الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


علم الله - الجزء الرابع : نظرة لاهوتية ل -كيف خُلِقَ الكون ؟-

مهاب مجدى يوسف
()

2015 / 4 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في المقال السابق تحدثنا عن " مَن خلق الكون ؟ " من زاوية عقلية ( فلسفية ) فقط ، اليوم نستكمل الجزء السابق و نتحدث عن " كيف تكوّن الكون ؟ " و بمجرد طرح السؤال بهذا الصيغة يمكن للعلم أن يجيب عليه ( فهو مازال يبحث عن إجابة للسؤال ) و لكن هذا ليس مجال حديثي ، سأنظر لهذا السؤال من زاوية لاهوتية ( العقل + الكتاب المقدس ) هذا يعني أن الحديث سيبدأ من النّـص لتفسير ما حولنا . أعلم تمام العلم أن " كيفية تكوين الكون " ليست مبحث لاهوتي ، لكن الفصل الأول و الثاني لسفر التكوين يذكر " خلق " و " ستة أيام " و ما إلى ذلك ، مما يدفع التفكير اللاهوتي إلى المقارنة بين ما وصل إليه العلم و ما يقوله النَـص . كما أن صيغة السؤال ستختلف من " تكوين " إلى " خلق " لأن التحدُث سيكون على نطاق لاهوتي ، لذا فهذا المقال عن " ماذا يقول الكتاب المقدس عن كيفية خلق الكون ؟ " يتبين من الوهلة الأولى أن الإجابة منتهية و هي : الله خلق الكون في ستة أيام . و لكن الأمور ليست بهذه البساطة ، فهناك العديد و العديد من الباحثين و اللاهوتيين قالوا بنظريات آخرى في هذه النقطة التي نحن بصدد التحدث عنها .

تكلم معظم آباء الكنيسة و مفسري الشريعة اليهود عن الخلق على أنه " ستة أيام أرضية عادية " ( فيما عدا قِلة قليلة ) و مع مطلع الحديث عن " نظرية التطور " و عن " العُمر الطويل للكون" ( و هو ما لا يذكره النَـص*) بدأ البحث و التحدث في هذه النقطة تحديداً و نشأ حينها العديد من النظريات ، منها ما قد تم التحدث عنه حديثاً ، و منها ما كان إحياء لأفكار و آراء قديمة و إلباسها ثوب العصر . و يمكنني تقسيم هذه النظريات إلى قسمين :
القسم الأول : تحت عنوان " كلاهما صحيح " ، و هو القسم الأكثر شيوعاً و يتبنى فكرة التوفيق بين العلم و النَـص ، و يكون بالنظر إلى النصوص بطريقة مختلفة تكون أقرب إلى العلم ثم تبسيط العلم ليكون مقارباً للنَـص .
القسم الثاني : تحت عنوان " هنا في الصين كل واحد في حاله " ، و هو رفع الراية البيضاء و الإستسلام في هذه النقطة إلى العلم فقط ، و إعفاء النص عن الخوض في مثل هذه المسائل ، و فصل النَـص الديني تماماً عن العلم .

و تحت كل قسم تندرج العديد من النظريات ، منها ما هو معروف بالفعل و منها ما هو غير مشهور ، و منها ما يثير الجدل و منها ما يمكن قبوله بسهوله ، سأعطي أمثلة لأهم هذه النظريات بحيادية و تبسيط غير مُخِل ، بقدر الإمكان ، لكي يكون المقال فقط إعطاء العناوين الرئيسية لنظريات عديدة حول هذا الموضوع .

1 ) القسم الأول : كلاهما صحيح :
----------------------------------

أ ) نظرية اليوم - الحقبة :
و هي النظرية الأكثر شيوعاً على الإطلاق في هذا الموضوع ، و هي تقول ببساطة أن أيام الخليقة المذكورة في سفر التكوين ليست أيام أرضية ( 24 ساعة ) إنما هي حقب زمنية ، لذا من السهل تطبيق مفهوم العُمر الطويل للأرض حيث أن هذه الأيام حقب زمنية قد تكون آلاف السنين . و تعتمد على نصوص آخرى ، مثال :
( مزمور 90 : 4 ) لأَنَّ أَلْفَ سَنَةٍ فِي عَيْنَيْكَ مِثْلُ يَوْمِ أَمْسِ بَعْدَ مَا عَبَرَ وَكَهَزِيعٍ مِنَ اللَّيْلِ.
( بطرس الثانية 3 : 8 ) أَنَّ يَوْماً وَاحِداً عِنْدَ الرَّبِّ كَأَلْفِ سَنَةٍ، وَأَلْفَ سَنَةٍ كَيَوْمٍ وَاحِدٍ.
و خلال هذه الحقب الزمنية تم التطور ( حيث اعتبر البعض أن التطور هو اسلوب الله في الخلق ) ، و أيضاً منهم مَن رأى أن هذه الأيام ليست بالترتيب فهناك حقب تم ذكرها في يومين ، فجمعوا اليوم الأول و الرابع في حقبة واحدة و هكذا .
و هناك من القدماء الذين تبنوا هذه النظرية الفيلسوف أوغسطينوس الذي قال أن أيام الخلق مختلفة عن هذه الأيام ، و هناك رأي آخر قديم أقره يوحنا ذهبي الفم أن الأيام الثلاثة الأولى ( قبل خلق الشمس و القمر ) لم تكن أياماً عادية بل كانت حقب زمنية ، لأن الشمس و القمر ما كانا خُلِقا بعد حتى نقول أنه يوم عادي " صباح و مساء "، و الأيام التي تلي اليوم الثالث لابد و أنها كذلك ( حقب زمنية ) .

ب ) نظرية الفجوة :
و هي نظريةً مشهورة و قديمة أيضاً ، تقول بأن الله خلق فقط السماء و الأرض ، ثم سمح للتطور بأن يحدث ، ثم استمر هذا حقب زمنية طويلة ، و بعدها حدث خراب ( و يرى الكثير أنه خراب حدث نتجية سقوط الشيطان و هو مَن دمّر الأرض ) ، ثم جاء الله و أعاد الأرض كما كانت في ستة أيام و خلق آدم . و هو حل لوجود حفريات قديمة و حل لوجود التطور ، و حل أيضاً لمشكلة العُمر الطويل .
إنطلق صاحب فكرة العمر الطويل ( توماس تشالمرز 1780 - 1847 ) من الإختلاف اللفظي بين :
( تكوين 1 : 1 ) فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالارْضَ.
( تكوين 1 : 7 ) فَعَمِلَ اللهُ الْجَلَدَ وَفَصَلَ بَيْنَ الْمِيَاهِ الَّتِي تَحْتَ الْجَلَدِ وَالْمِيَاهِ الَّتِي فَوْقَ الْجَلَدِ. وَكَانَ كَذَلِكَ.
فهناك فرق بين العدد الأول " خلق " ( بالعبرية : بارا H1254 ) أي أنه خلق من العدم و هو فعل فاعله الله فقط ، أما العدد السابع " عمل " ( بالعبرية : عاشاه H6213 ) و التي تعني عمل من مادة موجودة أصلاً أو إستكمال العمل . و بهذا إنطلق تشالمرز بنظريته قائلاً أن ما حدث أولاً هو الخلق ، أما ما تم ذِكره هو إعادة تعمير ما خرب و هو ما حدث في ستة أيام .

جـ ) نظرية اليوم و الفاصل :
و هي توفيق بين نظرية " اليوم - الحقبة " و النظرة التقليدية للنَـص ، فتقول أن الخلق تم في يوم عادي ، و لكن بين كل يوم و آخر حقبة زمنية طويلة ، أي أنه عندما يقول اليوم الثاني فهو يقصد أنه ثاني يوم يخلق فيه الله ، لكنه ليس اليوم التالي لليوم الأول مباشرة بل هناك حقبة زمنية طويلة فاصلة بين اليوم الأول و الثاني .

د ) نظرية يوم الوحي :
و هي تقول أن الخلق ( أو التطور ) تم في فترات زمنية طويلة جداً قد تكون آلاف السنين ، ولكن الله أظهر لموسى ما عمله في رؤيا خلال ستة أيام فقط ، و بهذا يكون ما سجله موسى هو ما رأه في الرؤيا ( ستة أيام ) و ليس ما هو قد تم حقيقةً . و بهذا يكون مفهوم الُعمر الطويل له وجود .

هـ ) نظرية الجنة :
و هي فقط حل لمعضلة العُمر الطويل ، فهي تقول بأن الفترة التي قضاها آدم و حواء في الجنة هي حقب طويلة جداً ، و هذا كان حل بسيط لمشكلة عُمر الأرض ، فبهذا يمكن للأرض أن يكون عمرها أي عدد ، لأن الحقبة التي قضاها آدم و حواء في الجنة غير معروفة .


2 ) القسم الثاني : هنا في الصين كل واحد في حاله :
--------------------------------------------------

أ ) نظرية رمزية الأحداث :
و هي نظرية يتبناها العديد من المدارس اللاهوتية الأكثر إنفتاحاً و خاصة المدارس الكاثوليكية ، و هي تقول ببساطة أن ما تم ذكِره في سفر التكوين الفصل الأول و الثاني هو سياق أسطوري غير حقيقي ( بل بالأحرى الفصول الأحد عشر الأولى من سفر التكوين ) لتوضيح نقاط هامة :
1- الله هو خالق الكون ، سواء بتطور أو خلق بطريقة " كُن فيكون " .
2- الكون مخلوق للإنسان .
3- توضيح مفهوم " الخطية الأصلية " .
و لكن كل ما ذُكر من أحداث هي أحداث أسطورية ، تم صياغتها بهذا الإسلوب الرائج في فترة كتابة النص ، كما فعل فلاسفة اليونان في القرن الخامس قبل الميلاد بإستخدامهم قصص رمزية تحاول عبرها فهم الإنسان و الكون . و الجدير بالذكر أن القائلين بهذه النظرية يعترفون بإقتباس الكاتب من الأساطير الشرقية القديمة مثل " ملحمة جلجامش " ، ويقولون أنه تم الإقتباس و لكن هناك إختلافات في غاية الأهمية ، على سبيل المثال :
هناك مُن كان يؤمن بوجود آلهة متعددة متصارعة و لكن الكاتب ذكر إله واحد خالق للكل . و البعض اعتقدوا أن القوى الطبيعية ليست مخلوقة بل هي آلهة ، فهناك مَن كان يعبد الشمس و القمر و الكواكب ، و اعتقدوا بأنهم يتحكمون في حياة البشر و مصيرهم ، لكن الكاتب ينزع هذه القداسة و صفة الألوهة ، فيذكر الشمس بأنها " النور الأكبر " أي أن وظيفتها ليست إلا مجرد مصابيح تضئ .

ب ) نظرية إهتمام الوحي :
و تقول بأن الكاتب إستخدم معلوماته العلمية لشرح و توضيح مقصوده ، فهذه النظرية تعترف بخطأ المذكور " علمياً " لأن القصد من النَص لا تصحيح المعلومات العلمية ، لكن التعليم فيما يخص الخلاص فقط . و هذا ما أكده على سبيل المثال البابا لاون الثالث عشر ( 1878 - 1903 ) في وثيقة " الله كلي العناية " : الكتبة استخدموا صور عصرهم دون أن يهتموا بتصحيح المعلومات العلمية .... الكتاب المقدس لا يدرس العلم .
و هنا يتم ذكر مقولة شهيرة : الكتاب المقدس يعلمنا كيف نسير نحو السماء ، و ليس كيف تسير السماء .

و الجدير بالذكر أن النقطة الأخيرة شائكة جداً لأنها تتعلق بمفهوم الوحي و نظرياته المختلفة ، و الفرق بين " الوحي و الإلهام " ، و مفهوم العصمة و إمتدادها .

إنتهى ....
http://www.facebook.com/mohab.magdy.youssef

__________________________________________________
* تحدثت في مقالتي السخيفة " عُمر الإنسان بين الإسلام و المسيحية " ( 19 نوفمبر 2013 ) عن عُمر الإنسان في الكتاب المقدس ، و تحدثت أن هذا ما تقوله المسيحية فلابد من التنويه أنه خطأ مني أن أقول هذا ما تقوله " المسيحية " لوجود نظريات عديدة ، و لكن هذا ما تقوله المدارس اللاهوتية المحافظة ( المسيطرة على عقل الكنيسة المصرية بصفة خاصة ) . كما أود أن أقول أن هناك نظرة مختلفة أو رد على كلامي أيضاً لعُمر الإنسان في الإسلام و هي ببساطة أن الأحاديث التي تتحدث عن " قرن " فهي لا تساوي تحديداً مائة عام ، فالقرن قد يكون : عشرة أو عشرون أو ثلاثون أو أربعون أو خمسون أو ستون أو سبعون أو ثمانون أو مائة أو مائة وعشرون عام أو مُطلق من الزمن .
( راجع : القاموس المحيط - باب النون فصل القاف ،، و النهاية في غريب الحديث والأثر - باب القاف مع الراء )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت


.. #shorts - Baqarah-53




.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن


.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص




.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح