الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بعد عاصفة الحزم .. ماذا على الدولة السعودية أن تفعل؟

منعم زيدان صويص

2015 / 5 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


رغم الآراء المتعددة حول عاصفة الحزم، وما سببته من قتل ودمار إضافي، وما إذا كان الحوثيون، والإيرانيون الذين دعموهم وسلحوهم، وقوات علي عبد الله صالح، يتحملون كامل المسؤولية عن نتائجها، هناك حقيقة واضحة أن نظام الحكم في السعودية قد اتخذ خطوة غير عادية، لم يكن ليتخذها قبل سنوات أو حتى أشهر قليلة، ولا ندري إن كان الملك عبد الله ابن عبد العزيز سيتخذها لو بقي على قيد الحياة. فمنذ إنشاء المملكة العربية السعودية تبنت منهاجا سياسيا معتدلا، متصالحا مع أنظمة الحكم الأخرى، مع أنه بقي مختلفا عنها، ولم تتدخل المملكة في شؤون غيرها من الدول، حتى أنها كانت متسامحة مع منتقديها في الشرق والغرب، ولم يحاول النظام الدخول في مهاترات مع إعلام الدول التي كانت تحمل على النظام وتنتقده. لقد كان قرار الحملة ضد الحوثيين فجائيا وغير متوقع ولعله، لسبب أو لآخر يخص السعودية، كان مبررا.

تبنت المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها في بدايات القرن العشرين، نظاما ملكيا وراثيا، ولكنه مع ذلك كان ثيوقراطيا، أو حكما دينيا. ولأنها تسيطر على الأراضي المقدسة في الحجاز، كان لها تأثير هائل على مسلمي العالم، ومن هنا كان للوهابية أيضا تأثير قوي، فقد نشأ التحالف بين الأمير محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبد الوهاب في منتصف القرن الثامن عشر الميلادي و تقاسم الوهابيون السلطة مع آل سعود، ومن هنا جاءت الطبيعة الثيوقراطية - الملكية الوراثية للنظام الحالي.

في الحرب العالمية الأولى، قاد الشريف الحسين بن علي في الحجاز ثورة ضد الأتراك العثمانيين بالتعاون مع الحلفاء – بريطانيا وفرنسا وروسيا – هدفها استقلال ونهضة العرب وتقدمهم، ورفع الشريف الحسين، الذي أصبح ملك الحجاز، شعار الوحدة بين الدول العربية، على الأقل في قارة آسيا، ولم يكن هذا الشعار في مصلحة الإنكليز والفرنسيين فأيدوا سيطرة آل سعود على الجزيرة العربية وسهلوا رحيل الحسين بن على وأنجاله من الحجاز، والسبب أن عبد العزيز آل سعود لم يكن له أهداف خارج الجزيرة العربية. ورأى الحلفاء أن الحكم ملائم جدا لأهدافهم، وبذلك اطمأنوا ومهدوا لتقسيم الهلال الخصيب إلى عدة دول خلال اجتماع بين الإنجليزي مارك سايكس والفرنسي فرانسوا بيكو والروسي سيرغي سازانوف فى عام 1916. وكان الاتفاق سريا، ولكن عندما نجحت الثورة البلشفية في روسيا عام 1917، إنسحب الروس وأعلن لينين على الملأ مؤامرة "الإمبرياليين" هذه. وضمن هذا التقسيم وُضعت فلسطين من قبل عصبة الأمم تحت الحماية البريطانية لتسهيل تنفيذ وعد بلفور الذي صدر بعد أقل من سنة على هذا الإتفاق، في 2 تشرين الثاني عام 1917. والحقيقة أنه لو لم يسيطر آل سعود على الحجاز لاستمر الأشراف في حكمها ولتغيير التاريخ الإسلامي الحديث كليا، ولأصبح العالم الإسلامي، منذ ذلك الحين، جزءا فعالا وإيجابيا لا يتجزأ من العالم المعاصر.

استمرار هذا التحالف بين النظام الملكي والنظام الوهابي منح الاستقرار للسعودية، وكان تفجّر النفط في الجزيرة العربية في عام 1938 ثالثة الأثافي لتقوية النظام الجديد واستتباب الأمن والاستقرار، فهناك حكم أوتوقراطي مدعوم بثيوقراطيا يصعب زحزحتها، واقتصاد قوي غير مسبوق في تاريخ شبه جزيرة العرب. لم يحدث عبر التاريخ المكتوب أن استطاعت الجزيرة العربية أن تطعم سكانها وتشبعهم، وهذا سبب الهجرات من الجزيرة إلى الشمال والشرق والغرب الإفريقي، ولم يكن من السهل أن يتكاثر عدد السكان، ففي بداية الخمسينات كان عدد سكان السعودية فقط ثلاثة ملايين، ولكنه الآن يربو على 31 مليونا.

ولكن عجلة التاريخ استمرت بالدوران، وظهرت أشكال من المعارضة الخجولة في السعودية. في البداية كانت المعارضة قومية عربية شبه يسارية، ومن الطريف أن من أهم وجوه هذه المعارضة الأمير طلال بن عبد العزيز، الذي سُمي زعيم " الأمراء الأحرار" والذي لقبه الإعلام الغربي ب "الأمير الأحمر." وكان من أنصار جمال عبد الناصر، وأمضى سنينا عديدة في القاهرة. ونشأ معارضون للحكم في التسعينات من بعض السعوديين شبه المنفيين في لندن، وتبنوا خطّا غريبا عجيبا لأنهم كانوا يعارضون النظام بحجة أنه لا يطبق الشريعة بما فيه الكفاية. أما المعارضة الحقيقية المسلحة فقد ظهرت بعد نزول قوات أمريكية في الجزيرة، ومنها القاعدة، التي أسست لها فرع اسمه "القاعدة في شبه الجزيرة العربية" .والقاعدة، التي ولدت من رحم الوهابية، هي الآن أخطر حركة تواجه المملكة، وكأنّ التحالف الثيوقراطي-الملكي أبا إلا أن يصنع لنفسه وحشا مثل مخلوق فرانكنشتاين.

السعودية الآن دولة شبه عظمى فهي من الدول الاقتصادية العشرين الكبار وزعيمة السنة في العالم الإسلامي، وتحاول أن تنافس إيران، زعيمة المسلمين الشيعة. وبعد عملية عاصفة الحزم، أصبحت لاعبا سياسيا وعسكريا في المنطقة، ومطلوب منها الآن أن تتفاعل مع العالم، فلا المبادئ الوهابية ولا المجتمع الموغل في التحفظ يصلح لهذه الغاية. ما كان يحصل في البلاد اعتُبر قضية سعودية صرفة، ليست من شان العالم الخارجي، وهذا الوضع قد تغير. المبادئ الدينية التي طبقت في السعودية استنسختها بعض الدول الإسلامية، وطبقتها، مع بعض التعديلات والتصرف، وتبنتها القاعدة ومئات المنظمات المتطرفة الأخرى التي تهدد الاستقرار والأمن في العالم العربي وفي السعودية نفسها، ويعلم النظام أن ما تمارسه داعش والنصرة وغيرها، وجزءا كبيرا من مبادئ الإخوان المسلمين، مبني على المبادئ الوهابية.

إن التعامل مع العالم الخارجي يتضمن الأخذ والعطاء، والتعامل العَلماني، والتفاهم المبني على المبادئ الإنسانية المعاصرة. حكام السعودية يعرفون أنهم تحت ضغط شديد من معظم دول العالم لكي يُلغوا بعض الممارسات التي لا تتناسب مع العالم المعاصر وتُبقى المجتمع مشلولا، وهي منتقدة ولا يمكن قبولها أو تفسيرها في عالم اليوم، وعليهم أن يعالجوا الأمر وبالتدريج ويخرجوا من شرنقتهم إلى النور، فهذه الممارسات وسيطرة المشايخ على كل مناحي الحياة لن تساعد المملكة في تبوؤ المكانة التي تستحقها كدولة إقليمية كبرى تحافظ على التراث الإسلامي العريق وتعطي، في نفس الوقت، النموذج الأفضل للدول والشعوب الإسلامية. ولعل التغيير الوزاري الجديد الذي بموجبة تقلد عادل الجبير منصب وزير الخارجية، هو الخطوة الأولي لتحسين صورة المملكة في العالم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هجوم إسرائيل -المحدود- داخل إيران.. هل يأتي مقابل سماح واشنط


.. الرد والرد المضاد.. كيف تلعب إيران وإسرائيل بأعصاب العالم؟ و




.. روايات متضاربة حول مصدر الضربة الإسرائيلية لإيران تتحول لماد


.. بودكاست تك كاست | تسريبات وشائعات المنتجات.. الشركات تجس الن




.. إسرائيل تستهدف إيران…فماذا يوجد في اصفهان؟ | #التاسعة