الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دراسة نقدية ... للناقد محمد شنيشل الربيعي

جواد الشلال

2015 / 4 / 26
الادب والفن


المزج التوليدي الاسترجاعي في مصورات الشاعر
جواد الشلال

الخَوفُ فِيكَ أَوَلُ خُطْوةٍ... أنموذجا

حِينَما أَصِلْ لِعمقِ البَحرْ
لمْ تُفَاجئْني وعُورَةْ الطَرِيقْ
أشمُ رَائحةَ الأَسمَاكِ....
العَطَشَ العَطَشَ....
العَفَنُ....
قَطَراتُ فَرحٍ دَفَنْتُهَا تَحتَ ضِفافِ عِشقٍ...
تَاريخٌ ...
بَراريٌ..
كُثبَانُ رِمَالٍ عَاشِقةٍ مَوتٍ بَعيدْ
أتَنَشَقُ جَدبَاً يَقِينَاً يَمرُ مِنَ النَشِيدِ...
مَوتَاً يَقينَاً عَلى سِنَامِ فَالَةِ أجدَادِ.....
سَرابُ نَغَمٍ ....
أيظَلُ طَريقَه.....؟
فِي وِجْدَانِ نِهايةٍ
مُتَهافِتةْ
يَعودُ الخَوفُ خُطوةً لا تَعرفُ الأَرْضْ .
""""""""""""""""""""""""""""""""""""
مِمَ نَحتَمِي
دَهشَةْ ؟
طَرَقتْ أبوابَنَا شَيخُوخَة ٌ .....
مَرجَلٌ يَغلِي ...
قَلَقٌ....
خُفُنَا حَجَرٌ عَلَى أرْضٍ رَخوَةْ .
حُزْنٌ رَطِبٌ...
يقِتلُ ثَمةَ بَقايَا فِي غُرفةِ التَعْذِيبْ.
أمَلٌ....
حَشَرونَا بِتؤُدَةٍ تَحتَ عُنوَانٍ غَلَيظْ
تَابُوتُ أسْمُهُ....
""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""
أرَايتَ وَطَناً يَشِعُ نَومُهُ أرَقْ ؟
فُطورُه أحمَرُ....
يَميلُ لِزرقَةِ السَمَاءْ
مَصَابيِحَهُ هَادِئَةٌ تَمَامَاً
بَلورةٌ بِيَدِ سَارِقْ.
مَزَاجُهُ الرَمَادِي....
سِجَادَتُهُ الخَضرَاءِ....
تَياراتً الهَواءِ سُودٌ.....
مَدَاسُهُ مُستَورَدٌ خِصِيصَاً
بَائِعي قُبورِ...
مُجَردُ ذَاكِرةْ
رُبَمَا مُتعَةُ عَابِرِ سَبيِلْ
""""""""""""""""""""""""""""""""""""""
إنَهُمُ مُولَعونَ بِإسْمِكَ , يَا رَب
يَقْذِفونَ بِأعِينِهُمُ المُتَوهِجَةِ كَالصَرِيمِ.....
بَعضُ وَاحَاتِ جُرحُكَ.....
غِنَاءُ الشَواءِ فاتُورَتُكَ ...
أنْتَ لَمْ تَعِدْ جُزَءَاً
مِنَ السَمَاءْ.
فِي يَمِكَ المُوغِلْ
سَرَابُ مَاءْ
قَبضَةُ طُوفَانٍ
جَديدْ
جواد الشلال
تتميز الصورة الشعرية عند جواد الشلال بولادة عسيرة لانتمائها الى عوالمه الخاصة الذي يمحصها ( من وجوده ) ويتفحصها (من عمقه المتألم ) ولا شك ان الصورة الشعرية هي مطية الايحاء البعيدة المرام المفعمة بالخيال المتأجج توليديا/ استرجاعيا , وبالدلالات التي تؤكد عمق التجربة الشعرية عند
ان الشاعر يعي تماما لكل قصيدة مخاض , ومخاض قصيدته متجر من الصور هي راس مال موجوداتها وعماد بناء نصه ومكونات الصورة مكونات بلاغية مع وفرة من اللسان والعاطفة والانفعالات النفسية ومطية خيال , لكن هذا القول ليس بجديد ويرافق جل النصوص المبدعة فما هو الجديد في صور الشلال ؟ يجيب الشاعر من خلال اربع اضاءات هي :
1ــ التوهج التصوري: تتوهج الصورة في ادبيات الشاعر من عمقها الدلالي المتحول الى المعاني الحسية وهي لسان عال في الرقي الايحائي ابتداء من العتبة ( الخوف فيك اول خطوة .... اتنشق جدبا يقينا يمر من النشيد ... تابوت اسمه ..... يعود الخوف خطوة لا تعرف الارض.... الأسماك .... العطشَ العطشَ ....العفن ...)
2ــ عمق التصور : الخيال المترامي في عمق النفس والذي يولد اشراقة درامية من الانفعالية عند الشاعر ( يقتل ثمة بقايا في غرفة التعذيب .....طرقت ابوابنا شيخوخة ... خفنا حجرعلى ارض رخوة... مرجل يغلي ...قلقٌ....)
3ــ مكونات التصور: اما ان تكون طبيعية مخزونة في تركمات الذهن ( ..التاريخ....البراري....الصحاري...صهيل الخيل.. سنام بعير) او الاصطناعية مولدة ( الخوف فيك اول خطوة ... وغيرها )
4ــ اللسان التصوري: يستخدم الشلال لسان الانزياح والرمزية في حدودِ بلاغيةٍ بسيطة التراكيب ( ارايت وطنا يشع نومه ارق... اتنشق جدبا يقينا يمر من النشيد.. موتا يقينا سنام فالة الاجداد...)
5ــ الانقطاع التسلسلي للصورة وتسليمها للمتلقي : من ملاحظات هذا النص , ان الشاعر يترك اغلب الصور مفتوحة النهاية ويقطع فكرة النهاية بنقاط وهذا موجود في اغلب الجمل الشعرية التي يشكل منها الشاعر صوره الشعرية الجزئية .
وسننطلق مع عوالم الشاعر في رحلة مع تلك الصور المضيئة والتي نبدأ بها من عتبة النص ( الخوف فيك اول خطوة ....) عتبة النص وحدها هي صورة جزئية , عندما حذف الإخبار الثاني ليتركه لخيال المتلقي وتأويلاته , ولان الشاعر في هذا النص قد ترك مساحة كبيرة للتاويلات , فتح النص على مصراعيه في اغلب بنائه ليؤكد دور المتلقي في شراكته الفعلية للحدث الشعري وايجاد وشيجة رابطة بين مفهوم الحداثة الشعرية والمتلقي كشاعر آخر يكتب في نفس النص وهذا الاسلوب قد عممه الشاعر على الجمل الشعرية كلها كما نوهنا في مثال العتبة .
ان الشاعر قد تعود الألم والقسوة واصبحت من سلوكياته وتلك السياقية الدلالية التي انتج بها صورا إسترجاعية بسيطة الفكرة والمنهج واللسان والفهم ( // حينما اصل لعمق البحرْ// لم تفاجأني وعورة الطريقْ // اشم رائحة الاسماكْ // العطشَ العطشَ // العفن //) فانتج صورا استرجاعية من تراكيب بسيطة معروفة للوهلة الاولى مستخدما اسلوب تحذيري / توكيدي , ومعنى جديد للموت وهو يكرر لفظة العطش
ولكن لو رجعنا قليلا الى النص ابتداء ( حينما اصلِ لعمق البحر ) اي بحر هذا الذي سيصلي لعمقه وهو في بلد لا يقع على البحر ! أليست هذه الصورة اتساقية مطلقة الرمزية تؤدي بالمتلقي ان يذهب بعيدا بمخيلته وتساؤلاته وتعطيه تأويلات اكثر سعة والتساق رغبة التواصل مع فضاء النص المفتوح تأويلا فالبحر هو العمق وبلده هوعمق آخر وكانه قد استعار عمق البحر ليثبت به عمق بلده , انها من الصور الجزئية التوليدية , كيف يستطيع الشاعر ان يصوغ خيالا جديدة من مزج خيالين في صورة واحدة هما الخيال الاسترجاعي والخيال التوليدي في الجملة الشعرية الاتية (اشم رائحة الاسماك ...العطش العطش ....العفن...) فرائحة الاسماك والعفن من الخيال الاسترجاعي اما العطش الذي يراه وهو في عمق البحر ما هو الا خرق لساني ولد منه خيالا توليديا في جملة واحدة عضوية وهذه من الايحاءات الصعبة الولادة التي قلما تجدها في نص شعري حداثوي
يدفعنا الشلال الى ابعد من ذلك وهو يستدعي من التاريخ مكوناته الطبيعية التي يجد فيها خلاصا من الكونيات الحديثة التي سلبت كل الاحاسيس الجمالية عند الانسان والعودة الى الصفاء الحقيقي حيث التاريخ البكر ( تاريخ.... براري ....كثبان رمال ) , هذا الحنين رسمه الشلال كالصورة السابقة بالممازجة , فما ذكره من خيال استرجاعي مازجه توليديا ( كثبان رمال عاشقة موت بعيد ) فالصورتان متشابهتان من حيث الولادة التجديدية مختلفتان من حيث التأويل
يبدو ان الموت يتداخل في فلسفة الشاعر فينمو في داخله ويستنشقه من واقع يضج فيه فيرسم لنا مقاما عاليا لهذا السلطان الذي لا يُقهر بصورة يقينية مثلى وبطريقة التوليد الصوري , ويؤكد دلالة الجدب بلاغيا حينما استعار( الجدب ) بدل (الهواء) وهو الحياة اراد الشاعر من هذه الاستعارة بيان المبالغة وايضاح المعنى وابرازه ( اتنشق جدبا يقينا يمر من النشيد ... ) بعدها يتحول الى التشبيه بعد ان حذف الاداة (موتا يقينا سنام فالة الاجداد)
يتساءل الشلال في النص سؤالين هما :
مم نحتمي
دهشة ؟
والسؤال الآخر
أرأيت وطنا يشع نومه أرق ؟
وفي السؤالين يجيب الشاعر نصف اجابة ويترك النصف الاخر مفتوح النهاية , يشكل بها نصف صورة يعرضها للمتلقي وكأنه يقول عالج الفراغات الاتية لاكمال صورة الحدث المرتقب , كما وان الملاحظ نهاية الجملة الشعرية غير ساكنة وانما متحركة مفتوحة الاجابة لان الجملة العربية لا تقف على متحرك وهذا دليل على عدم نهاية الجملة عند الشاعر الذي اراد اشراك المتلقي بهمومة واعطاءه الدور الاكبر في ادارة النص .
لكن في النص توجد نهايات مغلقة من خلال التعرف على اواخرها الساكنة المنتهية اولا , ثم اتمام المعنى ثانيا , وانعدام التنقيط ثالثا , واظن ذلك متأت من طبيعة الخصوصيات لدى الشاعر الذي اغلق عالمه بوجه الاخرين وتركه شيفرة تعج بانفعالاته النفسية .
ان العربية من اللسانيات الحية تاخذ وتعطي من جميع اللغات بدليل كثرتها المتأت من اشتقاقها وهذا دليل الولادة المتجددة في تلك اللغة الحية
ان الموسيقى الداخلية للقصيدة النثرية تتولد من مفردات لسانية عالية الطاقة والإيحائية فيها ذات دلالات متعددة ، بالغة التأثير في نفس المتلقي، حيث تتحول المفردة في القصيدة النثرية عالية الاشراق ، الى كم هائل من الدلالات ما تستوفي به جميع خيالاتها وتستوعب انفعالات الشاعر بكل اريحية وحرية ، فاختيار اللسان الشعري بارهاصاته يشكل ميزان الرجحان او عدمه للنص وكفة الابداع اذا رجحت خلصنا بنص قد توفرت فيه محاسن ومقومات القصيدة النثرية واعتقد ان الشلال استطاع ان يستثمر مخزونه اللغوي والذهني بإيجاد صور من موسيقى تركيب النص الداخلي ( // طرقت ابوابنا شيخوخة ../ مرجل يغلي ../ قلق./ تُقتَلُ
ثمة بقايا في غرفة التعذيب ْ // تابوت اسمه../
لا شك ان اللون من الوجوديات التي لها رمزية وحكاية في حياة الانسان , والتوظيف اللوني يحتاج الى خيال متدفق وبوح شفيف وثقافة في معرفة الرمز وايحاء بلسان متمكن وانفعال نفسي عال لانتاج المتعة التصورية .
لقد اتى الشاعر بالالوان الرئيسة ( الاحمر/الازرق/الاخضر) وهي الوان موجودة في الطبيعة لكنه اراد بها المفهوم القرآني بدلالة الجمل الشعرية , وسنقرأ بايجاز .
أرأيت وطنا يشع نومه أرق ؟
فطورُهُ أحمرُ...
يميل لزرقة السماءْ
فرغم الضيق والقلة هنالك بقاء وثبات وصبر وتلك استعارة واضحة بدل الطعام , حتى قيل ان معنى ( الحمار ) هو الثبات تحت الحمل .
مصابيحه هادئة تماما
مزاجه الرمادي...
اراد الشاعر ان يستخلص هدوء النجوم وقراءتها بهذا المزاج المعنوي الناتج عن الانتكاسة في النفس والهبوط السايكولوجي وان كان لونا محايدا الا ان الشاعر لم يجعله كذلك وانما جعل له دلالة اساسية في التوظيف
سجادته الخضراء....
تيارات الهواء السود...
كلنا يعرف مدى تطفل اللون الاسود وهو يمتص جميع الالوان
فجعل كل الايدولوجيات هي تيارات ضارة تاتي بالحاكم المطوق بالذل واللين لها وهو اللون الاخضر
انت لم تعد جزءا
من السماءْ .
في يمك الموغل
سراب ماءْ .
قبضة طوفان
جديدْ.
في هذا المقطع موسيقى خارجية واضحة , فلا نقول هذا خرقا للقصيدة النثرية لان المقطع من جزئيات النص الواحد وعدم انفصاله يوكد تبعيته .
يتقلب الشاعر بتلك الانفعالات والتي ينشد فيها الخلاص لهذا العالم بطوفان جديد على غرار الطوفان الاول والايتاء بعوالم جديدة , ونحن على عتبة نهاية النص نتساءل ان الشاعر في ابتداء النص استخدم مفردة البحر وتعرفنا على مدلولها فماذا يريد باليم في ذيل النص , ولماذ لم يأت بمفردة البحر ؟
نعتقد ان الشاعر أراد تنوع اللفظ فمن حيث ان اللفظتين لغةٌ مدلولهما واحد , كما انه اراد عدم الاستطراد والعود لاول اللفظ ثم ان اليم من المفردات الغير عربية وتطلق بلاغيا ككل على الجزء واطلقها الشاعر بدل البحر لوفرة الماء الكثير الذي تحول من منقذ كما في قصة موسى الى سراب مخادع..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال


.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81




.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما