الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طلاق بالأمر (العلاج النفسي)

احمد الباسوسي

2015 / 4 / 16
الطب , والعلوم


حدوته قصيرة مدهشة قررت تسجيلها على الرغم من عدم التزام الحالة بإجراءات وبرنامج متابعة العلاج النفسي بشكليه محدد أو غير محدد البناء، فقط استغل الخط الساخن ليهاتفني دوما عما يجيش في صدره من أفكار ومشاعر. شاب ثلاثيني، خمري البشرة، متوسط القامة، نحيل، يبدو بشوش الوجه، وحميمي. جاء الى مبنى العيادات الخارجية ليستلم دوائه من طبيبه المعالج فحوله للعلاج النفسي للمتابعة. بدا متكامل، الكلام مترابط، الوجدان حيوي. بدوي قح، توقف قطار تعليمه عند المرحلة الابتدائية، عمل عسكريا بوزارة الدفاع مدة ثمانية سنوات قبل ان يتقاعد ويهجر العمل تماما، مطلق منذ خمسة سنوات تحت ضغوط شديدة من والديه الذين اصرا على حتمية تطليق الزوجة من دون أن يفصحا له عن الأسباب بحسب قوله. رضخ صاغرا للأمر وقام بتطليقها والآن يعاني بشدة من انفصاله عن زوجته، يعيش حاليا مع والديه. أخبرني أن مشكلته الرئيسية تتمثل في رغبته في استعادة زوجته، لا يستطيع العيش من دونها، لكن والده ووالدته مصرين على رفضها. ليست لديه أية تفاصيل بخصوص سبب تطليق الزوجة، وأن كنت قد خمنت بحكم خبرتي ان الأمر ربما متعلق بحالته النفسية التي يمكن تصنيفها وفق اليافطة التشخيصية بحسب ما جاء ضمن ورقة التحويل من طبيبه المعالج، وبحسب المظاهر السلوكية التي حدثت أمامي من قبل المريض باضطراب أحادي القطب من النوع الهوسى. اتفقنا على ترتيبات المتابعة العلاجية، والأهداف المطلوب تحقيقها لكي يستعيد لياقته النفسية اولا، ثم نتحدث لاحقا في مسألة استعادة الزوجة، حيث لا نستطيع الكلام عن استعادة زوجة من دون معلومات كافية، ومن دون التأكد من أننا استعدنا كامل لياقتنا النفسية التي تهيئ الاستمرار في حياتنا الزوجية. كأنه وافقني على ما اتفقنا عليه وانصرف. لكن الذي حدث أنه لم يأت في موعده المحدد، لكنه اتصل لاحقا ليخبرني بمشاكله ورغبته في استعادة زوجته، وأنه لا يستطيع العيش هكذا، منحته موعدا آخر لحضور الجلسة النفسية لم يحضر أيضا. لاحظت كأنه استسهل الخط الساخن لمهاتفتي والتحدث بتفاصيل وانفعال عن احواله ومعاناته، كان كثير الكلام، أفكاره مكررة لا تراوح مكانها، ويتحدث بحميمية واضحة. اكتشفت عند هذا الحد ان المريض لا يناسبه تلك التركيبة المقيدة للعلاج النفسي. بل يريد فقط ان يكون حرا، يتحدث بتلقائية، ويتصرف من دون قيود. بمعنى آخر أن العلاج النفسي المعرفي بتقنيته واجراءاته الصارمة المقيدة والدقيقة لا تناسب أمثال هؤلاء المرضى الذين يستمرؤون الحياة الحرة الطليقة، والتلقائية المنفلتة، والاستحواذ على الآخرين بحميمية. تفهمت طبيعته وطلبت عون الله في أن احتمل هوسة، وفي أن أتمكن من مساعدته ولو من بعيد لبعيد عن طريق الخط الساخن. وكان يكتفى بالحضور مرة كل اسبوعين او ثلاثة في العيادة الخارجية يوم الخميس صباحا. وسمحت له بذلك على الرغم ضغط العمل الكبير في مثل هذا اليوم. وسوف نعرض لعينة من هذه المتابعات في السطور القادمة.
صباح الخميس 3ديسمبر 2009
عقب اجازة عيد الأضحى
متايعة
لم تمر ايام العيد وما بعدها بسلام. كان قلقا جدا. دخل في نوبة هوس واضحة. كان مصرا على استرجاع زوجته باي طريقة حتى لو كان ذلك على حساب ارضاء والديه. كان أثناء العطلة قد حدثني عدة مرات عبر الهاتف، طلبني في جلسة خاصة، أبلغته أني في أجازه العيد وسوف التقيه عقب العيد مباشرة. كان لحوحا بدرجة مبالغا فيها. بدا قلقا. قال "لابد أستعيد زوجتي، كلما تقدمت لفتاة يقولون نسال عنك وعندما يعلمون بان لدي ملف بالطب النفسي يرفضونني، لا أستطيع العيش من دون زوجة، لذا قررت أن استعيدها مهما كان السبب، ومهما حدث". أخبرني أيضا أنه وهو في ذروة انفعاله ذهب الى والد زوجته السابقة في الجاخور (المرعى). التقاه وحدثه عن رغبته في استعادته امرأته، أخبره كذلك أنه سوف يوفر لها منزلا خاصا بها خارج البيت الكبير. رفض الرجل وأخبره بان لا مانع لديه، لكن لابد من موافقة والديه أولا، وأضاف ان مسالة البيت المنفصل ليس ما يشغل بالهم، بل لا بد من موافقة والده ووالدته. عاد لدوامة الحيرة. وعادت اتصالاته المحمومة بي طوال فترة الاجازة، لدرجة أن لو كان تليفوني مغلقا او خارج نطاق الخدمة ترك لي رسالة نصية. بدا في ظرف انفعالي استثنائي هام للغاية. كنت دائما أسعى لاحتوائه وتهدئة تلك المشاعر الفياضة حتى نلتقي بعد الاجازة. وجدت رسائل عجيبة على هاتفي النقال يقول فيها أنه قرر أن يقول لوالديه انه يتعالج عند دكتور خاص وأنه أي الدكتور المعالج موافق على فكرة استرجاع زوجته لأنها مسألة مهمة في علاجه. أخبرته برفضي المطلق لهذه الفكرة. وقررت أن اوقف هذه الطريقة من الاستغلال. نبهته أنني غير موافق على ذلك تماما. طلبت منه تأجيل كل شيء والتزام الهدوء، وتناول الدواء بانتظام لحين اللقاء في العيادة. كان من الواضح أنه دخل في نوبة هوسيه، أصبح غير قادر على السيطرة على كلامه، مشاعره أو انفعالاته، وحتى تصرفاته، لاحقا تلقيت منه اتصالا في منتصف الاسبوع. فاجأني بحدوث تغير دراماتيكي دال في تفكيره، أخبرني أنه لم يعد يبحث في أمر عودته لزوجته. اقتنع أخيرا بكلام والده ووالدته ولن يعود لزوجته مرة ثانية. وعدني بذكر التفاصيل في جلسة الخميس، كان مزاجه أفضل، كلماته أوضح وأقل توترا وهوسا. جاء الى جلسة العلاج اليوم. الوجدان غير محدد الملامح. لكن يبدو عليه الهدوء والسكينة والمقدرة في السيطرة على الأمور. أخبرني " جلست مع والدي، كشف لي أن زوجتي كانت تتلقى رسائل حب وغرام على تليفونها المحمول من رجال، وأنه رأي هذه الرسائل. وأنهم رفضوا ابلاغي بهذه التفاصيل حتى لا ازعل أو أتهور. امتقع لون وجهه، تصاعدت موجات الغضب والعدوان تدريجيا في فناء الغرفة، ارتفعت نبرة الصوت وتزايدت موجات الكلام لدرجة هددت بالخروج عن السيطرة، قال "انه يبحث في أمر الانتقام، أخدت واحدة (زوجته السابقة) وأعطيها الأمان 6 سنوات وفي الآخر تطلع كده ؟". وأضاف اخذت البنتين الى المعامل لتحليل حامض ال DNA للتأكد من أمر نسبهم. ثم لن أتركها حتى أنتقم حتى لو أدى الأمر الى ذبحها". هدأت من روعه حتي تمكنت من استيعابه. كان من المحتم أن أبذل جهدي لتغيير فكرة الشك في نسب أولاده التي تملكت رأسه في الأيام الأخيرة. نجحت نسبيا في تغيير هذه الفكرة في هذه اللحظة على الأقل، كان لا بد أن يستعيد الثقة في نفسه وفي الآخرين، وقد كان على ما يبدو. قرب نهاية الجلسة ابتعدت فكرة الانتقام من الزوجة. أيضا فكرة النسب تحركت وأصبح في انتظار النتيجة التي هو متأكد بحسب ما أخبرني من كونها تنحاز لصدق نسب بناته اليه. الآن اصبح اكثر هدوءا، وأقل انفعالا واكثر سيطرة على عواطفه وانفعالاته.
صباح الخميس 17 ديسمبر2009
متابعة
حضر الى العيادة اليوم، بدا مشرق الوجه والملامح. كثير الكلام كالمعتاد. أخبرني أنه تعرف على امرأة مطلقة امها مصرية . التقاها في الخارج وعزمها في أحد المطاعم. لاحقا حاول الاتصال بها عدة مرات، لم ترد عليه، بل نهرته، أبلغته أن ليست تلك الطريقة الصحيحة للزواج. أعرب عن قلقه من هذا الأمر، واحتمال رفضها من والديه، هذه المرأة تعجبه جدا، ويريد الزواج منها، طلبت منه التروي وعدم الاندفاع، والتفكير في احتمالية أنه يكرر نفس السيناريو السابق والذي انتهى بانهيار زواجه الاول. وافقني وقال تعلمت. مضت الجلسة في اتجاه محاولة تغيير نظرته نحو العمل، والتعامل بجدية في موضوع الشغل قبل التفكير في موضوع مثل الزواج والاستقرار. وعدني بالبحث عن عمل خلال الفترة القادمة والاستقرار فيه. لكنه اختفى بعد ذلك، والمثير للدهشة أنه لم يعد يتصل بي. أخبرني طبيبه المعالج أنه لم يتسلم الدواء منذ فترة. فكرت كثيرا في أمر هذا الرجل المهووس البائس، ترى الى من يهمس الآن؟، وهل هو بخير أم عاودته الأفكار القديمة، وضاع في زحام الفوضى والاضطراب وانشغال الجميع؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ممرض يشكو سوء الوضع الطبي في شمال غزة


.. اتفاق تشاوري حول المياه الجوفية بين الجزاي?ر وتونس وليبيا




.. غزة: انتشال 332 شهيدا من المقبرة الجماعية فى مجمع ناصر الطبى


.. ما الجديد الذي استحدثته مايكروسوفت في برنامج الذكاء المصغر؟




.. إطلاق مبادرة -تكافؤ- لدعم طلاب الجامعات التكنولوجية النابغين