الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


امرأة مهمّشة ،إنسان مستعبد

رضا كارم
باحث

2015 / 4 / 30
ملف - حقوق المرأة العاملة في العالم العربي - بمناسبة ايار عيد العمال العالمي 2015


تشقّ الواقع في المنطقة العربيّة المتشظّية إلى دول و أجهزة ارتباط ضخمة، رغبات متنافرة حول "مسألة المرأة".
و فيم ترفض القيم الموروثة و الرّمزيّة المهيمنة أيّ دور قياديّ أو محوريّ للمرأة، تتعالى داخل الصّالونات المنغلقة من الدّاخل
و المغلقة رفضا للخارج، أصوات "ليبراليّة" كما تُسمّى في العادة، تبحث عن مساواة ما بين المرأة و الرّجل. و تقتضي تلك المساواة
منحها دورا سياسيّا و تمثيليّا أكبر ، و هذه المطالب في تونس و لبنان صريحة بيّنة للعيان. أو منحها "ورقة نقض" ضدّ زوجة ثانية محتملة، فلا تصحّ زيجة مقبلة دون موافقتها و إقرارها أو حتّى السّماح لها بقيادة سيّارة في الظّلمة القاتمة بالجزيرة العربيّة...
في كلّ الأحوال، ظلّت المساواة مقرونة بم هو موضوعيّ و لم تتمكّن في الخوض في القيم السيميائيّة المهيمنة و المغذّية لإقصاء المرأة بصفتها تلك أي بوصفها مصدرا للرّغبة و جسدا من الشّهوات مثيرا لمجمّع الرّجال المتّقين الرّاغبين عن الجنسانيّة و المنشدّين إلى العمل و العبادة و الورع. فيكون حضور المرأة تحفيزا للشّهوانيّة و الحيوانيّة فيهم، و هم لا يقوون على مغالبة كلّ تحفيز يبدأ جنسانيّا .
نظرة قديمة جدّا للمرأة. ليس بعيدا أبدا عن فهم مماثل، تجسّدت المرأة في أثينا. سلّم أفلاطون للماهيات الجوهريّة الذي وضع الرّغبة أسفل أسباب الحكمة، ربط الرّغبة "بموطن بشريّ" تسكنه و تفوح منه.
لم يكن العرب مختلفين كثيرا عن تلك النّظرة. و حافظ الدّين السّائد على علاقات يستحيل التّفكير فيها أي يُمنع أيّ تفكير فيها، بين المرأة و المجتمع عامّة. و لذلك ، تعمل المرأة في المنطقة العربيّة بالمزارع و الحقول مقابل أجر أقلّ من الرّجل، بحجّة أنّ إنتاجيّتها اضعف. يحصل ذلك في غياب كلّ تأمين اجتماعيّ و صحّي و توفير وسائل التّنقّل الحافظة للكرامة الإنسانيّة.
ففي تونس ، و بحقول جندوبة و باجة و شمال الكاف ، تعمل آلاف النّسوة خارج كلّ تغطية صحّية و كلّ تأمين على الحياة، و لمدد تتجاوز العشر ساعات في اليوم واحد مقابل ما يعادل 7دولارات في أفضل الأحوال. فيم يرصد لتنقّلاتهنّ شاحنات "البيك آب" الصّغيرة، و يشحنّ معا كعلب الطّماطم . و كانت ظروف مماثلة سببا في وفاة عاملات كثيرات سنويّا.
في قلعة سنان وظّف مصنع للوقيد عشرات العاملات لقاء 40دولارا، مقابل 140دولارا للرّجال. و في غياب كلّ تغطية اجتماعيّة
و كلّ تأمين ضدّ حوادث الشّغل أو اعتراف بتلك الحوادث أصلا، و دون ضمانات التّرسيم بالعمل و صرف مقابل ساعات العمل الإضافيّة. و مع ذلك أغلق المعمل أبوابه و ترك العمّال ذكورا و إناثا دون تعويضات .
و إذا كانت ثورة 17ديسمبر قد حرّرت بعض العاملات في المصانع الكبرى بالحاضرة تونس، فنلن زيادات معتبرة في الأجور و احترمت خصوصياتهنّ ، فإنّ ذلك عاد ليُستدرك و تهان العاملة مجدّدا .
و خارج المصانع و الحقول ، ثمّة تمييز من مستوى آخر للعاملة. في الوظيفة العموميّة ، من تعليم و بريد و صحّة و ماليّة ...
تتلقّى المرأة العاملة نفس أجر الرّجل و تأمينه. فالدّولة لا تميّز في قوانينها بين جنسين من البشر. غير أنّ قوانين الدّولة المتعالية
و اكتفاء سلطاتها بتقرير وضع قانونيّ و عدم دعمه ببرامج ثقافية و تعليمية و إعلامية اجتماعيّة و شعبيّة ، حوّل المرأة الموظّفة من إنسان إلى "أجر شهريّ " بنهدين و شفتين و ابتسامة بديعة و شعر غجريّ فاحم السّواد.
فضلا عن تجاهل كامل للمرأة من التّمثيل النّقابيّ رغم حرص التراتيب التنظيميّة على تنفيلها بمقعد في المكاتب التّنفيذيّة النّقابيّة.
و في الحقيقة، تجوهِلت العاملات لسببين متداخلين . الأوّل لانصراف الغالبيّة الغالبة منهنّ إلى العناية بالأبناء و إدارة الشأن العائليّ الخاصّ، و الثّاني شدّة التّنافس بين الذّكور ، و هو تنافس حزبيّ إديولوجيّ بغطاء نقابيّ، ما حيّد دور المرأة، لضعف حضورها
و لابتعادها عن الحزبيّة البيروقراطيّة .
لكنّ حال العاملة في تونس قد يكون أفضل بكثير ممّ هو عليه في بقيّة البلاد العربيّة. و بخاصّة الحال التّشريعيّ الاجتماعيّ المشكّل لدور المرأة و الحاضن لوظيفتها كمحرّك اقتصاديّ و ثقافيّ و سياسيّ.
فالتّحرّش الجنسيّ يالسّعوديّة و مصر بلغ مستويات عالية جدّا هي الأفضع في العالم بعد افغانستان الطّالبانيّة المغتالة.
و هذا يعيد مسألة الدّين و الوعي الدّينيّ السّائد في البلدين، الذي لا يرى المرأة خارج وظيفتها البيولوجيّة. فالزّواج مازال عقد نكاح.
أي "تحليلا باسم الشّريعة لعلاقة حميمة بين رجل و امرأة ليس حتّى مطلوبا أن يجمعهما حبّ و عشق و هيام".
و لعلّ مثل هذا العقل الدّغمائيّ الذي يخشى على فحولته من "العدوانيّة الشهوانية للمرأة" أبرز معطّل و منهك لثورة اجتماعيّة متكاملة و ذات أهداف إنسانيّة مشتركة ، لا تموضع المرأة خارج العقل البنائيّ ، و لا تعتبرها ناقصة عقل و تمنحها نصيبها من الإرث ،
و حقّها في الحياة بكرامة وفق ما تختار لا وفق مشيئة رجل معقّد .
يصعب حقيقة البحث في واقع المرأة العاملة دون بحث الشّروط الرّمزيّة و الموضوعيّة التي أنتجت ذلك الوضع و جعلته سائدا.
فرأس المال يستفيد من فئويّة الواقع و احتقار المرأة ليبتزّها و يشغّلها لمدّة أطول و بمقابل أقلّ و خارج الصّيغ القانونيّة و التّرتيبيّة.
و في بلاد لا احترام فيها للإنسان المفقّر و المهمّش و المحتقر، تستبدّ المافيا و الجريمة المنظّمة بالمرأة، فتوظّفها في الملاهي اللّيليّة حيث تنشط الأهواء البورجوازيّة و تلاحق أجسادا مستعبدة مقابل دولارات توفّر الرّزق المضني.
و بم أنّ القانون الطّبقيّ يمنح رأس المال السّيادة المطلقة دون رقابة قانونيّة ، فإنّ معاناة المرأة أكبر من معاناة الرّجل.
و مع ذلك، فلا يمكن حلّ مأساة الأنثى دون حلّ مأساة الإنسان. فكلّ الحركات النّسويّة تحوّلت إلى حركات شبه فاشيّة ، لا تهتمّ بغير مصالح النّسوة و لو كنّ سيّدات أعمال تشاركن في تدمير واقع المرأة . و العقل النّسويّ الفئويّ ، بات ينتصر إلى كلّ امرأة مهما كان دورها السّلطويّ و الاستبداديّ واضحا و صريحا.
و هو مدعاة تجاوز لهذه التصنيفات الجنسانيّة الرجعيّة و إيمان بالإنسان ذكرا و أنثى و عملا على تحرّره و سيادته على تاريخه.
إنّ التّنظّمات الذّاتيّة التي تتجاوز البيروقراطيّة الحزبيّة و الهرميّة البيّنة فيها، تُعدّ الباب الوحيد الذي تتأسّس عليه مشتركيّة إنسانيّة حقّة، لا تفهم الحياة كشهوة و رغبة و قانون زجر و جزاء إحسان، بل تجيّر كلّ الوسائل لمركزة الإنسان و جعله محور الحياة و هدفها. خارج المقاومة الجماعيّة المنتظمة وفق تعاقدات حرّة لا حزبيّة و لا هرميّة ، لا يمكن انتظار شيء من واقع يسوده راس المال و لوبيات المافيا و الإقطاع. و تحرّر المرأة لايقع بمعزل عن تحرّر الإنسان.
_______________________
رضا كارم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران وروسيا والصين.. ما حجم التقارب؟ ولماذا يزعجون الغرب؟


.. مخلفا شهداء ومفقودين.. الاحتلال يدمر منزلا غربي النصيرات على




.. شهداء جراء قصف إسرائيلي استهدف منزل عائلة الجزار في مدينة غز


.. قوات الاحتلال تقتحم طولكرم ومخيم نور شمس بالضفة الغربية




.. إسرائيل تنشر أسلحة إضافية تحسبا للهجوم على رفح الفلسطينية