الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نكبة 1948 وتأسيس دولة إسرائيل: صفحات من التاريخ المُر

حسني إبراهيم عبد العظيم

2015 / 5 / 16
القضية الفلسطينية


نكبة 1948 وتأسيس دولة إسرائيل صفحات من التاريخ المُر (1)

سبع وستون عاما مرت على النكبة وضياع فلسطين وتشريد الشعب الفلسطيني واغتصاب أرضه، في هذا المقال نعرض بعض صفحات هذه الكارثة، كما صورتها بعض الصحف ووسائل الإعلام المصرية والدولية.

كان قيام دولة إسرائيل فى 14 مايو 1948 خاتمة للمؤامرة الصهيونية التى سعت منذ البداية إلى إقامة وطن قومى لليهود فى فلسطين، ولم تلبث القوى الخارجية والمؤثرات الدولية والأوضاع المحلية فى المنطقة العربية وفلسطين أن ساهمت فى خلق المناخ المناسب لإعلان دولة إسرائيل على حساب الشعب الفلسطينى.

فقد كان قيام دولة إسرائيل نتيجة مباشرة لقرار الاستعمار البريطانى بالانسحاب من فلسطين، وتحويل الأمر إلى الأمم المتحدة التى أصدرت - تحت ضغط القوتين العظميين آنذاك الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى - القرار181 بتاريخ 29 نوفمبر 1947 بتقسيم فلسطين إلى دولتين: عربية (45%) ودولة يهودية (54%) و (1%) منطقة دولية.

وبالفعل انسحبت بريطانيا من فلسطين فى اليوم الذى حددته مسبقاً فى 14 مايو 1948 وكانت مدينة القدس هى أولى المدن الفلسطينية التى انسحبت منها القوات البريطانية.

ونشرت جريدة الأهرام خبر مغادرة السير (ألان كننجهام) آخر مندوب سامي لبريطانيا فى الأراضي المقدسة، وأذاع البريطانيون فى نفس اليوم من حيفا بياناً جاء فيه: إن أخر قواتهم غادرت القدس فى الوقت نفسه، واضعين بذلك نقطة الختام لثلاثين سنة من الوجود البريطانى فى فلسطين.

وقد احتفل اليهود بنشأة دولتهم الجديدة قبل انتهاء الانتداب البريطانى بثمانى ساعات. وأُقيم الاحتفال فى متحف المدينة حيث تلا (دافيد بن جوريون) رئيس اللجنة التنفيذية للوكالة اليهودية ورئيس وزراء الدولة اليهودية المعلنة حديثاً إعلان الاستقلال على ثلاثمائة شخص.

وجاء فى إعلان الاستقلال ما يأتى: نحن أعضاء المجلس القومى الذى يمثل الشعب اليهودى فى فلسطين والحركة الصهيونية فى العالم، نقرر بناءً على الحق التاريخى للشعب اليهودى، وقرار الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة، إعلان دولة يهودية فى فلسطين، وأشار ميثاق الدولة الجديدة إلى أن اليهود يدعون السكان العرب فى دولة إسرائيل إلى العودة لأعمالهم العادية، ويضمنون لهم المساواة التامة والتمثيل الكامل فى الهيئات والإدارات الحكومية، وعرضوا كذلك السلام على الدول العربية المجاورة، وبعد ذلك أُذيعت أسماء الوزارة اليهودية، وكان أول قرار اتخذته هذه الوزارة هو إلغاء الكتاب البريطانى الأبيض الصادر فى عام 1939 والقيود المفروضة على بيع الأراضى.

وقد بادر الرئيس الأمريكى " ترومان Truman" إلى الاعتراف بهذه الدولة بعد دقائق من إعلان قيامها. (ذكرت بعض المراجع أن الرئيس الأمريكي تلقى رسالة من (وايزمان) في 13 مايو 1948 يعلن له فيها أن حكومة مؤقتة للدولة اليهودية ستقوم غدا في منتصف الليل، كما يطلب منه أن يتوقف عن البحث عن حلول أخرى، وأن يعترف بالدولة اليهودية. وفي نفس اليوم 13 مايو رفعت بريطانيا الحظر عن سفن المهاجرين، وخرجت الباخرة الأولى من قبرص ووصلت حيفا في 14 مايو 1948، وبالفعل ألغي نظام الانتداب في الساعة السادسة يوم 14 مايو، وفي الساعة السادسة ودقيقة أعلن بن جوريون رسميا قيام دولة إسرائيل، وفي الساعة السادسة وإحدى عشرة دقيقة وصل الاعتراف الأمريكي)

كما نقلت أغلب الصحف المصرية هذه الأنباء وتابعت تطورات الموقف بكل تفاصيله، فقد نقلت جريدة أخبار اليوم رد فعل الشعوب العربية عقب إعلان قيام الدولة اليهودية، ونشرت تفاصيل الإعلان والمظاهرات التى حدثت فى البلدان العربية، كما نقلت رد فعل اليهود واحتفالاتهم بميلاد دولتهم فى عمود صغير، ونقلت جو القلق والتوتر الذى ساد المناطق الموجود بها اليهود واجتماعهم فى منازلهم، أو فى جماعات صغيرة فى مناطق متفرقة للاحتفال، بينما أفردت الصفحة الرئيسية لردود أفعال الحكومات العربية.

ونشرت جريدة الأهرام الاعتراف الرسمى بالدولة اليهودية من قبل حكومة جواتيمالا، كما نقلت الجريدة التصريحات التى صدرت عن مصدر وزارى فى أوتاوا بأنه من المحتمل أن تعترف كندا بالدولة اليهودية الجديدة، وفى المقابل صرحت الدوائر السياسية فى لاهاى أن الحكومة الهولندية لن تتخذ قراراً فيما يختص بالاعتراف بالدولة اليهودية الجديدة إلا بعد أن يتضح الموقف فى فلسطين. ولكن سرعان ما تم الاعتراف بهذه الدولة الجديدة من بعض الدول بعد ذلك.

وقد كان لإذاعة الحكومة الأميريكيه نبأ اعترافها بالدولة اليهودية الجديدة صدى ألم واستياء فى مختلف الأوساط العربية، سواء من المصادر الرسمية أو غير الرسمية، نظراً لما ينطوى عليه ذلك الاعتراف من خلق مشكلة دولية جديدة، فقد أفردت صحيفة الأهرام صفحة كاملة فى اليوم التالى لاعتراف الولايات المتحدة بدولة إسرائيل، ونقلت على لسان مراسليها ومندوبيها فى محتلف أنحاء العالم صدى الاعتراف الأمريكى فى مختلف الدول، والذى كان نص هذا الاعتراف كما ذكرته الجريدة: " علمت الحكومة الأمريكية أن دولة يهودية قد أُعلنت فى فلسطين، وأن حكومتها المؤقتة طلبت الاعتراف بهذه الدولة، وأن الولايات المتحدة تعترف بالحكومة المؤقتة وتعدها السلطة الفعلية لدولة إسرائيل الجديدة.
وكان بيان الرئيس " ترومان Truman " عن اعتراف الولايات المتحدة بالدولة اليهودية بمثابة قنبلة أُلقيت فى الجمعية العامة أثناء اجتماعها لأخذ الرأى فى مشروع الوصاية على القدس، فاشتد الهرج والمرج فى الجمعية حين ورد إليها نبأ اعتراف أمريكا بتلك الدولة المزعومة، ولما علم به أندريه جروميكو مندوب الاتحاد السوفيتى من المسيو كارل ليسيكى هز كتفيه وابتسم.

وقد اعترى الوفود العربية الذهول ولم تكد تصدق النبأ، وصعد محمود فوزى بك المنبر وقال"إن استمرارانا فى مناقشة الاقتراح المعروض علينا لمهزلة رخيصة وازدراء لهيئة الأمم المتحدة ". وقال الدكتور جوليرمو مندوب كوبا " لقد أصبحت هيئة الأمم منتدى دولياً لإظهار المقدرة على الخطابة والبلاغة فى القول، ولا ينبغى لأحد أن يرجو من الهيئة خيراً " وقال الدكتور جوزى أرك رئيس الجمعية " لقد بذلنا كل ما فى وسعنا من جهد، والحرية لا تُوهب ، بل لا يظفر بها المرء أحياناً إلا بعد أن يسكب الدمع السخي".

وقد تم التصويت فى الجمعية العامة على مشروع الوصاية فى القدس، فأسفرت النتيجة عن تأييده بأكثرية 19 صوتا مقابل 15 مع امتناع 19 عضواً عن التصويت، ولكن رُفُض المشروع لأنه لم يحز الأغلبية المطلوبة وهى أغلبية الثلثين، فلحق بالوفد الأمريكى صاحب المشروع هزيمة منكرة، ووافقت الجمعية على اقتراح أمريكى معد لتعيين وسيط يتدخل لإقرار السلام فى فلسطين، وأما الوسيط الذى ستختاره الدول الخمس الكبرى فسيخول له أن يتعاون مع لجنة الهدنة التى ألفها مجلس الأمن والسلطات المحلية فى فلسطين لإنهاء القتال بين العرب واليهود. وبالفعل تم اختيار الكونت برنادوت لهذه المهمة يوم 20 مايو 1948 أى بعد الزحف العربى بخمسة أيام.

أما بالنسبة لردود أفعال الصحف الصهيونية التى كانت تنشر فى مصر عقب إعلان الدولة الإسرائيلية فقد استمرت بعض هذه الصحف فى الصدور ونشر أخبار الدولة الإسرائلية، فقد استمرت مجلة الكاتب المصري في الصدور حتى نهاية يونيو 1948 " بعد قيام دولة إسرائيل بشهر ونصف" ثم توقفت بناءً على طلب أصحابها، وكان أخر أعدادها عدد مايو 1948 . ومما يجدر ذكره أن جريدة الكاتب المصرى كانت تلقى بمسئولية الأحداث فى فلسطين على بريطانيا وحدها، كما كانت تتزعم العمل لترويج فكرة التفاهم بين العرب واليهود باعتبارها الحل الأمثل للصراع العربى اليهودى فى فلسطين. كما قامت صحيفة الكليم – لسان حال جمعية الشبان القرائين فى القاهرة وكانت نصف شهرية - بتشجيع هجرة اليهود المصريين إلى فلسطين، كما يلاحظ أنها غيرت سياستها تماما بعد قيام دولة إسرائيل إذا اقتصرت على تناول الموضوعات الدينية ومتابعة نشاطات أبناء الطائفه فقط.

كما نقلت بعض الصحف الأمريكية مثل " The New Republic " خبر إعلان قيام الدولة الإسرائيلية بحرارة، وكتبت فى افتتاحية عددها الصادر فى 24 آيار(مايو) تحت عنوان تحية لإسرائيل تقول فيها "أخذ اليهود على أنفسهم عهوداً فى الأسبوع الماضى، وأوفوا بوعود أنبيائهم، وولدت إسرائيل ثانية، وعادت إلى أسرة الأمم كدولة ذات سيادة فى الوقت المحدد. منتصرة على القياصرة والفهاروة وعلى التعصب الإسلامى والسياسات المتشككة. كما رحبت مجلة "The Nation" أيضا بميلاد الدولة الجديدة من خلال عناوين تقول: "اليهود يصدرون إعلان استقلالهم" وثيقة نبيلة وسلمية، وعبرت على قدرة اليهود الفائقة فى تحقيق الأعمال غير العادية وأضافت أن دولة إسرائيل على عكس روما، قد بُنيت فى يوم واحد، وخلال أربعة وعشرين ساعة بعد انسحاب البريطانيين وأصبح لليهود دولة تعمل بشكل كامل.

ردود أفعال بعض الدول تجاه قيام إسرائيل :-

أما فيما يتعلق بردود فعل المجتمعات الدولية عقب إعلان الولايات المتحدة اعترافها بدولة إسرائيل، فقد ذكرت جريدة الأهرام فى الصفحة التى أفردتها لهذ الموضوع أنها تباينت بين معترض ومؤيد لهذا الإعلان، وكانت هذه الردود كما يلى :-

رد فعل الولايات المتحدة الأمريكية :-

ذكرت مصادر البيت الأبيض لمراسل الأهرام أن اعتراف الرئيس ترومان بدولة إسرائيل بعد مضى بضع دقائق من تلقيه رسالة الوكالة اليهودية لم يكن قراراً مفاجئاً ارتجله الرئيس ترومان، بل يتفق مع سياسته القائمة على تأييد التقسيم، وأدلى المستر روبن السكرتير الصحفى للبيت الأبيض ببيان قال فيه: إن الحكومة البريطانية كانت قد أُبلغت أن البحث يجرى حول مسألة إعلان الدولة اليهودية، وأن الولايات المتحدة تفكر فى الاعتراف بها وأضاف قائلاً: " إننى لا أستطيع أن أحدد الوقت الذى اتخذ فيه الرئيس قراره هذا ولكن اعتقد أنه اتخذ بعد شىء من التفكير.

كما ذكر المستر جورج مارشال وزير الخارجية الأمريكى أن الرئيس الأمريكى قد استشاره فى شأن هذا القرار فوافق عليه موافقة تامة، وقال "وأرى أن ما اقترحه الرئيس ترومان فى يوم 25 مارس من فرض الوصاية على فلسطين يتفق تماما مع العمل الذى اتخذه الآن، فقد كان الرئيس دائما مؤيداً لقرار التقسيم، وقد كان واضحاً فى شهر مارس أنه لا يمكن تنفيذ قرار التقسيم بدون إراقة الدماء؛ ولذلك اقترح فرض الوصاية على أنه إجراء مؤقت لسد الفراغ، ولما لم تتحقق رغبته أصبح أمام الحقائق الواقعة المترتبة على انتهاء الانتداب البريطانى.

ورأى بعض الساسة الأمريكان أن اعتراف ترومان بالدولة اليهودية يرجع أولا إلى اعتبارات داخلية, إذ أراد ترومان أن يستعيد مركز الحزب الديمقراطى فى ولاية نيويورك بعد أن أعرض عنه الجمهور لما عدلت الحكومة عن مشروع التقسيم وأصوات الناخبين فى هذه الولاية لها أهمية كبيرة فى انتخابات الرئاسة.

الرأى البريطانى :-

أكدت السفارة البريطانية فى واشنطن أن ترومان لم يستشر بريطانيا قبل اتخاذ هذا القرار، ويقال إن ترومان سارع إلى الاعتراف بدولة إسرائيل اعتقاداً منه أن روسيا تريد كسب تأييد اليهود فى العالم, بأن تكون أول من يعترف بدولتهم .

ولقد ذكرت الدوائر الرسمية لمراسل الأهرام دهشتها من اعتراف ترومان بالحكومة اليهودية المؤقتة كسلطة واقعية فى فلسطين، ذلك أن الحكومة البريطانية لم تُستشر على الإطلاق , والرأى فى لندن أن اعترافات الرئيس ترومان بالدولة اليهودية يرجع إلى اعتبارات تتصل بالانتخابات دون سواها, ومن المحقق أن بريطانيا لن تعترف بالدولة اليهودية كما فعلت الولايات المتحدة، ولكنها ستنتظر إلى أن ينجلى الموقف لترى على الأخص, إذا كان سيبدو من الدولة اليهودية ما يدل على أنها قادرة أو غير قادرة على تحقيق الالتزامات الدولية الخاصة بها.

رد فعل فرنسا :-

لم تشأ دوائر وزارة الخارجية الفرنسية التعليق على التطورات الأخيرة فى فلسطين، بل التزمت جانب التحفظ حيالها، إلى أن تصل معلومات أوفى، ولكن بما يختص باعتراف أمريكا بالدولة اليهودية، فقد صرح أحد كبار وزارة الخارجية لمراسل الأهرام أن اتخاذ قرار اعتراف فرنسا بالدولة اليهودية من شأن مجلس الوزراء وحده، على أن الوزارة لم تدع حتى الآن إلى تبادل الرأى فى هذا الصدد، وقد دُهشت الدوائر السياسية فى فرنسا من مبادرة الولايات المتحدة إلى الاعتراف بالدولة اليهودية الجديدة، إذ لم يكن أحد يتوقع أن يتم الاعتراف بهذه السرعة, وتتساءل هذه الدوائر هل تبغى الولايات المتحدة من وراء هذا الاعتراف السريع التقرب من اليهود، وحرمان روسيا والدول السلافية ميزة السبق فى الاعتراف بالدولة اليهودية.

رد فعل الدولة الإيطالية :-

ذكرت الدوائر السياسية بإيطاليا أنها لا تفكر فى احتمال الاعتراف رسمياً بالدولة اليهودية، ولا احتمال أى تدخل أو أى سعى منها فى هذا الصدد؛ لأنها اليوم خارجة عن هيئة الأمم المتحدة وعن مجلس القناصل، فموقفها - والحالة هذه - يقتصرعلى التخلص من آلاف اللاجئين اليهود المقيمين ببلادها منذ أواخر الحرب الماضية. وقد ذكر المراسل الصحفى لجريدة الأهرام احتفال الحى اليهودى فى روما بقيام الدولة اليهودية وأنها كانت احتفالات عظيمة.

رد فعل الدولة التركية :-

لقد أحدث اعتراف الولايات المتحدة بالدولة اليهودية تأثيراً عظيماً فى الأوساط السياسية فى تركيا، وتتساءل هذه الأوساط عن السبب الذى حمل الرئيس ترومان على اتخاذ هذا القرار الفجائى بعد التخلى عن مشروع التقسيم، وهى ترى أن أمريكا أرادت بقرارها هذا أن تسبق حكومة السوفيات إليه ، فزادت بذلك الحالة تعقداً.

كما ذكرت أيضا صحيفة المصرى فى هذا الصدد بخصوص رأى الدولة التركية من الاعتراف الأمريكى أن سياسة تركيا لن يطرأ عليها أى تبدل، وستكون أخر دولة تعترف بقيام دولة يهودية فى فلسطين. ونقل أيضا مراسل جريدة المصرى إصرار المتطوعين الأتراك على السفر إلى فلسطين فى الحال.

آراء ممثلى العرب فى هيئة الأمم المتحدة : -

كما اتصل مراسل الأهرام بمندوبى الدول العربية يسألهم عن أراءهم فى تصريح ترومان فقال الأستاذ فارس الخورى إن فى هذا التصريح احتقارا لهيئة الأمم، اذ أدلى به وهى تناقش المشروع الأمريكى الخاص بالهدنة.

وقال محمود فوزى بك ممثل مصر فى هيئة الأمم المتحدة " ليس لدى ما أضيفه إلى ما قلت فى الجمعية العامة، ولكنى أستطيع أن أؤكد أننا اذا آمنا بأنفسنا، ومضينا قدما نحو غايتنا، وانتهزنا الفرصة المواتية لنا فلن يكون لنا إلا النصر" وقال السيد جمال الحسينى: " إن تصريح ترومان أكبر خدعة عمد إليها ترومان منذ انتهاء الحرب".

كما نقلت جريدة الأهرام أيضا صورة الشارع الأمريكى، وخاصة الأحياء اليهودية، فقد ابتهج اليهود لاعتراف أمريكا بالدولة الجديدة، وأرسل زعماء المؤتمر اليهودى إلى الرئيس ترومان يشكرونه على الخطوة التى خطتها أمريكا اذ عترفت بالدولة اليهودية، ويقولون له "إن المؤتمر اليهودى الأمريكى - وهو الهيئة التى تضم اليهود الأمريكيين - ليشكركم أبلغ الشكر لما أسبغتموه على أمريكا من شرف، وعلى بنى إسرائيل من سعادة إذ اعترفتم بدولة إسرائيل". وأرسل عمدة نيويورك إلى بن جوريون يهنئه بالدولةالجديدة قائلا: أهنئك بحكومة إسرائيل الجديدة الحرة، وعسى أن يكون فى قيامها تتويج لنضالكم الطويل.

ومن ناحية أخرى قام المجلس اليهودى الأمريكى بإصدار بيان استنكر فيه الدولة اليهودية الجديدة، واستهجن ما زعمته الوكالة اليهودية من أن تلك الدولة أنشئت بتأييد من الشعب اليهودى وموافقته، وقد جاء فى هذا البيان أن الشعب اليهودى لايمكن أن يجمع فى آن واحد ديناً عالمياً وأمة عالمية، فنحن فى أمريكا نتمتع بالجنسية الأمريكية وإن كانت اليهودية ديننا فلا وطن لنا إلا أمريكا، والمعروف عن هذا المجلس أنه لم يوافق على قرار التقسـيم وأنه عـارض هذه الفكرة منذ بداية نشأتها.

ولم يقتصر الوضع عند هذا الحد، بل سارعت أغلب الصحف العربية عامة والمصرية بوجه خاص بنقل نبض الشارع العربى عقب إعلان دولة إسرائيل، فقد نشرت صحيفة المصرى التظاهرات الجماهيرية فى البلدان العربية ومصر ورد فعل الشعوب العربية على إعلان دولة إسرائيل واعتراف بعض الدول العظمى بها، وما يمكن أن يعقب ذلك من آثار، وخاصة بعد اعتراف بعض الدول المؤثرة فى مجريات الأحداث مثل الاتحاد السوفيتى، وكان ذلك فى 17 مايو 1948، ووجهت جريدة المصرى هجوما شديداً على الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى لاعترافهما بهذه الدولة المغتصبة، وقامت بنقل ردود الأفعال الخاصة ببعض الدول العربية، فنقلت استياء الشعب العراقى ووقع إعلان دولة إسرائيل عليه من ألم وغضب، وعرضت أراء بعض المسئولين فى الحكومة العراقية مثل رأى السيد جلال بابان وزير المواصلات ونائب وزير الدفاع فى هذا الشأن فقال "إن اعتراف الولايات المتحدة بهذه الدولة الوهمية سيثبت أن حكومة واشنطن استبقت الحوادث كثيرا". كما عرضت الجريدة رأى سماحة السيد الصدر رئيس الوزراء بهيئة الوصاية على العرش فى القصر الملكى، وعقد مجلس الوزراء اجتماعا كان الغرض منه النظر فيما يترتب على اعتراف أمريكا بالدولة اليهودية، كما نقلت بيان الملك عبدالله الذى أعلن فيه أنه بانتهاء الانتداب البريطانى "لم يعد لتصريح بلفور وجود" ثم قال وقد رفض العرب كلا من التقسيم والوصاية، ولذلك يعلنون أنه لا أساس لما تطالب به الطائفة اليهودية فى فلسطين من استقلال، ونحن نعلن أن لعرب فلسطين الحق فى أن يقرروا مصيرهم ويوطدوا السلم فى ربوع بلادهم، كما رصدت الجريدة أراء الجاليات العربية فى الدول الأوروربية وأمريكا،ونقلت ماحل بهم من ألم إثر سماعهم خبر إعلان دولة إسرائيل.

وفيما يتعلق بموقف صحيفة مصر الفتاة فقد اتسم بدرجه عالية من الثورة ضد الحكومات العربية، فقد حملتها الصحيفة الجزء الأكبر من مسئولية ماحدث لفلسطين، كما طالبت بالكفاح المسلح لتحرير فلسطين واستنكرت ماحدث من الولايات المتحدة الأمريكية ووصفته بالتصرف غير المسؤول.

وهكذا فقد شكلت إرادة الشعوب التى عبرت عنها التظاهرات الجماهيرية فى الشوارع قوة لايمكن تجاهلها، وما من حكومة عربية تستطيع البقاء طويلاً فى سدة الحكم مالم تبادر إلى تلبية مطلب شعبها بضرورة القيام بعمل ما لإنقاذ عرب فلسطين، وخاصة بعد الوقائع الحقيقية التى نشرت عن دير ياسين وطرد العرب من البلاد والقرى بأعداد كبيرة، كان كل ذلك كافيا لثورة الشعوب العربية ضد هذا الكيان المعتدى على الأراضى العربية.

وفى تلك الأثناء لم يشكك معظم الناس فى العالم العربى بما قاله وزير الداخلية اللبنانى آنذاك كميل شمعون من أن إقامة دولة يهودية فى فلسطين لا يعدو كونه مجرد توطئة لإنشاء دولة يهودية فى سوريا ولبنان وشرقى الأردن، وأدرك العالم العربى بأن الصهيونية تختلف عن النوع المألوف من الاستعمار والذى مارسته الدول الغربية الإمبريالية، الذين كانوا يتوقون لاحتلال البلدان من أجل أسباب اقتصادية او عسكرية على حد قول شمعون، ولكنهم لا يغتصبون بيوت الناس ومنازلهم كما فعل الصهيونيون، لقد أقنع طرد اشقائهم الفلسطينيين كثيراً من الناس فى العالم العربى بأن الصهيونية أشد خطورة بكثير من الاستعمار البريطانى أو الفرنسى، وهو استعمار لم يتدخل إلا قليلا فى جوهر الحياة اليومية للشعوب الواقعة تحت نير حكمه. لقد رزحت كل من مصر وسوريا ولبنان والأردن والعراق تحت النفوذ الاستعمارى، ولكن حكامها الاستعماريين لم يبادروا أبدا إلى طرد السكان من أجل توطين مئات الآلاف من الأوروبيين مكانهم، وإذا كان الصهيونيون قد نجحوا فى فلسطين فكم سيطول الوقت بهم قبل اجتياحهم البلدان العربية الأخرى وغزوها؟ فقد كان هذا السؤال الذى يتوارد على ذهن كل عربى عقب إعلان دولة إسرائيل وانتصارهم فى الجولة الأولى بطرد هذ العدد الهائل من سكان البلاد الأصليين وإقامة دولتهم ضاربين بكل المواثيق عرض الحائط، وعدم اكتفائهم بماحققته هذه الدولة على حساب السكان الأصليين، بل شرعت بكافة الوسائل المتاحة لها فى دفع الدول العربية إلى الحرب.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) اعتمدنا في كتابة هذا المقال بشكل كلي على المرجع التالي:
ولاء محمد طاهر عبد السلام، القضية الفلسطينية في الصحافة المصرية (1948 – 1977) رسالة ماجستير غير منشورة، قسم التاريخ، كلية الآداب، جامعة بني سويف، جمهورية مصر العربية، 2013.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اضطرابات في الإمارات لليوم الثالث بسبب سوء الأحوال الجوية


.. -الرد على الرد-.. ماذا تجهز إسرائيل لطهران؟| #الظهيرة




.. بوتين..هل يراقب أم يساهم في صياغة مسارات التصعيد بين إسرائيل


.. سرايا القدس: رشقات صاروخية استهدفت المدن المحتلة ومستوطنات غ




.. أصوات من غزة| ظروف مأساوية يعيشها النازحون في العراء بقطاع غ