الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من كي الوعي إلى شيطنة الانتفاضات الشعبية

محمد جوابره

2015 / 4 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


كلما اشتدت حدة التناقضات وتوسعت رقعه الصراع وتناثرت الرؤى والأفكار بين قوى تسعى للمزيد من سفك الدماء دون أي وازع أخلاقي وإنساني , وتحاول جاهدة أن تبقي سطوتها وهيمنتها لإبقاء قبضتها ممسكة بكل تفاصيل الحياة ومسار تطورها الموضوعي والذي لا يمكن لأي كان أن يضفي عليه مشيئته وتصوراته ..
ومن جهة أخرى فأن الصراعات والحروب أيا كانت عقيدتها ومرجعياتها فأن ضحاياها لن يكونوا إلا من تلك الطبقات والشرائح الاجتماعية والتي كانت على مر العصور أداة البناء وأداة التضحية وأول العطاء وأخر المغانم . تل القوى التي تبحث لها عن رؤيا تشق لها دروبا بين طغيان الصراعات الدينية والمذهبية والطائفية وغير ذلك من اختراعات العقل الامبريالي وتوابعه الرجعية .
ولعل اخطر ما واكب حدة الصراع واتساعه في المنطقة العربية على وجه الخصوص إبان الانتفاضات الشعبية المحقة , والتي كانت تعبيرا ونتيجة منطقية لسنوات طوال من الطغيان والدكتاتورية وكل مظاهر الظلم والقهر السياسي والاجتماعي هو تشويه هذا الحراك وتحويل مساراته إلى مسارات مختلفة ومتناقضة تماما مع منطلقاته ودوافعه , وكما كان شعار الاحتلال الصهيوني ردا على الانتفاضة الفلسطينية الثانية "كي الوعي الفلسطيني" بهدف جعل الفلسطينيين يحرمون التفكير في مواجهة هذا العدو والمطالبة بحقوقهم المشروعة إلا وفق ما تتيحه لهم فسحة العمل ضمن آليات استمرار الاحتلال من ناحية واليات المجتمع الدولي بزعامة الامبريالية الأمريكية والأوروبية وتوابعها من الرجعيات العربي التي تعمل على إدارة الصراع بدلا من حله وفق الحقوق التاريخية المسلم بها واقعيا من الأمم المتحدة وقراراتها المختلفة .
واليوم وبعد أن مضى على الانتفاضات العربية ما يقارب الأربعة أعوام أو يزيد وما واكبها من نتائج بدأت بصعود القوى الدينية إلى سدة الحكم في أكثر من بلد " الإخوان المسلمين وحلفائهم من القوة الدينية مرورا بسعيهم إلى ديمومة بقائهم في الحكم عبر سياسة التمكين التي أدت بهم إلى التحالف أو إرضاء الأمريكان بالإبقاء على مصالحهم وإعادة إنتاج الدكتاتورية بطربوش ديني مما أدى إلى إعادة إنتاج الأزمات ومسببات الحراك الشعبي العربي وخاصة ما يتعلق بالإبقاء في دائرة التبعية والسياسية والاقتصادية وانعدام آفاق التنمية .
من ناحية أخرى فأن القوى الامبريالية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية التقطت اللحظة وحولت هذا الحراك عبر القوى المحلية المتحالفة معها من أنظمة رجعية عربية أو قوى دينية متطرفة أو عملاء مباشرين منفدين للسياسات في محاوله منها لضرب محور المقاومة والممانعة .. عبر ضرب سوريا كدولة وشعب وجيش ونقلها من موقعها الممانع إلى فلك الرجعيات العربية , ومن ثم امتدت هذه العملية لتشمل ليبيا واليمن ومحاولة إخضاع تونس في نفس السياق ونقل مضامين الصراع إلى بوابات جهنم حيث تم إنتاج صراعات جديدة تحمل طابعا دينيا وطائفيا وصراعات محلية في كل بلد بهدف تحطيم الهوية الوطنية للبلد الواحد وصولا إلى تحطيم الهوية القومية الجامعة للأمة العربية عموما .
وأن اخطر ما يواجهه العرب اليوم هو تغييب العقل والوعي وإغراق الشعوب العربية بصراعات جانبية لا بد من حلها بطرق ديمقراطية تساهم في توحيد الدولة الوطنية أولا والهوية القومية ثانيا لأن مسببات ودوافع بناء الأمة في إطار قومي وسياسي واحد ضرورة لا بد منها أولا بحكم معطيات الواقع الذي يجمع هذه الأمة وتوافر كل عوامل بقائها واستمرارها وإمكانية توحيدها طال الزمن أو قصر ..
وفي نفس الوقت فأن الظروف الموضوعية التي نشأة فيها القضية الفلسطينية واستمرت كقضية صراعية مع المحتل وحاضناته , والواقع الذي تعيشه الشعوب العربية وضرورات التغيير باتجاه حل كافة قضايا والتي تتمحور بالخلاص من الاستعمار والتبعية وعملية تنموية قادرة على توظيف مقدراتها بما يخدم أبنائها ويحل مشاكلهم ويعزز دورهم على الصعيد الإنساني العالمي كل ذلك جعلنا جزءا من المعسكر الإنساني الطامح للحرية والعدالة الاجتماعية وهذا ما يجب أن يكون منطلق أي محاكمة أو محاكاة لهذا الموقف أو ذاك وهذه القضية أو تلك سواءا كانت محلية أو عربية أو عالمية .
ومن اجل كل ما تقدم فان الإيمان العميق بعدالة قضايانا الوطنية والديمقراطية والاجتماعية أولا , وثقتنا العالية بإمكانيات التغيير هو المبرر المنطقي والأخلاقي لاستمرار إيماننا بضرورة وجود حركة عربية قومية تقدمية تقدم البديل لكل ما يجري من صراعات تحمل طابعا دينيا تارة وطائفية تارة أخرى , وهذا يمثل المدخل الأساسي لأي عمل سياسي هادف ولا بد منه لتوفير عوامل التغيير ..
وإذا كان كل ما يجري يهدف إلى تغييب الوعي وتحريم العمل الثوري والمطالبة بالتغيير فان المطلوب هو التحليل العلمي السليم المبني على القناعة بعدالة قضايانا والثقة المطلقة بإمكانيات التغيير والانتقال من حالة الهزائم وتشويه الواقع إلى فتح آفاق وإمكانيات عوامل التغيير نحو الأفضل .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأرمن في لبنان يحافظون على تراثهم وتاريخهم ولغتهم


.. انزعاج أميركي من -مقابر جماعية- في غزة..




.. أوكرانيا تستقبل أول دفعة من المساعدات العسكرية الأميركية


.. انتقادات واسعة ضد رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شفيق لاستدعائها




.. -أحارب بريشتي-.. جدارية على ركام مبنى مدمر في غزة