ” للعيان، وهل يسمّن التجاهل من قيمة أي تحليل أو رأي سياسي؟
ليس ثمة فائدة من تكرار افتراضات كهذه، لكنها قطعا تخدم التنفيس عن عاطفة جياشة وميول فكرية يراد ترسيخها.
وليس من الذكاء والفطنة أن نصف الآخر أيا كان، بالغباء والحماقة، إذا كان هو من يتحكم في شؤوننا وله اليد الطولى في تحديد مصائرنا، لأننا الأكثر حماقة وغباء سنكون في هذه الحال. والتحليل الذي يأتي بوتيرة من النعوت والشتائم تحط من شأن المحلل بمقدار ما يحط هو من حجم فطنته.
الكثير من الأراء السياسية تنطلق من قواعد دينية وأخلاقية، إنسانية وقانونية أو حقوقية، من بديهيات ثابتة وحقائق مطلقة، والكثير مما لا يجدي نفعا إلآ في صياغة رؤية عقيمة أو الخروج بتحليل يستجدي سلة المهملات. فثوابت اليوم متغيرات الغد، وكل البديهيات والحقائق مرحلية وليست أزلية، والسياسية منذ بداية التأريخ ولغايته لم تكن مستودعاً للمثاليات والإنسانيات، الأخلاقيات والجماليات، ولا مستودعا للنزاهة والكيل بمكيال واحد من ذهب، فهي تكيل بمكيالين وألف مكيال من نحاس، ولكنها قد تلتقط من مضامين كهذه إذا اقتضت المصلحة والضرورة ليس إلا.
ما نطمع به من وراء التحليلات السياسية أو الحوارات، هو فهم أفضل لما يدور حولنا على أرض الواقع وليس لما يدور في رؤوس المحللين من كوابيس أو أحلام وأمنيات. فالميول العاطفية والانسانية والفكرية التي قد تتلبس تحليل سياسي أو حوار فتحيله الى خطابة ثورية أو انفعال إنشائي؛ وإن كانت تعكس مكنوننا اللين كبشر لكنها لاتخدم قراءة متوازنة وشافية لواقع خش. 
أرى أن السياسية هي الفن الوحيد الذي تسقط به كل الأقنعة البراقة عن وجه الإنسان الحقيقي.. وجه الغاب.
وهذه صفتها المحمودة الوحيدة لربما!. ومن الضروري بتصوري أن يكون التحليل السياسي أو الحوار بدونها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهاجمة وزير الأمن القومي الإسرائيلي بن غفير وانقاذه بأعجوبة


.. باريس سان جيرمان على بعد خطوة من إحرازه لقب الدوري الفرنسي ل




.. الدوري الإنكليزي: آمال ليفربول باللقب تصاب بنكسة بعد خسارته


.. شاهد رد مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأمريكي عن مقتل أطفال




.. مظاهرة أمام شركة أسلحة في السويد تصدر معدات لإسرائيل