الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عبدالله العزاوي...والكلمة المتأخرة

يوسف العاني

2015 / 5 / 13
الادب والفن


كانت المسألة بالنسبة لي شيئا خاصا ، أن اسجل حوارا في برنامج للاذاعة .. من أنا ؟ ماذا قدمت للمسرح والسينما ، مالذي اتمناه للفن العراقي .. الى آخره هذه الاسئلة الجاهزة والاجوبة (الحاضرة) .. التي تستطيع ان تقولها بكل بساطة وعفوية ... في برنامج " هويتك الشخصية " .. وفجأة دخل صديق علي مقطب الجبين .. وقال لي :
- هل عرفت ؟
- ماذا؟
- هل عرفت ما جرى لعبدالله العزاوي؟
- لقد فصل من وظيفته .
- لا .. شيء آخر .
- ماذا ؟
- انه يرقد في المستشفى منذ أيام ..
- مريض؟
- لقد بتروا ساقه .. !
- ماذا؟
- بتروا ساقه ..
- لماذا؟
- لا أدري .. سوى ان الاطباء قرروا ذلك حفاظا على حياته .
- وكيف هو الان ؟
- بحالة بائسة .. يرقد في غرفة ضيقة ، انه يعيش مأساة " الفنان " العراقي .
لقد توفر عبدالله العزاوي على فنه وحده ، مارسه باستمرار واصرار ولم تساعده الظروف ليصل الى مركز وظيفي مرموق ، ظل يعمل " كالداينامو" عشرات السنين ، عمل في الاذاعة منذ ان اصبحت في العراق اذاعة . وكان قبل عمله في الاذاعة رائدا من رواد مسرحنا العراقي ، وممثلا طالما رسم الابتسامة على وجوه المشاهدين ، وانتزع الضحكة من قلوبهم .. بكل ثقة وجدارة ، هذا الانسان الفنان يرقد اليوم في المستشفى بلا رعاية ولا اهتمام .. دخل المستشفى بلا ضجة لم يسمع بذلك احد ، فهو قعيد البيت منذ أشهر . بعد ام فصل من وظيفته ، وحرم من عمل كان يربطه من قريب او بعيد بالمسرح الذي تألق عليه عبدالله العزاوي ، قعد في بيته مريضا .. بعيدا عن الناس ولم يكلف زملاءه واصدقائه انفسهم ويسألوا عنه ... يسألوا فقط .. وبلا ضجة ، رقد عبدالله في سرير متواضع باحدى المستشفيات .. ثم .. بترت ساقه انتزعت منه .. الساق التي كانت له " عكازة " حياتية تؤكد وقوفه على خشبة المسرح .. يحركها كيفما يريد ، وربما استعملها كجزء من تعبير عضلي بكل رشاقة ونعومة .. بالرغم من ثقل وزنه .
كان عبدالله العزاوي يصعد السلالم ويهبط .. بساقين صحيحتين .. وهو يحمل على صدره عشرات " الاشرطة " والتمثيليات بعد ان اخرجها :
- عبدالله العزاوي .
وعبدالله العزاوي الانسان الطيب والفنان المرح .. والرجل الذي لم يعرف الكآبة والعبوس ، والذي كان يعيش يومه بلا تعقيد وبلا افتعال ، ويقضي لياليه مع اصدقائه والتي لا تميزها غير ضحكات هؤلاء الاصدقاء ومرحهم ، وابتساماتهم المتحدية ..
عبدالله اليوم لا يستطيع الا البكاء .. انه يدين مجتمعه .. انه يرسم علامة سوداء مؤلمة ومريرة لمصير الفنان العراقي .. ما تدور بمخيلة عبدالله اليوم من ذكريات ؟ انها تتحول فجأة الى حزم من الظلمة واشباح مخيفة تهددنا جميعا .. تهدد كل فنان يعيش بلا ضمان ، وبلا رعاية وبلا تقدير !
المسألة يا ســـادة يا كــــــــرام اعمــــــــــــق من مأساة فنــــان واحـــــــــــدا واشمل مـــــــن مــــــوقف افـــــــــــراد تجــاه هــــــــــــذا الفــنان !
ان من يزور عبدالله العزاوي في المستشفى لا يستطيع الا البكاء المر الصامت .. فعبدالله لا يستطيع ان يفعل شيئا غير التفرس في وجوه زائريه ... يحاول ان يتعرف على هذه الوجوه ! من هي ؟ ماذا تريد ان تقول له ..؟ ماذا تفعل له ؟ وعبدالله يتفرس في الوجوه والغيبوبة تلفه بدوارها .. وكلماته تخرج من قلبه متقطعة اليمة حادة كالسكاكين !
- ليش ..!
يرددها عبدالله وكأنه يديننا جميعا .. لماذا اصبح مقعدا ؟ولماذا لم نحتضنه كلنا ؟ .. الاصدقاء والمسؤولون ..! وان يوضع بمكان يليق به كفنان اعطى الكثير ولم يأخذ الا القليل .. كان يجب ان يعالج بأرقى المستشفيات ، وان توفر له العناية الفائقة ونبذل المستحيل لتعود الحياة الطبيعية اليه ..
ولكن عبدالله اليوم يتساءل :
- "ليش" ..!
عبدالله يرقد في المستشفى وعبدالله اليوم يرسم مأساة الفنان العراقي .. وعبدالله يصرخ في وجوهنا جميعا :
- ليش ..! ليش ..!
ولا نستطيع نحن الا ان نصرخ ايضا .. ونسجل صرختنا بكلمات على الورق .. فهي تعبير عن احساسنا بمأساة عبدالله وامثال عبدالله ، وقد تكون تعبيرا عن مأساتنا جميعا . ان لم يوضع الفنان بمكانه الذي خلق له .. وهو مكان رفيع وعال !
وبعد .. فقد مات عبدالله العزاوي بعد ساعات من كتابة كلمتنا هذه .
لقد مات الفنان عبدالله العزاوي .. وقبل موته بأيام ماتت على فمه ، وفي روحه ، ضحكته الكبيرة – مع الاسف الشديد – رحم الله الفنان عبدالله العزاوي واسكنه واسع جناته .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا