الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المرأة العربية العاملة وكوارث العولمة والتهجير

بشرى البستاني

2015 / 4 / 30
ملف - حقوق المرأة العاملة في العالم العربي - بمناسبة ايار عيد العمال العالمي 2015


ماذا آل إلبه حال المرأة العربية بعد ما يزيد على القرن من النضال الدؤوب ضد منظومات القيم المتخلفة من أبوية موروثة وقبلية عشائرية ، وفقهية جامدة لا علاقة لها بروح العدل الاسلامي وسماحة الاديان ..؟
وأين رست مئات التوصيات التي خرجت بها المؤتمرات والملتقيات النسوية وأعوام المرأة الدولية وعقودها المتكررة ..؟ هل وفت ببعض أحلام النساء اللواتي حملن على كاهلهن راية الدفاع عن حامية الديمومة وحاضنة الخصب والنماء ، أم أطاحت السنين العجافُ بذلك الحلم حين يبدو للمتأمل أن المرأة ما تزال هي الأضعف المستلب في النسيج الاجتماعي والأدنى في سلم تكوينه ، وأن تبعيتها للرجل ما زالت هي القاعدة ، لأن العرف الاجتماعي استمر فاعلا ومهيمنا على كل خطى التقدم التي بذلت فيها النساء جهودا جبارة من أجل عبور الحواجز الكونكريتية التي أرساها الزمن أمام انطلاقة النساء ، وأن كوارث أخرى استجدت أمام مسيرة المرأة وخلفت الردات والحروب والتهجير ورفع نسبة البطالة والتشرد وإشاعة اليتم والترمل والفقر والجهل والعوز..!
لعلَّ أول عوامل الكارثة هي العولمة التي ما حسب أولو الأمر عواقبها ودواهيها وخطورتها على شعوب الكرة الأرضية ، وعلى إنسان الدول النامية والبشرية عموما ، وفي طليعتها أقطار الوطن العربي تحديدا ، ولا عملوا على وضع المعالجات التي تقي شعوبهم واقتصادياتهم شرها ومكائدها ، بل انخرطوا فيها وكان أول ضحاياها هو الانسان عموما ، إذ صارت حصيلة استحواذ العولمة على الاقتصاد انقسام الانسانية إلى طبقتين فقط ، خادمة تزيد على 80 % ومخدومة تقل عن 20 % دون استثناء للشعب الأمريكي نفسه الذي يهبط ما يزيد على 35 مليون منه الى مستوى خط الفقر أو دونه ، وكذلك الحال في بلدان أوربا ، فماذا سيقال عن اقتصاد الدول النامية ومنها اقطار الوطن العربي وطبقتها العاملة ودخولها الوطنية . لقد ظهر مصطلح العولمة مع سقوط الاتحاد السوفيتي وانفراد أمريكا بالهيمنة على العالم كونها الدولة الأكثر تفوقا من النواحي الاقتصادية والعسكرية والتقنية. فكانت هيمنتها باعتقاد مفكريها هي نهاية التاريخ حسب فوكوياما ، والعولمة في العربية نسبة الى العالم ، وهي في الأصل ما يحيل على التفاعل والتواصل بين أقطار الدنيا ، لكن ظهورها وممارساتها فيما بعد أظهرت مخاطرها على مجمل الشعوب ، ويرى مالكوم واترز أن العولمة هي عملية اجتماعية يتراجع بمقتضاها تأثير العامل الجغرافي على الترتيبات الاجتماعية والثقافية، إنها كل المستجدات والتطورات التي تسعى بمقاصد غير بريئة ، إلى دمج سكان العالم في مجتمع واحد وهيمنة الوجود العالمي (الأمريكي) على المحلي ، والعمل على إقصاء خصائص الأمم وتراثها وسمات شعوبها أمام خصائص وسمات الهيمنة ، هيمنة دولة كبرى ومراعاة فوائدها وجنى أرباح شركاتها من دماء الشعوب ، بحيث سيطرت على صندوق النقد والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية والشركات المتعددة الجنسية والعابرة للبلدان ، وسيطرت على الإعلام والمعلومات ومنظومات الاتصال ، مما جعل العولمة مصطلحا مؤدلجا ، فهو ليس حياديا ولا بريئا ، وغموضه كان لصالح تمرير ايديولوجية تكرس هيمنة الرأسمالية المتوحشة ودكتاتوريتها على الشعوب ، فقد نتج عن هذه الدكتاتورية أضرار بالغة الخطورة على الطبقة العاملة عموما وعلى النساء العاملات على وجه الخصوص ، وما أزمة الاقتصاد والبطالة التي يعيشها الشباب والشابات إلا ناتج التكيف مع سياسات هذه الدكتاتورية الاستغلالية التي دعت الى الانفتاح أكثر ، والى خصخصة القطاع العام لضمان ما يسمى بالمنافسة الشريفة كما يطرح الدكتور فؤاد الهيلالي في دراسته عن العولمة (الحوار المتمدن) مما يعني تسليم الشركات الوطنية للشركات "المتعددة الاستيطان" ولإزاحة معيقات تحرك الرأسمال الإمبريالي الغربي ، تتم الدعوة إلى سن قوانين عمل جديدة تضمن المرونة في العمل وحق تسريح العمال حسب مصالحهم مما يعمل على ضرب استقرارية العمل وتهديد أرزاق العمال ، والتخلي عن أي تحديد لسقف الأجور بغض النظر عن حياة المواطن ومدى قدرته على الكفاية ، فضلا عن دعوتهم لتحرير الأسعار من أي دعم لمعيشة الفرد في المواد الأساسية مما سيلحق أضرارا بحياة الطبقة العاملة وفي مقدمتهما النساء وعوائلهن ، يضاف لذلك تهديد الشركات الوطنية الصغيرة والمتوسطة بالإفلاس والغلق ، تلك المعامل والشركات التي تمثل نسبة عالية في الصناعات الوطنية العربية ، كونها تقدم فوائد جمة للمواطن وللصناعة الوطنية وغلق أبوابها يلحق ضررا كبيرا بقطاعات واسعة من المواطنين ، مما يؤكد أن عولمة الاقتصاد العالمي وهيمنتها على الاقتصاد في الاقطار العربية ما طرحت مشروعها إلا لحصد أرباح على حساب العامل والعاملة العربية واستغلالا لجهدهم وكدحهم ، لاسيما وأن إنتاج هذه الشركات التي عملت عولمة الاقتصاد على إفلاسها وإقفالها وغلق معظمها هو مورد عون لمجمل الطبقات الكادحة لانها تعمل على الاغلب في مجالات الاغذية والنسيج والجلود ،بمعنى أنها تنتج لتغطية حاجة قطاع واسع من الناس في الغذاء والملابس.

إن كل ذلك يحدث في ظل استسلام البرجوازيات العربية الحاكمة وبرجوازيات العالم الثالث لصالح الشركات المتعددة الاستيطان ، وشركات الاحتكار الامبريالية العالمية وعلى رأسها احتكارات أمريكا التي عاثت بعولمتها بأمن الشعوب البريئة وبحياتها ومستقبلها.
إن حال المرأة العربية اليوم يتفاقم سوءاً وسط تفاقم الإتجاهات اللّيبرالية والتوجه نحو الخصخصة ، وان أي معالجة لأحوالها لن تكون مجدية ما لم تبدأ من الجذور ، من البنية الاقتصادية . ولما كانت البنى الاقتصادية مرتبطة بالسياسة وكانت أمريكا وشركاتها المتوحشة عابرة البلدان مسيطرة على سياسات العالم وعلى موارده الاقتصادية ، وتعمل من عقود على التصرف بقواه البشرية ، فإن الأمر أبعد خطرا من أي تصور يحاول تهوين الأمر أو ينظر الى الأزمة باستصغار ، ذلك أن الأمر مرتبط بالقيم الانسانية ، وبالاستهانة بكرامة الانسان من خلال تحويله لأداة مُسخرة للاحتكار والاستحواذ على المال حتى على حساب حياته ومستقبل أجياله ، حين يكون طريق الربح هو المتاجرة بالسلاح وإشاعة الفتن والحروب والصراعات من أجل إدامة دوران الآلة التي تعمل على سفك دم الابرياء من أجل حصاد أرباح طائلة ، بحيث صارت الصفة الملازمة للحضارة المعاصرة هي كونها حضارة مادية استغلالية متوحشة بعيدة كل البعد عن أي منظومة قيم إنسانية .

أما المعضلة الثانية التي لعبت بحياة المجتمعات العربية وأثرت بشكل خاص على طبقتها العاملة وفي مقدمتها النساء العاملات ، فقد كانت مرحلة الربيع العربي التي خططت لها الامبريالية الأمريكية والصهونية العالمية ، والتي أنتجت دمارا واقتتالا وحروبا لا نهاية لها ، كان آخرها التهجير الذي قلب حياة مجتمعات كاملة من الاستقرار إلى الشتات والضياع والتشظي ، فازداد الفقير فقرا ، وانجر أفراد الطبقة المتوسطة إلى حالة الفقر ، وتفككت الأسر وهُدمت البيوت وسُرقت وحرقت المدارس ونُهبت أجهزة المصانع والمعامل والجامعات والمختبرات ، وآل مصير الطبقة العاملة التي لا تمتلك قدرة على استئجار منزل بسيط للعيش إلى خيمة في العراء ، وهبط مستوى معيشة العمال والعاملات وأسرهم إلى درجة تحت خط الفقر.
لقد لعب التهجير الذي تعرضت وتتعرض له الأسر العربية دورا كارثيا في جر حياة الأسرة المهجرة الى واقع جديد من المعاناة ، ففي دراسة استطلاعية أجراها المركز العربي للأبحاث في لبنان لأكثر من 12دولة عربية توصل فيها الدكتور محمد المصري كما دونت الكاتبة بادية شكاط (موقع المثقف) إلى أنّ الأوضاع العامة للدول العربية بعد الربيع العربي تشير إلى أنّ 37% من الأسر تعيش بحاجة وعوز ، وأنّ أغلبية المهجرين الذين جرى استجوابهم يعتمدون على الإستدانة من الأقارب والأصدقاء أو المصارف لسد العجز في تلبية حاجياتهم، مشيرين الى فاعلية المعونات التقليدية على غيرها ، وضعف المعونات من المؤسسات الإجتماعية، وتدني نسبة العمل التطوعي في الجمعيات الأهلية.

وهذا ما يؤكد القول ، إن التهجير أبعد المرأة عن مواصلة عملها الإنتاجي ، وعرّض دخلها للاضطراب الشديد ، وأفقدها أمن بيتها وسكنها وشعورها بالاستقرار والطمأنينة النفسية لضبابية الرؤية في معالم الغد وضياع المستقبل بأيدي الجهلة من الساسة ، وهو الذي جعلها وأسرتها عرضة لمخاطر الطقس تضربها الريح والحر والبرد والثلج ، وتكتنفها الحشرات السامة والحيوانات من ثعابين وعقارب وكلاب سائبة ، وحرم أولادها من التعليم ، ففي مدينة الموصل العراقية المعروفة بكونها حاضرة علمية وحضارية ومعرفية أُقفلت الجامعات للسنة الثانية على التوالي وحُرم طلبتها من إكمال تعليمهم ، ولم يجد المهجرون الى إقليم كردستان الفرصة لمواصلة التعليم ، فما هي النتائج التي ستعكسها هذه الظروف البائسة على المرأة العاملة ، قوة وخبرات إيجابية ، أم قلقاً وإحباطا وضعفا وانكفاءً ،
ولعل المتتبع لأحوال النساء المنضمات لأنواع الميليشيات الارهابية ، يجد أن هذه الأسباب كانت دوافع أساسية لانضمامهن أرامل ويتيمات ووحيدات لا معيل لهن ممن يشكلن بيئة مستقبلة بعوزها لكل أنواع التدهور النفسي والاجتماعي والاخلاقي ، لأن الأحداث الكارثية التي تعرضت لها الأسرة المهجرة قتلت المعيل أو عطلته عن العمل ، وانتزعت السكن وتركت الأسرة ونساءها وأفرادها غير القادرين على العمل في مهب ريح العوز والجوع والحرمان والعراء.
ان الناظر الى سلم الدخول العالمية يجد أن مستوى نمو دخل الفرد في الوطن العربي -بثرواته الهائلة- خلال العقدين الأخيرين يأتي في المرتبة ما قبل الأخيرة عالميا، أي قبل البلدان الأفريقية ما وراء الصحراء حسب . وفي حال إستمرار الأوضاع على حالتها الراهنة من التردي ، فإنّ المواطن العربي سيحتاج إلى ما يُقدر بمئة وأربعين عاما كما دونت الكاتبة الجزائرية بادية شكاط (موقع المثقف ) حتى يعالج أزمة دخله ومستوى معيشته ، في حين يكفي سكان الدول الأخرى ما لا يزيد على 10 أعوام لمعالجة ما في دخولهم من قصور ، فأي بون شاسع ما بين 10 سنوات إلى 140 عاماً .

ومن الجدير القول ، إن كل تلك المعاناة وذلك الاستغلال يتم في ظل هشاشة القيادات العمالية وضعف مشاركة المرأة العاملة في صنع قراراتها نتيجة قلة نسبة تمثيلها السياسي في صنع القرار في مجالات الحياة كافة ، بدءاً من بيتها وأسرتها ، وهيمنة الفكر الذكوري والعشائري الذي ما زال ينظر لها ولعملها وإنتاجها نظرة دونية ، وما زال منفردا دونها بالقرار ، يؤازره غياب التكوين المتماسك مهنيا وعلميا وسياسيا واجتماعيا ، ذلك الغياب المعضل والمتآمر الذي جعل المرأة العاملة بعيدة عن قيادة نقابتها ومعرضة على الدوام للاستغناء عنها في أي وقت ، فهي كثيرا ما تعمل بعقود دون ضمان اجتماعي ، ولا بطاقة عمل ولا محفزات ، مما يؤثر عليها وعلى عائلتها وأولادها تأثيرا سلبيا ، على مستويات التعليم والصحة وعلى مستوى المعيشة عموما..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صواريخ إسرائيلية -تفتت إلى أشلاء- أفراد عائلة فلسطينية كاملة


.. دوي انفجارات في إيران: -ضبابية- في التفاصيل.. لماذا؟




.. دعوات للتهدئة بين طهران وتل أبيب وتحذيرات من اتساع رقعة الصر


.. سفارة أمريكا في إسرائيل تمنع موظفيها وأسرهم من السفر خارج تل




.. قوات الاحتلال تعتدي على فلسطيني عند حاجز قلنديا