الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة جديدة لقصة أضحية إبراهيم

محمد علي عبد الجليل

2015 / 4 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إنَّ القول بأنَّ إبراهيم شخصية تاريخية حقيقية أشبه بالقول بأنَّ "شتربة" في "كليلة ودمنة" شخصية تاريخية حقيقية. فالحكاية الدينية التي أبطالُها أنبياء لا تختلف وظيفيًا عن أية حكاية أبطالُها حيوانات.

على ضوء قصة "البيضة الذهبية" التي رواها أنتوني دو مِــلُّو في كتابه « أغنية الطائر »، أوضحنا في مقال سابق بعنوان "كيف نقرأ قصص الأنبياء؟" (http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=389703) وجود مستويين على الأقل لقراءة القصص الديني:
(1)-القراءة الحَرْفية، وهي قراءة طفولية متطرِّفة لا تتجاوزُ حَرْفية القصة، وهذه القراءة الحَرْفية ضربان:
أ)-قراءة متطرِّفة متقبِّـــلة تَـــتقبَّـــل المعنى الحَرْفي للقصة باعتباره حقيقة، وهي قراءة رجال الدين والمتديِّنين [بالمعنى الدارج لكلمة "متدِّين"]؛
ب)-وقراءة متطرِّفة رافضة ترفض القصة بأكملها باعتبارها سخافة منافية للمنطق وللخبرة البشرية، وهي وقراءة اللادينيين والملحدين والمؤمنين بعقيدة لا تقبل بهذه القصة؛
(2)-القراءة التأويلية باعتبار القصة مَثلًا مضروبًا للعِبرة، أي باعتبارها حكايةً رمزية غير واقعية يجب تأويلها لفهم مغزاها. وقد أشار إلى هذه القراءة الواعية الباحث المصري محمد أحمد خلف الله عام 1947 في رسالة دكتوراه بعنوان "الفنّ القصصي في القرآن الكريم" رفضها الأزهر.

ومثلما أنَّ حكاية "البيضة الذهبية للإوزَّة" لا علاقة لها دلاليًا لا من قريب ولا من بعيد لا بالبيض ولا بالذهب ولا بالإوز بل بالتحذير من البخل، فإنَّ قصة تضحية إبراهيم (سواء بابنه إسحاق أم بابنه إسماعيل، [القرآن، الصافَّات، 102-107؛ رسالة بولس إلى العبرانيين، 11: 17-18]) لا علاقة لها لا من قريب ولا من بعيد لا بإبراهيم ولا بإسحاق ولا بإسماعيل ولا بالكبش، هذا على افتراض وجود هذه الشخصيات تاريخيًا.

فإذا قرأنا حكاية إبراهيم على ضوء قراءة فلاديمير بروب للحكاية الخرافية الروسية وذلك بحسب وظيفة الشخصية السردية (حيث حدَّد سبع دوائر فعلٍ: 1-دائرة فعل البطل، 2-دائرة فعل الشخصية المرغوبة، 3-دائرة فعل المانح 4-دائرة فعل الشرير، 5-دائرة فعل المرسِل، 6-دائرة فعل المساعد، 7-دائرة فعل البطل المزيَّف)، فيمكننا أنْ نعتبرَ:
1)-أنَّ إبراهيم هو البطل؛
2)-وأنَّ ابنه يُـمثِّـــل دورَ الأميرة وأبيها، أي الشخصية المرغوبة (أي يرمز إلى الغرض الذي يشتهيه البطلُ [إبراهيم] ويهدِّده الخصم [الموت])؛
3)-وأنَّ الله هو الواهب (أو المانح) الذي يقدِّم الغرضَ السحري (أو المساعد السحري بحسب غريماس، وهو الكبش) الذي سيساعد البطلَ في التغلب على الخصم الشرير (الذي هو فكرة الذبح أي الموت).

نلاحظ في حكاية إبراهيم:
1)-غياب الشرير (أو الخصم) كشخصية سردية، ولكنَّ فكرة ذبح الابن بحد ذاتها كفكرة مكروهة تحل محل شخصية الشرير أو الخصم؛ وستكون مهمة البطل غير المعلَنة في الحكاية هي تفادي الشر الذي هو ذبح ابنه والقضاء على نسل البطل؛
2)-غياب المرسِل كشخصية سردية وربما يحل محلها رؤيا إبراهيم (اللاوعي الجمعي) التي أخبرَت البطلَ بوجود خطر ودفعَته إلى البحث عن إيجاد حل (وإذْ هو يجده أمامه وهو الكبش كهبة من السماء أو الطبيعة)؛
3)-غياب المساعد كشخصية سردية، وهنا يمكن أن نعتبر أنَّ الكبش يأخذ دور المساعد لأنه يساعد البطلَ إبراهيم في معركته ضد انقراض نسله؛
4)-وكذلك غياب شخصية البطل المزيَّف التي هي غير أساسية بل اختيارية في منهج بروب.

نرى إذًا أنَّ حكاية ذبيح إبراهيم تعكس ما تبقَّى في النفس الجمعية البشرية من ذكرى مرحلة اعتماد الإنسان على الحيوان لإنقاذ جنسه من الانقراض خلال فترات الجفاف التي مرَّت بها على ما يبدو أجزاءٌ من الكرة الأرضية في حقبة سحيقة من الزمن.

فكما يعكسُ تحريمُ لحم الخنزير بقايا أساطيرَ شرقيةٍ قديمةٍ بحسب فراس السواح (حيث إنَّ الخنزير يقتل الإله أو ابن الإله)، فكذلك تعكس أسطورةُ أضحية إبراهيم على الأغلب بقايا ذكريات الخافية الجمعية عن حقبة الجوع والجفاف التي مرت بها مجموعاتٌ من الجنس البشري في مرحلة ما من التاريخ.

فالبطلُ إبراهيم رمزٌ للجنس البشري. وابنُه إسحاق أو إسماعيل رمز للذرية البشرية. و"الذِّبْـــحُ العظيمُ" (الكبش) رمز للحيوانات الطرائد التي وهبتْها الطبيعةُ واعتمدَ عليها الإنسانُ في فترات القحط لكيَ ينجوَ من الانقراض. ورؤيا إبراهيم رمز للخافية الجمعية البشرية. فالكبش كان فداءً لابن إبراهيم، أي أنَّ الحيوان كان فداءً للإنسان. فربما لولاه لانقرض الإنسانُ.

هذه إحدى القراءات الممكنة للحكاية.

كما يمكن تأويل الحكاية على أنها إشارة إلى نهاية تقديم الأضاحي البشرية واستعاضتها بالأضاحي الحيوانية أو على أنها رمز للخضوع للسلطة كفكرة مؤسِّسة للديانات والحكومات.

ولكنَّ قُـــرَّاء هذه الحكاية تحت تأثير مخدِّر العقيدة أو بسبب القراءة الحَرْفية للحكاية أو لأسباب أخرى راحوا يتجادلون مثلًا في اسم الذبيح أهو إسحاق أم إسماعيل (ربما لأسباب تتعلق بمحاولة إثبات الهوية) أو في تأويلها كإشارة لتضحية ما يسمَّى بالرب بابنه المدعو يسوع "المخلِّص" أو كاختبار لإيمان إبراهيم (على اعتباره شخصية حقيقية) أو كإشارة إلى وجوب الأضحية لغفران خطيئة آدم والخلاص من الموت أو غير ذلك. أي أنهم يقرؤون القصة باعتبار أنَّ شخصياتِها وأحداثَها حقيقيةٌ فتفــلِتُ منهم معانٍ كثيرةٌ لشدة تشبُّثهم بالمعنى الحَرْفي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كان يا مكان في قديم الزمان
مروان سعيد ( 2015 / 4 / 19 - 08:08 )
تحية لااستاذ محمد علي عبد الجليل وتحيتي للجميع
في الفلسفة التوجيهية يمكن ان تاخذ القصة لعدة ابعاد وحتى البعد الهزلي
ولكن القصة وما فيها هي وفي العصور الغابرة كان البشر محدودي الفكر والثقافة وكانوا يقدمون للاصنام اغلى ما عندهم وكان الاولاد هم اغلى شيئ يقدمونه للاصنام التي كانوا يعدونها الهة وبما ان الاهنا هو الاب الذي يحب ابنائه اخترع هذه القصة لكي تبطل عادة ذبح الابناء واستبدالها بالكبش الذي بلا عيب وهو رمز للمسيح الذي صالحنا مع الله وكل من يؤمن بهذا تغفر خطاياه بعد توبة حقيقية وعدم الرجوع للخطيئة
ولايمكن للذي يعيش بهذا العصر ان يؤمن بحرفية هذه القصص الا اذا كان يعيش بعقلية متاخرة ومعدوم الثقافة والتجدد
وان بولس اوضح هذا رسالة بولس الثانية لااهل كورينثوس
ولكن لنا ثقة مثل هذه بالمسيح لدى الله. 5 ليس اننا كفاة من انفسنا ان نفتكر شيئا كانه من انفسنا بل كفايتنا من الله 6 الذي جعلنا كفاة لان نكون خدام عهد جديد.لا الحرف بل الروح.لان الحرف يقتل ولكن الروح يحيي.
ووضح المسيح ذلك بان العبادة تكون بالروح وليس بحركات بهلوانية ورياضة جسدية بل رياضة روحية فكريةمتجددة
يتبع رجاء


2 - كان يا مكان في قديم الزمان 2
مروان سعيد ( 2015 / 4 / 19 - 08:21 )
وبعدها اعتبر اليهود عادة ذبح الخرفان وكان بكثرتها يتقربون من الله اكثر وهذا لغبائهم وحرفية فهمهم وباكثر من مكان بالكتاب المقدس يؤنبهم ولكن لاحياة لمن تنادي لاان الحرفي متشنج ولايعرف بالمجاز وهذا مقطع من توبيخهم باشعيا 1
لماذا لي كثرة ذبائحكم يقول الرب.اتخمت من محرقات كباش وشحم مسمنات.وبدم عجول وخرفان وتيوس ما اسر. 12 حينما تاتون لتظهروا امامي من طلب هذا من ايديكم ان تدوسوا دوري. 13 لا تعودوا تاتون بتقدمة باطلة.البخور هو مكرهة لي.راس الشهر والسبت ونداء المحفل.لست اطيق الاثم والاعتكاف. 14 رؤوس شهوركم واعيادكم بغضتها نفسي.صارت علي ثقلا.مللت حملها. 15 فحين تبسطون ايديكم استر عيني عنكم وان كثرتم الصلاة لا اسمع.ايديكم ملانة دما. 16 اغتسلوا تنقوا اعزلوا شر افعالكم من امام عيني كفوا عن فعل الشر 17 تعلموا فعل الخير اطلبوا الحق انصفوا المظلوم اقضوا لليتيم حاموا عن الارملة. 18 هلم نتحاجج يقول الرب.ان كانت خطاياكم كالقرمز تبيض كالثلج.
تصور هذا التواضع للرب يقول تعالوا نتحاجج وكانه من مرتبتنا ومن بيئتنا
والى الان تذبح الذبائح وتراق الدماء بشرية كانت او حيوانية
ومودتي للجميع


3 - تعليق الى محمد علي
ايدن حسين ( 2015 / 4 / 19 - 12:39 )

تحية طيبة
ان كنت انت مؤمنا بالله .. اسالك سؤالا .. هل الله يحتاج لضرب الامثال
ما دام الله قادرا على خلق مليار ابراهيم و مليار موسى .. فهل هو بحاجة لان ياتي بشخصية خيالية اسمها ابراهيم او موسى
و تقبل تحياتي
..

اخر الافلام

.. مراسلة الجزيرة: أكثر من 430 مستوطنا اقتحموا المسجد الأقصى في


.. آلاف المستوطنين الإسرائيليين يقتحمون المسجد الأقصى لأداء صلو




.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك


.. عقيل عباس: حماس والإخوان يريدون إنهاء اتفاقات السلام بين إسر




.. 90-Al-Baqarah