الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على الرصيف

صمود محمد

2015 / 4 / 13
الادب والفن


على الرصيف :
بيني وبين إشارةِ المرورِ أربعةُ طوابق ،سيارةُ مرسيدس واقفة على الإشارةِ الحمراء ، طفلٌ بائعٌ لا يتجاوزُ الإثني عشر عامًا يرتدي سترةً سوداءَ تحاولُ أن تقيَهُ من شتوةِ نيسان، ونافذةٌ مغلقةٌ أقفُ خلفها أنظرُ على أجواءِ الشتاءِ التي ما أنفكُ أعشقُهُ، حبيباتُ مطرٍ ، عاصفةٌ مزمجرةٌ ، أشجارُ بيتِ جيراننِا تتراقصُ متمايلةً بدلعٍ حتى تمتصُّ غضبَ الريح ، لكنَّه لم يهدأْ أبداً وأعلنَ تمردَه على أنثى راقصة ، ازداد عنفاً ، قوةً، فسقطتْ علبةُ القداحاتِ، بعضُها بقيَ على الرصيفِ والأخرى تناثرتْ تحتَ عجلةِ سيارةٍ كان قد دقَّ على شباكِها كثيراً : خذْ قداحةً وأعطِني دفئاً بشيقلٍ واحدٍ فقط !!!.لم تعطِه دفئاً وسرقتْ الشيقلَ منه أيضا !!!
جثا على ركبتيْه ليجمعَها، فنسيتُ عشقي للشتاء ،شتمتُ عليه للمرةِ الأولى ، كرهتُه للمرةِ الأولى ، تمنيتُ ألّا يعودَ ثانيةً للمرةِ الأولى !! وانمسحتْ كلُّ صورِه الجميلةِ من ذاكرتي وكأنّها لم تكنْ .
مدَّ يدَه التقطَ إحداها ، أشعلَها لم تشتعلْ ، جربَّ مرةً أخرى لم تشتعلْ أيضًا ، فرمى بها بعيدا ، لكنه ركضَ مسرعًا وأحضرَها من بين ضجيجِ زماميرِ السياراتِ ذات الزجاجِ المُعتم التي غالبًا لم ترَه ، أو لم تَتَراءَاه ، وأشعلَها مرةً أخرى ، لكنّها لم تشتعلْ !! وأبتْ أن تعطيَه بصيص دفءٍ في نيْرِ التجربة !
استمرَّ بجمعِها واستمرَّ جسدي بالقشعريرة ، رمى العلبةَ فقد تبللتْ من المطر ، محاولاً أن يحميَها بيديْه الصغيرتيْنِ جدا ، نعم، صغيرتيْنِ جدا على وقفةٍ على (الرمزون) .
تسمَّرتُ بالنظر ، كدتُ أصرخ عليه بحرقةِ قلبٍ : من بعثكَ إلى هنا ؟؟ من الذي ضحكَ عليك بأكذوبةِ نيسان وأخبركَ أنَّ العاصفةَ لا تأتي على الرصيف، قلا تخشَ البرد !!
حملتُ حقيبتي دون معرفتي بما سأفعل ، أردتُ فقط أن أكونَ على الرصيف ، بين ضجيجِ الشارع و ألوان الإشارة .
وصلتُ وقد انتهى من جمعِها في قاعدتِها، حملتُها عنه ونظرتُ بحدةٍ بعيْنيْه :
_كم سعر القداحة ؟؟
_شيكل .
_بدي اشتريهم كلهم وبتروح متل الطير على البيت ،ولا عمري بشوفك هون اتبيع .
_وعد ، والله ، وحياة الله عمري ما ببيع .
فاضتْ الفرحةُ من يديْه المزرقّتيْن ، التي تكونتْ عليهما طبقةُ مطرٍ مُتسخ ، إنّها ثمانٍ وثلاثون قداحة ، تعادلُ نهارًا كاملًا لبيْعها .
لم أستطعْ أن آخذَها ، حملتُها وأفرغتُها في حقيبتِه الصغيرةِ اللائقةِ بحجمِه الصغير ،
وقلتُ بنفسي : خذِ الدفءَ والشواقل .
انتظرتُ من شفتيْه أن تضحكَ ، تقهقهَ ، لكنه بدأ يبكي !!!
أخذتُ بيْده وقطعنا الشارع ، تبسمتُ فابتسمْ ثم ذهبَ مع الريحِ لكن دونَ أن يُسقطَ شيئا من يده .
هاتفتني صديقتي التي تراقبني من النافذة قالت لي : أسألتيه لما يبيع ؟!!
تبسمتُ وأجبتها :
وهل العاصفةُ تصيبُ إلا من على الرصيف ؟؟!!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا


.. الذكاء الاصطناعي يهدد صناعة السينما




.. الفنانة السودانية هند الطاهر: -قلبي مع كل أم سودانية وطفل في