الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خطة اولمرت - لمحاربة الفقر ام محاربة نتانياهو؟

اساف اديب

2005 / 9 / 29
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


يدعي اولمرت ان خطته الجدية لمحاربة الفقر هي اشارة الى تحول جذري في السياسة الاقتصادية للحكومة. لكن في الجوهر تبقى سياسة الخصخصة والقضاء على حقوق العمال على حالها. هدف اولمرت الحقيقي ليس محاربة الفقر بل محاربة نتانياهو على زعامة الليكود.

اساف اديب

قدم وزير المالية الجديد، ايهود اولمرت، مبادرة جديدة تحت عنوان محاربة الفقر. واعلن الوزير عن تشكيل طاقم من الخبراء برئاسة مدير عام وزارة المالية لتقديم اقتراحات للحكومة بهذا الصدد. ومن المقرر ان يقدم الطاقم توصياته الى اولمرت خلال اسابيع ليتم دمجها في الميزانية المقترحة لعام 2006.

جاء اعلان اولمرت على خلفية قيام مؤسسة التأمين الوطني بنشر تقرير الفقر مطلع شهر آب الماضي. واشتمل التقرير على معلومات مقلقة، تشير الى ان 25% من المجتمع الاسرائيلي اي 1،5 مليون مواطن، يعيشون تحت خط الفقر (الذي يبلغ 1700 شيكل للفرد). ويذكر ان نسبة الفقر في صفوف المواطنين العرب حسب التأمين الوطني اعلى، وتشمل 650 الف او 55% من المواطنين العرب.



جوهر سياسة نتانياهو يبقى

خلافا للانطباع الذي يسعى اولمرت لخلقه، يبدو ان خطته الجديدة لا تشمل تغييرا جذريا في سياسة نتانياهو: حجم الميزانية وتوجه الدولة نحو الخصخصة لن يتغير، والاستثمارات الحكومية في خلق اماكن عمل لن تزيد. هناك خطوات معروفة يجب تطبيقها في اطار سياسة اقتصادية تنموية تهدف الى خلق اماكن عمل جديدة:

الخطوة الاولى هي زيادة ميزانية الدولة والاستثمار في مشاريع اقتصادية عامة، تفضيل القوى العاملة المحلية، ضمان اجور مرتفعة نسبيا لتشجيع العاطلين عن العمل على الالتحاق بسوق العمل. في خطة اولمرت لا يرد اي ذكر لهذا التوجه، وواضح من تصريحاته انه لا ينوي باي حال من الاحوال تبني سياسة دولة الرفاه من جديد.

ازاء ذلك يبدو ان الدافع الاول والاهم لطرح خطة محاربة الفقر كان بالنسبة لاولمرت الصراع الداخلي على زعامة الليكود. ويذكر ان استقالة وزير المالية السابق نتانياهو على خلفية الانسحاب من غزة هي التي افسحت المجال لاولمرت لتسلم حقيبة المالية.

ويعتبر اولمرت العدو اللدود لنتانياهو وخصمه الرئيسي في الصراع على خلافة شارون. من هنا يمكن تفسير اعلان اولمرت عن محاربة الفقر فور تسلمه الوزارة محل نتانياهو، كجزء من مسعاه للطعن في سياسة غريمه الاقتصادية التي عمقت الفقر دون ان تحله.

في اعلانه عن الخطة ادعى اولمرت بانه ينوي تخفيض عدد الفقراء بنسبة 33% (من 1.5 مليون فقير الى مليون واحد) خلال سنتين او ثلاث. وتؤكد الخطة على زيادة نسبة المشاركين في سوق العمل وتطبيق خطة مهاليف-ويسكونسين في مواقع اخرى من البلاد، وزيادة الاستثمار في التأهيل المهني، والاهتمام باستيعاب ايد عاملة من اليهود المتدينين والعرب الذين يعانون بطالة خانقة.

التركيز على الوضع المتأزم في التجمعات العربية دفع اولمرت للقاء اعضاء الكنيست العرب (الثلاثاء 13/9)، لمناقشة خطة مهاليف ويسكونسين ومشروع الميزانية لعام 2006. في اللقاء الذي شارك به النواب محمد بركة، عزمي بشارة، جمال زحالقة وغالب مجادلة، تبين ان اولمرت يحاول استدراج الاحزاب العربية الى اطار التحالف السياسي الجديد الذي يحاول ان يبنيه شارون، وذلك دون ان يقدم أي تنازل حقيقي بما يتعلق في الامور الجوهرية التي تخص العمال العرب.

خطة مهاليف ويسكونسين ستبقى وكذلك حجم الميزانية لعام 2006، كما اقترحها نتانياهو. وبكلمات اخرى، لا ينوي اولمرت انفاق ميزانيات اكبر على خلق اماكن عمل او زيادة المخصصات، بل يحاول الحفاظ على مصداقية اسرائيل امام اوساط المال الغربية التي ثمّنت عاليا سياسة نتانياهو التقشفية وتقليصه لميزانيات الرفاه. التناقض بين تصريحات اولمرت الاجتماعية الرحيمة وبين الواقع، يبقى ثابتا.



اين المواطنون العرب؟

اهتمام وزير المالية الجديد بوضع الجماهير العربية، ولقاؤه النواب العرب، جاءا دون استعداد حقيقي لاتخاذ اجراءات ملموسة لمعالجة مشكلة الفقر والبطالة في الوسط العربي. في تصريحاته يعترف اولمرت بان العرب واليهود المتدينين هما المجموعتان اللتان تعانيان من نسبة مشاركة قليلة في سوق العمل، وبالتالي من حالة فقر مزمنة. لكن عند الوصول الى الخطوات التي يجب اتخاذها، ليست هناك اقتراحات ملموسة وجدية تشير الى تغيير السياسة تجاه العرب.

موضوع استيراد العمال الاجانب الذي يعتبر عقبة رئيسية امام اعادة العمال العرب الى بعض الفروع الاقتصادية، مثل البناء والزراعة والخدمات، غاب تماما عن خطة اولمرت. حسب التخطيط لسنة 2006 سيبقى عدد العمال الاجانب المرخصين على حاله.

في هذا المجال يمكننا ان نقارن خطة اولمرت بخطة معالجة الفقر التي قدمها اتحاد الصناعيين، والتي تنص على انفاق 2.5 مليار شيكل سنويا لمدة خمسة اعوام (حتى عام 2010) في مشاريع تهدف الى خلق اماكن عمل جديدة. ذكرت خطة اتحاد الصناعيين بان المبلغ المقترح (2.5 مليار) يوازي 0.7% من الميزانية، وهي النسبة المقبولة في الدول الصناعية. اقتراح اولمرت يقل عن هذه النسبة، مما يثبت عدم جديته في محاربة البطالة والفقر.

اضافة لذلك اكدت خطة اتحاد الصناعيين على ضرورة التخلي تماما عن العمال الاجانب في مجالي البناء والزراعة خلال ثلاثة اعوام، الامر الذي سيزيد عدد العمال الاسرائيليين ب27 الف عامل، وبالتالي سيؤدي الى انخفاض البطالة بنسبة 1%. اهمية هذه النقطة لا تقتصر على فرص العمل الجديدة، بل سيكون لها تأثير على ارتفاع اجور العمال بسبب غياب المنافسة غير العادلة مع العمال الاجانب. ولكن طالما يمتنع اولمرت عن معالجة موضوع العمال الاجانب، فلن يتمكن من محاربة الفقر.



عمال وفقراء

جزء كبير من الفقراء هم عمال يتقاضون اجورا منخفضة لا تسمح لهم بالخروج من دائرة الفقر، الامر الذي تتجاهله خطة اولمرت. تقديم مشكلة الفقر على انها نابعة فقط من البطالة، وبان خروج العاطل عن العمل الى العمل سيضمن له تلقائيا الازدهار الاقتصادي، خاطئ من اساسه.

البروفيسور تسفي زوسمان، الذي شغل سابقا منصب نائب عميد بنك اسرائيل، اشار الى ان "نصف الفقراء في اسرائيل يعملون، وهم يعانون من الفقر ليس بسبب البطالة او كبر سنهم بل بسبب اجورهم المنخفضة.." (Ynet، 12/12/2004). حسب زوسمان، "النمو الاقتصادي لا يؤدي الى تقليص الفوارق الاجتماعية، والنمو الذي كان في اسرائيل في السنة الاخيرة خلق اماكن عمل جديدة، لكن جزء بسيط منها فقط كان في مجالات العمل غير المهنية".

احد الاقتراحات التي اوردها اولمرت في هذا المجال كان "ضريبة الدخل السلبية"، او زيادة اجر العمال الذين يتقاضون اجورا منخفضة من خلال ضريبة الدخل، التي ستعوض تلقائيا العامل ذا الاجر المنخفض مثلما تجبي من العامل ذي الاجر المرتفع. هذا الاقتراح، الذي يبقى قيد البحث حتى اليوم، تحول الى موضع جدال.

رئيس الهستدروت، عمير بيرتس، عارض الفكرة وحذر من نتائجها الخطيرة لانها "ستضفي الشرعية على اصحاب العمل الذين يدفعون اجورا تقل عن الحد الادنى للاجور"، وطالب بيرتس برفع الحد الادنى للاجور بدل ابقاء الزيادة رهينة بايدي اصحاب العمل. (هآرتس 12/9). مؤسسة "ادفا" للابحاث الاجتماعية اصدرت كراسا حول المسألة، اعلنت فيه معارضتها للفكرة على اعتبار انها تكرّس الفقر.



العمل المنظم الحل للفقر

في ظل سياسة العولمة، يصعب تطبيق اقتراحات مثل تشجيع القوى العاملة المحلية، اخراج الناس من دائرة البطالة، وتشجيع اصحاب العمل على تشغيل العمال المحليين. في السنوات الاخيرة رأينا اغلاق خطوط انتاج عديدة في مصانع بسبب المنافسة مع البضائع الرخيصة في بلدان اخرى. الطبقة الحاكمة الاسرائيلية التي تسعى الى توفير البيئة المريحة لرأس المال للاستثمار في اسرائيل، تستفيد من انخفاض الاجور بفضل المنافسة مع العمل الرخيص، حتى ولو ادى ذلك الى افقار الطبقة العاملة.

الوسيلة لضمان حقوق العمال ورفع اجورهم، تكمن في قوة العمال المنظمين انفسهم. هذا الامر اكده زوسمان حين كتب ان "زيادة الفقر وانخفاض الاجور هما نتيجة ضعف الهستدروت وضرب العمل المنظم في اسرائيل، الامر الذي افسح المجال امام شركات القوى البشرية باعتبارها اداة لتكريس الاجر المنخفض للعمال غير المهنيين او العمال الشباب او كبار السن والنساء والمهاجرين." (المصدر السابق)

اذا كانت هناك اشارة ايجابية في السنوات الاخيرة بالنسبة لامكانية خروج العمال من دائرة الفقر، فهي اليقظة الجديدة لحقوق العمال التي تجسدت في بروز اطر وجمعيات جديدة، وفي النقاش حول الموضوع في الصحف والرأي العام.

ازاء سلبية الهستدروت وعجزها عن تبني الحركات المطلبية للعمال الاجانب والعمال العرب وعمال القوى البشرية، هناك بوادر لتنظيمات مستقلة اخرى، منها جمعية معا النقابية، والتي تشكل الارضية لبناء حركة نقابية جديدة تضمن لكل عامل حقه بالعمل مقابل اجر محترم يمكنه من الخروج من دائرة الفقر وتحقيق التقدم الاجتماعي والاقتصادي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا خصّ الرئيس السنغالي موريتانيا بأول زيارة خارجية له؟


.. الجزائر تقدم 15 مليون دولار مساهمة استثنائية للأونروا




.. تونس: كيف كان رد فعل الصحفي محمد بوغلاّب على الحكم بسجنه ؟


.. تونس: إفراج وشيك عن الموقوفين في قضية التآمر على أمن الدولة؟




.. ما هي العقوبات الأميركية المفروضة على إيران؟ وكيف يمكن فرض ا