الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تديين المظهر وتسييس الجوهر

هشام حمدي

2015 / 5 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لطالما استخدم الغطاء الديني بشكل عام والإسلامي بشكل خاص، ولطالما حمل هذا الغطاء الأهوال والدمار والقتل للبشر والشجر وحتى الحجر لم يسلم منه، وكم حمل الغطاء الديني الكثير من المفاسد والمفسدين والاستغلال والمنتفعين والقتل والمجرمين.
نبدأ بتفاصيل صغيرة في حياتنا اليومية، عندما تركب تاكسي صغير ويضع السائق شريط أناشيد دينية أو درسا دينيا مذاعا على أمواج الراديو لأحد أشباه الدعاة، تحدث نفسك قائلا: لابد أن هذا السائق يخاف الله وتضيف إنه ابن حلال (ولد الناس زعما). وعندما تؤدي ثمن الرحلة حسب العداد يهب في وجهك ويطلب ضعف العداد، هي ليست حادثة وحيدة ويتيمة بل الأكيد أنها حصلت يقينا مع أغلبكم؛ الأمر مختلف عندما تقصد السوق النموذجية فتجد دكان بائع الفواكه والخضروات وتجده واضعا للوحة تقرأ فيها " وفاكهة مما يتخيرون " لتكتشف بعد دقائق من خلال جولة في السوق أنك دفعت ثمن فاكهة يفوق سعرها الحقيقي، نفس الأمر ينطبق على دكان بائع العصير لوحة كبيرة تثير انتهابك وبها تقرأ " وسقاهم ربهم شرابا طهورا " بانتظار كأس عصيرك المفضل الذي لا تعلم كمية المواد الملونة الغريبة الموجودة والذي لا طعم له سوى الحلاوة المفرطة؛ هناك أيضا الحلاق الذي يريد إقناع زبائنه ببراعته في قص الشعر تجده واضعا كذلك للوحة مكتوب عليها " نحن نقص عليك أحسن القصص "؛ أما العجيب الغريب فهو محامي توجد فوق مكتبه آية منقوشة على الخشب مفادها " ادفع بالتي هي أحسن " عوض وضع آية عن العدل والقسط فتدرك بأن زبناءه لا يدفعون له الأتعاب.
ننتقل إلى المصالح الإدارية والوظائف الحكومية ونعاين بعضهم يضع في مكتبه زرابي صغيرة أو سجادة للصلاة فيما نرى موظف يقتني سبحة وتقول في نفسك الحمد لله ستكون المعاملة هادئة ومن دون إعطاء رشوة، ما تلبث أن تصدم بأن ثمن السبحة أغلى بكثير من عدم وجودها، باختصار يمكن تلخيص ما يحصل في أيام الحرب الظالمة والجائرة على العالم العربي منذ سقوط حائط برلين على مستوى التفاصيل الحياتية، زيادة النفاق والكذب والتجارة باسم الدين.
يصادفك كثرة من يتبرعون بإعطاء الدروس، في البرلمان أو عبر الإعلام بجميع وسائله، بالقيم والأخلاق ومحاربة الفساد بجميع أشكاله والاستبداد بكامل التواءاته وتلويناته وكثيرا ما يستشهدون بآيات قرآنية وأحاديث نبوية ونراهم يحفظون ويتقنون ببراعة فن الإقناع بالكلام حتى تحسب بأنك عثرت على القدوة المثلى، وتفجع بهؤلاء الأشخاص عندما ترى كلامهم لا يتطابق مع أفعالهم أو أنهم يسردون قصص الأنبياء والرسل دون أن يتمثلوا سلوكهم وأخلاقهم متخذين من ألسنتهم تجارة رابحة.
أما على مستوى العالم العربي فقد كان الدين وما زال نقطة ضعف بدل كونه أهم مكامن قوة العرب والمسلمين، والشواهد التاريخية زاخرة التي تبين كيف استغل الغرب الاستعماري حديثه وقديمه الذين من أجل إشعال الفتن المذهبية وإثارة النعرات الطائفية واستغلال واستعمار المنطقة العربية الغنية بتاريخها وثرواتها الطبيعية، من أيام الحملة الفرنسية على مصر سنة 1798 قرر نابليون بونابرت السيطرة على مصر دون إراقة نقطة دم واحدة وأيضا دون إخلال علاقته مع شعبها، وذلك باستغلال تدينهم للعب بعواطفهم وأحاسيسهم لدرجة أن أول منشور خطاب له باللغة العربية قال فيه: " بسم الله الرحمن الرحيم لا إله إلا الله، لا ولد له ولا شريك له في ملكه إنني أعبد الله سبحانه وتعالى وأحترم نبيه والقرآن العظيم" وقد كان يحضر لأعياد المولد النبوي ويلبس القفطان ويضع الجبة وحولها العمامة ويضيف بأن الشعب الفرنسي شعب مسلم وليس مستعمر، لكن الكذبة لم تدم طويلا، وكتب معترفا في مذكراته في آخر أيامه في منفاه بجزيرة السنت هيلينا التابعة للإمبراطورية البريطانية بأن ما قام به مع المصريين كان دجلا وأن هذا الدجل اصطنعه لأنه السبيل للنجاح. لن تصدق ما قرأته لذلك أدعوك عزيزي القارئ لقراءة كتاب يحمل عنوان "مصر من نافذة التاريخ" للمؤرخ الكبير جمال بدوي وخصوصا الفصل المعنون بالشيخ نابليون، في وقتنا الحاضر المشهد لا يختلف فها هي الصهيونية العالمية والغرب الاستعماري تدخل العالم العربي من بوابة داعش وأخواتها في الرضاعة والتي تعتبر امتدادا للقاعدة، ومن ينظر إلى داعش من باب ما تمارسه من قتل للأرواح وجز للرؤوس يرتكب مغالطة كبيرة لأن الموضوع أخطر وأكبر بكثير من مجرد إرهاب تمارسه جماعات إخوة الشياطين والمجرمين بحق العباد والبلاد، الدول الأورو-أمريكية الكبرى غالبا ما تسعى إلى تحويل صراعاتها وأطماعها على أرض الواقع العربي من الماء إلى الماء، وتدخل علينا من بوابة الدين فتارة تريد التدخل لحماية الأقليات وتارة أخرى تريد التدخل لحماية الشعوب من وحوش صنعتها وأفلتتها لتعبث بأسمى الحقوق وهو حق الحياة لتلكم الشعوب.
أخيرا، ولأن الله يصب الأنبياء والناس تشرب الفقهاء، المطلوب العودة إلى الدين من كونه مصدر قوة وحضارة للناس وتمثل سلوك الأنبياء وأخلاق الرسل بدل نقل الأحاديث عنهم.
الإنسانية هي الحل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كلنا
فريد جلَو ( 2015 / 5 / 15 - 22:51 )
كل الشعوب المتخلفه مأسوره ومبتلاة بنفس الامراض

اخر الافلام

.. مزارع يتسلق سور المسجد ليتمايل مع المديح في احتفال مولد شبل


.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت




.. #shorts - Baqarah-53


.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن




.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص