الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هتك الأسرار بين الفناء والبقاء

آريين آمد

2015 / 4 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


النبوة والتصوف لغزان كبيران لطالما شغلتا أدمغتنا الصغيرة وتركتنا حيارى في حضرة الأسئلة الصعبة، فلم نسمع من قبل من نبي أو من صوفي كلاما عن تجربته ورحلته في البحث عن الحقيقة... لكننا سمعنا وقرأنا الكثير من الشطحات الصوفية.. والفناء في المطلق وبلوغ مراتب عليا من الحقيقة... كالوصول إلى عرش الرحمن كما حصل مع نبينا محمد في معراجه.... واعتراض إقبال اللاهوري على عودته قائلا (لو كنت بداله لبقيت في العرش) .... هذا الاعتراض ربما يمثل اعترافا ضمنيا باستحالة الوصول إلى المطلق بسبب الفواصل البينية الكثيرة (بيننا وبين المطلق) والتي لا يمكن اختراقها ابدأ.
قد يكون سعدون محسن ضمد هو أول المتكلمين عن أسرار التصوف بعد تجربة امتدت لخمسة عشر سنة من عمره ليعلن في النهاية انقلابه التام عن الدين وعن التصوف وتحوله إلى لاديني.... لان ما وجده في نهاية التجربة لم يكن سوى وهم كبير... لذلك هو يقول (الصوفية وهم منذ البداية وحتى النهاية). وهم لا يمكن السكوت عنه لذلك جاءت اعترافاته تحت عنوان (هتك الأسرار).
لكن لماذا حرص جميع الأنبياء وأقطاب الصوفية على إخفاء الحقيقة عنا والاحتفاظ بها كسر عظيم تحت جلباباهم حتى الممات؟؟؟؟ ولماذا قرر سعدون ضمد كشف المستور؟؟؟؟ وإزاء سؤال كبير كهذا....جاءت إجابات سعدون ضمد في هتكه للأسرار بمنتهى الشجاعة والصراحة وبمنتهى العلمية.... وهو اختار أن يخاطب عقلانيتنا ويقدم لنا جملة من الحقائق الثمينة والاستكشافات التي تتعلق بالتصوف والنبوة والوحي والفناء والبقاء.... وهو بهذا قد قدم لنا وللحقيقة خدمة كبيرة لأنه اختصر لنا طريق البحث كثيرا.
رغم أن أساس التصوف يعتمد على تحطيم المنظومة المنطقية لوعي المريد... إلا إن سعدون ضمد ورغم انغماسه الشديد في التجربة وممارسته لأقسى التمارين والرياضات الصوفية بقي محافظا على جزء كبير من منطقيته وجدليته طيلة الرحلة فكان كمن يراقب ذاته، تلك المراقبة ساعدته كثيرا على المضي في التجربة وتجاوز المحطات الصعبة، من خلال الصبر والتحمل والسهر والجوع والعطش وجميع أنواع الرياضات الأخرى التي لم تكن تستهدف سوى تعطيل العقل لديه وتعطيل الجسد لتحرير الروح والانطلاق بها للتأمل في المطلق والسعي نحو التوحيد به فالصوفية هي فعل ناجم عن التوحيدات الثلاثة (توحيد الأفعال وتوحيد الصفات وتوحيد الذات)...
كتاب هتك الأسرار غني في معلوماته المتعلقة بالتصوف وخاصة تلك التفاصيل المرتبطة بكيفية تحقيق التوحيد مع الذات الإلهية مع شروحات وافية لجميع مقامات التصوف مثل (التوكل، التسليم، التفويض، والفناء) ... وجميع تلك المقامات تهدف إلى ضبط الجسد كما في مقام التوبة والزهد... مقامات لابد لكل مريد من هضمها وتحملها... فكل اجتياز لأي مقام هي بمثابة خطوة للاقتراب من المطلق حتى بلوغ لحظة التوحيد معه.... والفناء به.
ولكن هل الفناء في المطلق أمر ممكن؟؟؟؟
هذا السؤال يشكل المحور الأساسي لكتاب (هتك الأسرار)....ويكاد أن يكون الكتاب عبارة عن إجابة لهذا السؤال الخطير... واصل الخطورة فيه نابع من حقيقة إن مصير المنظومة الدينية متوقف على الإجابة عليه بنعم أو لا......لان أصل الدين واصل النبوة والتصوف يبدأ منه.
الفناء في المطلق يعني إمكانية تحقيق النبوة باعتبارها أعلى مرحلة في التصوف.... لكن ماذا عن استحالة تحقيق مثل هذا الأمر؟؟؟؟.
تنبثق أهمية كتاب هتك الأسرار من هنا.... لأنه يجيب بصورة واضحة وصادمة وبدون أي لبس بان الفناء في المطلق أمر غير ممكن من الناحية العملية. من خلال تقديم جملة من الحجج المقنعة والأدلة الواقعية والعلمية والتي تثبت استحالة تحقيق الفناء في المطلق.... ففي لحظة التوحيد يشعر الصوفي بنشوة غريبة... نشوة الإنسان المتألهن... لكنها نشوة لا تدوم كثيرا ... فهي تتبخر لدى أول اختبار لها... فقدرات الصوفي تبقى بشرية ولا مجال للإتيان بالخوارق والحديث القدسي (عبدي اطعني تصبح مثلي تقول للشيء كن فيكن)... لا وجود له... وما موجود هو إنسان حالم... يعيش لحظة وهم كبيرة.... وجميع الأنبياء والصوفية أدركوا تلك الحقيقة وان عاشوا تجربة التوحيد مع المطلق للحظات أو ساعات أو أيام إلا إنهم في النهاية عادوا لبشريتهم ولذواتهم لأنهم محكومين بقوانين الزمكان والفيزياء والكيمياء والطبيعيات.
الصوفي يفني حياته من اجل الحقيقة... وما أن يكتشفها حتى يسقط في الفراغ... فينهار عالمه الذي بناه بالزهد والترفع عن الأشياء والتأمل... السؤال هنا ...ماذا على الصوفي أن يفعل عندما يكتشف وهم الفناء مع المطلق؟؟؟.
الواقع يكشف لنا بأنه ليس هناك سوى خيارين فقط ... فأما السكوت والانعزال عن العالم بفعل الصدمة وهذا نوع من الانتحار العقلي. أو التحول إلى الإصلاح الاجتماعي .... وجميع الأنبياء الذين قرروا الإصلاح الاجتماعي انطلقوا من هدم الدين القديم وبناء دين جديد حسب مقاساتهم ومعتقداتهم وفهمهم...ولأنهم يدركون بأنهم لا يمثلون سوى أنفسهم وما يرونه ليست أكثر من قيمهم هم... ولأنهم يدركون خطورة مثل هذا الدور باعتبارهم ممثلين عن الله... لهذا فان جميع الأنبياء المرسلين قالوا بخاتمية النبوة في محاولة لقطع الطريق عن المدعيين ... ولهذا يظهر لنا التاريخ استحالة قبول نبي قديم بنبي جديد... أو قبول دين قديم بنبي جديد... فلم تقبل اليهودية بالمسيح مثلما لم تقبل المسيحية بالإسلام.
خياران اثنان يفصلان بين الفناء والبقاء ... لكن سعدون ضمد اكتشف خيارا ثالثا... وهو كشف المستور وإعلان الحقيقة.... فليس هناك فناء تام في المطلق وليس هناك أية إمكانية للتواصل مع المطلق بسبب محدودية وعينا وبسبب بشريتنا... وما حصل ويحصل لكل نبي أو متصوف هو تجربة ذاتية يتخللها أوهام وهي ليست في النهاية سوى نوع من الفصام الذهني... (فالنبوة خطيئة إدراكية.... يجب كشفها لتكون في متناول التراكم المعرفي الإنساني.... النبوة خطيئة إدراكية مكلفة وكون النبوة خطيئة لا يأتي فقط من ادعاء النبي تمثيل المطلق وهو ادعاء مبني على خيال جامح ولكن أيضا من كونها تهدر من خلال هذا الادعاء فضاءا من نشاط العقل البشري وتجمد بالنتيجة الكثير من طاقاته).
إن كتابا يحمل هذا القدر من المعلومات ويخضع النبوة والتصوف للتحليل يصلح إن يكون كتابا منهجيا في الكليات الإنسانية التي تدرس المجتمع والإنسان... انه كتاب مهم لكل مثقف يهتم باللاهوت وبالإنسان... مع التذكير دائما بان الأصل في الحياة في النهاية ليس الله بل هو الإنسان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل تتواصل الحركة الوطنية الشعبية الليبية مع سيف الإسلام القذ


.. المشهديّة | المقاومة الإسلامية في لبنان تضرب قوات الاحتلال ف




.. حكاية -المسجد الأم- الذي بناه مسلمون ومسيحيون عرب


.. مأزق العقل العربي الراهن




.. #shorts - 80- Al-baqarah