الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صلاح جاهين، شاعر الثورة الناصرية(1930 – 1986)

سليمان جبران

2015 / 5 / 14
الادب والفن


صلاح جاهين، شاعر الثورة الناصرية(1930 – 1986)

أحد الأصدقاء القدامى كتب إليّ رسالة إلكترونيّة عاتبة: تكتب يا رجل عن التونسي ونجم، وتنسى صاحبنا صلاح جاهين ؟ نسيت كيف كنّا ننتظر أغانيه بألحان كمال الطويل، وصوت العندليب الأسمر، في عيد الثورة؟ مالك يا رجل ...
لم أنسَ صلاح جاهين طبعا، وكيف لي أن أنساه وقد نشأنا على أغانيه في عيد الثورة كلّ سنة، في أيّام الشباب البعيدة. لكنّي، كما ذكرت في موضع آخر، لا وقت لديّ لتناول شعراء المحكيّة في مصر. كلّهم على الراس والعين، وما كتبناه عن نجم والتونسي كان عرَضا لا غاية مرسومة سلفا. على كلّ حال، يسرّني ويشرّفني أيضا أن أضيف مقالة أخرى، عن الشاعر، الصحفي، رسّام الكاريكاتير، صلاح جاهين، شاعر ثورة 1952.
صلاح جاهين (1930 – 1986 )، بخلاف أحمد فؤاد نجم وبيرم التونسي، ابن الطبقة الوسطى. صحيح أنّه عاش ومات فنّانا يساريّا، بقلمه وريشته، إلا أنّ والده كان موظّفا كبيرا في القضاء المصري، وأمّه كانت مدرّسة للغة الإنجليزيّة. والتحق هو في مطلع حياته بكلّية الحقوق، وبكليّة الفنون الجميلة، دون أن يتمّ أيّا منها. يبدو أنّه انحاز من البداية إلى الغلابى من حوله في شبرا في القاهرة، حيث وُلد، لا إلى طبقة أبيه وأمّه البرجوازيّة. حتّى خفّة دمه المتميّزة، في شعره وكاريكاتوراته تشي بشعبيّه واضحة لا تخطئها العين.
يمكن بكلمة تعميميّة القول إنّ جاهين كان، حتّى أواسط الستّينات على الأقلّ، شاعر الثورة الناصريّة. فقد حاول بنجاح كبير "نظم" مبادئ الناصرية في أغنيات الثورة التي كان يلحّنها كمال الطويل ويغنّيها عبد الحليم حافظ في عيد ثورة يوايو كلّ سنة. وإذا كانت قتلته خيبة الأمل في حرب 1967، فلأنّه كان مثل الشعب العربي كلّه مؤمنا بالنّاصريّه، وبما كتبه لأمّ كلثوم، عشيّة تلك الحرب، "راجعين بقوّة السلاح" . ذلك أنّ خيبة الأمل تكون عادة على قدّ الأمل.
كنّا ننتظر عيد الثورة المصريّة، من سنة إلى سنة، ليطلّ علينا فيه عبد الحليم حافظ، مطرب ثورة يوليو، بأغنية / ريبورتاج، من كلمات جاهين وألحان كمال الطويل. كيف لنا أن ننسى "صورة"، "يا أهلا بالمعارك"، بستان الإشتراكيّة".. الأغاني تلك التي انتقلت بالأغنية العربيّة من الشعار المغالي إلى ريبوتاج سياسي اجتماعي، جديد على الأسماع بكلماته ولحنه. أيّام حلوة عشناها حالمين ..!
صلاح جاهين حلقة مشعّة في سلسلة الزجل المصري المعاصر. بدأ حياته مثل كثيرين من شعراء المحكيّة بكتابة الشعر العربي الفصيح، لكنّه سرعان ما انتقل إلى الكتابة بالمحكيّة، لغة الناس والحياة، شأنه شأن شعراء الشعب، بيرم التونسي وفؤاد حدّاد وأحمد فؤاد نجم: "قضيت مع فؤاد حدّاد زمنا لا أذكر طوله بالتحديد. ولكنّه كان كافيا لأن تتكوّن فيه نواة ما يسمّى بشعر العاميّة المصريّة. كنّا نقرأ معا أشعار المقاومة الفرنسيّة ويساعدني فؤاد على فهم معاني الكلمات، وكنّا نرفع عقائرنا في الأماكن الخلويّة منشدين شعر العاميّة اللبنانيّة [...] فؤاد حدّاد بالنسبة لي كان لديه زخم وفحولة شعريّة لدرجة أنّه كان يستطيع أن يتدفّق كالشلال إلى ما لا نهاية.. كان يشبه الشعراء الملحميّين، أي شبه هوميروس.. أمّا أنا فقد كان نفسي قصيرا، لذلك كنت ألجأ إلى حيل الصنعة.. أختار أوزانا غير مطروقة".
كان جاهين أصلع الرأس، قصير القامة، سمينا. وإذ سئل ذات مرّة في الإذاعة من هو أهمّ رسّام كاريكاتير، أجاب على الفور: " الحقيقة إني كلّ ما بصيت في المراية عرفت إن ربنا سبحانه وتعالى هو أعظم رسّام كاريكاتير في الدنيا" !
تزوّج جاهين مرّتين، وخلّف بنات وبنين. حتّى زواجه لم يخلُ من الصدق وخفّة الدم. زوجته الأولى كانت زميلة له في الهلال باسم سوسن زكي. اقترنا سنة 1955، وكان وعدها أن يحكي لها إذا أحبّ يوما غيرها. لذا فقد أخبرها، كما تواعدا، أنّه أحبّ السيّدة منى قطّان، فانفصلا بعد زواجهما 12 سنة ! لكنّه عاد بعد ذلك إلى زوجته الأولى هذه، وإن بشكل عير شرعي، وكتب لها "على الورق"، مخلصا لها هذه المرّة حتى يوم وفاته.
كتب جاهين الأغاني الكثيرة، الوطنيّة والعاطفيّة، والأفلام، بل اشترك فيها أيضا. إلا أنّ "رباعيّاته"، في رأينا، هي أهمّ ما خلّف لنا هذا الفنّان المتعدّد المواهب. قرأت رباعيّاته كلّها متأمّلا، فوجدتها لا أقلّ فكرا وعمقا، من "طلاسم" المهجري إيليّا أبو ماضي. الفرق الأساسي أن الطلاسم رومانسيّة خالصة، تتناول الحياة والموت والإنسان بنظرة حائرة متشائمة، بينما تتناول رباعيّات جاهين حياة الناس والطبقات والتركيبة الاجتماعية بأسلوب أخّاذ يمزج فيه الواقعي بالفلسفي. وإذا كان أبو ماضي ينهي كلّ مقطوعة من مطوّلة "الطلاسم" باللازمة "لست أدري"، فجاهين يختم كلّ رباعيّة بتعليقه "عجبي!!"، مؤكّدا نقده وإنكاره لمظاهر كثيرة من هذه الحياة.

مختارات من رباعيّاته [ صلاح جاهين: رباعيّات، القاهرة 1987 ]:
ضريح رخام فيه السعيد اندفنْ
وحفرة فيها شريد من غير كفن
مرّيت عليهم.. قلت يا للعجب
لاتنين ريحتهم فيها نفس العفن
عجبي !!ٍ

يا باب يا مقفول.. إمتى الدخولْ
صبرت ياما واللي يصبر ينول
دقّيت سنين..والردّ يرجع لي مين؟
لو كنت عارف مين أنا.. كنت أقول
عجبي !!

نظرت في الملكوت كتير وانشغلتْ
وبكل كلمة ليه؟ وعشان إيه؟ سألت
أسأل سؤال والردّ يرجع سؤال
واخرج وحيرتي أشدّ ممّا دخلت
عجبي!!

ولدي إليك بدل البالون ميت بالونْ
أنفخ وطرقع فيه على كلّ لون
عساك تشوف بعنيك مصير الرجال
المنفوخين في السترة والبنطلون
عجبي !!

رقبة قزازة قلبي فيها انحشرْ
شربت كاس واتنين وخامس عشر
صاحبت ناس م الخمرة ترجع وحوش
وصاحبت ناس م الخمرة ترجع بشر
عجبي !!

يا اللي بتبحث عن إله تعبدُه
بحث الغريق عن أيّ شيء ينجده
الله جميل وعليم ورحمن رحيم
إحمل صفاته.. وانت راح توجده
عجبي!!


[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي


.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة




.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با


.. شراكة أميركية جزائرية لتعليم اللغة الإنجليزية




.. الناقد طارق الشناوي : تكريم خيري بشارة بمهرجان مالمو -مستحق-