الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أداء المعارضة الجزائرية في ضوء -مبادرة الإجماع الوطني-... ضبابية الرؤية، تضارب الآراء، الفرص الممكنة.. والمخاطر المحدقة

عصام بن الشيخ
كاتب وباحث سياسي. ناشط حقوقي حر

(Issam Bencheikh)

2015 / 5 / 10
حقوق الانسان


 أداء المعارضة الجزائرية في ضوء "مبادرة الإجماع الوطني"...
ضبابية الرؤية، تضارب الآراء، الفرص الممكنة.. والمخاطر المحدقة

**********************************************

"الجزائريّون.. شعب متحمّس، وقادة حذرون"

حسين آيت أحمد، زعيم حزب القوى الاشتراكية، أقدم حزب سياسيّ معارض للسلطة في الجزائر [[1]]


مقدمة:
    دخل البرلمان الجزائريّ بغرفتيه أجواء تعديل الدستور، بعد تسلّم رؤساء:  المجلس الدستوريّ، مجلس الأمة، والمجلس الشعبيّ الوطنيّ، للوثيقة النهائيّة للدستور الجديد، وبداية التحضير لجمع أعضاء غرفتي البرلمان للمصادقة على نصّه "دون مناقشة"، كما حدث خلال التعديلين الدستوريين السابقين سنة 2002 و2008، في ظلّ رفض واضح للمعارضة السياسية لهذه الوثيقة، واتهامها للسلطة، بـ: "التثاقل" في تقديمه للطبقة السياسية والبرلمان، قبل تحقيق توافق بين أجنحة  النظام، حول القضايا الهامة ذات العلاقة بمسائل: نوع النظام السياسي المقترح، تعيين نائب لرئيس الجمهورية، صلاحيات رئيس الجمهورية ونوابه، صلاحيات رئيس الحكومة، صلاحيات المؤسسات الدستوريّة خصوصا السلطتين التشريعية والقضائية، وغيرها من المسائل الخلافية الأخرى.
    يعكس هذا التطوّر الهام، التعهّد الرئاسي الذي تضمنّه خطاب أداء الرئيس عبد العزيز بوتفليقة اليمين الدستوريّ يوم (الاثنين 28 أبريل 2014)، بفتح ورشات الإصلاح بهدف مراجعة الدستور، تعزيزا للوفاق الوطنيّ وتحقيق ترسيخ ديمقراطيّ، يدعم الحكامة واستقلالية القضاء، يقضي على الفساد والبيروقراطية، ويزيد من مستويات المشاركة السياسية للمواطن، ويدعم الخطط الأمنية والتنموية التي تراهن على تحقيق أمن ورفاه الجزائريين، وصيانة حقوقهم الدستورية، والدفاع عن ثوابتهم الوطنية (الإسلام، العروبة، الأمازيغية)، وحماية خياراتهم القوميّة، وفي مقدمّتها "المصالحة الوطنية".[[2]]
    عرفت الوثيقة الدستورية الجديدة تحت قيادة لجنة المشاورات الرئاسية، برئاسة السيد أحمد أويحي الأمين العام الأسبق لحزب التجمع الوطني الديمقراطي RND، تنظيم 114 لقاء مع شخصيات سياسية وحزبية وجمعوية ونقابية وطنية، وتلقّى 30 مساهمة كتابية لاقتراحات تخصّ إثراء نصّ الدستور الجديد، كان قد سبقها في المشاورات السياسية التي قادها رئيس مجلس الأمة الأمين العام الحالي لحزب التجمّع الوطني الديمقراطي السيد عبد القادر بن صالح، استقبال أكثر من 250 شخصية سياسية وحزبية، في ظلّ مقاطعة تاريخية للمعارضة [[3]]. وتعيين "لجنة الخبراء"، التي قادت عملا شاقا لترجمة مبادرة الرئيس للإصلاح السياسي في (15 أبريل 2011)، إلى نصوص قانونية صوّت عليها البرلمان، لتتحوّل إلى قوانين إصلاحية فعّالة، أطّرت الحياة السياسية عشية الانتخابات التشريعية والرئاسية، سنتي 2012 و 2014.
    وجّه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة خطابا رسميّا للشعب الجزائريّ، بمناسبة إحياء ذكرى عيد النصر (19 مارس 2014)، تضمنّ رسالة شديدة اللهجة تجاه قوى المعارضة، لتذكيرها بما يخوّله له القانون من صلاحيات، تمكّنه من التعامل بقوة وحزم مع حراكها السياسيّ "التهجّميّ"، على إثر اتّهامه لها بنشر الخوف والذعر في أوساط المواطنين، وانتهاجها ما أسماه: "سياسة الأرض المحروقة"، باستخدام التظاهر والاحتجاج غير المرخّص، رفقة "قوى مدنية مشبوهة"، تسعى – باستمرار- لحرمان السلطات، من مباشرة حقّها في استغلال الغاز الصخريّ في منطقة الجنوب الجزائريّ. وتذكّر هذه الرسالة الرئاسيّة المفاجئة، بمضمون رسالة سابقة للرئيس، جاءت بمناسبة إحياء الذكرى الــ: 43 لتأميم النفط في (24 فبراير 1971)، دعا فيها المواطنين إلى: "الثقة في الحكومة، بخصوص استغلال الغاز الصخريّ"، وحذّر فيها أحزاب المعارضة من الاستغلال "غير العقلانيّ" للشارع، بغرض إحداث الفتنة، أو التشكيك في "وطنيّة مسؤوليي الدولة"، في مظاهرات المعارضة، بالجزائر العاصمة والمدن الكبرى.
    وعلى الرغم من الربط بين ملفيّ احتجاج قوى المعارضة وملف الغاز الصخريّ، في المناسبتين، غير أنّ هذا "الربط التام" مستجدّ زمنيّا، حيث اصطفّت - قبل ذلك - أحزاب المعارضة، لتشكل جبهة موحّدة في سياق مشاركتها في رئاسيات (2014)، حين قرّرت مجموعة الأحزاب السياسية المقاطعة للانتخابات الرئاسية الجزائرية لـ: (17 أبريل)، تأسيس تنسيقية وطنية من أجل الحريات والانتقال الديمقراطيّ CLTD، استطاعت أن تحشد تحالفا مكونا من عدّة أحزاب سياسيّة معارضة، أحدثها، تلك الناجم اعتمادها عن صدور القانون الجديد للأحزاب والانتخابات 2012، والذي فتح الباب أمام ظهور العديد من الأحزاب الجديدة في الساحة الجزائرية (أكثر من 25 حزبا سياسيا جديدا). وأقدمها، تلك التي تقودها شخصيات سياسية مخضرمة، عاشت نضال المطالبة بالتغيير، خلال الحقبتين "الواحدية"، و"التعدّدية السياسية"، - وكان بعضها جزء من فريق عمل الرئيس بوتفليقة نفسه، خلال العهدات الأولى من حكمه للبلاد؟؟ -، لتشكّل معا، أوّل جبهة موحّدة للمعارضة، منذ نجاح الرئيس بوتفليقة بالظفر بعهدة رئاسية رابعة، اكتسح فيها جميع منافسيه، وفي مقدّمتهم، السيد علي بن فليس (أخطر منافس للرئيس بوتفليقة في الانتخابات الرئاسية الأخيرة).
    تخفي الصراعات العلنية الحالية، حيثيات تقديم مشروع سابق، كانت قد دعت إليه جبهة القوى الاشتراكية FFS، أقدم حزب سياسيّ معارض في الجزائر، والتي بادرت بدعوة جميع القوى السياسية من الموالاة والمعارضة، إلى حضور "ندوة الإجماع الوطنيّ"، لتحديد خارطة طريق لانتقال ديمقراطيّ حقيقيّ في البلاد. وتعكس تلك المبادرة، طرحا سابقا تقدّمت به شخصيات سياسية وحقوقية بارزة، مبادرة رئيس الحكومة السابق مولود حمروش، مبادرة المحامي والحقوقيّ مقران آيت العربي، ومبادرات أخرى لصحفيين ومثقفين آخرين، من أجل تحريك جمود الحياة السياسية، وخلق "سلطة مضادة" تساهم في إعادة الحركية للحياة السياسية، وتفعيل السلطة التشريعية، وإعادة الاعتبار للسلطة القضائية. وتجدر الإشارة إلى أنّ الحياة السياسية تشهد غياب رجلين هامين، عبد العزيز بلخادم الأمين العام الأسبق لحزب جبهة التحرير الوطنيّ، وأحمد أويحي الأمين العام السابق لحزب التجمع الوطنيّ الديمقراطيّ، وقد كان للرجلين دور هام في "عقلنة" الحياة السياسية، وانضباطها، خلال العهدات الثلاث للرئيس بوتفليقة.
    تؤدّي القضايا الخلافية المطروحة أمام الرأي العام، إلى زيادة التوتّر في الحياة السياسية، واستخدام تلك المسائل في الصراع بين أحزاب الموالاة والمعارضة، مثل: قضية الإضراب في قطاع التربية، مسائل الفساد السلب والكسب غير الشرعي، غليان الشارع حيال الغاز الصخري، قانون الأسرة وقضايا المرأة، تعديل قانون العقوبات، مضامين تقرير أمنيستي أنترناشيونال بخصوص الجزائر،.. وغيرها من القضايا التي تتعاطى فيها الأحزاب السياسية، بطريقة "سفسطائية" عبر وسائل الإعلام، دون تغيير الواقع الذي تفرضه الهيئة التنفيذية، التي تشرّع دون امتلاك سلطة، في غياب واضح للهيئة التشريعية المعطّلة، منذ عقدين، وتشرذم النخبة في فضاءات لا تتناسب مع مقتضيات المرحلة الراهنة.     

   وبناء على ما تقدّم بالإمكان طرح التساؤل التالي، لتلخيص الهدف من هذه الورقة البحثيّة:
    هل تبحث المعارضة السياسية في الجزائر، عن تغيير يؤدّي إلى وصولها إلى السلطة؟، أم أنّ حراكها هو مجرّد تفكير في خلق "سلطة مضادة"، تدعم البناء المؤسسيّ للدولة على الصعيد الداخليّ من أجل إشراكها في الحياة السياسية؟.     
    وسيكون مناسبا، طرح الأسئلة التالية، للاقتراب كثر، من تحليل الظاهرة المدروسة، على النحو التالي:
    هل هنالك اتفاق بين أقطاب الطبقة السياسية الجزائرية بأنّ الجزائر بحاجة إلى وفاق وطنيّ جديد؟، وهل يجب أن تعترف بها الحكومة "وجوبا"، أم أنّ للأخيرة حقّ رفض أرضية تنسيقية المعارضة؟.
    كيف آلت ترتيبات الحياة السياسية الجزائرية إلى غياب تامّ للحوار بين السلطة والمعارضة، ولجوء الأخيرة إلى الشارع، لإجبار السلطة على إشراكها في ترتيب مستقبل السلطة؟، ولماذا تصرّ جبهة المعارضة على اتهام السلطة بالتضييق عليها، ورفض التغيير، على الرغم من دعوتها الصريحة لتعديل الدستور؟، هل تستهدف تنسيقية المعارضة اتهام السلطة بالتعالي على مبادرة الحوار والوفاق الوطنيّ؟.
     ما سرّ تأكيد استطلاعات الرأي لرضا الجزائريين على أداء الحكومة، مقابل إيحاء المعارضة بوجود حالة غليان شعبيّ رافض لنمط التسيير السلطويّ للقضايا الاقتصادية والاجتماعية المختلفة؟.
    هل تضلّلنا المعارضة السياسية بطرح مبادرات تعكس أطروحات "نخبة من الواعظين السياسيين" المحالين على التقاعد؟، أم أنّها تطرح "مشروعا وطنيا حقيقيا"، وهو ما يبرّر ردّة الفعل القوية من قبل أحزاب المولاة، المدافعة عن مشروعيتها السياسية؟

   يمكن الإجابة على إشكالية هذه الورقة البحثيّة، انطلاقا من الفرش النظريّ التالي، الذي سيشكّل تأصيلا لقياس أخطاء وانحرافات المعارضة، في مقابل "استحقاق" دورها المطلوب، الذي تضمنه الدساتير والقوانين، ومحاولة فهم أسباب حراك المعارضة الجزائرية، في ضوء المعطيات المحيطة بالساحة السياسية الجزائرية، على النحو التالي:

المقاربات التنظيرية المفسّرة لظاهرة "المعارضة السياسية":
الاعتراض والاحتجاج... "حقّ، واجب...، ومسؤولية":

    تقول الدراسات التأصيلية حول مفهوم "المعارضة السياسية/ L’Opposition Politique"، أنّ وجود معارضة دستورية متوازنة في أيّة دولة، هو ضمان لاستقرارها السياسيّ والاجتماعيّ، لتشكيل معارضة سياسية "قوية/ غير هزيلة"، ذات نفوذ جماهيريّ، تستحوذ على ثقة المواطنين، وتمتلك قبولا من قبل المجتمع، تقوم على "صفة الشرعيّة"، التي تبرّر "أحقّية" ممارسة أدوراها ووظائفها تجاه السلطة. (شرعية "المعارضة"، في مقابل مشروعية "السلطة الحاكمة"). [[4]]
    يعرّف أحمد زكي بدوي، في معجم المصطلحات السياسية، "المعارضة" بأنّها: "النقد الذي توجّهه الأحزاب التي هي خارج الحكم" [[5]]، ويعرّف الباحث أحمد سعيفان في قاموس المصطلحات السياسية والدستورية، "المعارضة السياسية"، بأنّها: "تستخدم للدلالة على الأحزاب السياسية والمجموعات التي لم تحصل على الأغلبية في الانتخابات، والتي تناضل من أجل استلام السلطة، وتمارس عملها بشكل طبيعيّ ضمن الإطار القانونيّ والمؤسّسيّ، لكنّها تنمو أحيانا خارج النظام السياسيّ الذي ترفض قواعد لعبته (التطرّفيّة السياسيّة)، لتؤّسّس لمعارضة من خارج البرلمان"[[6]]، وتعرّف موسوعة المفاهيم والمصطلحات الانتخابية والبرلمانية المعارضة أيضا، بأنّها: "مفهوم يشير إلى الأحزاب السياسية أو التجمّعات السياسية التي تكون على خلاف كليّ أو جزئيّ مع الحزب الحاكم، أو الحكومة أو النظام السياسيّ برمّته، وتشير أيضا إلى الأحزاب السياسية التي تختلف مع سياسات الأغلبية، إزاء موضوع محدّد، أو مع توجّهاتها، بالكليّة. حيث تتكتّل المعارضة لتشكّل قوة ضغط على الأغلبية".[[7]]
    يعتبر الباحث القانونيّ والسياسيّ جيل بادي/ Gilles BADET، أنّ ظهور مفهوم "الأغلبية / الأقليّة"، قد خدم ظهور مفهوم المعارضة السياسية، حيث تحتاج الكتلة الغالبة/ Bloc Majoritaire إلى كتلة أقلّ منها، لتناظرها في مرآة الحياة السياسية، وتقوم بمراقبتها ومحاسبتها La Majorité Contrôlée par L’Opposition. ويشترط بادي لتأكيد "وجود المعارضة السياسية"، إعلان الأحزاب السياسية المعارضة عن "هويتها"، وإطارها التنظيميّ، وتسجيل التحالف الحزبيّ المنشئ لها، بشكل رسميّ، طبقا لما تنصّ عليه قوانين مأسسة العمل الحزبيّ، لتحديد أسباب ومقاصد ظهور المعارضة، حتى يتمّ تسجيل ذلك من قبل وزارة الداخلية، قبل أن تصدر كلّ هذه المعلومات بشكل رسميّ في الجريدة الرسميّة. ويؤكّد بادي على الشرطين الأساسين للاعتراف بالمعارضة السياسية، والخوض معها في سبل الخروج بإجماع وطنيّ للخروج من الأزمة، والتأكيد على مصداقية وشرعية مطالبها السياسية: [[8]]
     ــ تعريف و"تحديد هوية" قادة المعارضة، من الأحزاب السياسية، نواب البرلمان، الكتل البرلمانية، الشخصيات السياسية الوطنية، قادة النقابات والحركات الجمعوية، ويعني ذلك "تمييز واستكشاف قوى المعارضة السياسية، والتعرّف على انتماءاتها وتوجهاتها الإيديولوجية، وبرامجها السياسية"، مع تأكيده على "تصريح المعارضة" بهذه المعلومات، علنا.
    ــ اشتراط عدم قبول أيّ عضو في جبهة المعارضة، أيّ موقع أو منصب سياسيّ سام، مهما كانت أهميته، على مستوى السلطة التنفيذية، ويعني ذلك "رسم حدود الدور المعارض"، وعدم خلطه بأّيّ دور للموالاة، والعمل على مأسسة "الدور المعارض، والمؤسسة الحزبية المعارضة"، وتمييزها عن المجموعات المقصاة Les Groupes Ecartées من الحياة السياسية، (فاقدة الاعتراف، والشرعية).
     ولا ينكر جيل بادي أنّ المعارضة تدمج بين قواعد ومبادئ مكتوبة وأخرى افتراضية، لتحديد دورها ومسؤولياتها السياسية، في إعلان رفض سلطة أحزاب الأغلبية المشكّلة للسلطة، ومحاولة استقطاب الجماهير لاستعراض قدرتها التمثيلية، حيث يقول:
     Le statut de l’opposition peut être défini comme l’ensemble de «toutes les règles…de nature diverse…, écrites ou non écrites…, [soit un texte juridique qui déterminent les] droits et obligations, prérogatives et sujétions, [moyens et responsabilités] permettant à l’opposition d’exister et [d’assumer sa fonction d’alerte, de critique et d’alternative à la majorité qui exerce le pouvoir d’É-;---;-----;---tat]». Il s’agit d’une exigence démocratique.
    كما ينطلق الباحث هاستينغ ميشال/ Hastings Michel من فكرة التعاقد "الافتراضي" بين الحاكم والمحكوم، للحديث عن تعاقد جديد، بين الموالاة والمعارضة، لخلق "آلية تعاون انتخابيّ بين السلطة والمعارضة" تجعل الأخيرة تساهم في بناء قوة الدولة، آلية تنسّق العملية السياسية على نحو يسمح بتشفير مؤسساتيّ للدور المعارض La Codification Institutionnelle du Rôle [[9]]، كما يتحدّث الباحث يفاز سورال/ Surel Yves  عن دور المعارضة من داخل البرلمان، ودور أحزاب المعارضة في تقديم الأسئلة والمكتوبة لأعضاء الحكومة، ومشاركتها في المداولات والمناقشات وغيرها، ويعتبرها الأساس لدراسة المعارضة السياسية من خلال الوثائق السياسية، ومنهج تحليل المضمون. كما يحدّد سورال ثلاثة أبعاد لدراسة المعارضة: (الوضعية والمكانة/ Position، الوظيفة والدور/ Fonction، الحراك والدينامية/ Mobilisation)، ويعتمد سورال على سلسلة من العوامل التفسيرية: (البعد المؤسسي، الديناميات السياسية، تأطير الدور المعارض قانونيا، الموضوعية ورفض التوظيف من قبل السلطة)، ويوافق سورال على الرأي الذي ينسب لظهور مفهوم "الأغلبية/ الأقلية" ظهور مفهوم "المعارضة"، وتبريزها بشكل واضح. [[10]]
    أمّا بخصوص الجدل القائم بين السلطة والمعارضة حول تشريع القوانين، يقول جون جاك روسو/ Jean Jack Rousseau، في مؤلفه الشهير العقد الاجتماعي: "إنّ من يضع القوانين هو خير من يعرف كيف تنفّذ وتفسّر، وبذلك قد يبدو أن ليس هناك أفضل من دستور تتّحد فيه السلطتان التشريعية والتنفيذية، ..، فليس من الخير أن يكون منفّذ القوانين هو واضعها، ولا أن يشغل مجموع الشعب باله، بالمسائل الخاصة، على حساب السياسة العامة"[[11]]، ويتحّدث روسو في هذا السياق، عن "خلق سلطة مضادة/ Contre Pouvoir"، تقوم علاقتها بالسلطة على فكرة التشاركية والتبادلية، وصولا إلى تحقيق "الاعتماد المتبادل"، لدعم شرعية المؤسسات والنظام السياسي نفسه، حيث أنّ "في معارضة قوية، دعم لأسس نظام سياسيّ قويّ"، ويعمل النظام على تقوية المعارضة، وتعمل المعارضة على تقوية النظام السياسيّ، دفاعا عن هيبة الدولة، وتناغم القوى السياسية ومؤسسات الدولة.
   تحدّث عالم السياسة والقانون، الفرنسيّ موريس دوفرجيه/ Maurice de-Verger، عن مفهوم الحزب القادر/ المعصوم/ السامي/ المحاط بالتبجيل والاحترام الخاصّ/ الحزب المتفوّق/ فوق الانتقاد/ لا نقاش حوله/ غير المعرّض للمزاح أو الهزء/ المحاط بنطاق القدسيّة، ويتعلّق الأمر بالأحزاب الأحادية في الأنظمة الدكتاتورية الشمولية، التي لا تقبل المعارضة [[12]]. وبمقارنة بسيطة مع الأحزاب "غير القابلة للنقد" في الأنظمة التي تعتمد على الديمقراطية الشكليّة "ديمقراطية بدون ديمقراطيين"، سنجد أنّ نفس الصفات تتكرّر في الحالتين –تقريبا-، مع فارق اختلاف الإطارين الواحديّ والتعدّدي الحزبيّ شكلا ومضمونا.
    كما يتحدّث دوفرجيه عن ظهور دور التحالف بين الأوليغارشية الاقتصادية (مالكي وسائل الإنتاج، وحلفائهم من التقنيين والإداريين)، مع أحزاب الموالاة، أو المعارضة، بغرض تحريك الحياة السياسية وفق مصلحة القطاع الخاص، حيث كانت الأوليغارشية القديمة تطالب الدولة بعدم التحرّك، أو أن تظلّ غائبة قدر الإمكان، أما الرأسمالية الجديدة فهي تطالب بالعكس، بدولة قوية ونشطة، قادرة على تنظيم سير الاقتصاد، والحفاظ على النموّ "فبسلطة قوية، مع معارضة قوية أيضا، يتحقّق هذا الهدف". [[13]]
    يقول المفكر السياسيّ الفرنسيّ، الكونت ألكسي دو-توكفيل Alexis De-Tocqueville، (1805 – 1859)م، أنّ "المجتمعات الإنسانية، مثلها مثل الأفراد، لا يمكن أن تصبح ذات شأن إلاّ بممارسة الحرية"[[14]]، والمعارضة إذ تدافع عن حرية نشاطها السياسيّ، انطلاقا من سعيها إلى التذكير بدورها ّالضروريّ" في توجيه النقد لسياسات السلطة، فهي تسنتد إلى حقّ الاختلاف في الرأي، والحقّ في الاعتراض على أسلوب السلطة في إدارة الحكم، ومنعها من الاستبداد بالرأي، ورفض مصادرتها للحقوق والحريّات، سواء بالاحتجاج السلميّ أو التقاضي لدى الجهات الدستورية العليا والمؤسسات، دفاعا عن هذا الحقّ.
    يشترط على المعارضة، أن تكون واقعية، وأن تقدّم "حلولا مناسبة" لـ: "مشكلات حقيقة"، وأن تكون موضوعية في تقديم "اعتبارات منطقية" في دفاعها عن الصالح العام، فالمعارضة الدستورية هي التي تمتلك منهجها القانونيّ في الحوار والمواجهة بالسبل السلمية، من أجل بلوغ أهدافها في وضع حدّ لأخطاء الحكومة، والسعي لتصحيحها، المنهج القانونيّ لذي يتيح لها التقاضي أمام جهات مؤسسية دستورية محايدة، للبتّ في المسائل والقضايا التي تطرحها تجاه السلطة.
    وعليه، يجب أن تبدو المعارضة كتنظيم مستقلّ وجدير بالاحترام، قادر على تحمّل المسؤولية، وتقديم برنامج سياسيّ أفضل من برنامج "أحزاب الموالاة/ السلطةّ"، وعدم الاكتفاء بتوجيه النقد لسياسات الحكومة، وإثارة سخط السلطة الحاكمة، وإثارة أو تأليب الجماهير عليها، لاختلاق أزمات سياسية "مفتعلة". فالهدف النهائيّ من دور المعارضة، هو العمل على تقليل التدخّل المفرط للحكومة في شؤون المواطنين، والسعي إلى منع السيطرة السلطويّة التامة عليهم.
    يميّز أحمد السعيفان بين ثلاثة أشكال من المظاهرات التي تقوم بها المعارضة السياسية، المظاهرات "المحرّكة" التي تسعى إلى فرض رهان أو قضيّة تخفيها اللعبة السياسيّة لتطرحها أمام الرأي العام وتجبر بها السلطة على التفاوض، المظاهرات "الروتينيّة" التي تسمح للتنظيمات السياسية بالتذكير بصفتها التمثيلية واختبار قدراتها على التعبئة الجماهيرية وتذكير السلطة بوزنها السياسيّ، ومظاهرات "الأزمات الاجتماعية" التي تسمح بالدفاع عن قضايا اجتماعية تضغط من أجلها الحركات الاجتماعية وتخشى المعارضة أن تغطّي على شرعيتها السياسيّة، عبر الرسائل المطلبية الشعبيّة "غير الحزبيّة". وعليه، تتظاهر الأحزاب المعارضة حتى لا تقع في مشكلة "اللاّمعنى": الاكتفاء بدور "المعارضة من أجل المعارضة"، المعارضة الموسمية المعارضة الطفوليّة، المعارضة الهزيلة، أو تبعية المعارضة الحزبية للأطر النقابية أو الجمعوية، أو الشعبية، بحثا عن الشرعيّة [[15]]. كما أنّ عليها أن تدرك في المقابل، مخاطر ممارسة المعارضة الراديكالية "الضارّة"، التي تهدف إلى "شيطنة الخصم السياسيّ"، وفرض الخطاب غير العقلانيّ، والمراهنة باستقرار المجتمع، دون نسيان المعارضات الانفصالية ذات الأدوار التقسيمية، كالمعارضة الإثنية، المعارضات الأقلويّة والطائفية المسلحة.. وغيرها.
    أمّا المعارضة الشعبية العفوية، في إطار تأسيسي الحركات الاجتماعية، فهي ظاهرة "قديمة-مستجدة"، تعبّر عن مقتضيات عصر جديد من التمثيل الشعبيّ الناجم عن مخاطر تراكم  "نواقص الديمقراطية التمثيلية وعيوبها"، إذ تحاول بعض الدول اعتماد مقاربة الديمقراطية التشاركية لدعم تجربتها الديمقراطية من خلال فكرة التساهمية والقرب والجوار..، وغيرها من العلاجات "المجتمعيّة الهادئة"، لتفادي المواجهة المباشرة مع المواطنين الغاضبين في الشوارع. غير أنّ لجوء الأفراد للشارع، هو مؤشّر على فشل مؤسساتيّ وحزبيّ وجمعويّ ونقابيّ ذريع، لعدم القدرة على تكثيف السلطة داخل الأطر سابقة الذكر، وتجنّب الصراعات المباشرة، والتقلبات الشعبوية "غير القانونية"، وهي مسؤولية للمعارضة، قبل أن تكون مسؤولية لأحزاب السلطة.
    يعتبر الباحث السياسيّ الأمريكيّ الراحل صاموئيل هنتجتون، أنّ معارضي فكرة الحزبية، من داعمي الاتجاهات الشعبية، وفئة غير المؤمنين بأهمية قيام بناء يجمع بين القادة السياسيين والشعب، تؤدّي إلى خلق ذعر زائف وشغب واضطراب سياسيّ يخرج المواطن من الأطر الحزبية إلى الشارع، ممّا قد يزيد من احتمالات فتح الأبواب للنفوذ الخارجيّ والفساد، ويجعل إدارة البلاد خاضعة لسياسة وإرادة بلد آخر. [[16]]
    وإذ نعيش ما يسميّه المفكّر الاقتصاديّ المصريّ، جلال أمين: "عصر الجماهير الغفيرة/ The era of Masses"، فإننا إزاء ظاهرة أخرى، تحاول أن تعارض سياسات الحكومات، ضمن السياق الاجتماعيّ المطلبيّ العالميّ، ولا يعني ذلك – بالضرورة- استقواء الجماهير بالخارج، بل اتساق حراكها مع حراك الحركات الاجتماعية المشابهة لها، دعما للقضايا ذات البعد الاقتصاديّ والاجتماعيّ "الكوسموبوليتانيّ"، التي يتمّ طرحها على المستوى العالميّ.
    ونلفت النظر، قبل الانتهاء من هذا الطرح النظريّ، إلى مسألة خطيرة، تتعلّق بالترويج "غير العقلاني" للخطابات المعارضة عبر وسائل الإعلام التي لا تلتزم "بالشرف المهنيّ" تجاه قضايا الصالح العام، حيث تؤدّي الرسائل الإعلامية المعارضة للسلطة، إلى الترويج لصورة سوداوية عن الواقع السياسيّ، لكسب مواطن لديه القابلية الكافية للرأي المنتقد، والتشكيك في مصداقية الخطاب الرسميّ حول الحزم حيال قضايا الفساد، وجديّة الإصلاحات، في الوقت الذي يقتضي فيه الدور الإعلاميّ، حيادا موضوعيا، يبعد المواطن عن المسائل الخطيرة التي تمسّ بأمن الدولة وهيبتها، ولا تجعل السلطة في صراع مباشر مع سلطة شعبية "غير سياسية/سوقية" تحاول المعارضة السياسية، أن تخلق من خلالها، "درعا بشريا" للتغطية على عجزها عن تنظيم صفوفها الداخلية، وفشلها في تنظيم الحوار مع أحزاب المولاة، ضمن الأطر الشرعية المؤسسة: الحزبية والبرلمانية.

أولا: منطلقات إدارة الرئيس بوتفليقة للدولة الجزائرية:
المصالحة الوطنية، التماسك المؤسساتي، الجهود الإصلاحية... وتعديل الدستور:

    لم تشكّل المعارضة في التجربة السياسية الجزائرية أيّ خطر في حقبة الواحدية السياسية، حيث لم تكن الصراعات حول "الشرعية التاريخية/الثورية" تشكّل خطرا على السلطة طوال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، فقد غلبت الصراعات القيادية على الزعامة التاريخية مما أثّر على مواقف هذه المعارضة المتفرّقة، التي لم تكن تمتلك برنامجا سياسيا قادرا على منافسة البرنامج التنمويّ الوطنيّ التنمويّ للرئيس الراحل هواري بومدين، في ظلّ أوضاع دوليّة تشجّع على الصراع الأيديولوجيّ أثناء فترة الحرب الباردة.
    غير أنّ المعارضة الإسلامية والأمازيغية على الصعيد الداخليّ كانت أخطر بكثير، لأنّها تنطلق من الأبعاد الثقافية والخصوصيات العرقية والدينية، إذ أنّ تعبئة الجماهير حول فكرة القومية والدين، تشكّل أخطر المداخل لانتقاد سياسات سلطة الحزب الواحد، وهو ما أدّى إلى تخفيف الضغوط للسماح بتأسيس هذه التيارات لـ:  "أحزاب سياسية"، بما يساعد على احتواء المعارضة، وتسهيل مراقبة تحرّكاتها، تحت إطار "التعدّدية السياسيّة"، التي تتناسب وتتسق مع أوضاع دولية جديدة، تفرض من خلال ظاهرة العولمة، محاولات "استقواء" الأحزاب والمنظمات المدنية، بالخارج، كلّ حسب توجهاته الليبرالية، الاشتراكية، الإسلامية... وغيرها، كما حدث مع اجتماعات "الحوار حول التغيير" من جينيف 2008 ][17][، أو "العقد الوطني" ][18][، في اجتماع كنيسة سانت ايجيديو 1994  ][19][. مع تسجيل امتعاض الجزائريين من المعارضين الماكثين في الخارج، لممارسة معارضة "إعلاميّة" بعيدة عن واقع الجزائريين وهمومهم الحقيقية، في مقابل الاعتراف للذين مكثوا في البلاد وقاوموا مع الشعب ظاهرة الإرهاب والتطرّف الدينيّ، بأنّهم أفضل ممثّل للتيارات الحزبية المعارضة للسلطة. ][20][
    وبالتعويل على التغيّر الجيليّ للمعارضة، يكشف السوسيولوجيّ السياسيّ ناصر جابي، بعينه الثاقبة، ملاحظته الذكية، لخصوصيات المعارضة الجزائرية، بقوله: "المعارضة الجزائرية لا تورّث، الكلفة الغالية للاعتراض الدائم، التي أفنت عمر أجيال سابقة من المعارضة دون تغيير، تجعل المعارضة الجديدة تقرّ، بأنّ تضحية جيل واحد سابق، كافية جدّا لتغيير إستراتيجية العمل السياسيّ، خشية الوقوع في حالة البرودة السياسية، فالمعارضة تتطلّب "طول البال"، وهي ليست مهمة جيل واحد بل عدّة أجيال، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ الإطار القانوني الذي يمنّي المعارضة بحقّها في طلب التغيير، ما هو إلاّ غطاء، لأنّ المعارضة غير مقرّر لها الوصول إلى الحكم مطلقا، وفكرة التداول السلمي على السلطة غير واردة تماما".[[21]]
    أشرف الرئيس الجزائريّ الأسبق اليامين زروال، على عقد ندوتين لـ: "الوفاق الوطنيّ" سنة 1994، حاول الطرفان الأكثر تطرّفا آنذاك منعهما من الاكتمال: جبهة الإنقاذ المحضورة، والتيار الاستئصاليّ الحزبيّ بقيادة حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية RCD وبعض الشخصيات السياسية الحليفة لها، لكنّ الرئيس زروال نجح في "الدفاع عن هيبة الدولة"، وفي إقرار استمرارية التعدّدية السياسية في دستور 1996، والعودة من حالة الفراغ الدستوريّ إلى بناء مؤسساتيّ جديد، مع أكبر قدر من الشركاء السياسيين، وهو ما يعني أنّ سياسة الرئيس بوتفليقة استمرار للنجاح وليست استمرارا للفشل. وإذ نستخلص من ذلك الدرس "القريب"، أنّ التطرّف لا يمكن له أن يقود الجزائريين إلى الحلّ، فإنّنا لا نقرّ من ناحية المبدأ، أنّ ما تراه المعارضة السياسية "انسدادا" يقتضي "حتمية التغيير"، هو كذلك بالضرورة، لكنّه – قد - يعتبر دليلا على "نزعتها التنافسية"، وافتقادها "للبعد التعاونيّ"، ومحاولتها تجاوز الإقرار بالهزيمة الانتخابية، وافتقاد الشرعية، ومحاولة إلصاق تهمة فشلها بتدخّلات وزارة الداخليّة.
    شكّل تتويج الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة بمنصب الرئاسة في (أبريل 1999)، "صفقة تاريخية" لقدوم شخصية وطنية جامعة، استطاعت أن تجمع المتناقضات في "كتلة تاريخية" تدعم مبادرته للسلم الأهليّ، باعتباره شخصية سياسة محايدة، لم تكن طرفا في الأزمة السياسية حول نتائج الانتخابات سنة 1991. ويرى الباحث الجزائريّ رابح لونيسي، أنّ المؤسسة العسكرية أدركت أنّ "تموقع الجزائر في النظام العالميّ الجديد"، بحاجة إلى رجل يمتلك قدرات عالية على الصعيد الدوليّ، لإعادة الجزائر إلى مكانتها الدولية المستحقّة، وأنّ رئاسة بوتفليقة للبلاد "فرصة" تاريخية يجب ألاّ تضيع. ][22][
     ففي رئاسيات 1999، التي شارك فيها فرسان أدركوا أنّ للمؤسسة العسكرية مرشّحا مسبقا، استقرّ رهان المعارضين على المشاركة – كرهان أساسيّ-، لتعويد الجزائريين على "دورية الموعد الانتخابيّ، تعدّدية الاختيار، تحريك جمود الحياة السياسية"، ومع مرور العهدة الرئاسية الأولى انتهى الرئيس بوتفليقة إلى مرحلتين من خطته لبلوغ "العفو الشامل"، غير أنّ الطريق كان وعرا، في اختبارين شعبيين صعبين، ويتعلّق الأمر بمبادرة الوئام المدنيّ سنة 2000، ومبادرة المصالحة الوطنية سنة 2005، التي ترجمت إلى نصوص قانونية صارمة، عملت على إحاطة "المصالحة" بتقديس يمنع أيّ تصريح أو رفض لخيار السلم، الذي استفتي عليه الجزائريون. ومع بلوغ رئاسيات (أبريل 2004)، حدث انشقاق في الطاقم الحكوميّ للرئيس، حيث انفصل حليفه السيد علي بن فليس الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطنيّ، وقال عبد الرحمان بلعياط القياديّ في جبهة التحرير آنذاك، أنّ "الجيش لم يشأ أن يضع كلّ بيضه في سلّة واحدة". ومع بلوغ الرئاسيات الأخيرة، التي سبقها تعديل دستوريّ هامّ، قام بفتح العهدات الرئاسية سنة 2008، وعدم تحديدها بعهدتين رئاسيتين فقط، عرفت المؤسسة العسكرية تشويشا، جعلها لا توافق على تزكية أيّ من المترشحين للانتخابات الرئاسية، ورفضت أن توصف بـ: "الصامتة الكبرى"، مؤكّدة على حيادها التامّ، واحترافيتها المؤسسية، ودستورية مهامها المحدّدة.   
    رفض الرئيس بوتفليقة، التشكيك في وطنية مؤسسة الجيش الوطنيّ الشعبيّ وجهاز الاستعلامات، وهو ما تضمّنه خطاب شهر (فيفري 2014)، بمناسبة الاحتفال بـ: "اليوم الوطني للشهيد"، حيث فنّد الرئيس بوتفليقة في خطابه، صحّة الأطروحة التي تزعم "وجود صراع داخلّ في المؤسسة العسكرية"، ورفض المزاعم التي تروّج لخروج دائرة الاستعلامات والأمن DRS عن صلاحياتها القانونية، معتبرا هذه المزايدات تطاولا على المؤسسات الدستورية للبلاد، داعيا المخابرات إلى مواصلة مهامها كجزء لا يتجزأ من الجيش. وفسّر الرئيس ما يكتب في الإعلام – حينها-، بأنّها خطة تستهدف ضرب العلاقة بين هياكل الجيش ورئاسة الجمهورية، معتبرا أنّها "مسالك ملتوية" تشجّع على التناحر والفتنة، لأنّها تستتر بمبدأ "حقّ الحرية في التعبير"، لكنّها تستلهم سرّا من مصادر معادية للجزائر. وطلب من الجميع "حتميّة العودة إلى الضمير الوطنيّ والتسامي على كافة أشكال التوتر، وترجيح قم السلم والمصالحة الوطنية" [[23]]، وذكّر الرئيس بوتفليقة بأنّ ما قام به من إعادة هيكلة للمؤسسة العسكرية، باعتباره رئيسا للجمهورية وزيرا للدفاع الوطنيّ، وقائدا عاما للقوات المسلحة، كان مقرّرا منذ سنة 2006، وهو ما حاولت بعض الأطراف المعارضة، أن تجعله "قرينة" لوجود أزمة داخل مؤسسات الدولة، مستندة إلى تصريحات السيد عمار سعداني الخطيرة بهذا الصدد.
    كما تقدّم الرئيس بوتفليقة بمسودة للدستور الجديد، تضمنّت تعديلات هامة [[24]]، عقب اعترافه بحتمية الإصلاح تزامنا مع التحولات التي فرضتها ثورات الربيع العربيّ على الصعيد الإقليميّ. وتسجّل مراكز الأبحاث مؤشرات فشل خطير في بعض المستويات. مع ذلك فإنّ اتهام السلطة بـ: خلق حياة سياسية مصطنعة، والتغطية على اقتصاد مفكّك، ونسيج اجتماعيّ منهار، والإعلان عن محاكمات صورية للقضاء حول قضايا الفساد.. وغيرها من الاتهامات المبالغة للسلطة، بأنّها تقوم بـ: "إلهاء الرأي العام"، هو ظلم وتجنّ واضح، وتبخيس للجهود المبذولة من قبل مؤسسات الدولة، التي تواجه وباعتراف واضح، التحديات التي تقابلها على الصعيد الاجتماعيّ، كملفات السكن والمياه والبطالة.. وغيرها، والعديد من التحديات الداخلية، بخطط تنموية هامة، وأغلفة مالية ضخمة، ومواجهة تحديات أمنية خطيرة تتعلق بالأمن والتهديدات الإرهابية الناجمة عن مخاطر انهيار دول مجاورة للجزائر، كليبيا ومالي.

ثانيا: بيانات مولود حمروش ومبادرة حزب جبهة القوى الاشتراكية..
أفضل مرشد ديمقراطيّ، لأقدم حزب سياسيّ معارض:

    أصدر السيد مولود حمروش، رئيس الحكومة الجزائريّ السابق ــ مهندس إصلاحات دستور 1989، وأحد الفرسان التسعة المرشحين لرئاسيات (أفريل 1999)ـــ في (فبراير 2014)، بيانين سياسيين هامين [[25]]، يمكن اعتبارهما، أوّل مبادرة جادة لتنظيم أحزاب المعارضة، والبحث عن سبل تحقيق إجماع وطنيّ حول حياة سياسية جديدة، تحمل تغييرات جذرية، تنطلق من وفاق وطنيّ جديد مبني على ثلاثة ركائز: (الهوية ــ المشروع الوطني ــ أمن البلاد)، حتى تتمكّن الطبقة السياسية من تحقيق توافق على: طبيعة الحكم، نمط إدارة المجتمع الجزائري، توزيع السلطات، تعزيز أركان الدولة، وضع أدوات الرقابة الدستورية، حماية الدستور، ضمان الدستور للحريات، وورد في بيان السيد حمروش مايلي:
   "إنّ مكونات مجتمعنا لا يمكنها أن تتناغم اليوم مع ممارسة سلطات سيادية بدون سلطات مضادة. كما لا يمكنها أن تتلاءم وممارسة سلطات عمومية أو مهام غير عادية بدون تفويض قانوني وبدون رقابة. إن هذا التناغم وهذا التلاؤم من صميم مصلحة الجزائر وأمنها ومن مصلحة كل الجزائريين وأمنهم ومن مصلحة كل مناطق البلاد وأمنها. هذه شروط تمكن جيشنا الوطني الشعبي من القيام بمهامه بكل يسر ونجاعة وتمكن مؤسساتنا الدستورية من الاضطلاع بمهامها ودورها في الوضوح".[[26]]
    يقدّم السيد مولود حمروش أفكاره السياسة في شكل محاضرات، تستلهم منها جبهة القوى الاشتراكية فكرة الإعداد لمؤتمر الإجماع الوطنيّ، وترتكز فكرة السيد حمروش، على حاجة البلاد إلى بناء مؤسسات جديدة تعمل بآليات الرقابة القانونية والديمقراطية، التي تعكس تطلعات المجتمع، لحلّ مشكلة وجود برلمانيين دون برلمان، ووجود وزراء دون حكومة)، نتيجة تغيب تعديلات 2008 الدستورية لصلاحيات رئيس الحكومة والبرلمان، التي أنتجت "هيئتين تشريعية وتنفيذية"، لا "سلطتين تشريعية وتنفيذية".
    يؤكّد حمروش على أنّه المسؤول الأول عن صياغة دستور 1989 وأحد أهمّ الشخصيات الوطنية المساهمة في إثراء وثيقة دستور 1996، وأنّه لم ولن يقبل العودة إلى دستور 1976 (الواحديّ)، رغم رغبته في الوصول إلى مشروع وطنيّ تنمويّ شبيه بالمشروع "البومدينيّ"، يكون خاليا من الإيديولوجية، وغير مستبعد للقوى السياسية المعارضة.
    يقرأ مولود حمروش السياق الدوليّ وعدم إمكانية وقوع انقلابات عسكرية في دولة عصرية مثل الجزائر، بوصفها دولة محورية قانونيّة راشدة تنشط بفعالية من داخل مؤسسات الاتحاد الإفريقيّ،- فالجيش الجزائريّ مطعّم ضدّ الانقلابات العسكرية كما يصف السوسيولوجيّ شفيق مصباح- ، وهو مؤسسة أثبتت انضباطا كبيرا بالتزامها بنصّ الدستور، وعدم التدخّل في الشأن السياسيّ، ونظرا للمناورات التي تستخدمها جميع أطراف الطبقة السياسية في صراعها الداخليّ الشرعيّ من أجل الوصول إلى السلطة،  فهو يدعو الجيش إلى عدم السماح بدكتاتورية جديدة خارج الجيش، ويذكّر بالدور البطوليّ للجيش الوطنيّ، الذي تصدّى للازمة الأمنية، ولا يزال يتصدّى للتهديدات الإقليمية، انطلاقا من انضباطه المؤسّييّ.
    شخصية سياسية ثانية، تتقدّم من حين إلى آخر، بتصريحات مثيرة، رئيس الحكومة الأسبق، السيد: سيد أحمد غزالي، حيث أثار لقاؤه بوزير الخارجية الأمريكيّ جون كيري، حفيظة الطبقة السياسية، حيال التحادث مع طرف أجنبيّ، قبل أن يفنّد غزالي تحادثه مع كيري حول الحياة السياسية الجزائرية، وتأكيده على حصرها في الحديث عن "المسألة الإيرانية"؟؟ [[27]]، وبعيدا عن هذا "اللقاء اللغز؟؟"، تبدو تصريحات غزالي المفاجئة من حين إلى آخر، شبيهة بأطروحة مولود حمروش حول التغيير، باستثناء تحوّل غزالي إلى "واعظ سياسيّ" عكس مولود حمروش، التي تبدو مبادرته في الواقع "جوهر مبادرة الإجماع الوطني" الذي تقدمت به "جبهة القوى الاشتراكية FFS"، وتحاول أن تحشد حولها المزيد من الدعم السياسيّ.
    كما يتهم رئيس الحكومة السابق أحمد بن بيتور أحزاب الموالاة بمحاولة توريط أحزاب وتنظيمات المجتمع في "ثقافة الفشل"، حتى لا ينتظم المجتمع المدنيّ، ولا يحاول أن يكون منبعا لتصورات وبرامج سياسية بديلة للتغيير، في سبيل البحث عن "عقد علنيّ"، يقوم على تقديم المصلحة العامة على المصالح الخاصة للأفراد، ويؤدّي إلى تحرّر النخب والمثقفين من القيود والضغوط السياسية والإدارية، والاحتكام إلى الضمير والحقّ والعدل، حتى يخرج الجزائريون أنفسهم من "الحالة القدريّة" واللامبالاة، نحو المواطنة الفاعلة واليقضة والوعي السياسيّ.[[28]]
    وكثيرة هي الأطروحات "النخبويّة"، التي تدور في نفس الفلك، تظهرها المقالات التي كتبها ساسة أو حقوقيّون على درجات عالية من الحنكة السياسية، أمثال: كريم يونس [*]، أحمد بن بيتور، أحمد طالب الإبراهيمي، مقرآن آيت العربي [*]، عبد اللطيف بن أشنهو، شفيق مصباح، عابد شارف، سليم صالحي، ... وغيرهم، والتي تقوم على فكرة "إعادة أخلقة المجتمع" وفق برنامج نهضويّ بعيد الأمد، يقوم على ركائز تضمن تحقيق ثوابت "بيان أول نوفمبر" (غير القابلة للتنازل)، لتؤكّد على استمرار قداسته "بشكل مستديم جيليّا"...، وتكشف كتابات هؤلاء السياسيّين، مشكلتين كبيرتين: الأولى تتعلّق بالعنف اللفظيّ لبعض الشخصيات المعارضة، والثانية تتعلّق بـ: "سبات النخب" وعدم رغبتهم في المقامرة برصيدهم السياسيّ، أو المخاطرة بواجهة "الكمال" التي عملوا على صناعتها طوال عقود، لمجرّد الاستجابة للإغراءات الشعبويّة، التي تسعى لإيقاظ "الرغبات السلطوية في أعماقهم"، كما حدث في المطالبة الشعبيّة بمشاركة الرئيس الأسبق اليامين زروال في الاستحقاق الرئاسيّ لـ: (17 إبريل 2014)، مع التذكير بالطبع، بمشكلة كبر سنّ نخبة هذا الجيل، حيث أنّهم كوادر سياسية في نهاية العمر "السنّيّ، والوظيفيّ" (Fin de Carrière)، مع التذكير بالطبع، بأزمة الأحزاب السياسية "غير القابلة للتشبيب" والتجديد الجيليّ بعد.

ثالثا: استراتيجيات التنسيقة من أجل الحريات والانتقال الديمقراطي CLTD:
الضغوط المركزّة، وشراسة شركاء السلطة السابقين..

    عرفت تجربة المعارضة خلال فترة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة (أبريل 1999 – أبريل 2015)، عدّة تحولات، منها أنّ بعض الأحزاب المعارضة اليوم، قد شاركت في تشكيل حكومات سابقة، وقرّرت الانسحاب منها، لكنّ قرار الانسحاب لم يكن بالأمر السهل، لأنّه أدّى إلى حركات تصحيحية، ومطالبات بتغيير قيادات هذه الأحزاب، وعصيان للمحازبين الراغبين في البقاء كوزراء وانسحابهم من أحزابهم الأصليّة، وكان ذلك كفيلا بكسر أحزاب كبيرة، كحركة حمس (حركة مجتمع السلم) التي انشق عنها عمار غول مؤسس حزب تاج (تجمّع أمل الجزائر)، وعبد المجيد مناصرة مؤسّس حزب التغيير، إضافة إلى الوزير بن بادة، الذي رفض الائتمار بقرار مجلس شورى حركة حمس مقاطعة التشكيل الحكوميّ، سبق ذلك انشقاق كلّ من خليدة تومي وعمارة بن يونس عن حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، وانشقاق الطاهر بن بعيبش عن التجمع الوطني الديمقراطي، وانشقاق أنصار علي بن فليس عن حزب جبهة التحرير الوطنيّ، والحركات التصحيحية التي حدثت في حزبي النهضة والإصلاح لرغبتهما في المشاركة في السلطة بعد استبعاد الشيخ عبد الله جاب جاب الله مؤسس حزب العدالة والتنمية، وانشقاق كريم طابو عن جبهة القوى الاشتراكية.. وغيرها، ويذكّرنا ذلك أيضا بانشقاق الوزير محمد مرّاني عن الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحلّة.
    تزعم أحزاب المعارضة أنّ السلطة قد عملت على كسر الأحزاب المعارضة وهيئات المجتمع المدنيّ، الذي يفترض به العمل على بقاء المجتمع السياسيّ أكثر قوة وثباتا تجاه التحديات الخارجية، فالمجتمع المدنيّ الرديف، تعرّض لانقلابات داخلية وتفكيك يشبه الحملات التصحيحيّة التي قسّمت الأحزاب السياسيّة وعملت على إضعافها[[29]]. لكنّ الملاحظ أنّ غياب الولاء الحزبيّ لهذه الشخصيات، جعلها "تحترق عمليّا" وبشكل متتابع، لدى النظام أولاّ، ثمّ من قبل أحزابها الأصليّة، ولدى الرأي العام أيضا، وأنّ ظاهرة "العزل السياسيّ" تحدث عمليّا في الجزائر، وبشكل مستمرّ، لكلّ الشخصيات السياسية التي لا يعكس وجودها، برنامجا سياسيا قويا، لشريك سياسيّ حزبيّ معترف له بالجدارة، والتغلغل الاجتماعيّ، والتجذّر السياسيّ، و"المناعة" أمام التحديات القانونية التي تضعها وزارة الداخلية في شكل اختبارات حقيقية لقوة الأحزاب السياسية، أمام القضاء. ذلك أنّ الوقفات المحتشمة أمام ساحة البريد المركزيّ، إضافة إلى إقامة أحزاب المعارضة للجامعات الصيفية، لا يكفي لحشد المناضلين أمام القوة المالية والسياسية لأحزاب الموالاة، التي تسيطر على الحكم منذ 15 عاما.
    لا يمكن أن نمرّ بسرعة دون التذكير بدور ظاهرة التحالف الرئاسي (الترويكا الحاكمة) خلال العقد الأول من حكم الرئيس بوتفليقة للبلاد (1999 – 2010)، أي الفترة التي سبقت اندلاع ثورات الربيع العربي، تميّزت هذه الفترة بحكم ثلاثيّ لأحزاب (جبهة التحرير الوطني بقيادة عبد العزيز بلخادم، التجمع الوطني الديمقراطي بقيادة أحمد أويحي، حركة مجتمع السلم حمس بقيادة أبو جرة سلطاني)، فبقدر ما أدّى هذا التحالف إلى تركيز الحكم بيد 03 أحزاب في المولاة ووجود 06 أحزاب في المعارضة، لم تشكّل الأحزاب التسعة أيّ خطر على الرئيس بوتفليقة، وأدّى الاستقرار الوزاريّ، إلى اتهام أحزاب الترويكا "التحالف الرئاسي" بخنق الحياة السياسيّة واحتكار "الصواب السياسيّ" [[30]]، والانغلاق التامّ على المعارضة، كان هدف سياسات تلك المرحلة تقوم على: تحقيق الاستقرار، تعميم السلم والمصالحة الوطنية، إطلاق برامج تنموية تساعد على تحقيق السلم الاجتماعي، إخماد الحركات الاحتجاجية بشراء السلم الاجتماعي عن طريق رفع القدرة الشرائية للمواطن.
   لكن، بعد اندلاع ثورات الربيع العربي مطلع السنة 2011، تفكّك هذا التحالف من ذاته بتغيّر قياداته، في ظلّ وضع جديد، يميّزه انفتاح أكبر على الأحزاب السياسية الجديدة، والانفتاح الإعلاميّ، والسماح بتأسيس جمعيات جديدة ودعم المجتمع المدنيّ، فقد اختفى كلّ من عبد العزيز بلخادم وأحمد أويحي وأبو جرة سلطاني، وخلفهم في مناصبهم القيادي: عمار سعيداني، عبد القادر بن صالح، عبد الرزاق مقري، وافتقدت الأحزاب الثلاثة لخطاب التقارب، الذي كان سائدا في الماضي، وسادت النزعة التنافسية بينها.
    التقت الأحزاب المعارضة في لقاء بمقرّ حركة النهضة يوم (الثلاثاء 17 أبريل 2014)، وقرّرت تغيير مسمّى "تنسيقية الأحزاب والشخصيات الوطنية المقاطعة للانتخابات الرئاسية لـ: 17 أبريل 2014"، إلى "التنسيقية من أجل الحريات والانتقال الديمقراطيّ/ CLTD" La Coordination pour Les Libertés et La Transition Démocratique، ويبدو الأمر وكأنّه تصغير للتنسيقية، واقتصارها على الأحزاب السياسية، وفصل الشخصيات الوطنية، وتركها كخلفية من الواعظين السياسيين، حتى تتولى الأحزاب المعارضة تنفيذ أفكارها المطالبة للتغيير، وعينها على الانتخابات التشريعية المقبلة 2017.
    ورد في نصّ مشروع "أرضية الندوة الأولى للحريات والانتقال الديمقراطي" الصادر عن مؤتمر فندق مزافران يوم (الثلاثاء 10 جوان 2014): "هذه الأرضية تعتبر فرصة للحوار بين جميع القوى السياسية بما فيها الأطراف المستحوذة على السلطة، للوصول إلى وفاق وطني يرسخ ويؤطر الانتقال الديمقراطي إلى حين تجسيد وانتخاب مؤسسات ديمقراطية في ظل شرط وحيد يضمن تساوي جميع الأطراف، وضِمن قواعد يتمّ تبنّيها بالإجماع.، ..، يتطلب نجاح الانتقال الديمقراطي وفاقا وطنيا، يعتمد التفاوض بين جميع الأطراف بشكل يضمن تأطير وتأمين هذا المسار للوصول إلى وضع مؤسسات شرعية ومنتخبة ديمقراطيا وذات مصداقية، عبر آلية أساسية، وهي تعيين حكومة انتقال ديمقراطي توافقية تسهر على تجسيد الانتقال الديمقراطي" [[31]]، الغريب أنّ كلّ من شارك في صياغة هذه الوثيقة، كان خلال فترات سابقة، جزء من سياسية الإقصاء الممنهج لغيره من الأحزاب المنافسة، التي يتشارك معها اليوم، في المطالبة بالتغيير، وبمشروع ديمقراطيّ بديل؟؟. لكن اللفات أنّ هذه الندوة، خرجت بتشكل آلية فعالة أقلقت أحزاب المولاة، ويتعلّق الأمر بتشكيل "هيئة وطنية للتشاور والمتابعة"، تحضيرا لمؤتمر العارضة الكبير (منتصف ماي المقبل).
   يقول رئيس الحكومة الأسبق، السيد علي بن فليس، أنّ "إدّعاء السلطة بأنّ المعارضة عقيمة وليست حاملة لأيّ بديل سياسيّ"، كانت دافعا أساسيا لمشاركته في الانتخابات الرئاسية في (أبريل 2014)، لتفنيد هذا الإدعاء، وإثبات وجود بديل سياسي ذو مصداقية أمام الشعب، قائلا أنّ مشاركته في المعارضة من خلال "قطب قوى التغيير"، تقوم على قناعة مركزية لديه: (المقاومة الشعبية السلميّة، القادرة على لمّ شمل قوى التغيير، الحاملة لمشروع البديل الديمقراطيّ، المحرّك للتغيير، لتقديم بديل سياسيّ: "توافقيّ، سلميّ، ومنظّم").[[32]]  
    حصل الأمين العام السابق لحزب جبهة التحرير الوطني، السيد علي بن فليس، على اعتماد تأسيس حزبه الجديد، حزب "طلائع الحريّات"، شهر (فبراير 2015)، وانتقل من تجربته الشخصية في المعارضة، من خلال تمثيل تنسيقية مجموعة: "قطب قوى التغيير"، إلى الالتحاق بتنسيقية أحزاب المعارضة، رفقة عبد الرزاق مقري عن حركة حمس (حركة مجتمع السلم)، وسعد عبد الله جاب الله عن حزب العدالة والتنمية، جيلالي سفيان عن حزب جيل جديد، محسن بلعباس عن حزب التجمّع من أجل الثقافة والديمقراطية، محمد ذويبي عن حركة النهضة، جهيد يونسي عن حركة الإصلاح، الطاهر بن بعيبش عن حزب الفجر الجديد... ومشاركة سياسية لكلّ من: أحمد بن بيتور، مولود حمروش، المحامي والحقوقي علي يحي عبد النور، كريم طابو.. وغيرهم. وبدأ رهان هذه المجموعة سنة 2011، من خلال: "التنسيقية الوطنية من أجل التغيير"، على التظاهر كلّ سبت –"المظاهرات السبتيّة"- لتجميع قوى المعارضة، في انتظار أيّة مبادرة لتحقيق إجماع وطنيّ حول موضوعة "التغيير الجادّ".[[33]]
    ويعتبر عبد الرزاق مقري، رئيس حركة مجتمع السلم (حمس/ HMS)، أنّ تنسيقية أحزاب المعارضة أكثر العارفين بالأوضاع السياسية للبلاد، وقد انطلقت مبادرتها من فكرة إطلاق سلسلة من المشاورات والاتصالات السياسية مع الأحزاب السياسية من الموالاة والمعارضة، وصولا إلى أول محطة في مسارها، مؤتمر مزافران الذي أعلن عن وحدة أجندة أحزاب التنسيقية "للمطالبة بالتغيير" (ضمّت 150 مشاركا بين أحزاب وشخصيات سياسية)، مرورا على ثلاث مراحل هامة: الاتفاق العام في مزافران (جوان 2014)، المشاركة في مظاهرات (24 فبراير 2015) ضدّ استغلال الغاز الصخريّ، ثم بداية تحضير هيئة التشاور والمتابعة لـ: "مؤتمر المعارضة الكبير: المؤتمر المغلق"، المقرّر منتصف شهر (مايو 2015) المقبل، بغرض تقييم حصيلة المشاورات، والإعلان عن مسارات العمل السياسي المستقبليّ، للاقتراب أكثر من بناء أكبر وزن سياسيّ معارض، "موازي"، يمكّنها من مفاوضة السلطة، لوضع ترتيبات الاعتراف بها كسلطة مضادة خارج المؤسسات. وإذ يفرض التنظيم الداخليّ للتنسيقية على أعضائها التشاور دوريّا كلّ 03 أشهر، فإنّ التنسيقية تؤكّد على أهمية الضغط قبل تمرير الدستور الجديد الذي لم تشارك في صياغة نصّه.
    أمّا ميدانيّا، فقد استخدمت تنسيقية الأحزاب المعارضة، جميع أنواع المظاهرات: المظاهرات "الروتينية" بهدف التذكير بصفتها التمثيلية في البرلمان وقدرتها على التعبئة السياسية لمناضليها وأنصارها في الشارع السياسيّ، المظاهرات "المحرّكة" وافتعال رفضها للمشروع "الوهميّ" حول وجود أجندة للتوريث السياسيّ، ومظاهرات "الأزمات الاجتماعية" في دفاعها عن حقّ سكّان الجنوب في رفض استغلال الغاز الصخريّ، والتي تأكّد فيها، أنّ المعارضة تقوم بركوب موجتها – كما فعلت مع مطالب البطّالين في الجنوب -، لتعويد نفسها على مواجهة قوات الأمن في الشارع.

    يرى الباحث الجزائري والمعارض السياسي، أحمد عظيمي، أنّ تهميش المعارضة، أخطر على مستقبل الدولة الجزائرية، من وجود معارضة قوية للسلطة الحاكمة، مشدّدا على أنّ المعارضين ليسوا أقلّ وطنية من مسؤولي أحزاب الموالاة، حيث أنّ السلطة "غير قابلة للاستحواذ الأبديّ"، وهي وسيلة وليست غاية، لجعل الحياة السياسية أكثر عقلانية وإشراكا، وأقلّ عنفا وفوضى، لكن، هل ترغب المعارضة في تحقيق "تداول سلميّ" يفضي إلى اعتلائها سدّة الحكم، بالضرورة؟، وهل يجب أن تتنازل السلطة حتى تتأكّد السلطة من صدقيّة خطابها السياسي؟، وهل تكتسب المعارضة شرعيتها فقط، انطلاقا من المناقضة التامة للسلطة، ورفضها، وعدم الاعتراف بمشروعيتها؟.

    من أهمّ الأخطاء المسجّلة على تنسيقية المعارضة:
ــ عدم تنسيق التصريحات بين قياداتها، وانفراد كلّ حزب بأجندته الحزبية التي تتيح له مفاوضة السلة بشكل منفرد، إضافة إلى النبرة التهجمية والعدائية لبعض قادتها.
ــ التشكيك في نزاهة القضاء الجزائريّ حيال قضايا "الفساد الكبير": سوناطراك 1، الخليفة، "الطريق السيّار شرق – غرب"، واتهام الحكومة بإلهاء الرأي العام، بمزايدة واضحة على استقلالية القضاء الجزائريّ، الذي أقنع القضاء البريطانيّ والفرنسيّ في قضية الخليفة، باستقلاليته ونزاهته التامة، ويعمل على تأكيد هذا الالتزام على أرض الواقع.
ــ رفع ممثلي التنسيقية وقطب قوى التغيير لمضامين الأرضية، لممثليّة الإتحاد الأوروبيّ في الجزائر، ومحاولة الضغط على السلطة من الخارج، والاستقواء عليها بالقوى الأجنبية، في الوقت الذي انتقدت فيه سابقا نفس المسألة في لقاء الرئيس بوتفليقة بوزير الخارجية الإسباني خلال رئاسيات 2014. [[34]]
ــ لجوؤها إلى الشخصيات السياسية القديمة من الجيل الأول، وابتعادها عن النخب العسكرية، والنخب الرأسمالية من القطاع الخاص، التي أصبح لها وزن سياسيّ هامّ في الحياة السياسية، مقابل التناقض مع شخصيات مثيرة لجدل، مثل المترشح لرئاسيات (أبريل 2014)، السيد رشيد نكّاز، المرشّح الذي لم يتمكّن من تحقيق الشروط القانونية للانتخابات الرئاسية.
ــ لجوؤها إلى حركة بركات، ومحاولة التنسيق مع شباب تلك "الحركة الموؤودة"، والاستلهام من شجاعة أعضائها، للخروج يوم (24 فبراير 2014)، ثم لجوؤها إلى منطقة الجنوب، ومحاولة الركوب على المطالب الخاصة بظروف معيشة السكان في تلك الأقاليم، ومخاطرتها بالأمن الوطنيّ وتوظيف القضايا العادلة لمنطقة الجنوب، ومحاولة تسييسها والتشويش عليها.
ــ استنجادها اليائس باحتجاجات الشباب البطال في الجنوب، وركوبها موجة الاعتراض الشعبيّ على استغلال الغاز الصخريّ، دون اللجوء إلى الحوار مع السلطة مباشرة، وممارستها للتحريض غير العقلانيّ.
ــ تعليقاتها السلبية على جميع مبادرات السلطة، بما في ذلك تعديلات قانون الأسرة، البتّ في قضايا الفساد، استغال الغاز الصخريّ، تعديل قانون العقوبات.. وغيرها، ومحاولة جرّ السلطة إلى صراع في الشارع، وخارج المؤسسات، خصوصا البرلمان، على الرغم من تنظيم احتجاجات محتشمة داخل البرلمان، من قبل نواب الأحزاب المعارضة.
ــ إصرارها على الدمج في محاكاة التجربتين، الفرنسية في المعارضة السياسية لاعتبارات تشابه نمط النظام السياسيّ (شبه الرئاسيّ)، ورغبتها في اللحاق بالتحولات المحققة في الدول العربية التي عرفت تحولات ديمقراطية في سياق الربيع العربي؟؟؟، على الأقلّ بتعديل الدستور.
ــ خروج بعض أقطابها للإعلام، ومحاولتهم مغازلة السلطة بدعوتها للحوار، يوحي بوجود حالة من عدم الثقة الدائمة بين أعضائها، فيي مقابل ترويجها لصورة سوداوية مبالغة بدعم من بعض الأقلام الإعلامية الحانقة، التي تسعى لتفصية حسابات شخصية بالركوب على القضايا الخلافية المطورحة أمام الرأي العام.
ــ حضور شخصيات سياسية مثيرة للجدل في مؤتمراتها الشعبية داخل قاعة حرشة حسان وجامعاتها الصيفية، وإصرارها على تقديمها إعلاميا، دون احترام للقوانين، ولقاؤها بشخصيات سياسية "غامضة" مثل رشيد نكّاز. [[35]]
    يقود تنسيقية المعارضة، رؤساء أحزاب سياسية وشخصيات هامة، يوحي نشاطها السياسيّ برغبتها الجامحة في إعادة اقتحام الحياة السياسية بالقوة، ورفض "تهميشها" من قبل السلطة، ومحاولها الترويج بأنّها تسعى لإنقاذ الشعب الجزائريّ.
    توحي الترتيبات الداخلية للبيت الحمسيّ، إلى حدوث إقصاء ممنهج لدعاة تيار المشاركة بقيادة الشيخ أبو جرّة سلطاني، واعتلاء تيار المقاطعة بقيادة عبد الرزاق مقري القيادة ، وخوضه للخطاب المعارض للسلطة [*]، على الرغم من وجود إيحاءات بقبول مقري حمل رسائل الرئاسة الجزائرية لزعيم حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي، -وإجباره أو إقناعه -، بالمشاركة في حكومة الرئيس المنتخب الباجي قايد السبسي؟؟، حيث يتناقض مسار السيد مقري، الذي يواجه رجالات السلطة وزملاءه في مختلف الأحزاب السياسية، بعنف ديماغوجيّ منقطع النظير، وصل إلى مستوى الاحتكام إلى القضاء في حالة الصراع اللفظي مع عمار سعيداني أمين عام حزب جبهة التحرير الوطني، ولويزة حنون زعيمة حزب العمّال، واللجوء إلى القضاء ضدّهما.

رابعا: أحزاب المعارضة... نقاط الالتقاء، وأسباب الاختلاف:
تناقضات جبهة المعارضة: مبرّرات التراشق الإعلاميّ.. وأسباب التسابق "السياسويّ"؟؟

    اتّهمت المعارضة السياسية أحزاب الموالاة قبل الإصلاحات الرئاسية (أبريل 2011)، خصوصا الحزبين القوميين الكبيرين جبهة التحرير الوطني والتجّمع الوطني الديمقراطي، باحتكار الفضاء الإعلامي العموميّ، وما إن فتح المجال الإعلامي أمام القطاع الخاص، حتى اكتشف الجزائريون معارضة مقسّمة، ذات برامج سياسية ضعيفة، خصوصا الأحزاب الناشئة المعتمدة حديثا، مما اقتضى تجمّع أحزاب المعارضة، وإطلاقها لمشاورات إعداد برنامج سياسي موحّد تجاه السلطة، وعدا عن الأحزاب السياسية القديمة كحركة حمس أو جبهة القوى الاشتراكية والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، ظهرت شخصيات سياسية قديمة، بحلّة حزبية جديدة، مستفيدة من الإصلاحات الجديدة، لطرح برامجها القديمة تحت عناوين جديدة، لنجد أنفسنا في مقابل تجديد شكليّ للأطر الحزبية، دون مضامين حقيقية للعمل السياسيّ الجادّ.  
    من أهمّ الاعتراضات المسجّلة من قبل المعارضة، رفضها للطريقة التي تقدّم بها السلطة مسودة الدستور للمشاورات السياسية، ورفض تهديدات رئيس الجمهورية التي تتضمنها رسائله السياسية، وهو ما سجّله عبد الرزاق مقري عن حركة حمس، والطاهر بن بعيبش عن حزب الفجر الجديد، بحجّة أنّه: تعامل بالأوراق والأوامر، استغلال لقداسة مناسبات تاريخية، .. وغيرها من الاتهامات "الجانبيّة" الأخرى.
   تحاول قوى المعارضة أن تعطي صورة سوداوية عن الوضع السياسيّ في الجزائر، بأنّها بلد يعاني من شلل مؤسساتي، وهشاشة اقتصادية بسبب البطالة، رغم الوفرة المالية، والفساد الماليّ، في الوقت الذي تعرف فيه دول عربية عرفت ثورات ديمقراطية، انتكاسة واضحة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فلأول مرة تتلاقى "الرغبة الشعبية مع الحيطة الرسمية"، حول "رفض الربيع العربي"، حيث لا تغري الثورات المجتمع الجزائريّ الذي عانى من العنف في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، كما أنّ الاحتياطيات المالية أتاحت توزيعا ريعيا على كافة القطاعات الاجتماعية "الاحتجاجية"، لـ: "تهدئة كلّ من نفذ صبره"، وشراء السلم الاجتماعي، وربح الوقت قدر الأمن في ظلّ الانهيارات المتتالية للدول التي تعرف ثورات شعبية، أو أزمات ديمقراطية، وتوترات سياسية واقتصادية واجتماعية، كما يحدث في مالي وليبيا.
    اعتمد مقياس الديمقراطية العربي، الصادر عن مبادرة الإصلاح العربي، عدّة مؤشرات لقياس الديمقراطية في الدول العربية، وقد سجّل مؤشرات إيجابية حول الجائر، في الكثير من المعايير المحدّدة لمستويات الممارسة الديمقراطية، باستثناء بعض منها بالطبع، مثلا:
    المؤشرات الايجابية: كانت حول دورية ونزاهة الانتخابات، تشريع حرية الأحزاب، تشريع حقّ التجمّع، منع التعذيب، حرية الإعلام، مساءلة الحكومة، إعاقة أعمال البرلمان، الإصلاح السياسيّ، القدرة على انتقاد السلطة دون خوف، الرقابة عل المطبوعات ومواقع الانترنيت، تنظيم الاجتماعات والمظاهرات والاحتجاجات، خرق الدستور.
    فيما سجّلت المؤشرات السلبية في: تشريع فصل السلطات وتقنين سطوة السلطة التنفيذية، استقلال القضاء، تدخّل الأجهزة الأمنية حول التظاهرات، قدرة منظمات حقوق الإنسان على العمل الحرّ.
    مع تسجيل انعدام الاعتقال التعسّفيّ (عموما)، ومحاكم أمن الدولة (حيث لا يحاكم المدنيون في محاكم عسكرية منذ سنة 1992)، ولا يهدّد الأمن الشخصيّ للأفراد.  
      اللافت في جهود التنسيقية المعارضة، أنّ جمع المتناقضات (الإسلامية – الوطنية – الديمقراطية العلمانية)، ليس محقّقا إلاّ على قاسم مشترك وحيد، هو معارضة السلطة، وما إن تبدي الحكومة اهتماما بأيّ من أقطاب هذه التنسيقية، حتى يبدأ التشكيك والصراع الثنائي بين الأحزاب. وعلى الرغم من نجاح التنسيقية في تحضير التجمع الشعبيّ بقاعة حرشة حسان (الجمعة 21 مارس 2014) و(الجمعة 22 أوت 2014)، إلاّ أنّها تأكّدت بأنّها مفصولة عن الرأي العام، لذلك قرّرت أن تلجأ إلى الانضمام إلى الاحتجاجات الشعبية، كسبيل وحيد لطرح قضاياها من خلال هذه الأطر الشعبية؟؟، التي يفترض أنّها لا تتوفّر على الأطر التنظيمية الكفيلة بممارسة العمل السياسيّ الشرعيّ.؟؟.

خامسا: قداسة الجيش.. أهمّ مؤسسة ناظمة للمجتمع الجزائريّ:
مخاطر محاولات الانحراف السياسويّ عن قداسة بيان (أول نوفمبر 1954):

    تصدّت المؤسسة العسكرية للأزمة الأمنية وتبريرات الفساد، وتصدّت لمحاولات إبعادها عن الحياة السياسية، على اعتبار أنّها المؤسسة الوحيدة الحاملة لمشروع وطنيّ، بانضباطها الوطنيّ وبرنامجها المرتكز على الوحدة الوطنية، لكنّها لا تتدخّل في الحياة السياسية، وتراقبها، في ظلّ وضع إقليميّ خطير.
     حقّقت الدولة الجزائرية، استقرارها السياسيّ طوال العقدين الماضي والحالي، انطلاقا من قدرتها على التوفيق بين خطتها الأمنيّة في مواجهة ظاهرة الإرهاب، وقدرتها الحاسمة، في العودة إلى السلم الأهليّ والبناء المؤسّسيّ، وتفادي الفراغ الدستوريّ بعد إقرار دستور 1996 للتعدّدية السياسية [[36]]. وساهمت مبادرة الرئيس بوتفليقة لإقرار المصالحة الوطنية سنة 2005، في استتباب الأمن في البلاد، وتحقيق رضا حول برنامجه السياسيّ "الفعّال". ومع ذلك، فقد رصد البارومتر العربي (مقياس الديمقراطية العربي) في آخر استطلاع له حول الجزائر، أجري عشية الاستحقاقات الرئاسية في (أفريل 2014)، أنّ "الجزائريّين الأصغر عمرا، هم الفئة الأقلّ رضا على أداء الحكومة"، وأنّ نسبة (87 في المائة) من الجزائريين، يرون أنّه لا يوجد حزب سياسيّ يمكنه أن يعبّر عن طموحاتهم السياسية، وأنّ حزب جبهة التحرير الوطنيّ (الأفلان FLN)، هو أكثر الأحزاب السياسية تغلغلا في المجتمع الجزائريّ، وأكثرها قدرة على حصد الأغلبية في الانتخابات، لكنّه يظلّ مطالبا بفعالية أكبر في قيادة الحكومة، لتحقيق مطالب وانتظارات الجماهير. [[37]]
    لم يتدخّل الجيش في الحياة السياسية على الرغم من بلوغ الصراعات السياسية مستويات خطيرة كادت أن تهدّد بالانزلاقات الخطيرة، كما حدث في قضية الصراع الطائفيّ بمدينة غرداية، لكنّه يجد بقي الأجهزة الأمنية في عجز واضح أمام تحدّي الحفاظ على سلامة الأمن الشخصيّ الأفراد، لذلك تدخّل لضبط المجتمع في غرداية وعين صالح، دون أن يشكّل تدّخله "حالة طاغية أو سمة غالبة"، فما إن يستتبّ الهدوء، حتى تقود الشرطة وفق مقارباتها الحديثة لتسيير وتطويق الحشود، مهام "حماية الحقّ في التعبير"، في بلد يعرف معدّلات خطيرة للاحتجاجات الشعبية بمعدّل (50 احتجاجا شهرياّ) في كلّ ولاية عبر الوطن، ويتجاوز المعدّل السنويّ 10 آلاف احتجاج، منها ما هو ناجم عن ظروف خارجية أو قضايا على اتصال بقضايا اقتصادية دولية، كمشكلة زيادة أسعار الزيت والسكّر سنة 2010 وقضية الغاز الصخريّ 2015. وعلى الرغم من اعتماد قانون الإعلام على الانفتاح الإعلاميّ الذي أتاح ظهور أكثر من 30 قناة تلفزيونية خاصة وأكثر من 60 جريدة، إلاّ أنّ انضباط المؤسسة العسكرية، فرض استمرار الهيئة الإعلامية للجيش، في تأكيد رسائله الشهرية عبر مجلة الجيش، على استمرار دوره الوطنيّ في احترام الدستور، وتقديس ثوابت وركائز الدولة والأمة، ورفض المزايدات التي تروّج لوجود انقسامات سياسية في قيادته، التي تعرف نجاحا واضحا في خطتها الوطنية للاحترافية العسكرية، وهي تمتلك خبرة فريدة في مواجهة ظاهرة الإرهاب.
    تعالت بعض الأصوات التدخّلية "الأجنبيّة" سنة 2004، تنادي بتخلّي الجزائريين عن قداسة (بيان أوّل نوفمبر 1954)، بحجة التفاوت الجيليّ بين جيل الثورة [[38]]، جيل الاستقلال، وجيل الشباب الحاليّ، فأحيطت تلك الأفكار في حينها – قبل عشر سنوات من اليوم-، برفض أكيد و"ممانعة جمعيّة تلقائيّة"، غير أنّ مثل هذه الأفكار، أضحت اليوم، تشجّع بعضا من المثقفين والصحفيين المعارضين، على بداية قبولها وإشاعتها في أوساط الجماهير، لكنّها تطرح اليوم بكلّ سهولة، وسط ضبابية مصادر هذه المراجعات "العشوائية"، لأهمّ ركائز وثوابت الأمة الجزائرية، وبداية رحيل أهمّ الرموز المدافعة عنها أمثال المجاهد الكبير سي عبد الحميد مهري رحمه الله، الذي أوصى بالوفاء لـ: "ذكرى يوم الشهيد".
    وقد لاحظت كمراقب سياسيّ، أنّ الفكرة قد طرحت مؤخرا في شكل حوار بين نور الدين نباب عن حزب جيل جديد الذي يرأسه جيلالي سفيان، والكاتب الصحفيّ سعد بوعقبة، الذي كتب في عموده اليومي في جريدة الخبر، عنوان: "بيان أول نوفمبر لم يعد صالحا"، ويعني ذلك أنّه يجهر بما يتمناه الراديكاليّون من الإسلاميين والديمقراطيين، بالتخلّي عن هذا البيان التاريخيّ، ويحاول أن يطرحه في شكل نقاش وطنيّ، للبحث عن مشروع وطنيّ بديل؟؟.
     ونتيجة لغياب الانضباط حيال الالتزام بقداسة: "بيان أول نوفمبر"، تتحوّل المؤسسة العسكرية في الجزائر، إلى أهمّ ركيزة وطنية، ترفض المساس بثوابت الدولة الجزائرية، ويجعل المعارضة السياسية في مواجهة صدام مستقبليّ أكيد، فكيف لمثل هذه الأفكار الخطيرة أن تجد فرص مناقشتها بشكل طبيعيّ؟؟، لو لم تصل مستويات التعبير السياسيّ الحرّ في الجزائر، إلى مستوى غير مسبوق، في ظلّ ضغوط الحراك الإقليميّ في دول الجوار العربيّ والإفريقيّ، والمساعي الأجنبيّة للتدخّل في الحياة السياسية الجزائرية، والتحكّم فيها؟؟.


سادسا: مسألة "الغاز الصخري" في أزمة العلاقة بين السلطة والمعارضة الجزائرية:
من هي المجموعات المدنية المشبوهة؟؟:
    تقود مجموعة شبابية قامت بتأسيس "تنسيقية وطنيّة لمناهضة استغلال الغاز الصخريّ" حملة سياسية/اجتماعية مكثفة، بسبب موقفها الرافض لاستغلال هذا النوع الجديد من الطاقات الأحفورية، الذي يتمّ الترويج إلى مخاطر استغلاله على السلامة البيئية والصحية لسكان منطقة عين صالح جنوب البلاد، وإذ تطفو الحركة الاجتماعية على السطح، بعد تجربة حركة "بركات الموؤودة" في حينها، نتأكّد بأنّ الأحزاب السياسيّة قد بلغت من الضعف، في أنّها تطمع في سرقة نجاح حركة اجتماعية بسيطة، في إعتلاء سدّة السلطة الشعبية، ووصولها إلى مستويات مفاوضة السلطة، لتمرير خطابها السياسيّ "المأزوم"، ومحاولة ربطه بالتهجّم على القضاء، الذي بدأ سلسلة محكماته لقضايا الفساد والسلب الذي طال المال العام. فالمعارضة السياسية قامت بتشجيع هذه التنسيقية على مواصلة مطالبها دون أن تتحمّل مسؤوليتها في هذا الدور، أو احتمالات إفراز "انزلاقات" خطيرة جرّاء التشجيع على استمراريته، وتدرك أحزاب المعارضة تماما أنّها لو كانت في السلطة، لقامت بنفس الدور الذي قامت به أحزاب المولاة؟؟. ويقرّ الخبراء في مجال البتروكيماويات أنّ الحكومة قصّرت في شرح أهميّة هذا النوع من الطاقات "غير المستغلّة"، وأنّ وسائل التواصل الاجتماعيّ كالفايس بوك مثلا، قد قامت بتعقيد هذه المهمة، بما يتمّ ترويجه من مغالطات علميّة حول القضية، التي بدت بسيطة، لكنّها أصبحت ترهن الأمن الطاقويّ للبلاد؟؟.[[39]]
   يقول عبد الله جاب الله، زعيم حزب العدالة والتنمية، أنّ إصرار السلطة على التمسّك بالتنقيب على الغاز الصخريّ، يوحي بأنّ السلطة غير حرّة في قرارها، وإذ يدرك الشيخ جاب الله، أنّ قضية الغاز الصخريّ على علاقة بالاعتبارات العالمية للسوق الدولية للغاز، والصراع بين القوى الرأسمالية الكبرى، فهو يحاول أن يقول بلغة أخرى: "أنّه يعرض نفسه وحزبه، وبقية شركائه في المعارضة، كبديل عن السلطة، لتقديم خطاب سياسيّ أكثر مقبولية لدى الجماهير، لكنّه لن يغيّر أيّا من سياسات الحكومة السابقة، تجاه قضية الغاز الصخريّ، أو غيرها من القضايا ذات العلاقة بالصراع الدوليّ على الطاقة"، وهو ما يضرب مصداقية خطاب جميع الأحزاب المعارضة للحكومة. فالسيد جاب الله، يقرّ في إحدى مشاركاته في اجتماعات ومشاورات تنسيقية المعارضة، بأنّه يائس من أيّ تغيير قادم. وهو الذي صرّح سنة 2010، بأنّ "المعارضة ناصح ومؤطّر، يحدّ دوره من وقوع الفوضى، ويساعد على تصحيح السياسات وتصويب الأخطاء، وتوفير شروط الاستقرار، فإذا غابت المعارضة غاب الناصح والموجّه والناقد والمؤطّر، المعبّر عن انشغالات المجتمع"[[40]].  ويقرّ الشيخ جاب الله في مؤلفه حول "منهج التغيير بالقوة"، أنّ واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، من أكثر الواجبات كلفة ومشقّة، ناهيك عن تذكيره بمسألة "الخوف من الأذى" لدى المطالبة بالتغيير.][41][
     كتب الوزير السابق، نور الدين بوكروح، حول ظاهرة رفض الشعبوية والمواطنين للنخب والمثقفين، وميل المواطن البسيط في الجزائر، إلى رفض تمثيله من قبل النخب السياسية أو الحقوقية أو الفئات المثقفة، واستغلال اندلاع ثورات الربيع العربي، والاعتماد عليها كسياق إقليميّ لفرض تسويات اجتماعية تعيد مساواة جميع أفراد الشعب أمام ضغوط احتجاجات السلطة الشعبية "المحليّة"، فيكفي أن يقول الشاب المتظاهر: "كلّنا أبناء 09 أشهر"، حتى يفرض خطابه، ويدافع بكلّ حرية عن رأيه، دون تأطير حزبيّ أو نقابيّ أو جمعويّ، كما كان الحال بالنسبة لحركة بركات الموؤودة في حينها، شهر (إبريل 2014)، أو "التنسيقية الوطنية للشباب البطّال" و "اللجنة الشعبيّة لمناهضة مشروع الغاز الصخريّ" اللذين يقودهما معا؟؟؟، الشاب "الطاهر بلعباس" من ولاية ورقلة "الجنوبية". كما أشار الوزير السابق نور الدين بوكروح، إلى استخدام رئيس الوزراء عبد المالك سلال، والوزير عمارة بن يونس، لأمثال التراث الشعبيّ لمخاطبة الجماهير، إذ صرّح السيد سلاّل: "الربيع العربيّ بعوضة سنقاتلها بمبيد الحشرات".
    إنّ ما يجري في العالم العربي، بعد ثورات الربيع العربيّ، هو استمرار نمط الاحتجاجات الشعبية التي قامت بكسر حاجز الخوف، لتؤسّس لتجربة جديدة من "سياسات الشارع" (البروتستوكراسية/ Protestocracy/ ديمقراطية الاحتجاج)، ونتيجة لهذا الوضع العام، فقد عرفت منطقة الجنوب الجزائريّ، وتحديدا ولايات ورقلة، الأغواط، غرداية، عين صالح، تمنراست، إيليزي، وضعا خاص، نجم عن ضغوط الشباب الباحث عن العمل، والمطالب التنموية لسكان المنطقة، وهي انتظارات اعتيادية، لا يجدر بالمعارضة العمل على تسييسها، خصوصا وأنّ هذه الولايات الجنوبية هي ولايات حدودية، تقع على تماس مع تونس، ليبيا، مالي، والصحراء الغربية، وعلى المعارضة ألاّ تستغلّ المطالب العادلة لسكّان المنطقة، للترويج لخطابها السياسيّ العاجز، واستباق المواعيد الانتخابية المقبلة، للسطو على آمال شباب الجنوب.

سابعا: تجربة حزب العمال في "المعارضة العكسية":
كسر الاجماع الوطني، الهجوم العشوائيّ، وعدم الرغبة في الوصول إلى السلطة؟؟:
    صوّبت السيدة لويزة حنون زعيمة حزب العمال ما اعتبرته خطأ، حين استدعت شقيق الرئيس للتدخّل في الحياة السياسية، ثمّ أعقبت مؤكّدة بأنّ تصريحاتها فهت خطأ. ويذكّرنا ذلك بما يعتبره السوسيولوجيّ شفيق مصباح، "الخطوط الحمراء" للمجتمع الجزائري": [[42]]
      أ ــ المجتمع الجزائريّ لن يعود مستعدا لقبول أية حركة إسلامية متطرّفة في الحياة السياسية،
     ب ــ المجتمع الجزائريّ لن يقبل تسويات بسيطة لقضايا الفساد وفي مقدمتها الخليفة، سوناطراك 01 و 02، والطريق السيّار شرق – غرب.
    ج – المجتمع الجزائري والطابع الجمهوري للدولة، الذي تحميه المؤسسة العسكرية بانضباطها المؤسسيّ الدستوريّ، لن تقبل أيّ ترتيبات لحدوث توريث لأي نوع من أنواع السلطة في الجزائر.
     حدّد حزب العمال الجزائريّ PT المعارض الهدف من وراء ترشيح زعيمته للانتخابات الرئاسية (17 أبريل 2014): "مساعدة الشعب على تقرير مصيره بيده، للدفاع عن السيادة الوطنية، في رئاسيات يجب أن تكون "جزائرية حصرية"...."رئاسيات مصيرية مفصليّة، يجب ألاّ يسمح فيها لأيّ مرشّح بالاستعانة بالقوى الإمبريالية، لكي تنصّبه رئيسا لخدمة مصالحها في الجزائر، والمنطقة"[[43]]، فقد تسلّحت "المرأة الحديدية الجزائرية"، في هذا الترشيح الثالث لها منذ رئاسيات 1999، بعاملين أساسيين، هما: الاحترام الكبير الذي أبداه الرئيس بوتفليقة لشخصها، وثنائه على احترافها العمل السياسي، والخبرة المعتبرة في الترشح خلال استحقاقين سابقين، كانت قد ضفرت في أحدهما بالمرتبة الثانية. غير أنّ الغريب هو رفعها لشعار "عميق"، مناقض تماما لدورها في هذا الاستحقاق، وهو تأسيس "جمهورية ثانية"؟؟، انطلاقا من أجندة ذات خصوصية أيديولوجية "فئوية".
    ساهمت السيدة لويزة حنون في هزيمة جميع المعارضين الذين كانوا ينادون بتفعيل المادة 88 من الدستور(التي تنصّ على اجتماع المجلس الدستوري وجوبا في حالة استحالة ممارسة رئيس الجمهورية لمهامه بسبب مرض خطير أو مزمن) [[44]]. كما كان هجومها على المرشّح المحتمل أحمد بن بيتور، سببا في استدراجه إلى حلبة صراع انتهى بعزوفه عن الترشّح للانتخابات، إضافة إلى انتقاد قادة السيدة حنون لزعماء أحزاب سياسية عريقة، ضمن وعلنا، مثل: علي بن فليس، مولود حمروش، عبد الرزاق مقري، عبد الله جاب الله، فمعظم هؤلاء لم يتولى السلطة – أو عضوية إحدى مؤسساتها-، سوى لفترات قصيرة نسبيا، وحصيلتهم في المشاركة في الحكم، كانت سببا في هجوم زعيمة حزب العمال على تاريخهم السياسيّ، الحافل بالأحداث السياسية الهامة، بوصفهم شركاء سابقين للحكومة.
     حاول حزب العمال إيهام الجزائريين بأنّ حظوظ زعيمة الحزب، مساوية لحظوظ المرشحين البارزين: السيد عبد العزيز بوتفليقة والسيد: علي بن فليس، رافضا الحديث عن "ثنائية قطبية" في السباق الرئاسيّ، (أو أيّ نوع من الإشارة لمنافسة مغلقة بين الرئيس السابق للبلاد، ونائبه الأسبق "السيد علي بن فليس")، وركّز حزب العمال في حملته الانتخابية على تداعيات الأزمة الخطيرة في ولاية غرداية، وتهديد ذلك الصراع الطائفيّ الخطير لوحدة ومصير المجتمع الجزائريّ، متجاوزا حقيقة التنافس الحزبيّ المحتكر بين جبهة القوى الاشتراكية FFS وحزب جبهة التحرير الوطني FLN في ولاية غرداية، والذي غطّى لسنوات الخلافات المذهبية المالكية - المزابية، حيث تفجّرت الأوضاع في غرداية، نتيجة الفشل الذريع الذي أصاب المجتمع المدنيّ في هذه المنطقة، التي عرفت مخاطر "غير متوقعة" تزامنت مع التهديدات الإقليمية المحيطة في ليبيا ومالي.
     السيدة لويزة حنون زعيمة حزب العمال التي تقود حزبها للمرة السابعة على التوالي، بعد تجديد عهدتها الرئاسية داخل الحزب، تعتبر أكثر القيادات تركيزا على مطلب "حلّ البرلمان"، بسبب قضية الأزمة الداخلية لحزب العمال مع النواب الراحلين "المقالين"، نتيجة رفضهم الالتزام باللوائح الداخلية للحزب، فقد شنّت السيدة حنون حملة سياسية وإعلامية للمطالبة بقانون يمنع ظاهرة التجوال/الترحال الحزبيّ في الجزائر، حيث يعود مقعد البرلمان للحزب، وليس للنائب. وانتهت القضية بتهديد زعيمة حزب العمال برفع قضية لدى مجلس الدولة، ضدّ إدارة الغرفة السفلى للبرلمان. لذلك، التقت السيدة لويزة حنون رئيس الجهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، الذي ناقشها حول مسألة حلّ البرلمان - معتبرا أنّ رفضه للفكرة التي تقدّمت بها زعيمة حزب العمال، في أوج الربيع العربي، كان لتجنّب الفراغ الدستوريّ المحتمل على أمن البلاد، واستقرار المجتمع.
    تبدو نصيحة القائد الثوريّ السلوفاكيّ فاتسلاف هافل مفيدة جدا في حالة الشعب الجزائريّ، حيث "تصبح النكتة السياسيّة" السبيل الأبرز للتنفيس عن الكبت الجمعيّ حيال قضايا السلب، التي أمر رئيس الجمهورية القضاء الجزائريّ بكشفها والبتّ فيها، وتعريض مرتكبها للمحاكمة، وتقوم التلفزيونات الخاصة بمحاولة طرحها بشكل محتشم، بعيدا عن الطرح الرسميّ للتلفزيون الوطنيّ. ومع ذلك، فإنّ القضاء الجزائريّ سيثبت خلال هذا التحدّي الجديد، قدرته على الفصل في هذه المسائل، مركّزا على الحكم بعدالة على الموقوفين، وإيجاد أنسب الصيغ لاسترداد المال العام، والعمل على تضييق مساحة السلب، وتكوين خبرة وطنية حول هذا النوع من المحاكمات، التي تتطلب عملا شاقا.

على سبيل الختام:
    يرى أنصار الرئيس بوتفليقة، أنّ ثمار الإصلاح الرئيسيّ المتدرج تؤتي ثمارها، ويبالغ المعارضون برفض هذه الإصلاحات جملة وتفصيلا، لكنّ ضمانات استمرار هذا الخطاب غير أكيد، فقد تنقسم المعارضة بمجرّد انفتاح السلطة عليها، وقد تنتهي قبل أن تعقد ندوة الوفاق الوطنيّ، وقد يتمكّن الرئيس بوتفليقة من تحضير الأرضية الدستورية لبناء مؤسسات قادرة على خلق سلطة مضادة، تمتلك مشروعية في دورها المؤسّسيّ، وتجد المعارضة الراديكالية نفسها خارج حسابات اللعبة السياسية.
     أمّا قضية الأزمة السياسية مع المعارضة، فهي قضية لم تحسم منذ خمسة عقود، وتتعلّق بتركة وضع سياسيّ معقّد، ناجم نسق من العوامل التاريخية المتداخلة، المتعلّقة بـ: كيفية تحقيق استقلال الدولة الجزائرية، التدخّلات الخارجية، السياق الدوليّ للعلاقات الدولية، والعديد من القضايا الأخرى، التي تؤكّد صحّة مقولة المناضل السياسيّ الراحل فرحات عبّاس رحمه الله، حول: "الاستقلال المرهون" [[45]]. فجبهة القوى الاشتراكية FFS تحمل في صفحات نضالها السياسيّ أسرار عدم رغبة السلطة في ظلّ الحكم الأحاديّ التسلطيّ، السماح بنضالها السريّ وعدم رغبة الرئيس بومدين القضاء عليها بشكل كامل، والاعتراف الضمنيّ للسلطة بشرعية معارضة FFS للنظام السياسيّ، وقد تحوّل هذا الحزب العريق، اليوم، إلى فصيل سياسيّ "وطنيّ"، ينادي بـ: "الإجماع الوطنيّ"، ويبادر من أجل "الوفاق السياسيّ"، لتحقيق تداول سلميّ للسلطة، وبناء مؤسساتيّ هادئ، بعيدا عن أيّة سيناريوهات "باطلة".
     حدّد الباحث الجزائري رابح لونيسي ثلاثة سيناريوهات للتغيير المحتمل لثورات الربيع العربي: سيناريو الانتقال الديمقراطي الناجح، سيناريو احتكار التيارات الدينية للسلطة، و سيناريو الحروب الدينية الإقليمية وصدام الحضارات، حيث تنتظم القوى المدنية الرافضة للسلطة الدينية على صعيد إقليمي، ما يقتضي اجتثاث الإرهاب المستتر باسم الدين، والذي يضرب أسس الدولة بأدوات إيديولوجية إسلامية عنفيّة ][46][، وعليه، تتعامل الدولة الجزائرية مع هذه الاحتمالات، بحرص شديد، على الموازنة بين ضبط الجبهة الداخلية، والتعامل السريع مع التحولات الإقليمية المحيطة لدول المنطقة، بعد أن اعترفت بحتمية الإصلاح وشطبت أطروحة اعتبارها "استثناء في الربيع العربيّ".
    لقد اختبرت كمراقب سياسيّ/اجتماعيّ، أثناء ثورة (17 فبراير 2011) في ليبيا، موقف الشباب في الجزائر، من طريقة التغيير بدعم القوى الأجنبية والتدخّل الخارجيّ، ووجدت أنّ جيل الأجداد والآباء، قد مرّر رسالته بذكاء كبير لجيل الشباب، الذي رفض وبشكل واضح، أيّ تدخّل للقوى الأجنبية في الشؤون الداخلية للجزائر، ووجود حساسية بالغة، في الاعتراف بوجود مهام  و"أدوار طبيعية" للقوات العسكرية لحلف شمال الأطلسيّ الناتو NATO، الذي يحتفظ الجزائريون تجاهه بذكرى سيئة تعود إلى منتصف أربعينيات القرن الماضي (الحرب العالمية الثانية)، ووجدت أنّ بيان أول نوفمبر 1954 لا يزال "لوحا مقدّسا"، حيث يردّد الشباب الشعار:"تحيا الجزائر، والله يرحم الشهداء".، وهم مدركون تماما لما سيفرضه عليهم أيّ تهديد خارجيّ من واجبات.

الهوامش والإحالات:

[··]ــ أستاذ مساعد، قسم العلوم السياسية، جامعة قاصدي مرباح، ورقلة، الجزائر.
البريد الالكتروني: [email protected]
[[1]]- حسين آيت أحمد، روح الاستقلال: مذكرات مكافح (1942 – 1952) (ترجمة: سعيد جعفر) (الجزائر: منشورات البرزخ، 2002)، ص. 108.
[[2]]ــ ــــــــــــ، "كلمة الرئيس بوتفليقة بمناسبة تأديته اليمين الدستورية،" يومية المساء، الجزائر، العدد: 5247، (الثلاثاء 29 أفريل 2014)، ص. 04.
[[3]]ــ عصام بن الشيخ، " مشروع الإصلاح السياسي في الجزائر: مبادرة للتغيير أو استمرار احتكار السلطة للصواب؟"، تقييم حالة، الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، )27 يوليو 2011(، الرابط الالكتروني للمقال لدى المركز:
≤-;---;-----;---http://www.dohainstitute.org/file/pdfViewer/a1cd571d-38a7-44cd-8771-5a50eac43c2c.pdf≥;-;---;-----;---

[[4]]ــ سربست مصطفى رشيد أميدي، المعارضة السياسية والضمانات الدستورية لعملها: دراسة قانونية – سياسية – تحليلية - مقارنة (أربيل: مؤسسة موكرياني للبحوث والنشر، 2011)، ص. 115.
[[5]]ــ أحمد زكي بدوي، معجم المصطلحات السياسية والدولية (القاهرة - بيروت: دار الكتاب المصري، دار الكتاب اللبناني، 1989)، ص. 50.
[[6]]ــ أحمد سعيفان، قاموس المصطلحات السياسية والدستورية والدولية (بيروت: مكتبة لبنان ناشرون، 2004)، ص. 338.
[[7]]ــ عمرو هاشم ربيع، نبيل عبد الفتاح، ضياء رشوان .. وآخرون، موسوعة المفاهيم والمصطلحات الانتخابية والبرلمانية (مع ملف تعريفي ببرلمانات دول العالم والمنظمات البرلمانية الدولية) (القاهرة: مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، 2009)، ص.  238.
[[8]]ــ  Gilles BADET, «Le statut de l’opposition», Projet de renforcement des capacités des partis politiques et de l’Assemblée nationale ,CONFERENCE SUR «LE FONCTIONNEMENT DES PARTIS POLITIQUES AU BENIN ET LE DIALOGUE INTER-PARTIS», Cotonou, (le 22 et 23 octobre 2013).

[[9]]ــ  Hastings Michel, «Oppositions parlementaires, gouvernements minoritaires et démocraties inclusives. L exemple des pays scandinaves»,  Revue internationale de politique comparée, (2011/2), Vol. 18, p. 45-58. DOI : 10.3917/ripc.182.0045
≤-;---;-----;---http://www.cairn.info/revue-internationale-de-politique-comparee-2011-2-page-45.htm≥;-;---;-----;---
[[10]]ــ  Surel Yves, «L opposition au Parlement Quelques éléments de comparaison», Revue internationale de politique comparée, (2011/2), Vol. 18, pp. 115-129. DOI: 10.3917/ripc. 182.0115
≤-;---;-----;---http://www.cairn.info/revue-internationale-de-politique-comparee-2011-2-page-115.htm≥;-;---;-----;---
[[11]]ــ  عصمت سيف الدولة، النظام النيابي ومشكلة الديمقراطية (القاهرة: دار الموقف العربي، د. ت)، ص. 75.

[[12]]ــ  موريس دوفرجيه، الأحزاب السياسية (ترجمة: علي مقلد، عبد المحسن سعد) (القاهرة: الهيئة العامة لقصور الثقافة، 2011)، ص. 170.

[[13]]ــ  موريس دوفرجيه، المؤسسات السياسية والقانون الدستوري: الأنظمة السياسية الكبرى (ترجمة: جورج سعد) (بيروت: الشبكة العربية للأبحاث والنشر، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع (مج)، ط.03، 2014)، ص. 47.

[[14]]ــ جوزف إبستاين، ألكسي دو توكفيل.. المرشد إلى الديمقراطية (ترجمة: سمية ممدوح الشامي) (القاهرة: دار كلمات عربية للترجمة والنشر، مؤسسة هنداوي للنشر، 2010)، ص. 159.

[[15]]ــ سالم القلمودي، سيكولوجية السلطة... بحث في الخصائص النفسية المشتركة للسلطة (القاهرة: مكتبة مدبولي، 1999)، ص. 83.

[[16]]ــ أسامة الغزالي حرب، الأحزاب السياسية في العالم الثالث (الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، سلسلة عالم المعرفة، العدد: 117، سبتمبر 1987)، ص. 83.
 [[17]]ــ عبد الحميد مهري، علي يحي عبد النور... وآخرون، آفاق التغيير السياسي في الجزائر (جنيف: معهد الهقار، مركز دراسات السلم لمؤسسة قرطبة، 2008)، ص.06. (أنظر: آفاق التغيير السياسي في الجزائر، في الموقع الالكتروني هقار:
≤-;---;-----;---http://www.hoggar.org/index.php?option=com_docman&task=doc_download&gid=401≥;-;---;-----;---

 [[18]]ــ  عقد اجتماع سانت ايجيديو في كنيسة إيطالية على مرحلتين، (11 نوفمبر 1994 – 13 جانفي 2015)، وهو أول مبادرة لتنسيق موقف موحد لأحزاب المعارضة، ميزة هذا الاجتماع هو تأكيد أنّ فشل الحوار كان بسبب التطرّف من الإسلاميين المتطرّفين والإستئصاليين العلمانيين، (أنظر: عثمان لحياني، "سانت ايجيديو.. آخر اجتماع لقوى المعارضة،" يومية الخبر، الجزائر، العدد: 5893، (الأحد 31 جانفي 2010)، ص. 05.
 [[19]]ــ سيقرين لابا، الإسلاميّون الجزائريّون .. بين صناديق الانتخاب والأدغال (ترجمة: حمادة إبراهيم) (القاهرة: المركز القومي للترجمة، المشروع القومي للترجمة، العدد: 534، 2003)، ص. 211.
 [[20]]ــ أبو جرّة سلطاني، جذور الصراع في الجزائر (الجزائر: دار الأمة، ط . 02، 1999)، ص. 13.
[[21]]ــ ناصر جابي، "المعارضة لا تورّث،" يومية الخبر، الجزائر، العدد: 5893، (الأحد 31 جانفي 2010)، ص. 05.
 [[22]]ــ رابح لونيسي، الجزائر في دوّامة الصراع بن العسكريين والسياسيين (الجزائر: دار المعرفة، 2000)، ص. 276.
[[23]]ــ ــــــــــــ، "النصّ الكامل لرسالة رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة،" يومية النهار الجديد، الجزائر، العدد: 1943، (الأربعاء 19 فبراير 2014)، ص - ص. 04 - 05.
[[24]]ــ أنظر: مسودة الدستور الجزائريّ المقترح من قبل رئيس الجمهورية، موقع رئاسة الجمهورية الجزائرية:
≤-;---;-----;--- http://www.el-mouradia.dz/arabe/infos/actualite/archives/Consultations/Propositions.htm≥;-;---;-----;---
[[25]]ــ عاطف قدادرة، حميد يس، "حوار مع رئيس الحكومة الأسبق مولود حمروش: لا يوجد شرعية في الجزائر إلاّ شرعية الجيش،" يومية الخبر، الجزائر، عدد (الاثنين 24 مارس 2014)، ص - ص. 14 - 15.
[[26]]ــ ــ بيان رئيس الحكومة السابق سيد مولود حمروش (الإثنين 17 فبراير 2014)، Déclaration de M. Mouloud HAMROUCHE، Ancien chef de Gouvernement، الرابط الالكتروني:
≤-;---;-----;---http://www.radiowatani.com/2014/02/blog-post_17.html≥;-;---;-----;---
[[27]]ــ  ـــــــ، "رئيس الحكومة سابقا سيد أحمد غزالي لـ”الخبر”: "النظام الحقيقي حزب سري يملك 3 ملايين مناضل،" يومية الخبر، الجزائر: حاوره محمد سيدمو، (الاثنين 01 سبتمبر 2014)، الرابط الالكتروني:
≤-;---;-----;---http://www.elkhabar.com/ar/politique/422174.html≥;-;---;-----;---

[[28]]ــ أحمد بن بيتور، "الأمة الجزائرية.. إلى أين؟،" يومية الخبر، الجزائر، العدد: 7597 (الخميس 30 أكتوبر 2014)، ص. 08.
[*]ــ كتب كريم يونس مقالة قبيل الانتخابات الرئاسية لـ: (17 أبريل 2014)، تحدّث فيها عن "المشكلة" وهي: "غياب مشروع سياسيّ ديمقراطيّ بديل"، ويؤكّد مقاله عدم قدرته على بلورة الفكرة في مشروع واضح المعالم مثلما فعل مولود حمروش أو المحامي مقران آيت العربي، (أنظر: كريم يونس، " إلى أين نحن ذاهبون في غياب مشروع ديمقراطيّ حقيقيّ،" يومية الخبر، الجزائر، عدد (الثلاثاء 25 مارس 2014)، ص. 05.).
[*]ــ يشترك المحامي مقران آيت العربي في مبادرته مع أفكار مولود حمروش، لأنّ هنالك العديد من التقاطعات بينهما، تبدأ مبادرته بـ: (اقناع قيادة الجيش بتعيين شخصية وطنية تحقّق التوافق والاجماع، يتمّ تعيينه كوزير أول، وتمكينه من تشكيل حكومة كفاءات مستقلة لبرنامج استثنائي "وليس انتقاليّ"، يتشاور مع المجلس الوطني والأحزاب السياسية والشخصيات السياسية، مع حصر مهام رئيس الجمهورية غير القابلة للتفويض، ثمّ تعديل الدستور وقانون الانتخابات والأحزاب والجمعيات لتحير ميكانيزمات وآليات احترام الحريات العامة وحقوق الإنسان وكرامة المواطن، مع وضع خطة صارمة للنهضة الاقتصادية الاجتماعية والتربوية، وتمكين مصالح الأمن والعدالة من محاربة الفساد، وطالب آيت العربي بتعهّد الطبقة السياسية بتفعيل هذه المرحلة بتأييد الجيش ومصالح الأمن من محارب الإرهاب بالوسائل القانونية). (أنظر: خالد بوديّة، مرجع سابق.)
[[29]]ــ عبد النور بوخمخم، "47 انقلابا طال المنظمات والجمعيات في ظرف 05 سنوات،" يومية الخبر، الجزائر: العدد: 5494، (06 ديسمبر 2008)، ص. 02.
[[30]]ــ جلال بوعاتي، "التحالف الرئاسي متهم بتكسير مبادرات الأحزاب: يعتبر لسان حال أجنحة السلطة وجدارا لصدّ تحركات المعارضة،" يومية الخبر، الجزائر، العدد: 5893، (الأحد 31 جانفي 2010)، ص. 05.
[[31]]ــ  ـــــــــــ، مشروع أرضية الندوة الأولى للحريات والانتقال الديمقراطي، التنسيقية من أجل الحريات والانتقال الديمقراطي، موقع هقار الالكتروني، (الأحد 01 جوان 2014):
≤-;---;-----;---http://www.hoggar.org/index.php?option=com_content&view=article&id=3990:2014-06-01-20-22-10&catid=94:hoggar&Itemid=36≥;-;---;-----;---
[[32]]- علي بن فليس، الانتخابات الرئاسية لعام 2014: كتاب أبيض حول التزوير (الجزائر: مديرية حملة المترشّح علي بن فليس، جوان 2014)، ص - ص. 27 - 34.
[[33]]- خالد بوديّة، "حقوقيّون ونشطاء سياسيّون يقرؤون لـ: "الخبر" مسيرة 26 سنة من أحداث أكتوبر: السلطة ضيّعت على الجزائريين فرصة ربيع الحرّيات،" يومية الخبر، الجزائر: عدد (الاثنين 06 أكتوبر 2014)، ص. 03.
[[34]]ــ  صفحة "التنسيقية من اجل الحريات والانتقال الديمقراطي" على الفايس بوك، الرابط الالكتروني:
≤-;---;-----;---https://www.facebook.com/laCLTD ≥-;---;-----;---

[[35]]ــ   وبالإشارة إلى بعض الشبهات المحيطة بتنسيقية الأحزاب المعارضة، الدعوة الموجهة للعميل الاستخباراتي كريم مولاي؟؟، حضور الشيخ علي بلحاج تجمع قاعة حرشة حسان رفقة أنصاره كـ: بوخمخم وكمال غمازي..، وإصرار علي بلحاج على عدم الوقوف لتحية النشيد الوطنيّ، مشاركة سعيد سعدي وتصريح قيادات التنسيقية بأنّ حضوره لم يشوّش على المعارضة، على اعتبار أنّه شخص مثير للجدل، ولاحتمالية صراعه مع محازبيه في التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية RCD، أو الصراع مع ساسة حزب جبهة القوى الاشتراكية الغريم في منطقة القبائل.

[*] - حدّد الشيخ الراحل محفوظ نحناح الزعيم المؤسّس لحركة مجتمع السلم/حمس في الجزائر، جوهر مبدأ مشاركة الإسلاميين في السلطة، في قوله: "كنّا نظنّ في شبابنا، أنّ صيحة في شارع، أو مقالة لقلم مريّ في صحيفة، أو خطبة نارية منبريّة تعد بالوعيد والتهديد، قد تقلب الموازين أو تحدث توازنات..، غير أنّنا أدركنا ونحن نودّع القرن العشرين، أنّ فلسفة المشاركة، تقوم على مكمن قصديّ هو "مبدأ طمأنة الآخرين"، فالإسلاميّون يتقاسمون هدف التعايش والحوار مع نظرائهم من جميع القوى السياسيّة، على أن يكون حوارها مع هذه القوى الوطنية قائما على مبادئ: تفعيل ما يتمّ الاتفاق عليه، وإرجاء أو إخفاء أو إلغاء ما يتمّ الاختلاف حوله، من أجل ضمان بقاء الدولة، واستمرار هيبتها"...، يبدو أنّ إغراءات فرص الربيع العربيّ للتيارات الإسلامية في المراحل الانتقالية (الهادمة – البانية)، تتيح تتويج الأحزاب الإسلامية بدعم خارجيّ غربيّ – تركيّ – سعوديّ "دور جديد، بعد اعتلاء الملك سلمان السلطة"، يجعل استعدادات مقري لاحتمالات التغيير الإقليميّ، تخضعه للترتيبات الدولية، أكثر من الترتيبات الداخلية، وهو ما يبرّر خطابه السياسيّ "الغاضب"، القريب من العنف اللفظيّ غير المبرّر.

[[36]]ــ Daniela Huber, Susi Dennison, James D. Le Sueur, ALGERIA THREE YEARS AFTER THE ARAB SPRING (Washington, DC: (GMF) The German Marshall Fund of the United States, MEDITERRANEAN PAPER SERIES 2014, January 2014), pp. 06 - 09.
[[37]]ــ مايكل روبينز، "هل تفادت الجزائر الربيع العربي": الباروميتر العربي يستقصي تغيّرات بلد وشعب"، ARAB BAROMETER، مبادرة الإصلاح العربي، ميشتغن، )أفريل 2014(، ص - ص. 01 - 09.
[[38]]ــ كتب كريم يونس الرئيس الأسبق للمجلس الشعبي الوطني، وحليف علي بن فليس في انشقاق أنصار بن فليس عن حزب جبهة التحرير الوطني سنة 2004، قائلا: "إنّ تضحيات جيل كامل من الشباب لم تذهب سدى، لنتذكر أنّ مناضلي الحركة الوطنية الذين صنعوا معجزة اندلاع حرب التحرير كانوا كلّهم شباب: ديدوش مراد 27 سنة، رابح بيطاط 29 سنة، العربي يبن المهدي 31 سنة، كريم بلقاسم 32 ينة، حسين آيت أحمد 28 سنة، العقيد عميروش 28 سنة، عبان رمضان 34 سنة، ما عدا محمد بوضياف، مصطفى بن بولعيد، أحمد بن بلة، ومحمد خيدر، الذين تجاوزوا الأربعين سنة بقليل". ويقصد يونس أنّ 60 سنة من انطلاق ثورة 01 نوفمبر 1954، مع عمر هؤلاء المجاهدين، تعني حاة سياسية تجاوزت القرن، ويحيط حديثه حول فكرة قداسة بان أول نوفمبر، وعدم موافقته على التخلّي عن البيان. (أنظر: كريم يونس، "رهانات ما بعد ثورة نوفمبر،" يومية الخبر، الجزائر، العدد: 7597 (الخميس 30 أكتوبر 2014)، ص. 09.).
[[39]]ــ جميلة. أ، "منتدى المساء" يستضيف العالم الطاقويّ بوزيان مهماه: احذروا المغالطات.. هذا هو الغاز الصخريّ: الفايس بوك والأنترنيت يعقدان أزمة الغاز الصخريّ،" يومية المساء، الجزائر، العدد: 5471، (الأربعاء 21 جانفي 2015)، ص. 06.
[[40]]ــ حميد يس، "عبد الله جاب الله لـ: "لخبر": المعارضة ناصح ومؤطّر فإذا غابت عمّت الفوضى،" يومية الخبر، الجزائر، العدد: 5893، (الأحد 31 جانفي 2010)، ص. 04.
 [[41]]ــ عبد الله جاب الله، نظرات في منهج التغيير بالقوة (الرياض: منشورات العبيكان، 2006)، ص. 60.
[[42]]ــ يدور مقترح شفيق مصباح حول التغيير حول النقاط التالية: إبرام ميثاق وطني ناتج عن تشاور بين قوى المجتمع، انتخاب جمعية تأسيسية واعتماد دستور جديد، لجيش هو الضامن الأساسي للعملية الانتقالية وفق شروط متفق عليها، اختيار رجل توافقيّ لإدارة هذه الخطة "يحضى بشخصية بسيطة لا نزاع حولها لدى الجيش والمخابرات، مثل الجنرال إليامين زروال رجل مقدّس ولديه جاذبية)، مع التشديد على إنهاء العملية الانتقالية بسرعة. وتجدر الإشارة إلى أنّ مصباح العقيد السابق بالمخابرات الجزائرية، يميل إلى توجّه أحمد طالب الإبراهيمي في مشروعه السياسيّ الذي لم يكتب له النور. (أنظر: حبيب الطرابلسي، "حوار مع السوسيولوجيّ الجزائرّ شفيق مصباح،" ليدرز، (18 يوليو 2014).
[[43]]ــ أنظر: التزامات لويزة حنون مرشحة حزب العمال لرئاسيات 2014: الجرأة لتأسيس الجمهورية الثانية، الجزائر: برنامج السيدة لويزة حنون للرئاسيات، الموقع الالكتروني لحزب العمال:
   ≤-;---;-----;---WWW.PT.DZ ≥-;---;-----;--- 
[[44]]ــ أنظر: المادة: 88، دستور 15 نوفمبر 2008، الصادر في الجريدة الرسمية تحت رقم: 63. والمعدّل لدستور 1996، و2002.
[[45]]ــ Ferhat Abbas, L’Indépendance Confisqué (1962 – 1978) (Paris: Flammarion, 1984), p. 117.
[[46]]ــ رابح لونيسي، ربيع جزائري لمواجهة دمار عربيّ.. دراسة استشرافية (الجزائر: دار المعرفة، 2013)، ص - ص. 17 - 23.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس مجلس النواب الأمريكي: هناك تنام لمشاعر معاداة السامية ب


.. الوضع الإنساني في غزة.. تحذيرات من قرب الكارثة وسط استمرار ا




.. الأمم المتحدة تدعو لتحقيق بشأن المقابر الجماعية في غزة وإسرا


.. سكان غزة على حافة المجاعة خصوصاً في منطقتي الشمال والوسط




.. هيئة عائلات الأسرى المحتجزين: نتنياهو يمنع التوصل إلى اتفاق