الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في ( مراعي الصَبّار ) لفوزي كريم

سعد محمد رحيم

2015 / 4 / 26
الادب والفن


لن تحتاج إلى أكثر من قراءة بضع صفحات من (مراعي الصبار/ دار المدى.. بيروت/ 2015) لفوزي كريم حتى تدرك أنك وقعت على كتاب جيد، شاعري، ممتع، ومؤثر.. يستثمر ممكنات السرد في حقول (السيرة الذاتية، والمذكرات، واليوميات) ليشكِّل لوحات بالغة الرهافة والعمق والجمال عن وضع الذات وصراعها في مواجهة المقولات الكبرى للوجود؛ الحرية والحب والصداقة والخوف والمرض والموت. وهي لوحات انتقاها الكاتب من خزين ذاكرته، وأوراقه القديمة، وقدّمها عبر لغة ذات رنين إنساني مفعم بالشجن والحنين، ولستُ أعني أنه يصدر عن نوستالجيا حادة من ذلك النوع الذي غالباً ما يعاني من وطأته المنفيون العصابيون. (وأي منفي تفرغ شبكته النفسية من بعض أعراض العصاب؟). غير أن ما كان يحمي شاعراً كبيراً مثل فوزي كريم من آثار تلك النوستالجيا هو الوعي.. وعيه النفاذ إلى أعماق النفس والأشياء والأمكنة والأشخاص وهي تتأرجح على الحبل المتوتر للزمن، وربما كنت أقصد التاريخ؟
وفوزي كريم لا يعرض عالمه الذي شيدّه في (مراعي الصبار) بتكلّف مفرط، وإنما بهدوء وثقة، وصدق جارح (لا للآخرين وإنما للنفس) وذلك كله نتاج حكمة السنين وتجاربها. إذ يستدير نحو الماضي، القريب منه والبعيد، لاكتناه تلك المِزق من غيمة العمر المفتتة في دورة الزمان. ليقول الأشياء، كما هي، بصراحة دافئة، قاسية أحياناً، صادمة أحياناً، كاشفة في أغلب الأحايين. تلك التفاصيل الصغيرة الحميمة التي بمجموعها ترسم صورة للعالم كما خبره، وكما أحس به، وكما تمثله في الوعي.
الإيقاع بالغ الاتزان والخفة للكتاب دالة لثقافة المؤلف الموسيقية.. الموسيقى التي تسربت إلى حنايا روحه وعجنتها وأعادت صياغتها، بعدما عشقها مبكراً، وحاور آلهتها العظام، وجعلها قبلة العزاء، ورفيقته الأثيرة، في منفاه القصي.
يحكي أولا عن أزمته القلبية.. عن مأزق الجسد الفيزيقي في وقوفه وحيداً على شرفة القدر الغامضة، وإطلالته على ذلك الوادي الرمادي السحيق المعروف بكلمة؛ الموت.. هو المملوء بحب الحياة، وطاقة الشعر التي تديم زخم تلك الحياة.."قدرتي على الكتابة الشعرية انحسرت إلى درجة الصفر. مع أن إحساسي الفائض بما يعتمل في داخلي من شعر مجرد عن الكلمات، لم يُطفأ لحظة"ص23.. هذا وهو يتصدى لذينك القدرين الغامضين؛ المرض والغربة. وفي هذه الفاصلة ليس بمقدوره ادّعاء اليقين، فدوماً يضع أحكامه في سياق محيّر، يثير التساؤلات.
يجد القارئ نفسه، مع كتاب فوزي كريم مشاركاً، متفاعلاً، منفعلاً.. إنه هناك، معه، مع الكاتب، حيثما يكون.. ففي فصل"مراعي الصبار"(النص الذي عنون به كتابه) يتكلم مرة أخرى عن المرض والموت.. وفي هذه المرة من موقع الشاهد المنفعل، لا موقع الفاعل. عائشاً لحظة الموت؛ موت أحد أصدقائه (شريف الربيعي) بمرض السرطان، في المنفى.
من الصعب دوماً أن نألف الموت.. كل حالة موت مرويّة تخلق صدمتها، وتخلِّف صدى غريباً، كأنها تحدث للمرة الأولى.. الآخرون من حولنا يرحلون ونبقى لا نصدّق، كما لو كنا نحاول إبعاد شبح الموت المخيف عنّا. وهنا، ليس هو الشعور بالفقدان، فقط، ما يجعل الحزن يكسرنا، بل إدراكنا أولاً بأن الحياة هشة، وأن في الأمر ما هو مبهم ومريب.. يخبرنا موت الآخرين، في كل مرة، بتهكم مؤلم، قصة موتنا المؤجل.. تلك القصة التي تتركنا ساهمين، صامتين.
"كنت أخشى أن أكون قد خيبت أمله بفعل الإحباط والخرس اللذين ألما بي، وأقعداني أمامه دون تدفق ودعابة ومواساة. كان خيالي يسبقني مسافة لا قدرة لسطوة العقل على اجتيازها، واللحاق به. فكل حالة مرض تملك لغة احتيال خاصة على النفس، إلا هذا المرض"ص93.
في فصلي (حجي إسماعيل) و (الموعد المؤجل) يعرِّج الكاتب على موضوعة الخوف.. كيف تشكِّل خبرة الخوف بنيتنا النفسية والعقلية.. الخوف الذي يترصدنا ويفاجئنا ويغير مسار حياتنا. سواء أكان الخوف المصنوع في دوائر السياسة ومطابخ المخابرات، أو الخوف الطبيعي الذي يسكننا، ويرتع في لا وعينا، ويستحوذ علينا مع سيل من الهواجس المتخطية أحياناً لقوانين المنطق والواقع. كما لو أن الخوف، ها هنا، ليس الوليد وإنما الرحم.
وأيضاً إزاء المرض والموت يخبرنا فوزي كريم وهو يقلِّب على وجوهه، فحوى تلك النبوءة في العام 1997 التي أطلقها صديقه القاص عبد الستار ناصر، من أن أحدهما سيغادر قبل نهاية العام، وكيف أصيب بزيادة سرعة خفقان القلب في ليلة تلك السنة الأخيرة، في دمشق.. وها هو يقارن بين خوف النهارات وخوف الليل.."في النهار أشعر بالمشاركة حتى من قبل الأشجار. في الليل ينفرد بك شبح الخوف وحده. شبح الخوف لا من شيء بعينه. أحياناً لو اتضح الخوف أنه من الموت، لبدا شبح الخوف على شيء من الألفة. ولكن شبح الخوف الذي لا هوية له لا حدود لاستثارته"ص140.
إنه كتاب الغربة والمنفى والشعر.. كتاب الخوف والهرب.. كتاب الحب والموت.. مقارباته حول هذه الموضوعات الوجودية الكبرى تجري عبر لغة سردية دافقة، رائقة، وعذبة، لا لغة فلسفية مجردة، ومقعرة. وهي لا تخلو من روح مرحة خفيفة تضفي على كتابته مزيّة أنها عن الحياة والحب والحرية والفن حتى وهو يحكي في فصوله عن الخوف والرحيل والموت.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا